المجاهد المعماري سنان باشا

النسب والمولد:

ولد سنان باشا في عام 1489م في إحدى قرى الأناضول التركي من عائلة مسيحية.

النشأة:

ولد سنان باشا لأبوين مسيحيين ولكن الدولة العثمانية لم تكن تفرق بين رعايها أو تضطهد أصحاب الديانات الأخرى، فقد التحق سنان باشا بالجيش العثماني ليتعلم ويحصل على فرصة كبيرة في وظائف الدولة، ومضت سنوات على سنان باشا حتى أسلم وعمره ثلاث وعشرون سنة ليصبح مجاهدا في سبيل الله ومن أكبر معماري الدولة العثمانية بل والعالم وآثار بنائه تدل على ذلك.

جهاده وأهم المعارك ودوره فيه:

أصدر السلطان سليم الثاني أوامره إلى وزيره سنان باشا وقبودانه قلج علي بالاستعداد للتوجه إلى تونس، لفتحها نهائياً، وإعادة نفوذ الدولة العثمانية إليها، كما صدرت نفس الأوامر والتوجيهات لبقية الأقاليم بتحضير الجنود والذخيرة، والمؤن والجنود مع مائتين وثلاث وثمانين سفينة مختلفة الأحجام، كما أكد على المكلفين بالخدمة في الأناضولي والروم يلي بالاشتراك في السفر بحراً، كما أحضر المجدفين اللازمين للأسطول، وأنذر من لا يحضر من المجدفين بالفصل من مناصبهم على أن لا يسند إليهم في المستقبل أي عمل وبينما كان الأسطول يتأهب، أخذ حيدر باشا الحاكم العثماني في تونس والذي انسحب للقيروان في حشد المجاهدين من الأهالي الذين التفوا حوله.
أبحر الأسطول العثماني بقيادة سنان باشا وقلج علي في 23 محرم 982هـ / 14 مايو 1574م، فخرج من المضائق ونشر أشرعته في البحر الأبيض، فقاموا بضرب ساحل كالابريا، مسينا، واستطاع العثمانيون أن يستولوا على سفينة مسيحية ومن هناك قطعوا عرض البحر في خمسة أيام في هذا الوقت وصل الحاكم العثماني في تونس حيدر باشا، كما وصلت قوة من الجزائريين بقيادة رمضان باشا، وقوة طرابلس بقيادة مصطفى باشا، كما وصل ثمة متطوعين من مصر.
بدأ القتال في ربيع سنة 981هـ/ 1574م، ونجح العثمانيون في الاستيلاء على حلق الواد، بعد أن حوصروا حصاراً محكماً وقامت قوات أخرى بمحاصرة مدينة تونس، ففر الأسبان الموجودون فيها ومعهم الملك الحفصي محمد بن الحسن إلى البستيون التي بالغ الأسبان في تحصينها وجعلوه من أمنع الحصون في الشمال الأفريقي.
توجه العثمانيون بعد تجمع قواتهم إلى حصار البستيون، وضيق العثمانيون الخناق على أهلها من كل ناحية وباشر الوزير سنان الحرب بنفسه كواحد من الجند حتى أنه أمر بعمل متراس يشرف منه على قتال من في البستيون كما كان ينقل الحجارة والتراب على ظهره مثل الجنود، فعرفه أحد أمراء الجنود فقال له: ما هذا أيها الوزير؟ نحن إلى رأيك أحوج منا إلى جسمك، فقال له سنان: لا تحرمني من الثواب.
وشدد سنان باشا في حصاره على البستيون حتى استطاع فتحه.
وبعد أن اضطربت الأحوال في اليمن مع ظهور الزعيم الزيدي المطهر الذي كاتب أهل اليمن ودعاهم للخروج عن طاعة السلطان العثماني واجتمعت القبائل لدى المطهر الذي دخل صنعاء بعد أن ألقى بالعثمانيين هزيمة ساحقة، وشعرت الحكومة العثمانية بخطورة الموقف قررت إرسال حملة كبرى إلى اليمن بقيادة سنان باشا، وقد اهتم السلطان العثماني سليم الثاني اهتماماً كبيراً بإرسال تلك الحملة، لأن اليمن كان يمثل جزءاً هاماً من إستراتيجية العثمانيين في البحر الأحمر وهي غلق هذا البحر أمام الخطر البرتغالي، علاوة على ذلك يكون درعاً قوياً للحجاز وقاعدة للتقدم في المحيط الهندي.
وصل الوزير العثماني سنان باشا إلى مصر تنفيذاً لأوامر السلطان، وهناك اجتمعت لديه الجنود في كافة الأنحاء، حتى أنه لم يبق في مصر إلا المشايخ والضعفاء.

