الترسانة النووية الإسرائيلية وبنيتها التحتية (1 - 2)

د. حمد بن عبد الله اللحيدان

إن من أهم أهداف القرن الحادي والعشرين التي يجب أن تحكم بها جميع أمم الأرض بدون تمييز أو تحيز، نزع السلاح النووي وغيره من أسلحة الدمار الشامل، وضبط التسلح به والعمل على جعل العالم خالياً من تلك الأسلحة المدمرة

لا شك أن البشرية عانت وتعاني من ويلات الحروب على مر العصور والأزمان بما في ذلك عصرنا الحاضر، إلا أن حروب العصر الحاضر تختلف عن سابقاتها من حيث الكيف والكم، فنوعية الأسلحة المستخدمة وقدرتها التدميرية أصبحت لا تضاهى خصوصاً بعد اكتشاف الطاقة الكامنة في الذرة ونواتها، والتي تمت الاستفادة من تطبيقاتها السلمية في مجالات عديدة شملت تحلية المياه، وتوليد الكهرباء، وفي الطب، والزراعة، والآثار، والتعليم، والنقل، والمواصلات، والتي يجب أن تستفيد منها البشرية بجميع أجناسها وأعراقها دون قيود أو احتكار أو وصاية من قبل من سبقوا إلى الاستفادة من هذا المجال. إلا أن السيئ في مجال استغلال الطاقة النووية هو استخدامها في المجالات العسكرية حيث القتل والتدمير. ومجال الاستخدام العسكري للطاقة النووية ليس مجرد احتمال أو افتراض لأنه تم استخدام القنابل النووية في نهاية الحرب العالمية الثانية عندما ألقت الولايات المتحدة الأمريكية قنبلتين نوويتين على كل من مدينتي هيروشيما ونجازاكي في اليابان.

وعلى العموم فإنه مما لا شك فيه أن من أهم أهداف القرن الحادي والعشرين التي يجب أن تحكم بها جميع أمم الأرض بدون تمييز أو تحيز، نزع السلاح النووي وغيره من أسلحة الدمار الشامل، وضبط التسلح به والعمل على جعل العالم خالياً من تلك الأسلحة المدمرة وهي الأسلحة النووية، والأسلحة الكيميائية، والأسلحة الجوية، والاستعاضة عن ذلك ببناء توازنات إستراتيجية إقليمية ودولية. إن العرب مهددون أكثر من غيرهم في منطقة الشرق الأوسط لأنهم لا يملكون مقومات الدفاع عن أنفسهم أمام انتشار أسلحة الدمار الشامل واحتكارها من قبل إسرائيل خصوصاً القوة النووية الإستراتيجية.

نعم إن إنشاء الوكالة الدولية للطاقة الذرية كان حدثاً ممتازاً من حيث المبدأ خصوصاً انه تبعه توقيع عدد كبير من الدول على معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية أو العمل على إنشاء مناطق خالية من الأسلحة النووية، إلا أن من أهم عيوب تلك الوكالة هو عدم الاستقلالية وتحكم الدول الكبرى في كثير من قراراتها، ومن أهم الشواهد على ذلك أن تلك الوكالة لها صوت ملعلع ضد كوريا الشمالية وضد إيران ومن قبل ذلك ضد العراق ولكننا لا نكاد نسمع أي كلمة حول الملف النووي الإسرائيلي ولم يتم تبني أي قرار يشير إلى إخلاء منطقة الشرق الأوسط من أسلحة الدمار الشامل والذي ترفضه إسرائيل جملة وتفصيلاً.

لا شك إن الشرق الأوسط يعاني من حسابات أمنية متراكمة وذلك بسبب انه مفترق طرق وتقاطع مصالح وهو يشكل صرة العالم بسبب أهميته الجيوسياسية والاقتصادية من ناحية وبسبب الصراع العربي الإسرائيلي الذي استقطب دول الغرب وبالأخص أمريكا وبريطانيا إلى جانب إسرائيل مما حول الصراع من الإقليمية إلى العالمية. ولقد أدركت إسرائيل ودول الغرب أهمية المنطقة من الناحية الإستراتيجية إلا أن أهل المنطقة وهم العرب لم يدركوا أهمية موقعهم وأهمية الدفاع عنه وأهمية استقلاله وامتلاكه القدرة على بنائه.

إن العمل على تحجيم العرب ومنعهم من الاتحاد أو التقدم أصبح الشغل الشاغل للمخابرات الإسرائيلية وعملائها ومناصريها في كل مكان. فالمخابرات الإسرائيلية تعمل منذ عدة عقود على إجهاض أي جهد عربي للحصول على التقنية النووية حيث اغتالت بعض علماء الذرة المصريين في الستينيات من القرن المنصرم بواسطة رسائل ملغومة كما تم اغتيال آخرين بطرق ووسائل مختلفة، كما تم إجهاض المشروع النووي العراقي من خلال قصفه بالطائرات الإسرائيلية عام 1981م كما تم اغتيال علماء الذرة العراقيين والمصريين العاملين معهم في ذلك المشروع وتم ويتم القضاء المبرم على بقية علماء العراق بعد احتلاله من قبل القوات الأمريكية والبريطانية.

