مَشَاعِلٌ

الأستاذ الشاعر محمد الحلوي


لَو تَعلَمُونَ نَفَائِسِي وَذَخَائِرِي * وَعَرفتُمُ المكنُونَ مِنْ أعلاَقِي!

وَرَأَيْتُم النيرَانَ تَأكُلُ ثَروَتِي * وَمَكَاتِبِي تُجتَاحُ بالإِحْرَاقِ!

لَبَكيْتُمُ بِدَمٍ عَلَى مَا ضَاعَ مِن * مَجدٍ تَأَلَّقَ في سَمَاءِ عِرَاقِ!

شُلَّت يَدٌ عَبِثَت بِأَغْلَى ثَروَةٍ * وتُراثِ شَعْبٍ طَيِّبِ الأعرَاقِ!

مَا حاجَةُ الغَوغَاءِ - وَهيَ مَشُوقَةٌ * للمَالِ تَجمعُهُ - إِلَى الأورَاقِ!

لَمْ تَلقَ مِن حَامٍ يَحدّ جِمَاحَهَا * أو يَلْقَ مَثوَاهَا الأمانَ الوَاقِي!

لَهَفِي عَلَى تِلكَ الذّخَائِر فِي لَظىً * قَدْ أَجَّجتهَا عُصبَةُ المرَّاقِ!

كَانَت عَرائِسَ فِي الخُدُورِ فَأَصبَحَت* حَطباً وكَانَت قِبلةَ الأحْدَاقِ!

كَانَت مَشاعِلَ يُستَضَاءُ بِنُورِهَا* وكوَاكِباً وهّاَجَةَ الإشراقِ!

ومثَابَةً للفكرِ فِي وَاحَاتِهَا* روحُ القُلُوب ومتعةُ الأذْوَاقِ

كَم حَجّ كعبتَها مَشُوقٌ وَارتَمَى* في حِضنهَا في نَشوَةِ العُشَّاقِ!

صُعِقَ الوجُود لمَا رأَى مِنْ هَوْلِهَا* وَبَدَا كَئيباً بَادِيَ الإِطراقِ!

غَطَّى الدخَانُ جَمالَهَا بِسَوَادِهِ* وَغَفَا نَدَامَاهَا وَغَابَ السَّاقِي!

وَبدَت كأَطلاَلٍ مَواتاً بعدمَا* كَانَت مَعِيناً وافرَ الإِغَدَاقِ!

قَد أشعلُوهَا فِتْنَةً لاَ تَنْطَفِي* بِالمَاءِ لكِن بالدّمِ المهرَاقِ!

هَانَت عَليهِم فاستَبَاحُوا نَهبَهَا* فِي هَجمةٍ مِنْ نَافِخِي الأَبْوَاقِ!

قَد شَيعَت بَغدَادُ قَبلَ رِجَالها* مَورُوثَها الغَالِي بِغيرِ عِنَاقِ!

وكأَنَّهَا أُمٌّ تُوَدِّعُ فِي أسىً* أكبَادَهَا مِن بَعدِ طولِ تَلاَقِي!

ظَلّت تُزَوِّدُ فِي سخاءٍ من أتَى* تُعطِي وَلاَ تَخشى مِنَ الإنْفَاقِ!

كَم مِن شُمُوعٍ أُسرِجَت فِيهَا وَمِن* جُهدٍ وفكرٍ مُبدعٍ خَلاَّقِ!

وَالفِكْر أغْلَى مِن قُصُورٍ تُبتَنَى* ولآلِئٍ تَزْهُو عَلَى الأطوَاقِ!

وكُنُوزُ أُمتِنَا التِي قَد أُحرِقَت* أغْلَى منَ البِترُولِ فِي الأسوَاقِ!

يَستَرْخِصُونَ دِمَاءهُم فِي نَهْبِه* وَيُهَيْمِنُونَ بِهِ على الأرزَاقِ!

جَاءُوا لتحرِيرِ العِرَاقِ كمَا ادَّعَوْا* ليَعِيشَ بالحلفَاءِ فِي استِرقَاقِ!

أوَ يَمنعُونَ السَّارقِينَ وهُم لَهُم* مَثَلٌ ومَن دَفَعُوا يَدَ السُّرَّاقِ!

يبكِي عَلَى شَعبِ العِرَاقِ كَأَنَّهُ* مَلَكٌ وَيَقْتُلُهُ بِلاَ إِشْفَاقِ!

كَم دَمّرت مَبنىً صَوَاعِقُه وكَمْ* طِفلٍ وَشيخٍ طَاعِنٍ ومُعَاق!

طَمَرَتْهُمُ تحتَ الرّكامِ وَأصبَحُوا* خبراً أَدَامَ الدّمعَ فِي الآمَاقِ!

هُو مَا يَرونَ! ومَا يَسيلُ لُعَابُهُمْ* لرَصِيدِهِ وصَبِيبِهِ الدفَّاقِ!

لَو جَفَّ بحر النفطِ فِي آبَارِهِ* وتَعَطَّلَت يَوماً مِنَ الإِرْهَاقِ!

مَا كَانَ يأْتِي للعراقِ مُحَرِّراً* يُهدِي إلَيهِ السلمَ فِي أطباقِ!

لَو أُحْرِقَتْ ليَهودَ يَوماً بِيعَةٌ* لمَ تسلَم الدنيَا مِنَ الإِحْرَاقِ!

صَرَخَاتُ أُمتِنَا هُنَا لَم تَرْتَفع* خَوفاً مِنَ الإزعاجِ والإقْلاَقِ!

سَتجفُّ أدمُعنَا وتُنسَى نكبَةٌ* قَدْ جَاوَزَت فِي الْهَوْلِ كل نِطَاقِ!

هُنَّا عَلى الدُّنْيَا وأَصْبَحْنَا بِهَا* مُستَضعَفِينَ مُطَأْطَئِي الأعْنَاقِ!

جَاءُوا ليَكتَشِفُوا الدّمار فَدمَّرُوا* قِيماً بجيْشٍ سَيِّءِ الأخلاَقِ!

أنْسَى دُجَيلةَ مَا جَنَاهُ مغُولها* وَدَهَى مكَاتِبَها مِنَ الإغْرَاقِ!

وَمُصَابُنَا فِيهَا مُصَابُ حَضَارَةٍ* وخَنَاجِرٌ ستَظَلُّ فِي الأَعماقِ!

إن ضاعَ إرثٌ للحَضَارَةِ واختَفَى* فَالفِكر للإنسانِ حَيّ بَاقِي!

وَعِراقُ يَعربَ سَوفَ يَبْقَى صَامِداً * رَغْم النّوائِب وَهوَ كالعمْلاَقِ!

عن موقع مجلة التاريخ العربي