منقول=معسكر الحب لفضيلة مسعي بقلم الدكتور احمد فضل شيلول

[فضيلة مسعي]

First Published: 2007-05-10


كاتبة تونسية في معسكر الحب

فضيلة مسعي تعلن عن موقفها الحاسم من الحب والفضيلة والتسامح في مقابل معسكر الغدر والخيانة.


ميدل ايست أونلاين

بقلم: أحمد فضل شبلول



وأين فكرة الفن للمجتمع؟



رواية أولى للشاعرة التونسية والإذاعية فضيلة مسعي، بعد ديوانها الأول "امرأة من نار" اختارت لها عنوان "معسكر الحب" الذي أرى أنه مناسب للرواية التي تتحدث عن الحب في عصر العولمة والاستنساخ والأغاني الجديدة التي لا طعم لها ولا لون ولا رائحة.
لقد اختارت فضيلة مسعي أن تعلن عن موقفها الحاسم من الحب والفضيلة والتسامح في مقابل معسكر الغدر والخيانة والخلاعة، فأشهرت سلاح الحب أمام الكراهية والتشوهات ومركب النقص، ومن هنا جاءت دلالة العنوان "معسكر الحب".
فبدلا من "نهر الحب" أو "طريق الحب" أو "قصة حب" أو غير ذلك من عناوين مستهلكة، أرادت الكاتبة أن تشهر حبها سلاحا في وجوه الجميع، ومن هنا جاءت عتبة النص الأولى، أو عتبة الرواية، باختيار لفظ "المعكسر" وهو اسم المكان الذي يعكسر فيه الحب، شاهرا كل أسلحته النوارنية النابعة من العين والقلب والإرادة العاطفية السمحة.
إن نيروز بطلة الرواية لا تزال تتمسك بعصر الفن الجميل وأغاني عبدالحليم حافظ ونجاة، بصفة خاصة، ولا تزال تعشق الفنون الجميلة من شعر ورسم ونحت وموسيقى.
وربما تكون نيروز الشخصية الأقرب إلى روح الكاتبة نفسها، على عكس الشخصية الثانية في الرواية وهي "نهيل" التي خانت صديقتها نيروز وأوقعت خطيبها في حبالها وشبائكها، فمال لها وترك نيروز التي أحبته منذ الصغر ومنذ أن كانا معا في مدرسة واحدة، وفصل واحد.
إنها طبيعة "نهيل" التي تسرق أو تخطف أو تحتال على صديقتها لتأخذ كل شيء جميل منها.
ومع ذلك دامت صداقتهما إلى أن خطفت منها خطيبها وحبيبها فكانت القطيعة النهائية، إلى أن تركها الحبيب عياش، وطلقها فعادت واعترفت لنيروز بكل شيء، وطلبت منها أن تعود إلى عياش لأنه بالفعل يحبها، وكان يلهج باسمها في كل وقت.
هذه هي التيمة الأساسية في رواية "معسكر الحب" لفضيلة مسعي.
ولكن كيف عبرت عن هذه التيمة، أو كيف كشفت لنا، عن طريق الفن الروائي، عن تلك الأحداث وعن الصراع النفسي الكبير الذي تعيشه نيروز، ومراحل التطور التي مرت بها الشخصية، إلى أن عادت بالفعل إلى عياش ليبدءا معا حياة جديدة؟ ولينتصر معسكر الحب في النهاية على معسكر الشر والكراهية والزيف.
الرواية مليئة بالمفاجآت والأحداث العاطفية والقومية أيضا، مثل الحرب على العراق، وسقوط بغداد، وما تلا ذلك من تداعيات في المواقف العربية، مازلنا نعاني منها حتى الآن، وتعاني منها نيروز على عكس نهيل التي لم يكن يهمها شئ يجري على الساحة العربية أو العالمية.
فلم يجئ على لسان نهيل أي خبر قومي أو رد فعل إزاء ما يجري من أحداث أو ما يصرح به زعماء وملوك ورؤساء وأمراء في عالمنا العربي والعالم أجمع.
وكأن أزمة البطلة تشبه أزمة العراق أو أزمة العرب، فخيانة صديقتها لها، تمثل خيانة بعض حكام العرب لشعوبهم.
والفارق أن عياش يعود في نهاية الرواية لحبيبته نيروز، وعندما تتأكد من أنه لا يزال يحبها بالفعل، تسافر هي إليه ليعيشا معا، ويقيما معا في معسكر الحب.
إنهما في نهاية الرواية يتحولان إلى "ظلين متعانقين في الرمال والشمس ساطعة."، مثلما عبر الرسم على غلاف الكتاب.
وتغلق الرواية في ص 150 بقول الكاتبة "فإذا بشجرة ياسمين جميلة مزهرة فواحة تخرج من أحشاء الرمال وتبسق عاليا."
لتنتهي بذلك نهاية سعيدة ورمزية في الوقت نفسه.
وفي هذا "كناية عن الانتصار الحتمي للمحبة في العالم الذي يسوده الحقد والبغضاء والعنصرية وشتى النزاعات العدوانية التي ما فتئت تبذر الشقاق بين أبناء البشرية الواحدة." كما يقول . محمد الصالح بن عمر في مقدمته للرواية.
أما في الأزمة العربية فلا أحد يعرف متى سيعود الحكام العرب إلى صوابهم أو شعوبهم، ويتصالحون معهم، وليس شرطا أن يقيم الحكام معسكرا للحب كالذي شيدته أو أقامته نيروز، ولكن عليهم فقط أن يحطموا معسكر الخوف والتعذيب والديكتاتورية.
لعبت التداعيات وتذكر الماضي (فلاش باك) دورا كبيرا في الرواية، خاصة ما بين قرار سفر نيروز إلى عياش، واستقبال عياش لها في محطة الباصات.
ومن ثم نهض أكثر من نصف الرواية تقريبا على هذه التداعيات وتذكر أحداث الماضي وصوره، وخاصة مواقف الجدة الصلبة عشرية النواجع التي تأثرت بها نيروز تأثرا كبيرا، وورثت شيئا من جمالها الفاتن، وروحها الجميلة.
وكان ذكر الجدة فرصة لاستدعاء بعض الموروث الشعبي التونسي على صفحات الرواية، مثل قولها "يوم ولادتي جاءت جدتي عشرية بالـ "بركوكش" والشاي والبخور والماء من منزلها، وأكل الجميع."
أيضا هناك مواقف الأب المكافح المناضل في سبيل أن يعيش أبناؤه عيشة كريمة، فكان دائم الأسفار لتوفير متطلبات الحياة لهم (لقد كان والدها دائما مشغولا بالتجارة بين تونس والجزائر أو بين تونس وليبيا في أيام العطل الرسمية، أو بالعمل في الهنشير يوم راحته الأسبوعية، وفي الداموس بقية الأيام).
هناك أيضا مواقف أخرى مع أمها وأخيها الأصغر منها مباشرة، ومع صديقاتها، وذكرياتها عن خطَّابها الثلاثة الذين تقدموا لها بعد أن فر منها عياش ليتزوج من صديقة عمرها الخائنة نهيل.
ويبدو أن نيروز طبعت الرواية بطابعها الأخلاقي، فوجدنا صفحات كاملة من الوعظ والإرشاد والخطابية وإعلان رأي نيروز في بعض قضايا الأدب والفن بطريقة أقرب إلى كتابة المقالات منها إلى التكنيك الروائي.
تقول نيروز (ص 97) عندما التقت إحدى الأمهات في الباص ومعها ولداها الصغيران محاولة صرفهما عن التعلق بالرسم والتلوين لأن أباهما الفنان التشكيلي انتحر لعدم بيع لوحاته، وعدم وجود ما يكفي لسد حاجة أسرته. تقول معلقة:
"على هذه الأم أن تشجع ابنيها على ممارسة هواياتهما مع زرع فكرة الفن للفن في ذهنيهما حتى لا يضطرا إلى ممارسة الفن الهابط والأدب الاستهلاكي الردئ، مثلما هو حال الفنون التشكيلية والموسيقى التي أصبحت موجهة إلى بعض الشرائح الباحثة عن الترفيه الرخيص، فغاب من جراء ذلك الفن الأصيل وانهارت القيم الجمالية وتبلدت الأذواق .. الخ."
ولم ندر هل هذا الخطاب موجه لأم الطفلين، أم موجه للقارئ، أم هو حوار داخلي، أي يدور بداخل نيروز؟
وفي جميع الأحوال أرى أن مثل هذا الخطاب وغيره على صفحات الرواية، يمثل نوعا من الإقحام على العمل الروائي، وكان من الممكن أن يتحول هذا الخطاب إلى صيغة روائية عن طريق الحوار مثلا بينها وبين الأم.
هنا سيكون الحوار أكثر دفئا وأكثر فنا وأكثر منطقية، عن طريق ذكر وجهة نظر معينة، وما يقابلها من وجهات نظر أخرى.
ثم لماذا زرع فكرة الفن للفن؟ وأين فكرة الفن للمجتمع؟
وهل فكرة الفن للفن هي التي ستحمي هذين الطفلين من الانزلاق إلى الفن الهابط؟ أم ستؤدي إلى فن منغلق لا يرى فيه الفنان سوى نفسه، لأنه لم يهتم بالمجتمع والناس؟
قضايا شائكة وزعتها الكاتبة على بعض الصفحات، وأرادت أن تقول فيها رأيها النهائي على صفحات الرواية عن طريق الطرح المقالي إن جاز التعبير.
وإذا كان محمد الصالح بن عمر ذكر في مقدمته "معسكر الحب أو رحلة التصالح مع الذات" أن "الأسلوب الحداثي والتجديدي الذي كتبت به رواية "معكسر الحب" هذه التي انصهرت فيها عدة مدارس انصهارا طريفا رائقا، إذ جمعت بين السريالية والرمزية والواقعية، كما وظف أكثر من جنس إبداعي كالأغنية والحكاية والشعر والحكمة."
فإننا نضيف "والمقال الأدبي" وتكرار بعض الجمل والعبارات أيضا.

أحمد فضل شبلول ـ الإسكندرية

[عبد الرحمان الخرشي]

بسم الله الرحمن الرحيم

الأخت المكرمة الأديبة الإعلامية

فضيلة مسعي

شكرا لك على هذا النقل الجميل لهذه القراءة للدكتور أحمد فضل شيلول المحملة بكثير من الأبعاد والدلالات والنتائج والكشف عن جمالية الإبداع في صميم التجربة ، ولو أن القراءة - قراءتي بالطبع - جاءت هنا متأخرة عن تاريخ نشرها بكثير ، فإن من يستعمل القليل من الذكاء يعرف السبب / الأسباب الذي / التي حجب / حجبت وجودها عن الأنظار حتى اليوم . ويبقى مع ذلك أن الإنسان / المبدع بخاصة من حقه أن يأتي بالأدلة والبراهين على حقه وما قدم في سبيل تحقيق نصر عظيم اقتنصه شعبه . وإن كنت لاأوافق على المعادلة التي قدم بها الكاتب هذا العمل اليوم لا في أساسها الأول ، وإنما في وقت إذاعتها ونشرها هنا اليوم ؛ وأعني بذلك المعادلة (( الحب والفضيلة والتسامح في مقابل معسكر الغدر والخيانة )) فهذا الأخير وجب اليوم أن يواجه بالجزاء الأنسب وهو العقاب الأنسب ؛ العقاب لكل من غدر بشعب بل بأمة كاملة !!..

من قراءتي لما كتبه الكاتب يبدو لي أن هذا العمل السردي لأختنا فضيلة يستحق القراءة ، ويستحق الدراسة المعمقة ويستحق أن يستجلي منه المرء - دارسا - بعض ملامح المرحلة السابقة في تونس الأبية أرض العزة والشمم . وأن يستجلي منه أيضا تخندق المثقف في صف العزة والكرامة ؛ مسخرا لذلك أداته الحادة حينا : الكلمة الملتزمة بالقضايا الفردية والجماعية كما فهمت من المكتوب أعلاه . والسبل : السريالية ، والرمزية ، والواقعية في أحيان أخرى اقتضاهاالفن الراقي ، والواقع المعيش .


مع التحية لأختنا والاعتبار لما كتبت .

***

.