نعم إسرائيل متمردة على كل النداءات الصادرة من المجتمع الدولي للتوقيع على معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية، كما أنها لم تقبل أن تخضع مرافقها النووية لنظام الضمانات والتفتيش الشامل للوكالة الدولية للطاقة الذرية، أما الدول العربية المغلوبة على أمرها فقد وافقت على حظر انتشار الأسلحة النووية على الرغم من أن إسرائيل لم تفعل ذلك. والسبب وراء تعنت إسرائيل هو الدعم المطلق و اللا محدود والتأييد الشامل الذي تحظى به من لدن الغرب وبالأخص الولايات المتحدة الأمريكية.

لهذا فإن مصداقية الوكالة الدولية للطاقة الذرية ومصداقية الدول الكبرى بشأن ضمانات تلك الوكالة وتلك الدول تصبح متواضعة ومشكوكاً فيها وبالتالي فإن الثقة بها تصبح هزيلة ومتواضعة.

نعم إن الثقة تبنى على المصداقية والمصداقية تبنى على العدل، والعدل يقتضي المساواة. لذلك فإن العمل على إيجاد نظام عالمي عادل وغير متحيز وملزم لجميع الدول دون استثناء يمنع انتشار الأسلحة النووية وحيازتها وتصنيعها مصحوب بفرض عقوبات وقيود دولية رادعة على من يخل بذلك النظام كائناً من كان. وفي نفس الوقت يعمل ذلك النظام ويشجع على الاستخدام السلمي للطاقة النووية وان يجعل ذلك حقاً مشروعاً لجميع الدول والشعوب بدون استثناء بشرط خضوع جميع المنشآت النووية للتفتيش والضمانات المعتمدة من قبل الوكالة الدولية للطاقة الذرية مع ضمان المصداقية والعدل.

إن الصراع والظلم والتجبر في أي مكان في العالم يولد التحدي والتحدي يولد التسلح بما في ذلك خيار امتلاك الأسلحة النووية خصوصاً في غياب العدل والمصداقية والثقة. كما أن تبييت النية على العدوان والاغتصاب وممارستهما يحفز إلى بناء قوة جبارة لتحقيق تلك الأهداف وهذا هو الحافز الذي دفع ويدفع بالإسرائيليين حتى قبل أن تخلق دولة إسرائيل أي منذ المؤتمر اليهودي في بازل عام (1897) إلى العمل من أجل بناء قوة إستراتيجية ذاتية تتجدد معالمها وطموحاتها مع كل جديد ومتطور بما في ذلك خيار امتلاك الأسلحة النووية. جنباً إلى جنب مع إجهاض كل جهد عربي حتى ولو كان متواضعاً للاستفادة من الطاقة النووية حتى في الأمور السلمية. وفي هذا السياق نجد أن امتلاك أمريكا للسلاح النووي جاء نتيجة تحديات الحرب العالمية الثانية وامتلاك الاتحاد السوفيتي (سابقاً) لذلك السلاح جاء نتيجة تحدي امتلاك أمريكا لذلك السلاح، وهذا العامل والهاجس دفع بدول كثيرة لأخذ زمام المبادرة سواء في ما يتعلق بالدول الأوروبية أو الصين أو الهند أو باكستان أو غيرها ممن اندفع نحو التسلح النووي من اجل إيجاد توازن عسكري رادع.

أما إسرائيل فإنها تبنت مفهوم القوة في بنائها لكيانها فعسكرت مجتمعها وجعلت لمؤسستها العسكرية والاستخباراتية الغلبة في كل شيء. وعملت على تأكيد التفوق العسكري والتقني على العرب مجتمعين، كما تملك مفهوم القوة المرتبط بالفكر السياسي والعسكري لقادة إسرائيل، وهذا المفهوم هو الذي قام عليه بنيان دولة إسرائيل منذ أول يوم وحتى الآن. لذلك عملت إسرائيل على تحقيق القوة الذاتية وضمان التفوق من خلال الاستعانة بالحلفاء الأكبر والأقوى اقتصادياً وعسكرياً ويأتي في مقدمتهم أمريكا. فإسرائيل استخدمت القوة في تحقيق جميع طموحاتها وذهبت إلى ابعد من ذلك عندما استخدمت القوة لتحقيق مفهوم الدفاع الوقائي. والذي يعمل على إجهاض واستنزاف قدرات الخصم الإستراتيجية وغيرها قبل أن تتبلور هذا بالإضافة إلى أن إسرائيل تسعى من خلال القوة إلى فرض الإرادة والهيمنة وذلك من خلال شن ضربات ضد أعمال أو إجراءات تعدها إسرائيل عدائية حتى لو كانت في طور الإعداد والبناء ومن الشواهد على ذلك ضرب المفاعل الذري العراقي عام 1981. وفي ضوء ذلك العدوان المستمر على الأمة العربية أصبح شغل إسرائيل الشاغل هو امتلاك الخيار النووي كعنصر ردع، وهذه العوامل مدعومة بالدعم الأمريكي اللامحدود هو الذي جعل إسرائيل تتبجح ولا تنصاع لأي معاهدة حتى وان وقعت عليها لكسب الوقت، ومن ذلك اتفاقيات أوسلو ومدريد وشرم الشيخ وغيرها مما لا يمكن حصره أو تعداده، لذلك فإن تفرد إسرائيل بالقوة واختلال ميزان القوى في المنطقة لصالح إسرائيل هو الذي حدا بالإسرائيليين إلى عدم قبول الصلح والاستمرار بالتوسع والعدوان والتصرف من جانب واحد.

