إتفاقية هلسنكي

هي إتفاقية تقضي بفض النزاعات بين الدول الأوروبية

في 30 تموز/يوليو 1975 إجتمع رؤساء 35 دولة أوروبية في العاصمة الفنلندية في هلسنكي في مؤتمر لأمن أوربا وبعد ثلاثة أيام من المفاوضات وقعوا على إتفاقية عرفت لاحقا بإسم إتفاقية هلسنكي التي تقضي بفض النزاعات بالطرق السلمية وبإحترام سيادة جميع الدول وتأمين حقوق الفرد.

إتفاقية هلسنكي

إتفاقية هلسنكي L'accord de Helsinki هي وثيقة صدرت عن مؤتمر هلسنكي المنعقد في عام 1975 ونظمت أسساً جديدة للأمن والتعاون بين الدول الأوربية.
منذ منتصف الخمسينات تقريباً بدأت تظهر فكرة عقد مؤتمر عام للأمن والتعاون في القارة الأوربية من أجل إيجاد حلول للمشكلات القائمة بين الشرق والغرب، وتطويق الأزمات، وترسيخ الأمن والإستقرار، وتغيير نوع العلاقات الدولية القائمة.
وقد إشتركت مجموعة من العوامل المختلفة داخل القارة الأوربية وخارجها في تطوير هذه الفكرة ونقلها من الإطار النظري إلى الواقع العملي، كإتساع العلاقات السياسية الإقتصادية بين دول الكتلة الشرقية (سابقاً) ودول الكتلة الغربية، والتوصل إلى حلول لبعض القضايا المهمة في القارة الأوربية. وتحقيق توازن في الأسلحة الإستراتيجية يضمن عدم قدرة أي طرف على تحقيق إنتصار في أية حرب مقبلة، والخسائر الكبيرة التي ستحدثها هذه الأسلحة، وبروز فكرة إمكان التعايش السلمي بين الأنظمة السياسية الإجتماعية الإقتصادية المختلفة، ودور الأمم المتحدة وحركة عدم الانحياز في العمل على ترسيخ مظاهر الأمن والإستقرار في العالم، وتعاظم دور الرأي العام العالمي المناهض للحروب.
كان للعوامل السابقة أثر كبير في دفع دول الكتلتين الشرقية والغربية إلى البحث عن وسائل وصيغ عملية لعقد مؤتمر عام للأمن والتعاون الأوربيين.
أخذت فكرة عقد مثل هذا المؤتمر تتطور وتتخذ صيغاً وأشكالاً مختلفة من المقترحات الأحادية الجانب التي أعلنت من قبل الشرق والغرب، مثل خطة وزير الخارجية السوفييتي مولوتوف عام 1954، وخطة أنتوني إيدن وزير الخارجية البريطاني في العام نفسه، ومشروع بولغانين رئيس وزراء الإتحاد السوفييتي عام 1955، ومشروع رابانسكي وزير الخارجية البولوني عام 1957، ومشروع كرستيان هرتر الأمريكي عام 1959.
ثم إنتقلت الفكرة إلى الأمم المتحدة في الستينات بمقترحات رابانسكي وزير الخارجية البولوني، وأقرت الجمعية العامة في دورتها العشرين ضرورة بذل الجهود لتقوية السلام والأمن في القارة الأوربية عن طريق اتفاقات جماعية.
وبعد ذلك إنتقلت الفكرة لتدرس في الهيئات الرسمية المختصة لحلف وارسو وحلف الأطلسي (الناتو).
وفي نهاية الستينات وافق الطرفان على عقد مثل هذا المؤتمر، وتعهدت الدول الاسكندنافية في إجتماع لوزراء خارجيتها بعقد المؤتمر في شهر نيسان 1969، وكلفت فنلندا إنجاز الإجراءات التنفيذية لتحقيق ذلك.
وقد عقد المؤتمر في هلسنكي في 30/7/ - 1/8/1975 بعد إجتماعات عقدها سفراء الدول الأعضاء ووزراء خارجيتها وخبراؤها الدبلوماسيون، وحددت فيها موضوعات المؤتمر وأسلوب عمله. وهو من أهم المؤتمرات الدولية في تاريخ الدبلوماسية الأوربية لأنه ضم دول الكتلتين الشرقية والغربية وبقية الدول المحايدة. وأقر المؤتمر ما عرف بوثيقة هلسنكي التي تضمنت النقاط الرئيسة التالية:
