بيان لجنة الدفاع عن البراق الشريف إلى المؤتمر الإسلامي المعقود في القدس سنة 1928م

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيد المرسلين وعلى آله وأصحابه والتابعين له بإحسان إلى يوم الدين.

وبعد فلما كان المسجد الأقصى المبارك في بيت المقدس هو عند المسلمين عامة من أعظم بيوت الله التي أذن أن ترفع ويذكر فيها اسمه.

بيت الله الذي ولي الرسول الأعظم صلى الله عليه وسلم والمسلمون حيناً وجوههم شطره. بيت الله الذي أسرى سبحانه بنبيه محمد صلى الله عليه وسلم. إليه وبارك حوله. بيت الله الذي قرنه صلى الله عليه وسلم بالبيت الحرام وبمسجده النبوي في شد الرحال إليه. بيت الله الذي جاءت الشريعة الإسلامية الغراء بجليل قدره وعظيم فضله، فهو بذلك أولى القبلتين وثالث المسجدين الذي كان الإسراء إليه والمعراج منه فـ "سبحان الذي أسرى بعيده ليلاً من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله لنريه من آياتنا أنه هو السميع البصير".

لما كان ذلك وكنا نحن أهل البلاد المقدسة قد أقامنا الله حراس هذا البيت وسدنته فإننا نرى من واجبنا أن نتقدم لإخواننا المسلمين عامة في مشارق الأرض ومغاربها ببيان ما أصبح يحيق بهذا المسجد من الخطر من جراء مطامع اليهود في انتزاعه من أيدي المسلمين لا سمح الله تلك المطامع التي ظهرت جلية بما يحاولونه الآن من الاعتداء عليه وتثبيت حقوق لهم فيه وحوله وبما يبذلونه من المساعي بمختلف الوسائل للتأثير على الحكومة البريطانية والحكومات الأخرى وعلى عصبة الأمم لتأييد فكرتهم وتحقيق مطامعهم والله ولي هذا البيت وحارسه وهو نعم المولى ونعم الوكيل.

جدار المسجد الأقصى الغربي :

يحيط بالمسجد الأقصى من جهاته الأربع سور الحرم الشريف وهو سور عظيم منيع عني المسلمون به وبما حوله في مختلف العصور لما له من التأثير في المحافظة على هذا المسجد المبارك فأنشئوا فوقه المدارس والزوايا وحبسوا ما حوله من الخارج أوقافاً حتى أصبح محاطاً حينئذ داخلاً وخارجاً بألوف المتعلمين والعابدين وفي الناحية من القسم الغربي من هذا السور مكان له قيمة عظمى عند المسلمين لما أنه موضع البلاق الشريف نسبة إلى براق النبي صلى الله عليه وسلم ليلة الإسراء. فكان له منهم عناية خاصة إذ حبسوا ما يحيط ويتصل به أوقافاً على المسلمين وعلى زاوية الشيخ الإمام العارف أبي مدين شعيب بن الشيخ المجاهد العالم أبي عبد الله محمد بن أبي مدين شعيب المغربي قدس الله سره. وأنشئت هنالك منازل الوقف متراصة بحيث أحاط المسلمون سكانها بمكان البراق الشريف من الخارج إحاطة مؤدية إلى حراسته. وقد بلغ من تراص هذه المنازل حول هذا المكان الذي هو جدار الحرم الغربي أن جدار الحرم وبقية أبنية هذا الوقف استعمل ممراً ليسلك منه السكان المسلمون إلى منازلهم.

هذا الممر الخاص الموقوف وقفاً إسلامياً لم يمانع المسلمون فيما مضى الزائرين والسائحين على اختلاف طوائفهم وأديانهم وفي جملتهم اليهود من الوقوف فيه للنظر إلى تلك الناحية التاريخية الأثرية من الخارج.

غير أن اليهود أخذوا تدريجاً يقبلون هذه الزيارة العادية إلى مراسم دينية الأمر الذي انتبه إليه المسلمون في حينه وأخذوا يقفون دون أية محاولة من هؤلاء الطامعين يخرجون بها عن حدود الزيارة العادية.

مطامع اليهود ومحاولاتهم قبل الاحتلال :

يرمي اليهود منذ أمد بعيد إلى غاية رهيبة هي انتزاع المسجد الأقصى من يد المسلمين برغم أنه "الهيكل" ولكنهم لم يكونوا يصرحون بهذا قبلاً لأن البلاد المقدسة كانت في حراسة المسلمين أنفسهم وإنما كانوا يحاولون من آن لآخر إغفال ذوي الشأن والاستفادة من إباحة الوقوف خلف الجدار المذكور ليمنحوا تساهلاً أوسع.