تحركت الحملة ووصلت إلى ينبع واستقبله هناك قاضي القضاة في مكة وعند وصوله إلى مكة المكرمة استقبله أهلها ودخلت الجيوش العثمانية معه، وكانت جنود مصر قد انتقلت إلى مكة بالإضافة إلى جنود الشام وحلب وفرمان ومرعش، وضبط سنان باشا الجنود، وأجرى الصدقات وأحسن على العلماء والفقهاء، ومكث عدة أيام في مكة وغادرها إلى جازان، وعندما اقترب منها، هرب حاكمها من قبل الإمام الزيدي المطهر، وأقام سنان باشا في جازان، فأقبلت عليه العربان يطلبون الطاعة وكان منهم أهل صبيا فأكرمهم سنان باشا وخلع عليهم وكساهم، كما أقبلت عليه وفود عربان اليمن وبذلوا الطاعة طالبين الأمان.
أسرع سنان باشا إلى تعز، بعد أن ضبط جازان إذ بلغه أن الوالي العثماني في تعز ومن معه من الجنود في ضيق من أمرهم بسبب قطع عرب الجبال عليهم الميرة، وحصل عليهم المجاعة، فقطع الوزير سنان باشا المسافة في غاية السرعة، ونزل خارج تعز، وانتشر جنوده في جبالها، ولما شاهد الزيديون كثافة ذلك الجيش، اعتصموا بأحد الجبال المسمى الأغبر.
قام سنان باشا وجزء من جيشه بمتابعة الزيود في جبل الأغبر، وتمكنوا منه عند ذلك خرج الزيود من مخابئهم لمواجهة العثمانيين، فانهزم الزيود وولوا هاربين فأنعم سنان باشا على جميع الجنود العثمانيين.

الاستيلاء على عدن:

جهز سنان باشا حملتان وذلك للاستيلاء على عدن، الأولى عن طريق البحر بقيادة خير الدين القبطان المعروف بقورت أوغلي، وأخو سنان باشا، والثانية عن طريق البر بقيادة الأمير حامي وبرفقته عدد من الفرسان.
وكان حاكم عدن قاسم بن شويع من قبل الإمام الزيدي المطهر، قد أظهر شعار الزيدية، فكرهه أهالي عدن لأنهم شافعيون ثابتون على الكتاب والسنة، وبنى مدرسة باسم مطهر يدرس فيها بعض من مذهب الزيدية، كما استدعى البرتغاليين الذين أرسلوا سفينة وعليها عشرين جندياً، فأطلعهم قاسم إلى القلعة وأراهم ما فيها من العدد والآلات وأعطاهم المدافع ليدفعوا عن عدن من جهة البحر ويكون البر للزيدية وأشياعهم، إلا أن خير الدين القبطان سبق إلى عدن ورأى من وسط البحر عشرين شراعاً للمسيحيين قاصدة عدن، ولما تحقق خير الدين من ذلك توجه بسفنه إليهم فولوا هاربين، وتتبعهم خير الدين حتى اطمأن على ذلك.
لما عاد خير الدين إلى الساحل وأنزل مدافعه فوجهها نحو قلعة عدن منتظراً القوة البرية لتتم محاصرة عدن ففاجأهم الزيديون، وإذا بالأمير ماحي قد وصل وأحاطوا بعدن من كل جوانب، فهجموا عليها هجمة واحدة ودخلوا عليها من كل جانب، وأعطى خير الدين الأمان للأهالي الذين جاءوا بقاسم بن شويع وولده وذويه، وإذا بشخص منهم تقدم ليقبل يد خير الدين، فضربه بخنجر في بطنه وجرح خير الدين على أثرها، وتقدم الأمير ماحي، وقطع رأس بن شويع لاتهامه بهذه الخيانة وأراد قتل ولده وجميع أتباعه فمنعه الأمير خير الدين عند ذلك، فرح لذلك الفتح الوزير سنان باشا وشاركه في ذلك الجنود وزينوا زبيد وتعز وسائر الممالك السلطانية في اليمن، ثم عين الوزير سنان باشا ابن أخته الأمير حسين، وأرسل معه مائتين من الجنود، ورقى جميع الجنود الذين فتحوا عدن.

