بسم الله الرحمن الرحيم
الفرصة
طريق الإيمان المخضرم
الحلقة الرابعة
الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا محمد وأله وصحبه وسلم تسليما كثيرا
الفرصة الثالثة: إجعل لك خبيئة من عمل صالح!- الجزء الأول -
كلنا نعمل فريضة ونفلاً ,جهراً وسراً, ولا يعلم المرء منا أتقبل الله منه ما عمل أم لفَُ عمله كالثوب الخلق فيضرب بها وجهه, ولنتأمل قوله تعالى " قل هل أنبئكم بالأخسرين أعمالا. الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعاً. أولئك الذين كفروا بأيات ربهم ولقاءه فلا نقيم لهم يوم القيامة وزناً " –سورة الكهف 103-105 ,قال أبو سعيد الخدري : يأتي أناس بأعمال يوم القيامة هي عندهم في العظم كجبال تهامة ، فإذا وزنوها لم تزن شيئا ، فذلك قوله تعالى"فلا نقيم لهم يوم القيامة وزنا " وهو معنى حديث النبي صلى الله عليه وسلم عن ثوبان رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنهقال : لأعلمن أقواما منأمتي يأتون يوم القيامة بأعمال أمثالجبال تهامةبيضاءفيجعلها اللههباء منثورا, ولقد سألت عائشة رضي الله عنها فقالت: يا رسول الله:{والذين يؤتون ما ءاتوا وقلوبهم وجلة أنهم إلى ربهم راجعون} يا رسول الله هو الذي يسرق، ويزني، ويشرب الخمر، وهو يخاف الله ؟ قال:(( لا ، يا ابنة الصديق، ولكنهم الذين يصلون، ويصومون، ويتصدقون، وهم يخافون ألا يقبل منهم {أولئك يسارعون في الخيرات})) رواه أحمد والترمذي.قال مالك بن دينار رحمه الله : الخوف على العمل أن لا يقبل أشد من العمل!
إذن!
فلا نغتر بكثرة أعمالنا فقد يخالطها الرياء أو النقص أو الإبتداع أو الإشراك أو حب الدنيا ومديح الناس فلا يقبل منها شيء!ولذا يقول الله سبحانه وتعالى" وبدا لهم من الله ما لم يكونوا يحتسبون!
أيها الإخوة والأخبة والأخوات الفاضلات : لقد تبدلت الايام وإشتدت الفتن وكثر النفاق والرياء وتقلب القلوب وخالط النيات ما خالطها , ورب عامل منا بنية خير مخلصة لله سبحانه لا يلبث شيطانه به حتى يدخل في نيته ما يفسدها فبات المرء حيرانا لا يدري أعمل لله أم ليقال ويقال! والله سبحانه وتعالى أغنى الشركاء عن الشرك , من أشرك معه في عمل غيره تركه وشركه, فعن أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعاً قال الله تعالى: "أنا أغنى الشركاء عن الشرك من عمل عملاً أشرك معي فيه غيري تركته وشركه"(رواه مسلم , وفي رواية لأحمد وابن ماجه بإسناد صحيح أنه قال: " فأنا منه بريء وهو للذي أشرك".
وعن أبي سعيد مرفوعاً: " ألا أخبركم بما هو أخوف عليكم عندي من المسيح الدجال؟ قالوا: بلى. قال: الشرك الخفي يقوم الرجل فيصلي فيزين صلاته لما يرى من نظر رجل"- رواه أحمد بإسناد حسن.
قال سفيان الثوري: بلغني أن العبد يعمل العمل سراً فلا يزال به الشيطان حتى يغلبه فيكتب في العلانية ثم لا يزال الشيطان به حتى يحب أن يحمد عليه، فينسخ من العلانية فيثبت في الرياء.
وكيف يقبل إذاك منا عمل والله سبحانه وتعالى يقول: (فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا) [الكهف:110] ويقول سبحانه عزوجل(وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ) [البيِّنة:5]
*وقال أبو سليمان: إن لإبليس شيطاناً لا يزال بابن آدم ليخبر بعملٍ قد عمله سراً منذ عشرين سنة ليظهره فيربح عليه ما بين أجر السر والعلانية.