ولكن هذه المحاولات لم تكن تجديهم نفعاً رغم ما كانوا يتوسلون به من شتى الوسائل وخصوصاً في عهد الحكومة العثمانية. فقد دأب زعماؤهم وكبراؤهم على التوسل إليها بمختلف الطرق وبألوان من المطالب التي قد تخفي تحتها تلك الغاية من تأسيس حق لهم في ذلك المكان الإسلامي المقدس يكون خطوة في سبيل تحقيق مطامعهم الرهيبة فكانوا يحاولون حيناً أن يصبحوا معهم كراسي ومقاعد يجلسون عليها وحيناً آخر يحاولون وضع موائد ومصابيح وغيرها.

غير أن ولاة الأمور حينذاك كانوا يحظرون عليهم ذلك ويقمعونه بشدة ويمنعونهم من أن يتجاوزوا الزيارة العادية بوضعها وشكلها إلى أيسر يسير كما ظهر ذلك من الوثائق ومن قرارات "مجالس إدارة اللواء" في زمن الحكومة العثمانية.

محاولات اليهود بعد الاحتلال البريطاني :

لم يكن فشل اليهود المتكرر في عهد السلطات الإسلامية ليقلع بهم عن تلك المطامع الرهيبة ولكنها خبت في نفوسهم كما تخبو النار تحت الرماد.

فما أن كان الاحتلال وما أن منحوا الوعد البريطاني بالوطن القومي اليهودي بفلسطين حتى تطاير ذلك الرماد وعادت تلك المطامع تتأجج وظهر لهيبها على ألسنة زعمائهم وغوغوائهم في جميع العالم فأخذوا يعلنون ما كتموا متخذين من الاحتلال والوعد بالوطن القومي قوة ظنوها كافية لتحملهم على الاستهانة بالرأي العام الإسلامي غير حاسبين لتحديهم أربعمائة مليون من المسلمين في أولى قبليتهم وثالث مساجدهم "المسجد الأقصى المبارك" أي حساب فقد قال أحد كبار زعمائهم السر الفردموند في مقال له : "إن اليوم الذي سيعاد فيه بناء الهيكل أضحى قريباً جداً وإنني سأكرس بقية حياتي لبناء هيكل عظيم مكان المسجد الأقصى" .

وقال أحد زعمائهم أيضاً – زنكويل – "وما على المسلمين إلا أن يرحلوا إلى أرض غير هذه الأرض" بل قد بلغ من غرورهم ومطامعهم أن أخذوا ينشرون ويوزعون صوراً لبيت المقدس وقد علت أسواره الأعلام الصهيونية واستوى التاج اليهودي فوق القبة من صخرة الله المشرفة مكان الهلال.

وإننا نثبت هنا إحدى هذه الصور التي ينشرونها بين بني قومهم ناقلين إلى العربية ما كتب عليها بالعبرانية وقد صدرت بهذه العبارة "ينتظر جميع العالم فرج ربنا لإعادة شعبه إلى جبله المقدس".

وقال أحد أقطابهم المستر بنتويش الذي يشغل بفلسطين منذ سنين حتى اليوم أكبر وظيفة في العدلية والذي هو صاحب الكلمة العليا بل الكلمة الأخيرة في القضاء والتقنين والتشريع وهو من صميم الصهيونيين في مؤلف له مطبوع أثناء كلامه عن البراق الشريف ما نص ترجمته: "وأكبر محا ديني لاجتماع اليهود بالقدس هو "قوتل حمارابي" الحائط الغربي من الحرم أو الهيكل "إلى أن قال" وهو بحسب التقاليد جزء من هيكل سليمان وهو القسم الوحيد من الحرم والهيكل الذي يصل إليه اليهود "وإلى أن قال" وقد قال – زنكويل – حديثاً: إن اليهودي عند المبكى (أي البراق الشريف) هو في نفسه أكثر إغراقاً في الخيال من اليهودي السائر في الشارع ولكن لا هذا ولا ذاك سيجدد بناء المبكى ولكن أبناء الجيل الذين سيقومون بهذا والذين يعتقدون أن العمل هو الصلاة الحقيقية ينزلون في القدس ويسكنوها وهم ينتظرون قيام "كوروش" جديد وقيام "نحيما" جديد ليشقا الطريق في استعادة المكان المقدس الظاهر لليهودية" وقد فسر المستر بنتويش المكان المقدس بقوله: "والمكان المقدس على جبل موريا المعروف الآن بالحرم الشريف" (كذا). ووضع المستر بنتويش عند "كوروش" المارة هذه العلامة (1) ليعلق عليها في ذيل الصفحة ما يأتي:

" (1) بعد كتابة هذه السطور بعدة أشهر ظهر تصريح كوروش الحديث في هذا العصر ممثلاً بوعد الحكومة البريطانية الصادر في 2 نوفمبر سنة 1917 القائل بأن الحكومة البريطانية تبذل جهودها في إعادة بناء الوطن القومي اليهودي في فلسطين" .

