التقاطع الإنساني بين رضا حوحو و محمود تيمور

ملتقى رضا حوحو: نحو الارتقاء بالرواية الجزائرية إلى مستواها العالمي و تأسيس مدرسة رائدة لها

أجمع أكاديميون جزائريون أن الرواية الجزائرية بحاجة إلى قراءة تلائم النص و من داخل المطبخ الإبداعي كما يقال، داعين إلى تأسيس مدرسة رائدة في الرواية الجزائرية

أصبحت الرواية تمثل ظاهرة لها دلالتها في الأدب العربي و تحولت إلى وعاء أدبي جذاب، يقال من خلاله المفكر ما يريد أن يصل إليه دون الاصطدام بحواجز الفكر الآخر، و هي كفن مراوغ تساعد الكاتب إلى البوح و الغوص في أعماق الذات ، و شروط الكتابة الروائية لها علاقة بالبيئة الإجتماعية و الثقافية و السياسية في المجتمع الذي يكتب فيه الكاتب، و رغم وجود أسماء روائية بارزة في الجزائر ( كاتب ياسين، رضا حوحو، أحلام مستغانمي، واسيني للأعرج، الطاهر و طار، مولود فرعون..)، غير أن الرواية الجزائرية لم تزدهر بعد، لأنه كما يقول الروائيون لا يمكن أن تزدهر الرواية إلا في مجتمع مفتوح متعدد متسامح تزدهر فيها مؤسسات و تشكيلات المجتمع المدني .
و ربما هو ما حدث مع رواية أحلام مستغانمي " ذاكرة الجسد" لأنه ضيق عليها عندما اصطدمت ببعض الثوابت منعت تناولها بالشكل المطلوب في المسلسل الذي عرض مؤخرا، رغم التداول الذي شهدته في جانبها الورقي، كما تقوم الرواية في النظرة السردية على وعي فردي مهدد و مضاد لكل رؤية جماعية ، و الرواية الجزائرية وضعت الكثير من الروائيين و منهم رضا حوحو و الطاهر وطار ، كاتب ياسين ومولود فرعون في الصف الأول.
فكان على مديرية الثقافة لولاية قسنطينة أن تسلط الضوء على تأخر الرواية الجزائرية أو تراجعها مقدمة في ذلك الروائي رضا حوحو نموذجا، و الوقوف على أشكال المقارنة بين الرواية الجزائرية و الرواية العربية ككل، و كشف اللثام و النقاط الغامضة في الإبداع المحتفى به و الأشكال السردية عنده، و ما هي أشكال البيئة التي ولدت فيها رواية كل منهم مثلما هو الشأن لروايات محمود تيمور و غيره.

التقاطع الإنساني بين كتابات رضا حوحو و محمود تيمور

كيف نحكم على أعمال رضا حوحو و كيف نقارنه مع الجيل الحديث من الروائيين سؤال طرحه الدكتور السعيد بوطاجين من جامعة خنشلة و هو يبحث عن ثنائية المُقِيس و المَقِيس طارحا إشكالية تطبيق آراء نقدية على نصوص رضا حوحو أو غيره و تطبيقها على نصوص ذات مرجعية مثل ألف ليلة و ليلة أو حتى القرآن؟، و في هذا يرى بوطاجين أن طغيان الوظيفة التنسيقية في تركيب الجمل القصيرة في تقديمه الشخصيات يعتمد رضا حوحو حسب بوطاجين على السرد التسجيلي البطء للغاية ، ميزة أخرى ذكرها السعيد بوطاجين هي أن رضا حوحو لا يميز بين الوصف كوصف، و بين الأحداث حتى لو كانت جزئية، و بين التراكم الحدثي الذي يبرز طبيعة الحركة، و هذا يختلف عن بعض القصص القصيرة في الوطن العربي، أين نجد ما يصطلح عليه بـ: " المستويات السردية" مثلما هو موجود عند محمود تيمور، و حسب المحاضر فإن رضا حوحو له مستوى سرد واحد و نصوصه جاءت على إيقاع واحد، أي أنه لا يقوم بالاستبدال ما جعل نصوصه متطابقة ، و مثل هذه المسائل تجعل دارس الرواية يعجز عن تصنيف رضا حوحو الذي وصفه بالكاتب" الكلاسيكي " ..
و من وجهة نظر الدكتور السعيد بوطاجين فإن الأكاديميين المشتغلين في فن الرواية لم يصلوا بعد إلى تحديد دقيق و أكاديمي للطريقة التي يكتب بها رضا حوحو، و بالعودة إلى كتاباته، يرى بوطاجين أن رضا حوحو كان يعتمد في أشكال السردية على شيء من البلاغة و المصطلحات التي استطاع الغربيون توليدها، و لا حظ أن السمة الغالبة في كتابات رضا حوحو هو تأسيسه على السرد " التمثيلي" الذي يبقى فيه الحوار على حساب المقطوعات السردية، و ربما مع مجموعة قصصه حمار الحكيم يعثر القارئ على كثير من التجربة القصصية عند الروائي محمود تيمور، كما أن هناك تقاطع إنساني بين رضا حوحو و هذا الأخير الذي اعتمد على الطريقة "البدئية"بكل سلبياتها و إيجابياتها و هي الميزة التي تميز رضا حوحو عن بعض الروائيين الجزائريين..