ولذا كانت فرصتنا اليوم فرصة نادرة قيمة هامة خفيفة الجهد , ثقيلة الوزن , هي الأضمن للقبول عند الله ! ولنتذكر قول أحد السلف رحمهم الله:" لو علمت أن الله تقبل مني ركعتين ما كان غائب عني أحب إليّ من الموت لأن الله سبحانه وتعالى يقول :" إنما يتقبل الله من المحسنين"!
إن مسافات الدنيا تقطع بسير الأقدام ومسافات الأخرة الى الله سبحانه تقطع بالأعمال والنيات فكيف السبيل الى القبول!
دعونا نتأمل !
أولاً :في قول الله تعالى :{إن تبدوا الصدقات فنعما هي وإن تخفوها وتؤتوها الفقراء فهو خير لكم ويكفر عنكم من سيئاتكم}.وفي قوله تعالى :" إدعوا ربكم تضرعاً وخفية" وقوله تعالى" إذ نادى ربه نداء خفياً" وفي حديث السبعة الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله وذكر منهم"و رجل ذكر الله خالياً ففاضت عيناه" و" رجل لا تعلم شماله ما تنفق يمينه" و" رجل دعته إمرأة ذات منصب وجمال فقال إني أخاف الله" وكلها أعمل تقع في الخفاء لا في العلن! ولما سئل صلى الله عليه وسلم عن الأعمال التي تقرب من الجنة وتباعد من النار قال: "وصلاة الرجل في جوف الليل ثم قرأ: {تتجافى جنوبهم عن المضاجع يدعون ربهم خوفاً وطمعاً ومما رزقناهم ينفقون} رواه أحمد وأبو داود.
إذن ما هي فرصتنا التي نتحث عنها اليوم ؟
إنها الخبيئة وسرها الدفين !
عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : " عجب ربنا من رجلين رجل ثار عن وطائه ولحافه من بين حبه وأهله إلى صلاته فيقول الله لملائكته : انظروا إلى عبدي ثار عن فراشه ووطائه من بين حبه وأهله إلى صلاته رغبة فيما عندي وشفقا مما عندي ورجل غزا في سبيل الله فانهزم مع أصحابه فعلم ما عليه في الانهزام وما له في الرجوع فرجع حتى هريق دمه فيقول الله لملائكته : انظروا إلى عبدي رجع رغبة فيما عندي وشفقا مما عندي حتى هريق دمه " . أخرجه ابن حبان (643و644) ، والبيهقي «السنن» (9/164) ، وابن أبي شيبة في «المصنف(5/313 ـ 314) وأحمد (1/416) وقد نَصحَنَا النبي- صلى الله عليه وسلم - بالخبيئة صالحة؛ فقال: " من استطاع منكم أن يكون له خبء من عمل صالح فليفعل"- رواه أحمد في الزهد وحسنه الألباني- يقول الزبير بن العوام رضي الله عنه قال: " اجعلوا لكم خبيئة من العمل الصالح كما أن لكم خبيئة من العمل السيئ".أي خبئ عملاً من أعمالك الصالحة لا يعلمن به أحد إلا الله حتى تلقاه فيجزاك به فإنك لا تدري أقبل ظاهر عملك المعلن أم رفض!
لقد حث السلف رضوان الله عليهم على الخبيئة وكانت أفعالهم في هذا تؤيد أقوالهم ولقد كان الصالحون يعجبهم أن يكون للرجل خبيئةٌ من عمل صالح بينه وبين ربه لا يعلمها أحد من صدقة في السر , أو نصيحة لمقصر , أو كفالة يتيم , أو أرملة ومسكين , أو قيام في الأسحار , وصيام في النهار . ودعاء واستغفار .روى الفلاس، عن الخريبي، قال: كانوا يستحبون أن يكون للرجل خبيئة من عمل صالح لا تعلم به زوجته ولا غيرها . . تذكرة الحفاظ " 1 / 338. .
