أخلاقيات مهنة الطب في الدين الإسلامي

الدستور الإسلامي لآداب مهنة الطب:

لقد عرف الأطباء المسلمون مثل الرازي وابن سينا الطب على أنه الفن المتعلق بحفظ الصحة ومقاومة المرض وإعادة الصحة للمريض، وقد شهد العالم لقرون طويلة تقدم الأطباء المسلمين الهائل في مجال العلوم الطبية واستفاد من ذلك أيما فائدة ولم يكن هذا التقدم قائما على المهارة أو الذكاء فحسب بل كان يعتمد بنفس الدرجة على الفهم الواضح للطبيب المسلم لدوره مستمدا من تعاليم الإسلام وفلسفته.
ومنذ آلاف السنين عرفت الأخلاقيات والآداب على أنها شرط أساسي لتكوين الطبيب. ومع أن القوانين القديمة لآداب المهنة أكدت على هذه الحاجة إلى حد ما إلا أنها كانت ناقصة وتحتوي على أخطاء جسيمة. أما الدساتير الحديثة للآداب المهنية فتتجه إلى أن تكون أكثر تحررا وأقل تقييدا. أما الآداب القرآنية فإنها تبرز كنموذج فريد لبشرية جمعاء لكل المهن والأعمال وفي كل الأزمنة والعصور.
إن الآداب الطبية المقترحة في هذا المقال مشتقة أساسا من الآداب القرآنية فهي تشمل إرشادات لسلوك الطبيب ومواقفه على المستوى الشخصي والمهني. كما أنها تحدد سلوك الطبيب في حياته الخاصة وأثناء مزاولة عمله المهني. إن الإنسان الذي يفتقر إلى القيم الخلقية في حياته الخاصة الأ يمكن أن يؤتمن في أنشطة مهنية ولو كانت لديه أعلى المؤهلات العلمية، والتقنية.

فمن الصعب على الإنسان أن يكون له مستويان مختلفان في الأخلاق وصدق الله العظيم إذ يقول: (ما جعل الله لرجل من قلبين في جوفه) (4/43). إن الآيات التالية من القرآن الكريم لهي أنسب ما يمكن أن يسترشد به الطبيب في خصائصه الشخصية. (وإذ قال لقمان لابنه وهو يعظه: يا بني لا تشرك بالله إن الشرك لظلم عظيم. ووصينا الإنسان بوالديه حملته أمه وهنا على وهن وفصاله في عامين أن اشكر لي ولوالديك إلى المصير. وان جاهداك على أن تشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما وصاحبهما في الدنيا معروفا واتبع سبيل من أناب إلى ثم إلى مرجعكم فأنبئكم بها كنتم تعملون. يا بني إنها إن تك مثقال حبة من خردل فتكن في صخرة أو في السماوات أو في الأرض يأت بها الله إن الله لطيف خبير. يا بني أقم الصلاة وأمر بالمعروف وانه عن المنكر واصبر على ما أصابك إن ذلك من عزم الأمور. ولا تصعر خدك للناس ولا تمش في الأرض مرحا إن الله لا يحب كل مختال فخور. واقصد في مشيك واغضض من صوتك إن أينكر الأصوات لصوت الحمير) (31/ 19).
ويقول تعالى: (والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس والله يحب المحسنين) (3/ 134) ثم يذكر القرآن الكريم بعد ذلك: (فبما رحمة من الله لنت لهم، ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك، فاعف عنهم واستغفر لهم وشاورهم في الأمر فإذا عزمت فتوكل على الله إن الله يحب المتوكلين) (3/159).
وعاد هذا الأساس فالطبيب المسلم يجب أن يؤمن بالله تعالى ويلتزم بما أنزل من الهدى والتعاليم الاسلامية سواء في حياته الخاصة أو العامة. ويجب أن يكون بارا بوالديه ومعلميه ويوقر المسنين، ويكون متواضعا رحيما صبورا شديد التحمل كما يتبع الصراط المستقيم ويسأل الله دائما العون والتوفيق.
فالطبيب المسلم بالخصال السالفة الذكر يستوفي كل المتطلبات المهنية. ومن أهم المتطلبات المهنية إن يكون قوي المعرفة بعلمه، والله تعالى يوضح ذلك صراحة في القرآن الكريم بقوله:
[قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون] (39/ 9)
ويقول تعالى: (إنما يخشى الله من عباده العلماء) (35/ 28)
وعلى ذلك فالمسلم مطالب دائما بالبحث عن المعرفة:
(وقل رب زدني علما) (25/ 114)
وعلى الطبيب أن يلتزم بالقواعد القانونية التي تنظم المهنة شريطة آلا تخالف تعاليم الإسلام. واحترام القانون والنظام يستمد من الآية الكريمة:
(أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم) (4/ 59).
