من المسئول عن انتحار شابين في أسبوع واحد السياسة أم الاقتصاد؟
احتجاجات تونس تدق ناقوس الخطر.. والسيناريو قابل للتكرار في كل الدول العربية!
كتب / ثابت العمور
تتواصل الاحتجاجات والمظاهرات في تونس للأسبوع الثاني على التوالي، وكانت الشرارة الأولى قد انطلقت من سيدي بوزيان في الجنوب وامتدت لتصل العاصمة، والأنباء الواردة من هناك تشير بأن نطاق الاحتجاجات آخذ في الزيادة والاتساع، فما الذي يحدث في هذه الدولة؟، التي تعد نسب البطالة فيها الأقل عربيا 13% فقط في حين تصل في بعض الدول 30%، وتعد القدرة الشرائية عند المواطن التونسي أفضل من نظيره الليبي والبحريني واليمني والسوداني، ونسبة النمو الاقتصادي في هذا البلد تفوق جارته الجزائر التي تعد من أغنى دول العالم في الغاز والبترول. وتحتل تونس المرتبة الثامنة عشر على مستوى العالم من حيث نسبة الإنفاق على التعليم، والشعب التونسي أكثر الشعوب العربية تعليما، فما الذي حدث؟، ما سبب هذه المظاهرات والاحتجاجات؟، ولماذا انفجرت الأحداث في تونس؟، وكيف يقدم شابين جامعيين على الانتحار في أسبوع واحد؟.
هل هذا المشهد مقتصر على تونس فقط؟، أم أنه قابل للتكرار في دول عربية أخرى أكثر بؤسا وبطالة وفقرا؟، ما هو توصيف ما يحدث في تونس ويخبو في بقية الدول العربية؟ هل الاقتصاد هو السبب أم السياسة؟، ما هو الحل مع شبح البطالة هذا الخطر الرابض في غالبية الدول العربية يتهدد بقائها واستمرار أنظمتها؟.
تونس رغم المؤشرات الايجابية السابقة بلد فقير الموارد يعيش على الزراعة والسياحة، ويصدر لثلاث دول أوروبية تعاني هي الأخرى من أزمة اقتصادية لكن لم ينتحر مواطنيها لهذه اللحظة، مشكلة تونس-وغالبية الدول العربية- إذن ليست اقتصادية بحتة بل لها أبعاد ومسببات سياسية، أهمها أن الحكومة هي التي تقرر وهي التي تحتكر السلطة وهي الحكم وهي كل شيء ولا يمكن للشعب أن يرى إلا بعينها، لأن الانتخابات في الوطن العربي لا تعدو كونها مسرحية سياسية موزعة فيها الأدوار ومحكومة، ولهذا السبب يبرز شبح البطالة وأخواتها كأداة وآلية واحدة ووحيدة للتعبير رغم أنها ليست السبب الوحيد، القمع السياسي والأداء البوليسي واعتداءات الشرطة والأجهزة الأمنية هي المسبب وهي الدافع، قبل أسبوعين حدث أن اعتدت الشرطة على نواب في البرلمان في بلد نفطي غني وثري، فهل يمكن أن يخرج النواب في مظاهرات ملوحين بأن البطالة هي السبب وأن الاقتصاد هو المسئول؟، حتما لا ولكن حتما سيتحرك الشارع في هذا البلد ليس بالضرورة أن يستدعي البطالة والفقر ولكن قد يستدعي أمر آخر فالشعوب لا تعجز.
تونس وأخواتها لا تملك عصا سحرية، لكنها ستنجح في قمع المتظاهرين، وهذا يحدث في كل مظاهرات الخبز ولكن إلى متى سيبقى الناس يخرجون للشارع ويردهم العسكر؟، ثم يعودون ويعود العسكر وهكذا، لا أحد يريد النزول والاعتراف وكسب الناس واسترداد الثقة فيهم ومنهم، إلى متى ستبقى حالة الانفصام تتعمق وتتجذر ما بين الناس والحكومات.