قال سفيان بن عيينة. قال أبو حازم: (اكتم حسناتك أشد مما تكتم سيئاتك) ( السير6/96) وقال أيوب السختياني: (لأن يستر الرجل الزهد خير له من أن يظهره)( السير6/15) , وعن محمد بن زياد قال: (رأيت أبا أمامة أتى على رجل في المسجد وهو ساجد يبكي في سجوده، ويدعو ربه، فقال له أبو أمامة: أنت أنت لو كان هذا في بيتك)( السير 3/359). قال أيوب السختياني: (والله ما صدق عبد إلا سرَّه ألا يُشعر بمكانه)( السير6/15).وقال الحارث المحاسبي: (الصادق هو الذي لا يبالي لو خرج كل قدر له في قلوب الخلق من أجل صلاح قلبه،ولا يحب اطلاع الناس على مثاقيل الذر من حسن عمله)( ( السير12/110). وقال بشر بن الحارث: (لا أعلم رجلاً أحب أن يُعرف إلا ذهب دينه وافتضح)( السير10/469).
وقال بشر"لا يجد حلاوة الآخرة رجل يحب أن يعرفه الناس"وقال أيضًا" لا تعمل لتُذكَر، اكتُم الحسنة كما تكتم السيئة).وعنه أيضًا" ليس أحد يحب الدنيا إلا لم يحب الموت، ومن زهد فيها أحب لقاء مولاه).وقال إبراهيم بن أدهم" ما اتقى الله من أحب الشهرة"( السير 7/387).
إن سر الخبيئة هو الإخلاص في النية , يقول ابن المبارك رحمه اللهقال: (رُبَّ عملٍ صغيرٍ تعظِّمهُ النيَّةُ، وربَّ عمل كبيرٍ تُصَغِّره النيَّةُ)"جامع العلوم والحكم"، وقال الفضيلُ بنُ عياضٍ رحمه الله: (إنَّما يريدُ الله-عز وجل- منكَ نيَّتَك وإرادتكَ)"المصدر السابق"، وعن بعض السَّلَف قال: (مَنْ سرَّهأن يَكْمُلَ له عملُه، فليُحسِن نيَّته، فإنَّ الله-عز وجل- يأجُرُ العَبْدَ إذاحَسُنَت نيَّتُه حتى باللُّقمة- "المصدر السابق"ولو تأملنا في عظم أجر قيام الليل على سبيل المثال وتأملنا قول الحسن البصري رحمه الله لما سئل عن المتهجدين لما كانوا أحسن الناس وجوهاً قال: لأنهم خلوا بالرحمن فألبسهم نوراً من نوره! لأدركنا هذا السر وتأمل يرحمك الله ما نقل عن الفضيل بن عياض إذ رؤي في المنام بعد موته فقالوا له ما فعل الله بك؟ قال غفر الله ذنبي, قالوا بماذا؟ قال والله لم تنفعنا إلا ركعات كنا نركعها في جوف الليل أخلصنا فيها النية لله فرحمنا الله بها!
وفي حديث الغار الذي رواه عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا- قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَاللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: (انْطَلَقَثَلَاثَةُ رَهْطٍ مِمَّنْ كَانَ قَبْلَكُمْ حَتَّى أَوَوْا الْمَبِيتَ إِلَى غَارٍفَدَخَلُوهُ فَانْحَدَرَتْ صَخْرَةٌ مِنْ الْجَبَلِ فَسَدَّتْ عَلَيْهِمْ الْغَارَفَقَالُوا إِنَّهُ لَا يُنْجِيكُمْ مِنْ هَذِهِ الصَّخْرَةِ إِلَّا أَنْ تَدْعُوااللَّهَ بِصَالِحِ أَعْمَالِكُم " – رواه البخاري ومسلم فلم يفرج عنهم إلا بصالح أعمالهم الخفية الصحيحة النية."
هذا الصديق رضي الله عنه وهو خليفة المسلمين كان إذا تعالى النهار خرج خُفية إلى بيت في أطراف المدينة يفعل يوم، فتبعه عمر رضي الله عنه، فإذا امرأة عجوز، وإذا الصديق رضي الله عنه يقم بيتها، ويحلب شاتها، ويقضي حوائجها، فبكى عمر، وقال: لقد أتعبت الخلفاء بعدك يا أبا بكر.
* وهذا سيد التابعين من أهل البيت عليٌ زين العابدين كان أهله يظنون أنه يجمع الدراهم، وإنما كان ينفق سراً؛ قال شيبة بن نعامة: لما مات علي وجدوه يعول مئة أهل بيت. وكان علي بن الحسين يحمل الخبز بالليل على ظهره يتبع به المساكين في الظلمة،ويقول"إن الصدقة في سواد الليل تطفئ غضب الرب)( - رواه أبو نعيم في الحلية 3/135 وذكره الذهبي في السير4/393)وقال بعضهم: ما فقدنا صدقة السر حتى توفي علي بن الحسين. ولما مات وجاء المغسل ليغسله رأى آثار سواد في ظهره فسأل أهله فقالوا: كان يحمل جرب الدقيق بالليل على ظهره يطوف بها على مساكين أهل المدينة.
