|
الطاغوت. قصه قصيره
بعد حصولي علي الثانوية العامه لم تراودني فكرة الإلتحاق بكلية الشرطه , لم أكن مولعاً بالسلطه , كان بيني وبينها حاجز من الأفكار والمبادئ , ولكنهم جميعا أرادو أن يكون في عائلتنا ضابطاً يمنحنا العزة والجاه وييسر لنا التميز في الحقوق والمزايا علي سائر خلق الله , لم تقنعني الأسرة بالفكره لكنهم أفلحو في الدفع بي دفعا للقبول بها , كنت أتأرجح بينهم وبين صديقي الأستاذ علي عبدالمقصود الذي كان يحذرني من مغبة الإلتحاق بكلية الشرطه ,وكان قد قال لي يوما بعد صلاة الظهر ستصبح طاغوتا إن أصبحت شرطيا , لم أفهم ساعتها ماذا تعني كلمة طاغوت وسألته عن معناها إلا أنه كان مشغولا يومها ووعدني بشرح معني الطاغوت في جلسة خاصه ,إضطررت تحت ضغط الأسره للإنتحاء جانبا عن الأستاذ علي مُفسحا لهم الطريق إلي إقناعي حتي قبلت الفكره , ثم ألقيت علي كاهلهم مهمة البحث عن محسوبية تؤهلني للقبول في كلية الشرطه كما كانت عليه الأوضاع في تلك الأيام الغابره .
كان الأهل من بسطاء الفلاحين , لا حيلة لهم في الوصول إلي الحكام وولاة الأمر , مرت أيام وهم يتداولون الأمر , لم يجدو من طريقة غير الذهاب إلي عضو مجلس الشعب عن دائرتنا وطلب مساعدته للتوسط في إلحاقي بكلية الشرطه.
إصطحبني أبي وعمي بعد صلاة العصر إلي مدينة كفرالشيخ , توجهنا إلي مكتب النائب الموقر , كان المكتب شقة في الطابق الثاني وكان الباب مفتوحا , إستقبلنا رجل طويل القامه تغلب عليه ملامح المخبرين وله شوارب سميكه , عابس لا يفارق العبوس وجهه , عرفه عمي بنفسه وبوالدي وأخبره أننا نود مقابلة حضرة النائب .
إنتظرنا في صالة المكتب حتي خرج رجل مفرط في السمنه من غرفة يتوسط بابها صالة الشقه , بعدها دخل الرجل طويل القامه إلي هذه الغرفه ثم خرج بعد دقيقة ليدعونا إلي الدخول لمقابلة حضرة النائب.
فاجأني حضرة النائب بمظهره الذي خالف كل توقعاتي , كنت أتوقعه رجلا حسن الهندام , براقا ولامعا كما يبدو الساسة علي شاشات التلفاز , وكنت أظن أن مكتبه سيكون مليئا بالكتب والمراجع , ولا أدري لماذا توقعت أن أري خريطة القطر المصري مُعلقة علي الحائط تحت علم البلاد , لم يكن هناك شئ من هذا القبيل , وشممت رائحة نتنه وأنا أتبع والدي وعمي إلي غرفة المكتب , كان النائب يجلس علي مقعد حافي القدمين , ولعل ذلك قد فسر لي رائحة غرفته الكريهه و التي لم تكن مكتبا بل دائرة من المقاعد تتوسطها منضدة عليها مطفأة سجائر مليئة بالأعقاب .
تولي والدي مهمة الحديث وعرفه بنفسه وبعمي وأخبره عن الأمر وطلب مني الوقوف تأدبا في حضرة سيادة النائب الذي سألهم في التو لماذا لم تصوتو لي في الإنتخابات ؟؟ تلعثم والدي ولم يجد إجابة مناسبه , فتدخل عمي وتعهد بالتصويت له مدي الحياه , وأضاف والدي أن عائلتنا لم تصوت لغيره في الإنتخابات الماضيه لأن أحدا في قريتنا لم يصوت , وأنه قد حصل علي كل أصوات القريه بالتسويد .
