تاريخ الترسانة النووية الإسرائيلية الفجوة العلمية النووية بين العرب وإسرائيل تقدر بنحو 50 عاما!



إن سياسة إسرائيل هي منع ظهور خطر حصول العرب علي سلاح نووي، وقد نجحنا في ذلك علي مدي 38 عاما، وليس هناك سبب يدعونا للتخلي عن هذا الجهد، فالمسألة تتطلب نشاطا استخباراتنا.
هذا ما قاله ذات يوم يوفال نئمان وزير العلوم الإسرائيلي.. فإسرائيل تزيد كل يوم من حجم ترسانتها النووية فيما تمنع علي العرب بمساعدة حلفاء غريبين امتلاك مفاعلات لهدف البحث العلمي أو توليد الطاقة.
واكبر خطر من الأسلحة النووية الإسرائيلية علي حد تقديري ليس حجم ترسانتها، وإنما تكريس الشعور بالانسحاق والدونية لدي المواطن العربي البسيط، فحتي لو امتلك العرب قنابل نووية تعادل ما هو موجود بالفعل من الترسانة الإسرائيلية لا يحدث ذلك توازنا ما دام أغلب ما في الترسانات العربية مستورد بينما اغلب ما في الترسانة العسكرية الصهيونية مصنوع محليا، وعبر تكنولوجيا مؤهلة وليست مشتراة من الخارج مع ما يعنيه ذلك من إمكانات تطوير مستقبلية.
الفجوة العلمية إذن هي اكبر ما يقلق في الصراع العربي ـ الإسرائيلي، وهذه الفجوة يقدرها البروفيسور بركمان رئيس هيئة الطاقة الذرية سابقا بنحو 50 سنة فيما يخص المستوي التكنولوجي والأداء، فكثير من الانجازات تحققت للكيان الصهيوني يرجع الفضل فيها للتقدم العلمي الإسرائيلي، كما أن كثيرا من الإخفاقات العربية كان سببها ـ في المجالين العسكري والمدني ـ التخلف في فروع العلم والتكنولوجيا.
هدف إسرائيل من التركيز علي التقدم العلمي والتكنولوجي والذي كان أحد عنصرين أساسيين لبقاء الدولة (العنصر الثاني هو الدعم الخارجي) استهدف بالإضافة إلى قوة إسرائيل العسكرية.. زيادة سمعتها الدولية وإحراز ثقة العالم الغربي بها.. فالعلم، في رأي وايزمان مؤسس الدولة، هو سلاح إسرائيل الجبار.. هو شريان القوة ومصدر الدفاع.. ويوضح عاموس بيير لموثر العضو السابق في مؤسسة الطاقة الذرية الإسرائيلية ذلك بالقول في إسرائيل كان العلم دائما مرتبط بقوة مع الأمن، فمنذ عام 1947 نظمت الهاجانا فروعا علمية ضم خيرة العلماء، وورث جيش إسرائيل هؤلاء العلماء الذين أصبحوا جزءا من العاملين في وزارة الحرب وطوروا البحوث في المجالات العسكرية والنووية.
ولعب الدعم الخارجي دوراً كبيراً في حفاظ إسرائيل علي تفوقها المطلق مع تكبيل الدول العربية وإبقائها رهن تخلفها.. وهذا ما يتضح من قصة حصول إسرائيل علي الأسلحة النووية.
في الأسبوع نفسه الذي أعلنت فيه الدولة الصهيونية كانت هناك دراسة جاهزة قام بها العالمان ارنست بيرجمان وإسرائيل دوسترو فسكي لاستخراج اليورانيوم من الفوسفات الموجود في البحر الميت وصحراء النقب، وبدأ ديفيد بن جوريون يرفع شعار أن إسرائيل تعيش في سجن كبير من الخوف، وأنه إذا ما قرر العرب القضاء عليها فلابد من أن تنتصر لخيار شمشون.. وهدم المعبد فوق رؤوس الجميع.
في عام 1949 أوفدت الجامعات الإسرائيلية بتشجيع مباشر من الحكومة طلابا إلى بلدان أوروبا وأميركا، ووضع الملف النووي تحت إشراف وزارة الأمن التي كان يتولاها رئيس الوزارة بن غوريون وقبيل حلول عام 1950 أقامت هذه الوزارة فرعا للبحوث النووية في معهد وايزمان بتل أبيب، والذي أصبح فيما بعد أحد المراكز الرئيسية للأبحاث النووية، وفي يونيو 1952 تأسست لجنة الطاقة الذرية الإسرائيلية التي رأسها الدكتور ارنست بيرغمان في عام 1953 أصبح لدي إسرائيل القدرة علي إنتاج الماء الثقيل واليورانيوم المخصب، وقام علماء الذرة الإسرائيليون بإجراء العديد من البحوث علي معالجة الفوسفات واستعمال فلوريد النشادر وتخصيب اليورانيوم بأشعة الليزر.
وفي 12 يوليو 1955 وقعت إسرائيل اتفاقية خاصة مع الولايات المتحدة حصلت بمقتضاها علي مفاعل نووي للأبحاث (مفاعل ناحال سوريك) وسافر بموجبها 56 عالما إسرائيليا للتدرب في وكالة الطاقة الذرية الأميركية، كما حصلت إسرائيل علي مكتبة أبحاث نووية كاملة تضم أكثر من ستة آلاف كتاب وبحث متخصص. أثر ذلك بدأت إسرائيل تبني مفاعلات صغيرة لتدريب اكبر عدد من علمائها استعداداً للحصول علي مفاعل كبير يمكنه إنتاج قنبلة نووية.
لم تكن العلاقات الأميركية ـ الإسرائيلية في ذلك الوقت قد وصلت إلى حد التحالف الاستراتيجي، كما أن أميركا كانت تفرض حظراً صارماً علي تصدير مفاعلات من هذا النوع، بل ظلت متمسكة ببرنامج روزفلت الشهير ذرة من اجل السلام والذي أعلنه بداية ديسمبر عام 1953.
قبل أن تحصل إسرائيل علي مفاعل ناحال سوريك الأميركي والتي كانت قوته 5 ميجا واط بدأت التفاوض سرا مع فرنسا، فباريس كانت في ذلك الوقت تواقة للحصول علي القنبلة النووية بأي شكل لكنها كانت تفتقد إلى تكنولوجيا الكمبيوتر التي منعتها عنها واشنطن ومن ثم فإن صفقة ما تمت تحصل بموجبها فرنسا علي هذه التكنولوجيا التي سرقها علماء إسرائيليون من الولايات المتحدة وتحصل كذلك علي طريقة استخلاص اليورانيوم من الفوسفات (التي طورها العلماء الصهاينة) مقابل أن تقدم لإسرائيل مفاعل ديمونة والذي كانت قوته 25 ميجا واط، وذلك قبل أن تفجر فرنسا قنبلتها النووية الأولي في صحراء الجزائر نهاية الخمسينيات.
وعام 1957 وقعت فرنسا اتفاقها مع إسرائيل، وبناء عليه بدأت شركة سان جوبيان الفرنسية التي تملك الحكومة ثلثي أسهمها في بناء المفاعل الذي يشبه مفاعل سافانا ريفر الأميركي في ساوث كارولينا.
في الوقت الذي كان فيه علماء إسرائيل يتدربون في مختبر أرغون الوطني وفي مركز البحوث في اوكريدج على إدارة المفاعلات النووية، كانت السلطات الإسرائيلية تحاول بطرق شرعية وغير شرعية الحصول علي اليورانيوم من الولايات المتحدة وأفريقيا الوسطي والجابون والنيجر وكندا والأرجنتين، ووصلت أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية إلى حد السطو علي سفن تحمل اليورانيوم والاستيلاء علي شحناتها، كما أن الولايات المتحدة لم تقصر في منح إسرائيل اليورانيوم اللازم، وفي الفترة ما بين 1960 و1966 حصلت إسرائيل علي نحو 50 كيلو غراماً من اليورانيوم 235 من أميركا بالطرق الشرعية وحدها.
وفي نهاية عام 1963 بدأ تشغيل مفاعل ديمونة الذي تكون من تسعة مبان كل مبني منها تخصص في إنتاج نوع معين من المواد والتي تستخدم في صناعة القنبلة وعلي رأسه البلوتونيوم والليثيوم والبريليوم واليورانيوم المشبع والتربتيوم، ورغم المساعدات الجمة التي قدمتها واشنطن فإن إسرائيل رفضت قيام خبراء أميركيين بالاطلاع علي ما يجري.. ومنذ السنة الأولي لإنشائه أصبح المفاعل قادراً علي إنتاج نحو 8 كيلوغرامات من البلوتونيوم سنويا وهذه الكمية تكفي لصناعة قنبلة نووية واحدة.
في عام 1965 انشق بن غوريون وعدد من أتباعه وعلي رأسهم موشي ديان وشمعون بيريز عن الحزب الحاكم مباي (حزب عمال أرض إسرائيل) بسبب خلافات حزبية وسياسية، وانشأ المنشقون حزباً جديداً يسمي رافي (قائمة عمال إسرائيل) ومنذ يومه الأول عرف الحزب بتأييده للخيار النووي، وفي عام 1976 انضم الحزب الجديد إلى حكومة الوحدة الوطنية الإسرائيلية التي تكونت قبيل الحرب وكان بيريز أشد حماسا من موشي ديان لتبني الخيار النووي. إذ أن وجود القنبلة النووية الإسرائيلية في الدور السفلي يمنع من استخدام هذا الخيار الغامض كما يقول شلومو اردنسون أستاذ العلوم السياسية بالجامعة العبرية في القدس.. وساهم ديان أثناء توليه وزارة الدفاع في تسريع عملية صنع القنبلة النووية الإسرائيلية إذ أنه أمر باستكمال مفاعل ديمونة ومده بالأجزاء الحيوية التي تفصل البلوتونيوم، وهذه الخطوة الأخيرة في تصنيع القنبلة النووية، وذلك رغم معارضة ليفي اشكول رئيس الوزراء.. وفي ذلك الوقت أرسلت إسرائيل 11 مهندساً نووياً إلي الولايات المتحدة للتدريب علي تكنولوجيا التجارب النووية التي تجري تحت الأرض.
وتختلف الآراء حول سنة إنتاج أول قنبلة نووية إسرائيلية لكن الجميع يجمعون علي أنها كانت بين عامي 1968، 1972 ابتداء من عام 1970 بدأت الحقائق حول البرنامج الإسرائيلي تتكشف شيئاً فشيئاً، ففي عدد 19 يوليو من العام نفسه نشرت نيويورك تايمز تقريراً يؤكد أن إسرائيل تمتلك منشأة لفصل البلوتونيوم زودتها بها فرنسا وساعدتها في إنشائها، وان الطرفين اتفقا علي ترتيبات تحقق لإسرائيل عملية الفصل.
وفي عام 1973 حسب مصادر كثيرة اتخذت إسرائيل قراراً باستخدام الأسلحة النووية بعدما نالت هزيمة ساحقة في الأيام الأولى لحرب أكتوبر علي يد الجيش المصري، ووقتها صرخ موشي ديان وزير الدفاع في وجه جولدا مائير رئيسة الوزراء قائلاً: هذه هي نهاية المعبد، فأعطي الأذن باستخدام أسلحة الدمار الشامل. ويقال انه تم تجهيز القنابل النووية ولكن قبل ان يجري وضع أجهزة التفجير تدخلت الولايات المتحدة وأقامت الجسر الجوي الشهير الذي نقلت خلاله لإسرائيل أحداث ما في الترسانة العسكرية الأميركية، فتراجعت الحكومة الإسرائيلية.
ويرجح أن تكون إسرائيل أنتجت في العام الأول أكثر من قنبلة فالخبراء يؤكدون انه لابد من إنتاج عشر قنابل معاً.
وفي العام التالي 1974 كشفت وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية إن إسرائيل أصبحت قادرة علي تصنيع الرؤوس النووية.
خلال ما تبقي من السبعينيات والعقود التي تلته تفجر النهم الصهيوني للحصول علي مواد إنتاج القنابل النووية بأي شكل، ففي فضيحة عرفت باسم بلومبات حصلت إسرائيل علي الكعكة الصفراء أوكسيد اليورانيوم بطريقة غير مشروعة من بلجيكا كما اشتهرت فضيحة نيومبك، وهي شركة أميركية للتجهيزات، النووية سرقت إسرائيل منها بتواطؤ بعض مسئولي الشركة كمية من اليورانيوم تكفي لتشغيل مفاعلاتها سبع سنوات علي الاقل.
وفي ابريل 77 اتهم بول ليفنتال عضو الكونغرس بأن كمية تبلغ مائتي طن من ركاز اليورانيوم قد اختفت ومن المؤكد أنها سلمت لإسرائيل.
وفي الفترة من 1980 ـ 1985 ساعدت إسرائيل نظام جنوب أفريقيا العنصري علي تطوير برنامجه النووي، وتلقت مقابل ذلك حوالي 500 طن من اليورانيوم الطبيعي، وذلك علي حد ما كشفه عزيز باهاد نائب وزير خارجية جنوب أفريقيا في حوار نشرته صحيفة يديعوت أحرونوت (20 ابريل 1997).
وظل البرنامج النووي الإسرائيلي مغلفاً بالشك والغموض حتى عام 1986 حينما أكد مردخاي فانونو الذي عمل لمدة عشر سنوات في مركز الأبحاث النووية بديمونة لصحيفة صانداي تايمز البريطانية جزءاً من الأسرار، إذ أكد بالصور أن إسرائيل أنتجت حوالي مئة قنبلة نووية وان مفاعل ديمونة أصبح ينتج أربعين كيلوغراما من البلوتونيوم سنوياً وهذه كمية تكفي لإنتاج خمس قنابل كل عام.. وبينما كانت التقديرات السابقة للخبراء النوويين لا تزيد بإنتاج إسرائيل من القنابل في ذلك العام عن 31 قنبلة.. وظل المفاعل محاطاً بأقصى درجات السرية لدرجة أن أعضاء الكنيست لم يكن يسمح لهم بزيارته وقد اقتصر تعامل الكنيست مع الموضوع على لجنة الشؤون الخارجية الأمنية وهي لجنة شبه سرية.
وبعد فانونو أكد سيمور هيرش في كتابه خيار شمشون أنه يجب مضاعفة هذا الرقم على الأقل. وتؤكد نشرة بوليتين اوف اتوميك ساينتستس الأميركية أن إسرائيل تحتل المرتبة العادية في قائمة القوي النووية في العالم وأن احتياطي البلوتونيوم الذي تمتلكه ويستخدم في صنع الأسلحة النووية يصل إلى 500 كجم.
لم تتوقف القدرات الإسرائيلية عند صنع القنبلة التقليدية بل تطورت لأشكال أخرى، ففي عام 1973 امتلكت نحو 20 صاروخاً نووياً، وطورت ما يعرف بالقنبلة الحقيبة، وفي العام التالي أقامت ثلاث وحدات مدفعية نووية تحوي كل منها 12 فوهة من عيار 175 مم و230 ملم، وفي عام 84 امتلكت 31 قنبلة بلوتونيوم، وعام 94 صنعت ما بين 64 الي 112 قنبلة برأس حربي صغير.
وتتحدث مصادر دفاعية دولية عن امتلاك إسرائيل ما يتراوح بين 200 و300 جهاز تفجير نووي قيد الخدمة الفعلية، وهذا العدد لا يشتمل إلا علي الرؤوس النووية المعدة للاستخدامات الإستراتيجية وأن العدد الإجمالي للأسلحة والذخائر العاملة لدي القوات الإسرائيلية قد يصل إلى حوالي 500.
وفي أول يوليو عام 2002 كتب الكولونيل المتقاعد ورنر فارر وهو طبيب شغل عدة مناصب قيادية في الجيش الأميركي مقالاً أكد فيه أن الدولة العبرية أنجزت كل ما تبغيه من مشروعها النووي عام 95 عندما أنجزت إنتاج قنابل نيوترونية وألغاماً نووية وقنابل الحقيبة وصواريخ تطلق من الغواصات فضلاً عن القنابل الهيدروجينية المعقدة التطوير باهظة التكاليف والتي لا يملكها غير أعضاء النادي النووي، وقوة القنابل الهيدروجينية تزيد مئة إلى ألف مرة عن القنبلة النووية الاعتيادية.
وحسب مقال ورنر فإن إسرائيل تحتل المرتبة الخامسة بين الدول النووية متفوقة علي بريطانيا التي تحتل المرتبة السادسة حيث تملك إسرائيل 400 رأس نووي فيما لا تملك بريطانيا غير 185 فقط.
إلى جانب هذه الترسانة تملك إسرائيل شبكة متكاملة من وسائل الاتصال تضم صواريخ باليستية إستراتيجية وتكتيكية، كما أن جميع طرازات الطائرة القتالية الموجودة لديها قادرة من حيث المبدأ علي حمل ذخائر هجومية نووية.
ويقول أفنير كوهين في كتاب بعنوان إسرائيل والقنبلة إن هناك تفاهما مشتركا بين إسرائيل والولايات المتحدة يقضي بأن تغض الأخيرة البصر عن البرنامج النووي الإسرائيلي طالما التزمت إسرائيل الصمت والغموض حول هذا البرنامج وهذا الاتفاق أبرمته غولدا مائير مع ريتشارد نيكسون أوائل السبعينيات ويتم تجديده مع كل رئيس أميركي يأتي إلي البيت الأبيض.
وحتى حينما يجد المسئولون الأميركيون أنفسهم محاصرين يؤكدون أن جميع أسلحة إسرائيل إنما هي أسلحة دفاعية .

المصدر : مركز البحوث للدراسات الإستراتيجية