وباستشعار الخالق مالك الملك رب الطبيب والمريض يظل الطبيب ملتزما بأن العناية التي يوفرها لمريضه لا بد أن تتمشى مع تعاليم الله تعالى.
ومن الأمور الهامة موضوع الحياة الإنسانية. فالله هو الذي يهب الحياة، ولا يحق لأحد أن يسلبها سواه عز وجل أو بأمره تعالى. كما يقول في القرآن الكريم: (الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم آيكم أحسن عملا) (2/67) ويقول تعالى: (ولا يملكون موتا ولا حياة ولا نشورا) (3/25) كما يقول عز وجل: (من قتل نفسا بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعا ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا) (5/ 35).
فليس للطبيب الحق إذن في إنهاء حياة آدمية تحت رعايته، وذلك ينطبق أيضا على الجنين الذي لم يولد بعد حيث أن الأدلة الواضحة تشير إلى أن الحياة الإنسانية تبدأ منذ الإخصاب لذا فليس للطبيب الحق في إنهاء حياة الجنين ما لم يشكل خطرا أكيدا على حياة الأم.
وعلى الطبيب أن يدرك أن الله تعالى يراقبه ويسجل عليه كل ما ينوي ويفعل، كما يتضح من الآيات التي استشهدنا بها من سورة لقمان، وهذه الآيات تنبهنا ألا نطيع أوامر الوالدين إذا كان فيها معصية لله تعالى رغم أن الوالدين هما أكثر ما يجب أن يهتم به الأبناء بعد الله عز وجل. وتطبيقا لهذه القاعدة فليس للطبيب أن ينصاع لرغبات الجمهور أو رغبات المريض إذا كانت مخالفة لأوامر الله. وليس للطبيب أن يصف لمرضاه أو أيعطيهم أي مادة مخدرة انطلاقا من المنطق السليم وتعاليم الإسلام الواضحة.
إن البيان المجمل الوافي في هذا الأمر نجده في الآية الكريمة: (ويحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث) (157/7) وهذا يستلزم أن كل شئ حرمه الله لا بد أن يكون ضارا أو سيئا، وكل ضار أو خبيث لا بد أن يكون محرما إن الجانب الإنساني للمهنة الطبية لا يجوز إهماله أو التغاضي عنه، فهذه لمسة جميلة من كتاب الله تعالى:
(ويطعمون الطعام على حبه مسكينا ويتما وأسيرا، إنما نطعمكم لوجه الله لا نريد منكم جزاء ولا شكورا)
.(76/ 8- 9)
وعندما توكل إلى الطبيب مهمة العناية بمريض فعليه أن يقدم له النصيحة الخالصة، وأن يراعي حق النفس والبدن ويتذكر دائما التزامه بأن يقر ما هو حق وينهي عما هو باطل.
وتطبيقا لوصف الله تعالى للمؤمنين يجب على الطبيب أن يستر أسرار مريضه وخصوصياته (والذين هم لأماناتهم وعهدهم راعون) (/ 8)
وعلى الطبيب أن يتبع أسلوبا مناسبا في التخاطب ويتذكر دائما آداب الحديث التي وردت في الآيات الكريمة التي استشهدنا بها من سورة لقمان. والله تعالى يصف خيار المؤمنين في القرآن بقوله:
{وهدوا إلى الطيب من القول} (/ 24)
أما المواقف التي تتطلب من الأطباء فحص الجنس الآخر فإنها اختبار للقيم الخلقية والصلابة. وهناك تعليمات أساسية في القرآن الكريم نوردها فيما يلي:
(قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم ذلك أزكى لهم إن الله خبير بما يصنعون، وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن ويحفظن فروجهن) (30/ 31)
كما يقول تعالى.
(يريد الله أن يخفف عنكم وخلق الإنسان ضعيفا) (4/ 28)
لذا ينصح الطبيب أن يفحص مرضاه من الجنس الآخر في وجود شخص ثالث طالما كان ذلك ممكنا ففي ذلك وقاية لكل من الطبيب والمريض.