نعم لقد عملت إسرائيل على إحاطة برنامجها النووي بالتكتم والتعتيم وعدم الاعتراف بامتلاك أسلحة نووية وعدم نفي ذلك أيضا. على العكس من الدول العربية الذين إذا امتلكوا مفرقعة أو اشتروا معدة لم يصنعوها ملئوا الدنيا صراخاً ومفاخرة على انجاز لم يحققوه ابتداء من صواريخ القاهر والظافر وانتهاء بصواريخ صدام حسين الذي أساء استخدامها حيث أعمت بصره وبصيرته.

وعلى الرغم من التحفظ الإسرائيلي حول قدرتها النووية إلا أن بعض مراكز الدراسات الإستراتيجية والصحف الغربية قدرت أن إسرائيل تملك ما بين (100 - 200) رأس نووي وعزز من هذه التقديرات ما أدلى به الخبير النووي الإسرائيلي فاع نونو عام 1986. ومع ذلك ظل الإسرائيليون لا يشهرون السلاح النووي وإنما يجعلون الآخرين يشعرون بظله. والأبعد من ذلك أن بعض الدراسات تصنف إسرائيل في المرتبة السادسة عالمياً من حيث القدرات النووية.

وعلى العموم فإن بناء القوة النووية الإسرائيلية مر بعدة مراحل لعل أهمها:

٭ المرحلة الأولى: (1948 - 1963) وعملت إسرائيل خلال تلك الفترة وما سبقها على توفير الوقود النووي وبناء الكوادر العلمية والفنية اللازمة والتعاون مع الدول الأكثر خبرة في هذا المجال.

٭ المرحلة الثانية: (1963 - 1966) وخلال تلك الفترة بدأت إسرائيل بالإعداد لبرنامجها النووي من خلال التعاون مع الدول المتقدمة في ذلك المجال مثل أمريكا وجنوب أفريقيا وفرنسا وقد أثمر ذلك التعاون بناء العديد من المفاعلات النووية.

٭ المرحلة الثالثة: (1966 - 1986) مرحلة اتخاذ القرار السياسي للإنتاج الفعلي الخاص بالأسلحة النووية، وإيصال رسالة للعرب بأنهم أصبحوا تحت رحمة القوة النووية الإسرائيلية واستخدام ذلك الرادع كورقة ضغط ومساومة.

أما المؤسسات التي لها علاقة مباشرة بالأبحاث النووية ومفرداتها فإن أهمها:

1- مؤسسة الطاقة الذرية الإسرائيلية: وهذه تم تأسيسها عام 1952 كمؤسسة مستقلة تابعة لوزارة الدفاع الإسرائيلية ثم أعيد تشكيلها عام 1966 وتم إلحاقها بمكتب رئيس الوزراء الذي تولى بنفسه رئاستها وهذا يدل على الأهمية البالغة لتلك المؤسسة العسكرية.

2- هيئة تطوير وسائل القتال: هذه تم إنشاؤها عام 1948 وكان من أبرز مهامها مسح كامل الأراضي المحتمل وجود الخامات اللازمة للنشاط الذري. وفي عام 1968 طورت تلك الهيئة لتصبح مهمتها إدارة البحوث الموجهة للشؤون العسكرية ووضع مشاريع جديدة للبحث العلمي والتطوير والعمل على زيادة عدد المهندسين والعلماء الذين يحتاجهم الجيش الإسرائيلي بالإضافة إلى دراسة وحل المشاكل التي تواجه الجيش الإسرائيلي وتسليحه.

3- المجلس القومي للبحوث والتطوير: وهذا تم إنشاؤه عام 1960 ويهدف إلى تنسيق البحوث العلمية والتقنية على مستوى الدولة، وتقديم المشورة للحكومة في السياسة العلمية والبحثية والتعاون مع المراكز والمجالس المماثلة في الدول المتقدمة والصديقة.

4- جمعية الأشعة الإسرائيلية: وهذه الجمعية يتركز نشاطها في مجال السلامة النووية والوقاية من الإشعاع وينضوي تحتها جميع الأنشطة العاملة في هذا المجال، كما تشرف تلك الجمعية على سياسة الرصد الذري التحذيري من الإشعاعات الذرية حيث يوحد في إسرائيل أكثر من (21) محطة رصد موزعة في مناطق مختلفة من دولة إسرائيل وذلك على النحو التالي: سبع محطات في منطقة الجليل شمال إسرائيل، وتسع محطات في المنطقة الوسطى وخمس محطات في منطقة صحراء النقب جنوب إسرائيل.