آثار اتفاقية كامب ديفيد علي مصر والعرب
الدكتور عادل عامر

من أكثر الموضوعات التي اختلف عليها المحللون والنقاد معاهدة كامب ديفيد، والتي اتفقت فيها مصر مع الكيان الصهيوني على وقف حالة الحرب، وإرساء السلام بين الطرفين، وذلك برعاية أمريكية في يوم 26 من مارس سنة 1979م. اتفاقية كامب ديڤيد هي اتفاقية تم التوقيع عليها في 17 سبتمبر 1978م بين الرئيس المصري الراحل محمد أنور السادات ورئيس وزراء إسرائيل الراحل مناحم بيجين بعد 12 يوما من المفاوضات في المنتجع الرئاسي كامب ديڤيد في ولاية ميريلاند القريب من عاصمة الولايات المتحدة واشنطن. كانت المفاوضات والتوقيع على الاتفاقية تحت إشراف الرئيس الأمريكي السابق جيمي كارتر. نتج عن هذه الاتفاقية حدوث تغييرات على سياسة العديد من الدول العربية تجاه مصر بسبب ما وصفه البعض بتوقيع السادات على اتفاقية السلام دون المطالبة بتنازلات إسرائيلية دون المطالبة باعتراف إسرائيل بحق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره وتم تعليق عضوية مصر في جامعة الدول العربية من عام 1979 إلى عام 1989 م نتيجة التوقيع على هذه الاتفاقية ومن جهة أخرى حصل الزعيمان مناصفة على جائزة نوبل للسلام عام 1978 م بعد الاتفاقية حسب ماجاء في مبرر المنح «للجهود الحثيثة في تحقيق السلام في منطقة الشرق الأوسط».
ما قبل الاتفاقية
أدت حرب أكتوبر وعدم التطبيق الكامل لبنود القرار رقم 338 والنتائج الغير مثمرة لسياسة المحادثات المكوكية التي إنتهجتها الخارجية الأمريكية والتي كانت عبارة عن إستعمال جهة ثالثة وهي الولايات المتحدة كوسيط بين جهتين غير راغبتين بالحديث المباشر والتي كانت مثمثلة بالعرب و إسرائيل ، أدت هذه العوامل إلى تعثر وتوقف شبه كامل في محادثات السلام ومهدت الطريق إلى نشوء قناعة لدى الإدارة الأمريكية المتمثلة في الرئيس الأمريكي آنذاك جيمي كارتر بإن الحوار الثنائي عن طريق وسيط سوف لن يغير من الواقع السياسي لمنطقة الشرق الأوسط. في إسرائيل طرأت تغييرات سياسية داخلية متمثلة بفوز حزب الليكود في الإنتخابات الإسرائيلية عام 1977 وحزب الليكود كان يمثل تيارا أقرب إلى الوسط من منافسه الرئيسي حزب العمل الإسرائيلي الذي هيمن على السياسة الإسرائيلية منذ المراحل الأولى لنشوء دولة إسرائيل وكان الليكود لايعارض فكرة إنسحاب إسرائيل من سيناء ولكنه كان رافضا لفكرة الإنسحاب من الضفة الغربية [1]. تزامنت هذه الأحداث مع صدور تقرير معهد بروكنگس التي تعتبر من أقدم مراكز الأبحاث السياسية و الإقتصادية في الولايات المتحدة ونص
الرئيس السادات في الكنيست قبل توقيع المعاهدة
من الجانب الآخر بدأ الرئيس المصري محمد أنور السادات تدريجيا يقتنع بعدم جدوى القرار رقم 338 بسبب عدم وجود إتفاق كامل لوجهات النظر بينه و بين الموقف الذي تبناه حافظ الأسد والذي كان أكثر تشددا من ناحية القبول بالجلوس على طاولة المفاوضات مع إسرائيل بصورة مباشرة. هذه العوامل بالاضافة إلى تدهور الأقتصاد المصري وعدم ثقة السادات بنوايا الولايات المتحدة بممارسة اي ضغط ملموس على إسرائيل مهد الطريق لسادات للتفكير بأن على مصر أن تركز على مصالحها بدلا من مصالح مجموعة من الدول العربية وكان السادات يأمل إلى إن اي اتفاق بين مصر و إسرائيل سوف يؤدي إلى إتفاقات مشابهة للدول العربية الأخرى مع إسرائيل وبالتالي سوف يؤدي إلى حل للقضية الفلسطينية. ويعتقد معظم المحللين السياسيين إن مناحم بيگن إنتهز جميع هذه العوامل وبدأ يقتنع