فلينظر المسلمون إلى تفسير المستر بنتويش الحقوقي الكبير وعد بريطانيا بالوطن القومي لليهود وليقارنوا بين هذا التفسير وبين أشغال المستر بنتويش نفسه اليوم أكبر وظيفة في فلسطين من صلاحيتها سن القوانين ثم ليستعرضوا القوانين التي سنت إلى اليوم في فلسطين والتي من جملتها قانون نزع الملكية الذي جعلوه يشمل أوقاف المسلمين وليربطوا ذلك كله بطلب اليهود استملاك وقف أبي مدين الإسلامي المتصل بالبراق الشريف.

وقد ظهرت بوادر هذه الفكرة الرهيبة في أول الاحتلال إذ حمل اليهود بعض كبار موظفي الحكومة المحتلة العسكرية حينئذ على السعي في إقناع المسلمين وإغرائهم على أن يستبدل اليهود بالدراهم وقف المسلمين هذا الذي ذكرنا ملاصقته للبراق الشريف "جدار الحرم الغربي" واتصاله فيه. فثار ثائر مسلمي فلسطين لذلك ووقفوا سداً منيعاً متكاتفين أمام هذه المحاولة رافضين كل الرفض أن يفرطوا بذرة من تراب مجدهم وما يحيط به من جدران وأوقاف معلنين استعدادهم لبذل نفسهم ونفيسهم في الدفاع عن جدار المسجد الأقصى وموضع البراق إزاء أي طمع.

وإن قصد اليهود من الاستيلاء على هذه الأوقاف إقامة كنيس مكانها تعلو جدار المسجد وتستند عليه وحينئذ يسهل عليهم النفاذ إلى المسجد الأقصى بوسائل مختلفة.

ولما رأي اليهود أن المسلمين لن يتساهلوا في هذا الأمر وأنهم لن يتأخروا عن الوقوف أمامهم فيه مهما كلفهم ذلك عادوا يذرون الرماد يسترون ما فضح من غايتهم كما أنهم عادوا إلى الوسائل التي كانوا يتوسلون بها قديماً من العمل على إغفال المسلمين لتأسيس بعض حقوق لهم بوضع ما منعوا منه بتاتاً من الأدوات في البراق الشريف.

عادوا إلى ذلك وعاد المسلمون إلى منعهم مزدادين بعد الاحتلال يقظة وحذراً وحرصاً متخذين من حقهم المقدس سلاحاً مشروعاً للدفاع عن أماكنهم الدينية فلم يتساهلوا ولن يتساهلوا بشيء منها وهم يقفون منذ الاحتلال إزاء كل محاولة من اليهود في هذا الشأن موقفاً لم يتزحزحوا عنه قيد شعرة وواصلوا الاحتجاجات على هذه المحاولات إلى السلطات المحلية وحكومة لندن وغيرهما.

الحادث الأخير:

عاجل اليهود المسلمين في أول الاحتلال بطلب استبدال الوقف المذكور كما ذكرنا. وما كادوا يفشلون حتى ظهرت لهم بارقة أمل أخرى في تحقيق غايتهم وذلك أنه بلغهم ما كان عليه المسجد الأقصى حينئذ من خطر السقوط الداهم بسبب ما أصابه من خراب. فمنوا أنفسهم بأنه لا يلبث أمام أية صدمة أو زلزال أن ينهار ويندك ويصبح أثراً بعد عين وحينئذ يسهل تحقيق أمانيهم فيه.

ولكن سرعان ما خابت آمالهم من هذه الناحية أيضاً فإن المجلس الإسلامي الأعلى بفلسطين تمكن والحمد لله بفضل بذل المسلمين ومؤازرتهم الصادقة من دفع الخطر عنه وعمارته عمارة محكمة متينة مما دعا اليهود على أن يعودوا سيرتهم الأولى من أمل استبدال الوقف واستخلاص جدار المسجد الأقصى لأنفسهم بادئين بمعاودة التجارب الماضية مغتنمين الفرصة في عيد غفرانهم من هذه السنة. فحاولوا التصرف بالبراق الشريف تصرف المالك بملكه إذ ملأوه بالمقاعد والكراسي والموائد والخزائن والستائر أو المصابيح وغيرها بحيث أصبح الناظر يحسب جدار المسجد الأقصى مكان براق محمد صلى الله عليه وسلم كنيساً يهودياً بحتاً الأمر الذي حمل مسلمي فلسطين ومن بلغه نبأ هذا الاعتداء من مسلمي الأقطار الأخرى أن يستنكروا هذه الحالة ويخشوا عواقبها خصوصاً بعد الذي ظهر واضحاً من موقف اليهود أثناء طلب المسلمين من الحكومة المحلية أن توقف هؤلاء المعتدين عند حدودهم. فإنهم قاموا بمظاهرات عنيفة في فلسطين وأحدثوا ضجة شديدة في الخارج وانبعثوا يبثون الدعاية لفكرتهم لدى الحكومة البريطانية في فلسطين ولندن وغيرها. وقام زعماؤهم في فلسطين يطلبون أن تحل قضية البراق لصالحهم وطلبوا استملاكه بجميع برقياتهم وكتبت صحفهم بأن جدار المسجد لهم وأن من حقهم التصرف فيه.

رأى المسلمون هذه الحركة العنيفة فسارعوا إلى عقد عدة اجتماعات عامة في المساجد وخصوصاً في المسجد الأقصى المبارك الذي تتعلق هذه القضية به للمشورة فيما يجب عمله إزاء الاعتداء الفظيع والمحاولة الرهيبة. فشكلوا لجنة ممثلة لهم سموها لجنة الدفاع عن البراق الشريف وكلوا إليها أمر تنفيذ قراراتهم التي قرروها مجتمعين تحت قبة المسجد الأقصى بعد أن عاهدوا الله على الدفاع عن هذا المكان إلى النهاية. فقامت اللجنة بواجبها من مراجعة الحكومة والاحتجاج إليها وتطيير هذا النبأ المفزع إلى العالم الإسلامي صاحب المسجد الأقصى والمطالب بحراسته.

هذا وقد أخذت وفود المسلمين من جميع أنحاء فلسطين تفد إلى القدس باسم الجمعيات والهيئات والأفراد معلنة استعدادها على الدفاع ما دام فيها عرق ينبض وأمطرت البلاد جميعها الحكومة الفلسطينية بالبرقيات الكثيرة طالبة منها أن تحول دون ما ينجم عن اعتداء اليهود هذا من إثارة فتنة دينية عمياء في البلاد. كما أرسلت إلى المجلس الإسلامي الأعلى ولجنة الدفاع البرقيات والرسائل تطلب منهما الثبات في موقفهما الحازم وتعلن بأن المسلمين جميعهم من وراء العاملين على محافظة البراق الشريف وأنهم يؤيدونهم ويؤازرونهم بأموالهم وأنفسهم وجهودهم.

وكذلك أخذت الهيئات الإسلامية في أنحاء فلسطين تقابل الحكومة محتجة بنفسها وحاملة مضابط الاحتجاج الموقع عليها من آلاف المسلمين الذين ظن اليهود أن تحديهم في مقدساتهم سهل هين.

وظل المجلس الإسلامي الأعلى حازماً في موقفه نائباً نيابة حسنة عن العالم الإسلامي في الدفاع شديد التمسك بحق المسلمين في هذا المكان المقدس الذي هو جزء من المسجد الأقصى المبارك مراقباً بكل حذر موقف اليهود في البراق يوماً فيوماً عاملاً كلما رأى اعتداء على إزالته. وقد قابل المندوب السامي والحكومة مراراً بنفسه وبواسطة سكرتيره وموظفيه وأرسل كتب الاحتجاجات وأبرق إلى جلالة ملك الإنجليز ووزارة المستعمرات وأعلن إلى الصحف في العالم الإسلامي والغربي عن هذا الحادث وما يجره اعتداء اليهود هذا من الفتن في البلاد المقدسة.

خطة الفلسطينيين:

هذا وإن المسلمين بفلسطين الذين يعدون أنفسهم بالنيابة عن أقدامكم".مين حراس المسجد الأقصى والأماكن المقدسة الإسلامية في بلاأقدامكم".قائمين بواجبهم بكل استبسال وحزم إزاء ما وكل إليهم حراسته وسيظهرون بأنهم كانوا ولن يزالوا جديرين بأن يقفوا في الصف الأول لا يتقهقرون خطوة واحدة في سبيل الدفاع عن أولى القبلتين وثالث المساجد مع جدرانه التي هي جزء منه وما يحيط به من الأوقاف وغير ذلك من الأماكن الإسلامية المقدسة.وهم يطلبون من إخوانهم المسلمين حيثما كانوا وملوكهم وأمرائهم وعامتهم أن يشدوا أزرهم ويعاضدونهم بكل ما يستطيعون فالمسجد الأقصى لهم جميعاً ومكان البراق المقدس لهم كافة فليجعلوا من قواهم قوة واحدة تحرس بيوت الله ومن أصواتهم صوتاً واحداً يرن في كل فضاء ويسمع كل إذن بأن المسلمين لن يتأخروا عن الدفاع عن مساجدهم.

والله حافظ بيته وناصر جنده "إن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم" .

المصدر : المركز الفلسطيني للاعلام