دخول صنعاء:

فرغ سنان باشا في هذا الوقت من جنوب اليمن، فاتجه نحو ذمار وأمر بسحب المدافع لحصار صنعاء، فجهز المطهر نفسه للانسحاب منها، ونقل ما فيها من الخزائن، وتقدم سنان باشا نحو صنعاء بعد أن وعد أهلها بالأمان فاطمأنت قلوبهم واختاروا عدداً منهم لمقابلته، فأكرمهم سنان ودخل صنعاء بعد ذلك إلا أنه لم يستقر فيها بل نهض بجيوشه الجرارة لحرب كوكبان؛ لأن سنان باشا رأى أنه لن يتمكن من السيطرة على اليمن بأكمله إلا بالقضاء على مقاومة المطهر وأتباعه فأخذ يوالي حشد قواته وتبعه في ذلك الوالي العثماني ودامت الحرب سجالاً ما يقرب من عامين، انتهت بموت الإمام الزيدي المطهر في مدينة ثلا سنة 980هـ/1573م، وقد أتاح موت المطهر للعثمانيين مزيداً من السيطرة وبسط النفوذ حتى تمكن الوالي العثماني حسن باشا من الاستيلاء على ثلا ومدع وعفار وذي مرمر والشرفين الأعلى والأسفل وصعدة مركز الإمامة الزيدية فقضى بذلك على حركة المقاومة اليمنية فترة من الوقت، واستطاع حسن باشا أن يأسر الإمام الحسن بن داود الذي استحوذ على الإمامة بعد وفاة المطهر.
لقد تحولت سياسة الدولة العثمانية بعد معركة ليبانتو 979هـ/1571م إلى أن تكون الأولوية للمحافظة على الأماكن المقدسة الإسلامية أولاً ثم البحر الأحمر والخليج العربي كحزام أمني حول هذه الأماكن وتطلب ذلك منها أسطولاً قادراً على أن يقاوم البرتغاليين.

استطاعت الدولة العثمانية أن تبني درعاً قوياً، حمى الأماكن المقدسة الإسلامية من الهجمات المسيحية، ومع ذلك الدرع فقد احتفظ السلطان بحرس عثماني خاص في مكة المكرمة والمدينة المنورة وينبع، كما أقامت الدولة العثمانية محطات حراسة بجوار آبار المياه على طول الطريق بين مصر وسوريا ومكة المكرمة لحماية القوافل، كما قررت الدولة أن يكون الوالي في جدة ممثلاً للباب العالي في الحجاز، عرف الحجاز في العصر العثماني بثنائية السلطة، وقررت الدولة أن تقسم حصيلة الرسوم الجمركية التي تجمع من السفن في ميناء جدة بين الوالي العثماني وشريف مكة المكرمة.

وفاته:

لقى الوزير المعماري المجاهد سنان باشا ربه في عام 1580م بعد حياة حافلة بالجهاد والعمارة، أسكنه الله فسيح جناته وحشره مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين.

عن موقع قصة الإسلام