إن إجراء مفاوضات مع دولة عربية كبرى واحدة أفضل من المفاوضات مع مجموعة من الدول وإن أي إتفاق سينجم عنه ستكون في مصلحة إسرائيل إما عن طريق السلام مع أكبر قوة عسكرية عربية أو عن طريق عزل مصر عن بقية العالم العربي. إستنادا إلى الرئيس المصري محمد حسني مبارك في حواره مع الإعلامي عماد أديب في عام 2005 إن الراحل محمد أنور السادات إتخذ قرار زيارة إسرائيل بعد تفكير طويل حيث قام السادات بزيارة رومانيا و إيران و السعودية قبل الزيارة و صرح في خطاب له أمام مجلس الشعب انه "مستعد أن يذهب اليهم في اسرائيل" ، وإلقاء خطاب أمام الكنيست والتباحث مع المسؤولين الإسرائيليين لايجاد تسوية عادلة وشاملة لأزمة الشرق الأوسط. وقام ايضا بزيارة سوريا قبيل زيارة إسرائيل وعاد في نهاية اليوم بعد ان حدثت مشادة كبيرة بينه والسوريين لأنهم كانوا معترضين علي الزيارة‏ [3] وإستنادا إلى إبراهيم نافع فإن الرئيس الروماني شاوشيسكو قد قال "بأن مناحم بيگن بلا شك صهيوني وصهيوني جدا‏,‏ ولكنه رجل سلام‏,‏ لأنه يعرف ماهي الحرب‏.‏ ولكنه أيضا‏ يريد أن يترك اسمه علامة في تاريخ الشعب اليهودي‏ [4]. . وفي 11 نوفمبر 1977 أعلن مناحم بيگن رئيس وزراء إسرائيل ترحيبه بمبادرة السادات ووجه إليه عن طريق السفارة الأمريكية دعوة رسمية لزيارة فلسطين المحتلة. وفي الفترة بين 19-21 نوفمبر من العام نفسه، قام السادات بزيارة القدس المحتلة حيث ألقى أمام الكنيست خطابا عرض فيه وجهة نظره في الصراع العربي الإسرائيلي وضمنه بعض اقتراحات لتسوية هذا النزاع. كما أجرى مباحثات مع رئيس الحكومة الإسرائيلية وعدد من رؤساء الكتل البرلمانية في الكنيست. وفي هذه الزيارة تبدى موقف السادات من خلال الأسس التالي:
استيعاد فكرة الحرب كوسيلة لحل الصراع العربي الإسرائيلي والتعبير عن رغبة الشعب المصري في السلام وصدق نيته في تحقيقه، واعترافه بوجود إسرائيل وقبولها في المنطقة في ظل سلام عادل ودائم. ابداء الاستعداد لتقديم كافة الضمانات المطلوبة لتحقيق أمن إسرائيل، على أن تكون هذه الضمانات متبادلة. تأكيد ضرورة الانسحاب الإسرائيلي من كافة الأراضي العربية المحتلة بعد حزيران 1967 بما في ذلك القدس العربية والاعتراف بالشعب الفلسطيني وحقوقه في العودة واقامة دولته. أما المواقف الإسرائيلي فقد تم التعبير عنه في الكلمات التي ألقاها رئيس الوزراء وكافة المسؤولين الإسرائيليين خلال الزيارة، ويمكن إجمال عناصره بما يلي:
التحدث عن ماهية السلام الذي تريده إسرائيل وكيفية ضمانه، وعن حدود العلاقات الطبيعية أو مظاهرها من اعتراف دبلوماسي وتبادل اقتصادي وحدود مفتوحة. المطالبة بأن يتم تحقيق هذا السلام بواسطة معاهدة تنتج عن مفاوضات مباشرة من دون شروط مسبقة مع أطراف الصراع الأخرى، أي سوريا والأردن ومن أسمتهم إسرائيل ممثلين حقيقيين للشعب الفلسطيني.
المؤتمر التحضيري في القاهرة
بيگن وبرژنسكي يلعبان الشطرنج في كامب ديڤد.
تم الاتفاق، نتيجة لزيارة القدس، على عقد مؤتمر تحضري لتسوية المسائل الاجرائية ووضع أسس الحل المرتقب. وفي 26 نوفمبر 1977 وجهت مصر الدعوات إلى كل من إسرائيل والأردن وسوريا ومنظمة التحرير الفلسطينية ولبنان بالاضافة إلى الأمم المتحدة والاتحاد السوفيتي والولايات المتحدة لحضور هذا المؤتمر التحضيري في القاهرة في 14 ديسمبر 1977. ولكن من شاركوا في المؤتمر فعلا كانوا مصر واسرائيل والولايات المتحدة والأمم المتحدة. فقد رفضت الدول العربية والاتحاد السوفيتي الدعوة من أساسها.