*وكان بشر بن الحارث يقول: الصدقة أفضل من الحج والعمرة والجهاد؛ ثم قال: ذاك يركب ويرجع ويراه الناس، وهذا يعطي سراً لا يراه إلا الله عز وجل.
*وهذا أيوب السختياني كان يحيي الليل كله يخفي ذلك، فإذا كان عند الصبح رفع صوته كأنه قام تلك الساعة. وقال بسطام بن حريث: كان أيوب يرق، فيستدمع، فيحب أن يخفي ذلك على أصحابه، فيمسك على أنفه كأنه رجل مزكوم، فإذا خشي أن تغلبه عبرتُه قام. وذكر الحسن البصري:" إن كان الرجل ليجلس المجلس فتجيئه عبرته، فيردها، فإذا خشي أن تسبقه قام ، قلت: لئلا يظن أنه يرائي بالبكاء"( السير 4/563).
*قال أبو بكر المروزي: كنت مع الإمام أحمد نحواً من أربعة أشهر لا يدع قيام الليل، ولا قراءة النهار، فما علمت بختمة ختمها كان يسر ذلك كله.
*وقال محمد بن واسع: لقد أدركت رجالاً ، كان الرجل يكون رأسه ورأس امرأته على وساد واحد؛ قد بلّ ما تحت خده من دموعه؛ لا تشعر به امرأته ولقد أدركت رجالاً يقوم أحدهم في الصف فتسيل دموعه على خده ولا يشعر به الذي إلى جنبه".وقال مغيرة:" كان لشريح بيت يخلو فيه يوم الجمعة، لا يدري الناس ما يصنع فيه"(( السير4/100).
وقال عبد الرحمن بن مهدي:" قلت لابن المبارك: إبراهيم بن أدهم ممن سمع؟ قال: قد سمع من الناس، وله فضل في نفسه، صاحب سرائر، وما رأيته يظهر تسبيحاً ولا شيئاً من الخير"(( السير 7/387).
*إن إخفاء العمل الصالح رجاء الإخلاص مما يقود صاحبه إلى الدرجات العلى والنعيم المقيم؛ ففي الأثر: إن من خيار أمتي فيما نبأني الملأ الأعلى في الدرجات العلى قوماً يضحكون جهراً من سعة رحمة ربهم، ويبكون سراً خوفاً من شدة عذاب ربهم عز وجل، يذكرون ربهم في الغداة والعشي، عليهم من الله تعالى شهود حاضرة، وأعين حافظة، أقدامهم في الأرض، وقلوبهم في السماء.
*وقال كعب الأحبار: قال موسى عليه السلام: يا رب ما جزاء من ذكرك بلسانه وقلبه سراً ؟ قال: أجعله في كنفي، وأظله بظل عرشي.
* قال ابن المبارك: ما رأيت أحداً ـ يعني من العلماء ـ ارتفع مثل مالك، ليس له كثير صلاة ولا صيام؛ إلا أن تكون له سريرة من عمل صالح.
* وهذا الإمام أحمد بن حنبل يقول عن إبن المبارك رحمه الله : ما رفعه الله إلا بخبيئة كانت له، ما أخرجت خراسان مثل ابن المبارك. وفيه يقول عبدة بن سليمان: كنا في سرية في بلاد الروم، وكان رجل من العدو لا يدع مبارزاً للمسلمين إلا قتله، فخرج إليه رجل من المسلمين فطارده ساعة فطعنه فقتله، فازدحم إليه الناس، فنظرت فإذا هو عبد الله بن المبارك، وإذا هو يكتم وجهه بكمه، فأخذت بطرف كمه فمددته، فإذا هو هو، فقال: وأنت يا أبا عمرو ممن يشنع علينا ـ أي ممن يفضح أعمالنا !.