1. حددت الوثيقة المبادئ التالية أساساً لإقامة علاقات جديدة في القارة الأوربية وهي: المساواة في السيادة، وإحترام حقوق السيادة الوطنية لكل دولة، وحصانة حدودها ووحدة أراضيها وسلامتها، وحل الخلافات بالطرق السلمية وعدم إستخدام القوة، وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول، وإحترام حقوق الإنسان والحريات الأساسية بما فيها حرية التفكير والمعتقدات، والمساواة بين الدول وحق الشعوب في تقرير مصيرها، وترسيخ مظاهر التعاون بين الدول وتنفيذ الإلتزامات والتعهدات الدولية بما ينسجم مع ميثاق الأمم المتحدة وأحكام القانون الدولي.
2. تضمنت الوثيقة مجموعة من الإجراءات رَمَت إلى تدعيم الثقة العسكرية بين الدول المشاركة مثل الإبلاغ المسبق عن المناورات العسكرية التي ستقام في القارة الأوربية، وتحديد هدف المناورات وزمانها والدول وعدد القوات المشاركة فيها، وتبادل المراقبين والخبراء العسكريين للإشتراك في هذه المناورات.
3. أشارت الوثيقة في مجال نزع السلاح إلى ضرورة بذل الجهود الممكنة للوصول إلى تحقيق نزع عام وشامل للسلاح، وتوفير رقابة دولية فعالة لإنجاح ذلك.
4. أشارت الوثيقة إلى ضرورة الربط بين الأمن السياسي والعسكري، وبين أمن كل دولة من دول المؤتمر وأمن القارة الأوربية، والربط بين أمن القارة الأوربية والأمن العالمي وأمن منطقة البحر المتوسط، وأكدت أهمية المفاوضات وسيلة لتسوية الخلافات بين الدول وتبادل وجهات النظر.
5. وأكدت الوثيقة ضرورة قيام الأمن والتعاون الأوربيين على قاعدة واسعة من التعاون المتعدد الجوانب بين الدول المشاركة في المؤتمر، مثل التعاون الإقتصادي والعلمي والتقني والتجاري والصناعي ولاسيما في المشاريع البعيدة المدى ذات المصلحة المشتركة بين الدول المختلفة، وتبادل المعلومات العلمية والزيارات، وتنسيق الخطط التي تسهم في حماية البيئة.
6. تضمنت الوثيقة ضرورة تمتين الروابط في الحالات الإنسانية، كروابط الاتصال بين شعوب القارة بما فيها الأسر الموزعة في أكثر من دولة، وإعادة تجميع الأسر المتباعدة، والسماح بالزواج بين مواطني الدول المختلفة، والسماح بالسفر بين دول القارة لأسباب شخصية أو مهنية، وتشجيع السياحة واللقاءات المختلفة للشباب.
7. تضمنت الوثيقة في المجال الإعلامي ضرورة تسهيل نقل المعلومات وإنتشارها وتبادلها بين دول القارة بالوسائل الإعلامية المختلفة (راديو، تلفزيون، صحافة)، وتوسيع إطار التعاون الثقافي بالوسائل المختلفة مثل إقامة علاقات بين الجامعات والمعاهد وتسهيل تعليم اللغات المختلفة، وتبادل الزيارات العلمية، والمشاركة في المؤتمرات ذات الصفة العلمية.
8. تضمنت الوثيقة ضرورة إستمرار مؤتمر الأمن والتعاون الأوربيين مستقبلاً بصيغ وأشكال مختلفة. وأُتفق على عقد المؤتمر التالي في العاصمة اليوغسلافية بلغراد 1977.
كوّن مؤتمر قمة هلسنكي للأمن والتعاون الأوربي خطوة متقدمة على طريق ترسيخ مظاهر الإنفراج في العلاقات بين الشرق والغرب، وتطوير مظاهر التعاون المختلفة بين دول القارة الأوربية، ووسيلة لترسيخ مظاهر الأمن والسلام في العالم.
وفي ضوء هذه المبادئ عقدت بعد قمة هلسنكي عدة مؤتمرات أوربية أهمها مؤتمر بلغراد لعام 1977/1978 ومؤتمر مدريد لعام 1980/1981 غير أن كلاً منها كان تراجعاً ملموساً عما حققه مؤتمر هلسنكي سواء على مستوى الحضور، أو على مستوى القضايا التي نوقشت أو على مستوى المناقشات والقرارات المتخذة، ولعل السبب في هذا كله يعود إلى إشتداد المواجهة الدبلوماسية بين طرفي القطبية الثنائية التي كانت تتحكم بالعالم: الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي. وقد تبدل الوضع الدولي تبدلاً جذرياً، بعد إنحلال الكتلة الإشتراكية وتفرد الولايات المتحدة الأمريكية بالهيمنة الدولية، لاسيما بعد حرب الخليج والآثار التي ترتبت عليها.