الشعوب قبلت واستسلمت وتأقلمت مع الواقع رغم مرارته، لكن الحكومات لم تتركهم طاردتهم ولاحقتهم ولإرضاء الأنظمة استعبدتهم حتى دفعتهم للانتحار "والعياذ بالله"، المشهد يتكرر يوميا ليس في تونس بل في كل مكان هنا أنا أراه يوميا، وأكرمني الله بأن رأيته على مدار عشر سنوات في بلدين عربيين تونس تعد محافظة بالنسبة لهما، دائما تسمع في الأسواق والطرقات " شرطة البلدية" وهو مصطلح موحد "عربيا" رغم اختلاف اللهجات والثقافات ، وكأنها كلمة السر ففي لحظة تطير البضائع ويختفي الباعة وكأن بركان أو زلزال قد حدث، ما ذنب شاب جامعي "أستاذ رياضيات" لم يجد فرصة عمل، فأصبح بائعا خضار متجول على عربة، تلاحقه البلدية فيهرب فتمسك به الشرطة وتبرحه ضربا، فيذهب لولي الأمر"الوالي أو المحافظ" ليشكو له، إنها جرأة " يحسد عليها الشاب لو لم ينتحر"، البعض تصادر بضاعته وعربته في سيارات البلدية الكبيرة المخصصة فيذهب ليبحث عن أحد سماسرة البلديات ليدفع له ليسترد عربته بعدما تكون قد نهبت بضاعته، لم يستقبله السيد " الوالي" فما كان منه إلا أن أخرج النار التي بداخله.
هل علم " الوالي أو المحافظ" بما حدث على بابه هل استوضح الأمر؟، هل لوحق الضابط الذي أمر بضرب الشاب وتكسير عظمه؟، هل استقال رئيس البلدية؟، هل خرج علينا رئيس الجمهورية؟، هل فكر أحد النواب بزيارة سيدي بوزيان لتقديم واجب العزاء لثلاث شبان؟، وهل يجرئ سياسي عربي واحد أن يفعلها؟، ما الذي فعله هذا الشاب؟ ،ما هي الجريمة التي يرتكبها الشباب العربي الذي يدفع عربته في الطرقات؟.
ليست تونس وحدها في دائرة الخطر، وليس الاقتصاد هو المتهم الوحيد، والسياسة إن كانت تسيير الدنيا بالدين فهي أيضا براء، ترى من المتهم؟، الديمقراطية، أم غياب الحريات العامة، أم استقالة الأحزاب السياسية الحاكمة والمعارضة ولا ندري ماذا تعارض الثانية وماذا تحكم الأولى؟،لماذا يستورد الإصلاح السياسي على مقاسات الأنظمة ومصالحها؟، كم خريج جامعي يتسول لقمة العيش؟، كم حامل لشهادة عليا يدق الأبواب ويصور الأوراق تلو الأوراق؟، لا أبيح سرا إذا قلت بأنه قبل ثلاث سنوات كنت عضوا مؤسس لجمعية كانت تحمل اسم خريجي الماجستير والدكتوراه "قبل أن تقفل لأنها لم تستطع تسديد إيجار المقر المعلق دينا في أعناق أعضائها" ، تصور إلى أين بلغ الحال في بلد تصله المساعدات والتبرعات والمنح والأموال الغربية والأوروبية "المسيسة" بأرقام فلكية لا يتعدي عدد سكانه الخمسة ملايين نسمة.
أليست هؤلاء الخريجين هم الثروة الحقيقية لأي دولة، فلماذا ينتحر اثنين منهم في أسبوع واحد في بلد واحد، مشكلة من هذه ترى الحكومات أم البرلمانات؟، هل استوفت البلديات العربية وشرطتها كل مقتضيات الحياة الكريمة للناس ولم يبقى سوى ملاحقة الباعة المتجولين بالعربات والتكاتك نسبة إلى السيدة " توكتك"، متى تستيقظ هذه الحكومات؟، متى يمكن للمواطن العربي أن يسأل عن مصير ثروات بلاده والمليارات؟، طالما الحال هكذا فأحداث تونس وأخواتها العربيات ستخفو تارة وتشتعل أخرى حتى يأتي الله بالفرج، ونسأل الله أن يأتي قبل أن تشعل الناس نفسها وما حولها. ويصبح خبر الانتحار ذاته مكررا في واحد وعشرين عاصمة عربية وحكومتين.