رمزية توظيف الحمار في الآداب الإنسانية
و مدلولها الفكري

ويقف إلى جانب السعيد بوطاجين الدكتور باديس فوغالي الذي أتحف الجمهور الحاضر بقصص الحمار الحكيم لرضا حوحو و مقارنتها بقصص توفيق الحكيم، و هي سرد تاريخي لنشأة القصة الرمزية، أراد المحاضر أن يوضح أن القصة الرمزية ولدت وانطلقت من الجزائر بداية من القرن الثاني للميلاد من خلال حمار أبوليس الذي ولد ز نشأ في مدينة مداوروش ضواحي سوق أهراس إلى أن وصلت إلى حما الحكيم لرضا حوحو مرورا بتوفيق الحكيم ، و تعاملوا مع الحمار بعدما ألصقت بع تهمة الغباء و اللاتجاوب مع كل حركة، مشيرا إلى أن المسألة مجرد عملية مسخ أي التحول و هي حسبه فكرة عقائدية قديمة..
الفكرة يقول باديس فوغالي جاءت في رؤية جمالية تعالج مشكلات المظاهر السلبية المتفشية في المجتمع و هي نفس المظاهر التي وقف عليها أبوليس، حيث نقل كل واحد منهم صورة واقعية للمجتمع الذي تأثر بالحضارة الأوروبية و لهذا جاء حمار الحكيم للوقوف على الطبقات المهمشة و المسكوت عنها في المجتمع العربي ، يؤكد الدكتور باديس فوغالي أن فكرة توظيف رمزية الحمار في الآداب الإنسانية لم تأت من فراغ من أجل السخرية، وإنما هي تحمل مدلولا رمزيا فكريا فلسفيا و جماليا، حيث تظهر آثاره مع مرور الزمن.

البعد الاجتماعي و الأخلاقي في رواية "غادة أم القرى"
رضا حوحو حارب "الطرقيين" بالكلمة و القلم
ارتبطت كتابات رضا حوحو بالظروف الإجتماعية الموضوعية التي عاش فيها الكاتب و أمدّته في اللاشعور، و كتابات رضا حوحو تناولت البعد الاجتماعي و ألأخلاقي للمجتمع الجزائري و درجات التغيير التي تطرأ على القيم و العلاقات الإجتماعية السائدة ، لاسيما روايته ( غادة أم القرى) التي رسم فيها صورة للمرأة السلبية و هو ينسج خيوط قصة من الحب جمعت بين فتاة اسمها زكية و ابن خالتها جميل صادق و مستوى تطور الوعي عند أهل الفتاة الذين رفضوا تزويج ابنتهم للشاب الذي أحبته من أجل المال..
و هي رواية حاول فيها رض ا حوحو أن يقدم الإجابة عن المظاهر السلبية و غياب إمكانية التخاطب و الاتصال للمرأة الجزائرية في مجتمع و بيئة متحجرة تحرم كل شيء على المرأة، و جعلت الفتاة تنفجر عن أعماق ألأنثى المكبوتة داخلها، و تمرض الفتاة و يأخذها أهلها إلى السحرة و المشعوذين لعلاجها ، و هو مظهر آخر عالجه رضا حوحو في روايته التي تعتبر بُعْدًا تنويريا و ثقافية على المجتمع حسب الدكتور عبد الرحمن زايد قيوش من جامعة عنابة في المحاضرة التي ألقاها بعنوان " البعد الاجتماعي و الأخلاقي في قصص أحمد رضا حوحو" خلال الملتقى الوطني الأول حول كتابات رضا حوحو المنظم بقسنطينة، عرض فيها صورة المجتمع الجزائرية و سيطرة "الطرقيين" عليه، و كيف واجه رضا حوحو هذه الطائفة..
و ربما انتماؤه إلى جمعية العلماء المسلمين جعله يتأثر بالعلامة عبد الحميد ابن باديس الذي كان من أكبر المحاربين للطرق الصوفية التي بنت فكرها و طقوسها على السحر و الشعوذة، كما ركز المحاضر على بعض الملامح التي تركت بصماتها من خلال مسيرة هذا الرجل صاحب القامة ألأدبية، واصفا إياه بالناقد الاجتماعي و المفكر المُجَدّد و من رواد الكلمة الحرة، و أن له فكر طليعي و رؤية استشرافية تجاوز بها محيطه المجتمعي الضيق في الحجاز و الجزائر، و كتاباته تؤكد على انه محب للسلام و ذو نزعة إنسانية، استطاع رضا حوحو فيها أن يستخدم شكلا فنيا تتقاطع فيه خصائص مذاهب أدبية أبرزها " الواقعية " بتجلياتها المختلفة.
الدكتور عبد الرحم زايد قيوش في مداخلته أبدى تحفظا كبيرا في كثير من المعلومات التي تخص الروائي رضا حوحو في المسألة المتعلقة بمحاربته للطرقيين و السحر و الشعوذة و لم يشر إذا ما كان رضا حوحو قد دخل مع هذه الطائفة في مواجهات أو تلقى تهديدا منها و هو الذي ركز في مقالاته التي كتبها و التي تتعدى الخمسين مقالة في جريدة "الشعلة" حول المظاهر السلبية للمتفشية في المجتمع الجزائري بسبب تفشي الفكر الطرقي مثلما تعرضت لابن باديس و هددته بالقتل أو ما يصطلح عليه باسم " الإزاحية"