ولا يجوز للطبيب أن ينتقد طبيبا أخر أمام المريض أو أعضاء المهنة الطبية متذكرا توصية القرآن الكريم:
(يا أيها الذين آمنوا لا يسخر قوم من قوم عسى أن يكونوا خيرا منهم. ولا نساء من نساء عسى أن يكن خيرا منهم ولا تلمزوا أنفسكم ولا تنابزوا بالألقاب) (/ 11)
كما يقول تعالى:
(لا يحب الله الجهر بالسوء من القول إلا من ظلم) (148/4) وعلى الطبيب أن برفض الأجر عن علاج طبيب آخر أو أفراد أسرته. وفي الحقيقة ليس هناك تعاليم محددة في هذا الأمر في الكتاب والسنة ولكننا نشير إلى موقف مماثل قد يتخذ كمثال وهو أوجه الزكاة حيث يقول تعالى.
(إنما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها) (/ 60).
فهنا موقف يحق فيه للشخص الذي يقدم خدمة معينة أن يستفيد من نفس الخدمة وقت الحاجة. فالطبيب الذي يقدم الخدمات الصحية لغيره أن يستفيد من نفس الخدمات في وقت الحاجة.
وأخيرا وليس آخر على الطبيب أن يتوخى الحكمة دائما في كل قراراته فإن ثوابه سيكون عظيما. يقول تعالى:
(ومن يؤت الحكمة فقد أوتى خيرا كثيرا) (2/ 269)
وفي الختام أود أن أشير إلى قسم الطبيب المسلم الذي تبنته الجمعية الطبية الاسلامية بأمريكا الشمالية عام 1977 والذي يعكس الفلسفة والروح الممثلتين في الدستور الإسلامي لآداب مهنة الطب المعروض في هذا المقال. وخلاصة القول أن الطبيب المسلم:
- يجب أن يؤمن بالله وبتعاليم الإسلام وسلوكياته في حياته الخاصة والعامة.
- وان يكون عارفا لجميل والديه ومعلميه ومن هم أكبر منه.
- وان يكون بسيطا متواضعا رقيقا رحيما صبورا متحملا.
- وان يسلك الطريق المستقيم ويطلب من الله دوام التوفيق.
- وان يظل دائما على دراية بالعلوم الطبية الحديثة وينمي مهارته باستمرارطالبا العون عندما يلزمه ذلك.
- وأن يلتزم بالقوانين التي تنظم مهنته.
- وان يستشعر أن الله هو الذي يخلق ويملك جسد المريض وعقله فيعامل المريض في إطار تعاليم الله متذكرا أن الحياة هي هبة الله للإنسان، وان الحياة الآدمية تبدأ من لحظة الإخصاب ولا يمكن سلبها إلا بيد الله أو برخصة منه.
- ويتذكر أن الله يراقب ويسجل كل فكر أو عمل.
- وأن يتبع أوامر الله كمنهج وحيد حتى لو اختلفت مع متطلبات الناس أو رغبات المريض.
- وألا يصنع أو يعطي أي شيء ضار.
- وان يقدم المساعدة اللازمة دون اعتبار للقدرة المادية أو أصل المريض نفسه.
- وأن يقدم النصيحة اللازمة للجسم والعقل.
- وأن يحفظ سر المريض.
- وأن يتوخى الأسلوب المناسب في التخاطب.
- وأن يفحص المريضة من الجنس الآخر في وجود شخص ثالث ما تيسر ذلك.
- وألا ينتقد زملاءه الأطباء أمام المرضى أو العاملين في الحقل الطبي.
- وأن يسعى دائما تبني الحكمة في كل قراراته.


قسم الطبيب المسلم:
الحمد لله رب العالمين العلي العظيم الواحد العليم خالق الكون ومعلم الناس أجمعين له الدوام أبد الآبدين لا نعبد إلا إياه … إن الشرك لظلم عظيم.
اللهم ارزقني القوة لأكون صادقا … أمينا .. متواضعا .. مخلصا .. رحيما .. وهب لي الشجاعة لأقر بذنبي وأصلح خطئي وأعفو عن هفوات غيري … وأعطيني الحكمة لأريح غيري وأقدم النصح الداعي للسلام والوئام … وامنحني الإدراك بأن مهنتي مقدسة … تمس أعز ما وهبته للإنسان وهو العقل والحياة. واجعلني يارب جديرا لهذا الموقف المتميز بالشرف والكرامة والتقوى حتى أهب حياتي لخدمة البشر… فقراء وأغنياء.. حكماء وجهلاء … مسلمين وغير مسلمين … بيضا وملونين … متحليا بالصبر والتسامح .. بالفضيلة والوقار والعلم ومراقبة النفس … وأملأ قلبي بالحب والرحمة لعبادتك فهم أعزمخلوقاتك … وها أنذا أقسم باسمك الكريم يا خالق السماوات والأرض … أن ألتزم بما أنزلته على رسولك الكريم محمد صلى الله عليه وسلم … أنه من قتل نفسا بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعا… ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا :.