زنازين العزل للأسرى الفلسطينيين في المعتقلات الصهيونية


العزل هو احتجاز الأسير أو مجموعة من الأسرى في زنازين أو أقسام بعيداً عن زملائهم المعتقلين، فهو عزل اجتماعي بحيث يعيش الأسير وحده أو وسط عدد محدود جداً من الأسرى بدلاً من العيش بعدد كبير داخل السجون، وهو عزل اعتقالي يحول دون مساهمة المعزول بأي حركة أو نشاط أو تفاعل مع المعتقلين في السجن، وتقليص حركة وحرية الأسير من خلال حصره في زنزانة صغيرة وإبعاده عن أي تطورات تحدث داخل السجون أو في الخارج،والعزل أيضاً هو عقاب للأسير المعزول حيث تطبق عليه شروط حياة قاسية تختلف عن شروط الحياة في بقية السجون. رغم أن سياسة العزل هي سياسة قديمة تطبقها إدارة السجون على الأسرى منذ عام 1967 إلا أنها أخذت أشكالاً أكثر خطورة بعد اتفاقيات أوسلو حيث شهدت السنوات التي أعقبت الاتفاق تصاعداً في إجراء سياسة العزل التي انتهجتها إدارة السجون اتجاه الأسرى تحت ذرائع وحجج أمنية وأخذت طابعاً جديداً أكثر خطورة على حياة وصحة الأسير من السياسة التي سبقت أوسلو. ويمكن وصف السياسة الإسرائيلية بعزل الأسرى بعد اتفاقيات أوسلو بما يلي:-


1. عدم وجود سقف زمني محدد لعزل الأسير، ولا يقدم الأسير لأي جهة قضائية تبت في مسألة عزله، ويتحكم في وجود جهاز الأمن في إدارة السجون، وقد قضى بعض الأسرى أربع سنوات في العزل دون أن يعرفوا متى ستنتهي هذه العقوبة كحالة الأسير محمود محاجنة، وكذلك حالة الأسير أحمد حسين شكري، وجدير بالذكر أن سياسة العزل الفردي لمدة طويلة تزيد عن العام لم تشهدها السجون في الفترة التي سبقت أوسلو.


وقد قدم المعتقلون أكثر من مرة طلبات لمديرية السجون لتحديد مدة العزل ولكنها رفضت ذلك مما دفع المعتقلين في عزل بئر السبع للإضراب عن الطعام في حزيران 1998، واستمر مدة ستة أيام ولكن الإضراب لم يسفر عن نتائج ملموسة في إنهاء سياسة العزل وكذلك دخلوا إضراباً مفتوحاً عن الطعام في 15/7/1998 واستمر تسعة أيام والإنجاز الوحيد الذي حققوه هو موافقة إدارة السجن على تقييد أيديهم من الأمام بدلاً من الخلف وقد بلغ عدد الحالات التي تم عزلها بشكل فرد ي ولفترات مختلفة حتى نهاية عام 1998 ، 63 حالة.


2. قسوة وعدم ملائمة أقسام العزل للمعايير الإنسانية والقانونية حيث شكى الأسرى المعزولون من سوء المكان المحتجزين فيه ووصفوه بالقبر، من حيث عدم وجود شبابيك للتهوية بسبب إغلاقها بالصفيح واقتصار مدة الخروج لساحة النزهة(الفورة) على ساعة بدل أربع ساعات في اليوم وتدهور وضع الطعام ووصف الأسير عبد الرحمن غنيمات المعزول في سجن عسقلان ظروف عزله بقوله بأن الزنزانة التي يعيش فيها تبلغ مساحتها 1.70r1.95سم ولا يوجد فيها سوى شباك مساحته 50r50سم ومغلقة بشبك وقضبان ولا مجال فيها للحركة ولا لأداء الصلاة.


3. تقييد أيدي الأسرى المعزولين من الخلف أثناء خروجهم إلى ساحة النزهة(الفورة) وتقييد القدمين واليدين عند الخروج من الزنزانة إلى زيارة الأهل أو الى العيادة للعلاج وتبقى القيود في اليدين والقدمين حتى أثناء فحص الطبيب للأسير. وتمنع إدارة السجن من إدخال مواد التنظيف ودواء الرش الحشرات المنتشرة بكثافة بالزنازين.


4. يرافق عملية عزل الأسير سلسلة من العقوبات الإضافية كالحرمان من الزيارة، ومن استلام الكنتين(*) ،حيث فرضت إدارة سجن بئر السبع في منتصف عام 1998 عقوبة منع الزيارة مدة أربع شهور،و عدم شراء المواد الغذائية(الكنتين) مدة ست شهور على ثماني أسرى معزولين (**) والذين كان قد مضى على عزلهم مدة عام .