أدباء و روائيون : لولا رضا حوحو لما دخلت
الترجمة إلى السعودية

يشهد روائيون و أدباء سعوديين أن أحمد رضا حوحو كان من الطراز البارع في مجال التحقيق و الترجمة، و لولاه لما دخلت الترجمة إلى السعودية، و من هؤلاء ذكر المحاضر منصور (إبراهيم الحاسني، بكري شيخ أمين، محمد رداوي..) و يعتبرونه من رواد القصة القصيرة و من رواد الترجمة كذلك ، و اعترف له بهذا اللواء السعودي أحمد أبو الدهماء فقد كانت لرضا حوحو منذ أن وطأت قدماه المملكة العربية السعودية اتصالات بأدباء و شعراء و روائيين ، كتب في مجلة " المنهل" السعودية عدة مقالات، و كانت له فيها تحقيقات و ترجمات حول الإستشراق، و طرح العديد من الإشكاليات و عالج الكثير من المسائل ، و لكن صاحب المجلة عبد القدوس الأنصاري أمر بتوقيفه عن الكتابة ، فكتب له رضا حوحو خطابا يعبر له فيه عن أسفه لغلق الصحافة الحجازية عن نشر أبحاثه و مقالاته، و هي الدافع القوي التي جعلت رضا حوحو يفكر في العودة إلى الوطن.
ما يمكن استنتاجه أو ملاحظته هو أن الأكاديميون تحفظوا عن الفجوات التي تخللت كتابات رضا حوحو و الطاهر وطار، و ربما هذا ما فشل فيه النقاد لأنهم لم يفهموا العالم الذي يعيش فيه الروائي و الحالة التي يكون عليها حين يكتب روايته، و لم يدخلوا عبر أعمالهم إلى منطقتهم الصوفية الحساسة و قالب العوالم السريالية، كما يبدو من مداخلات المحاضرين أن بعض الروائييين الجزائريين أمثال رضا حوحو و الطاهر وطار و كذا مولود معمري، كاتب ياسين أنهم لم ينصفهم أحد من أبناء وطنهم، و بخاصة النخبة المثقفة التي تحولت إلى شريحة بيروقراطية و نفعية و لم تتعاط في التأثير العميق التي تركته التجربة الروائية الجزائرية، و ربما لأن هذه الشريحة كما قال الدكتور السعيد بوطاجين ليست مؤهلة لاستقبال النقد ، و قد أشار في رده خلال النقاش على أسئلة المتدخلين أن هناك سياقات أدبية تستدعي بعض التحفظ، لأن هناك نقدا قد يظلم الشاعر أن الروائي أو القاص ، و لهذا يرى السعيد بوطاجين أنه من الضروري التعامل مع هذه المناهج بذكاء و إحداث التوافق بينهما، أما المشكل كما يراه واسيني لعرج فهو يكمن في النظريات و المصطلح في رأي هذا الأخير له دور قوي في بناء منظومة فكرية و التعامل معه أيضا كمرجع، و هو ما اجمع عليه الأكاديميون.

علجية عيش