تجاهل النائب والدي ولم تعجبه إجابته , وتوجه بالحديث إلي عمي وقال له إذن أنتم تتعهدون بالتصويت لي في الإنتخابات القادمه إذا ساعدتكم ؟؟ , في تلك اللحظه دخل الرجل طويل القامه يحمل صينية عليها ثلاثة أكواب من الشاي الساخن , أمره النائب أن يأخذنا إلي الحمام لنتوضأ ونقسم علي المصحف!!!
نظر بعضنا إلي بعضنا الأخر وبدا أن والدي لم يكن يتوقع ما طلبه النائب منه وعقدت الدهشه لسان عمي وأحسست بالمهانه , ولكن الرجل لم يمهلهم بل طلب منهم الخروج معه , ونظر النائب إليهما نظرة أخيره أجبرتهم علي الوقوف والسير وراء الرجل إلي الحمام دون أن يشربو الشاي , بينما وقفت في مكاني أتبادل مع سيادة النائب نظرات كان يتجنب معظمها حتي ضاق بي ذرعا وطلب مني اللحاق بهم , خرجت من الغرفه ووجدت طريقي إلي الحمام حيث كان والدي قد إنتهي من الوضوء , والرجل يشاهد عمي وهو يتوضأ في صمت حتي إنتهي , أمرني الرجل بالوضوء وعندما تلكأت في تنفيذ الأمر نهرني بشده فأجبته أن سيادة النائب لم يطلب مني القسم علي المصحف, فذهب إليه وعاد ليخبرني بأنه يجب أن أفعل مثلهم ففعلت وأقسمنا جميعا علي المصحف أن ننتخب سيادة النائب مدي الحياه .
أخذنا الرجل من غرفة القسم إلي الخارج وودعنا عند باب الشقه ومشينا إلي الشارع لا ننطق بكلمه , حتي نبهت والدي إلي أنه لم يخبر النائب بإسمي, وأن النائب لم يٍسأله عن إسمي , فكيف له ان يتوسط لي في كلية الشرطه؟؟
غضب والدي غضبا شديدا وعاد بنا إلي مكتب النائب واستقبلنا الرجل طويل القامه مرة أخري , بادره والدي بأنه يريد من سيادة النائب أن يقسم لنا أنه سيدخلني كلية الشرطه كما أقسمنا له أننا سوف ننتخبه , وأخبره أنه لم يسألنا عن إسمي فكيف له أن يتوسط لي ؟؟
طلب الرجل من والدي أن يهدأ وأن يستبشر خيرا , قال له إنه من غير اللائق أن يطلب من سيادة النائب أن يُقسم له لأن سيادة النائب من علية القوم وأن كلماتهم عهد وميثاق ووعودهم قسم , وأعطاني ورقة وقلما وطلب مني أن أكتب إسمي بالكامل وأقسم لوالدي أنه سيعطي الورقه لسيادة النائب وأعتذر عن عدم إمكانية دخولنا لمقابلة سيادة النائب مرة أخري لأنه مشغول.
تقدمت بأوراقي إلي كلية الشرطه ورسبت في إمتحان الهيئه ولم ألتحق بكلية الشرطه , ولم ينسي الأستاذ علي عبد المقصود وعده لي بشرح معني كلمة طاغوت وجاء ليشرح لي المعني , فقلت له لا ضرورة للشرح , لقد قابلت الطاغوت وجها لوجه وعرفت ماذا تعني كلمة طاغوت , ومرت السنوات تلو السنوات ومازال والدي يذهب في كل إنتخاب ليدلي بصوته لنفس النائب الذي يكرهه ويمقته , وفي كل مرة يلومني أنني لا أوفي بالقسم !!!
أحمد خفاجي
|
|
الطاغوت../ قصه منقولة
رد مع اقتباس
المفضلات