(*)المواد الغذائية التي يسمح للأسير بشرائها على حسابه الخاص من إدارة السجن.


(**) الأسرى المعزولون هم محمود طقاطقة، عثمان سعيد، ماجد أبو قطيش،عبد الهادي غنيم، علي المسلماني، محمود دعيس،محمود عطون، موسى العكاري.


واعتبر الأسرى أن هذه الإجراءات تشكل عقوبة مضاعفة على عقوبتهم المتمثلة بالعزل مشيرين أنهم جرى تعديل على قانون مصلحة السجون من خلال منح مدير مصلحة السجون العامة الصلاحية بمنع الاسير من الزيارة وعزلة لمدة ثلاثة شهور ومن صلاحياتة تمديدها، أي أن قرار العزل لم يعد بيد جهات عليا بل أًصبح بإمكان إدارة السجون ممارستها بحق الأسرى .


ورفض الأسرى المعزولون التوقيع على كتاب يفيد بأنهم أبلغوا القرار الجديد حول الزيارات وينص الكتاب على أن من صلاحية مدير مصلحة السجون منع الزيارة وعزل الأسير في حالة الاشتباه أو حتى الشك بأن السجين يعرض "أمن الدولة" والجمهور للخطر وهو تعديل في بند رقم 132 من قانون الزيارات.


5. يتواجد الأسرى المعزولون في أقسام مشتركة مع السجناء الجنائيين اليهود من أصحاب الأعمال الخطيرة، مما يعرض حياتهم للخطر وخاصة أنه اكتشف حالة تسمم متعمدة فقي الطعام قام بها السجناء اليهود من خلال وضع طعام فاسد في ثلاجة القسم التي تستخدم بشك مشترك بين الأسرى السياسيين والسجناء الجنائيين في قسم العزل في سجن بئر السبع.ويخشى الأسرى من حالات اعتداء يتعرضون لها على يد السجناء الجنائيين كما حصل في قسم العزل بسجن الرملة حيث تم الاعتداء بالسكين من قبل سجينِ يهودي على الأسير سلطان العجلوني.


6. تتبع إدارة السجون شكلاً آخر من العزل وهو العزل الجماعي والذي يأتي كعقوبة لمجموعة من المعتقلين من جانب وكعقوبة للسجن الذي نقلوا منه من جانب آخر، إذ تقوم
إدارة السجون بحملة تنقلات لتوزيع المعتقلين على السجون المختلفة مما يخلق حالة من عدم استقرار، إضافة إلى عقوبة لأهالي الأسرى المعزولون وخاصة أن العزل يكون أحياناً بعزل الأسير في سجن بعيد عن مكان سكن أهله من الأمثلة على هذه السياسة ما قامت به إدارة السجون يوم 11/11/ 1997. بعزل عشرين أسيراً من سجن النفحة في قسم العزل في الرملة " نيتسان". على إثر الاحتجاجات التي قام بها الأسرى في السجن ضد عملية التفتيشات الاستفزازية والمهينة لغرف وأقسام المعتقلين.


وكانت أكبر خطوة شاملة في العزل الجماعي يوم 9/7/1998. عندما قامت إدارة السجن بنقل 70 أسيراً من سجن "شطة" على إثر اكتشاف محاولة للهرب ووضعتهم في قسم معزول في سجن "نفحة" وفرضت عليهم عقاباً بمنع الزيارة مدة ستة شهور وعدم شراء المواد الغذائية(الكنتين) مدة أربع شهور.


ورافق عملية العزل الاعتداء على الأسرى بالضرب وقبضات الأيدي والبصاطير والهروات ومصادر كافة أغراض الأسرى وملابسهم الشخصية.


ويمكننا الاستنتاج بأن سياسة العزل التي تفرضها إدارة السجون بحق الأسرى لم تتوقف بل استخدمت كأقصى أنواع العقاب اتجاه الأسير وعائلته وأصبحت إجراءات العزل من أكثر إجراءات خطورة على الأسرى بعد اتفاقيات أوسلو بسبب ما يتركه العزل من آثار صحية ونفسية على حياة الأسير وهذا ما أوضحه الأسرى المعزولون في رسالتهم إلى مجلس الأمن الدولي حيث شرحوا فيها الظروف القاسية التي يواجهونها في زنازين العزل والتي لا تليق بحياة البشر وقد تحولت زنازين العزل إلى مقبرة للأحياء ومسلخ تمارس فيه شتى أصناف التعذيب والقهر كما وصفها الأسرى المعزولون في سجن الجلمة.

المصدر : الملتقى المقدسي