* قال سفيان الثوري: قال أخبرتني سُرِّيَّةُ الربيع بن خثيم قالت: كان عمل الربيع كله سراً إن كان ليجئ الرجل وقد نشر المصحف فيغطيه بثوبه. وكان يقول: كل ما لا يبتغى به وجه الله تعالى يضمحل.
*وأقام عمرو بن قيس الملائي عشرين سنة صائماً ما يعلم به أهله، يأخذ غداءه ويغدو إلى الحانوت فيتصدق بغدائه ويصوم وأهله لا يدرون. وكان يقول: إذا بلغك شيء من الخير فاعمل به ولو مرة تكن من أهله.
*وهذا عبد الله بن عون كان يصوم يوماً ويفطر يوماً حتى مات، وكان إن وصل إنساناً بشيء وصله سراً، وإن صنع شيئاً صنعه سراً؛ يكره أن يَطَّلِع عليه أحد، وكان له سُبْعٌ يقرؤه كل ليلة فإذا لم يقرأه بالليل أتمه بالنهار.
*وامرأة حسان بن أبي سنان رحمه الله،تقول: (كان يجيء فيدخلمعي في فراشي قالت ثم يخادعني كما تخادع المرأة صبيها فإذا علم أني قد نمت سلّ نفسهفخرج ثم يقوم فيصلي قالت: فقلت له: يا أبا عبد الله كم تعذب نفسك!! ارفقْ بنفسك،فقال: اسكتي ويحك، فيوشك أن أرقد رقدة لا أقوم منهازماناً)"حلية الأولياء".
ولنختم هذا الجزء من فرصتنا لهذه الحلقة " الخبيئة" بهذه القصة العجيبة ,قال وهب بن منبه: لبث رجل عابد سبعة أيام لم يرزق شيئا،فقالت امرأته:-لو خرجت فطلبت لنا شيئا ؟فخرج العابد فوقف مع العمال، فاستؤجر العمال، وصرف الله عن العابد الرزق، ولم يستأجره أحد فقال:- والله لأعملن اليوم مع ربي.فجاء إلى ساحل البحر فاغتسل،ولم يزل راكعا وساجدا حتى أمسى . وأتى أهله فقالت امرأته:- ما صنعت اليوم ؟قال العابد:-عملت مع أستاذي، وقد وعدني أن يعطيني.ثم غدا إلى السوق فوقف العمال فاستؤجر،وصرف الله عنه الرزق،ولم يستأجره أحد فقال-لأعملن اليوم مع ربي.فجاء إلى ساحل البحر فاغتسل،ولم يزل راكعا ساجدا حتى إذا أمسى أقبل على أهله فقالت امرأته :- ماصنعت؟قال العابد:- إن أستاذي قد وعدني أن يجمع لي أجرتي.فخاصمته امرأته وبرزت عليه، ولبث يتقلب ظهراً لبطن، وبطنا لظهر،وصبيانه يتضاغون جوعا، ثم غداإلى السوق، فاستؤجر العمال وصرف الله عنه الرزق ولم يستأجره أحد فقال :- والله لأعملن اليوم مع ربي:فجاء إلى ساحل البحر فاغتسل ، ولم يزل راكعا ساجداحتى إذا أمسى قال :-أين أمضي ؟ و أنا قد تركت العيال يتضاغون جوعاً ثم تحامل على جهد منه، حتى إذا قرب من باب داره سمع ضحكا وسرورا،وشم رائحة قديد وشواء،فأخذ على بصره وقال : - أنا نائم أم يقظان ؟ تركت أقواما يتضاغون جوعا، وأشم رائحة قديد وشواء،وأسمع ضحكا وسرورا؟ ثم دنا من باب داره فطرق الباب ،فخرجت امرأة حاسرة ، قد حسرت عن ذراعيها وهي تضحك في وجهه، ثم قالت :-قد جاءنا رسول أستاذك فأتانا بدنانير وكسوة و ودق - الدهن - ودقيق ،وقال: إذا جاء فلان فأقرئيه السلام وقولي له :إن أستاذك يقول لك: قد رأيت عملك و قد رضيته ،فإن زدتني في العمل زدتك في الأجر. ابن الجوزي : المنتظم 1/179.
إلى الملتقى في الجزء الثاني من فرصة الخبيئة استودعكم الله بالصلاة على حبيبه ورسوله محمد وعلى أله وصحبه وسلم
المفضلات