أبرزت المصادر المصرية والإسرائيلية رؤية كل من البلدين للمؤتمر كالتالي:
ذكرت المصادر الإسرائيلية أن وفدها إلى القاهرة لا يملك الصلاحيات لعرض اقتراحات حل وسط من أي نوع على مصر في هذه المرحلة وأن مهمته فنية أساسا، وهي مقارنة مواقف الانطلاق المصرية والإسرائيلية واقتراح نسق اجرائي لمواصلة المفاوضات بين الدولتين بشأن المسائل المختلف عليها. فالمستوى السياسية المسؤول هو وحدة صاحب الصلاحية في الوصول إلى اتفاقات على أساس حلول وسطى. ولم تستبعد المصادر الإسرائيلية فكرة التسوية المنفردة بأنها تشكل أحد الأهداف المطروحة أمام الوفد الإسرائيلي اذا تمكن من اقناع مصر بذلك.
أما الوفد المصري فقد حدد رؤية حكومته لموضوعات البحث في النقاط الخمس الآتية:
1- انسحاب إسرائيل الكامل من الأراضي العربية التي احتلت بعد حزيران 1967.
2- اعتبار القضية الفلسطينية جوهر النزاع في الشرق الأوسط وترتيب السلام الدائم على حل هذه القضية باعادة الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيينة بما فيه حقه في اقامة دولته.
3- أن يكون الحل الشامل هو الاطار العام للمباحثات.
4- ايجاد تصور مشترك يكفل الأمان لكل الأطراف.
5- العمل على سير خطوات المؤتمر بالمرونة التي تتيح انضمام أي أطراف في أية مرحلة من مراحل المؤتمر ، وبالقدر الذي يسمح برفع مستوى التمثيل فيه اذا ما اقتضت الظروف ذلك.
وقد ظهر من سير المحادثات التي تمت على مستوى المفوضين أن ثمة خلافا أساسيا بين الطرفين حول جدول الأعمال الذي ترك مفتوحا أصلا. فمصر اقترحت أن يتضمن الانسحاب والقضية الفلسطينية وطبيعة السلام ومكوناته. وأما إسرائيل فطالبت بأن يتركز البحث حول طبيعة السلام من خلال نصوص مقترحة لاتفاقية سلام بين إسرائيل ومصر. أدى هذا الخلاف بين الطرفين إلى تجميد أعمال المؤتمر بعد أن أعلن عن اتفاق لعقد لقاء في مصر بين السادات وبيغن. وفي هذا الاطار قام وزير الدفاع الإسرائيلي عزرا وايزمان بزيارة خاطفة لمصر يوم 20/12/1977 أجرى خلالها محادثات مع السادات ووزير دفاعه.
مشروع مناحم بيگن
في 25 ديسمبر 1977 التقى السادات بيگن في مدينة الاسماعيلية. وفي هذا اللقاء تم رسميا طرح مشروع بيگن للتسوية، وهو المشروع الذي أعلنه بيغن فيما بعد رسميا أما الكنيست يوم 28 ديسمبر 1977. ويشكل هذا المشروع في الواقع أهم ما جاء في اتفاقيتي كامب ديفيد وينقسم إلى جزئين: الأول يتعلق بمستقبل الضفة الغربية وقطاع غزة ويشمل الثاني قواعد التسوية مع مصر.
ويقترح المشروع في جزئه الأول "تشكيل حكم ذاتي ادارية لسكان يهودا والسامرة وقطاع غزة: يشترك فيه العرب على الأسس التالية:
1- الغاء الحكم العسكرية في يهودا والسامرة وقطاع غزة.
2- اقامة حكم ذاتي اداري فيها للسكان العرب بواسطة المقيمين ومن أجلهم.
3- انتخاب سكان تلك المناطق مجلسا اداريا من 11 عضوا يعمل بموجب المبادئ المحددة في هذه الوثقة.
ثم يحدد هذا الجزء من المشروع القواعد المنظمة لعمليات الانتخاب والترشيح بالاضافة إلى اختصاصات المجلس الاداري التي لا تتعدى في مجملها الاختصاصات التقليدية للمجالس البلدية، بينما يعهد بشؤون الأمن والنظام العام إلى السلطات الإسرائيلية . كما تنص المقترحات على منح سكان الضفة الغربية وغزة حق الاختيار بين الجنسيتين الإسرائيلية والأردنية وما يترتب على ذلك من حقوق وواجبات سياسية ومدنية، ولا سيما حق الإسرائيلين في امتلاك اراضي في تلك المناطق مقابل منح الحق نفسه للعرب الذين يختارون الجنسية الإسرائيلية بالنسبة إلى إسرائيل. وأخيرا تنص مقترحات بيغن على تمسك إسرائيل بسيادتها على يهودا والسامرة وغزة وتطالب "إدراكا منها لوجود مطالب أخرى" – على حد تعبيرها – بابقاء مسألة السيادة في تلك المناطق مفتوحة.
وبالنسبة إلى القدس تنص وثيقة بيغن على أنه "فيما يتعلق بادارة الأماكن المقدسة للديانات الثلاث في القدس يعد ويقدم اقتراح خاص يضمن حرية وصول أبناء جميع الديانات إلى الأماكن المقدسة الخاصة بهم".
أما الجزء الثاني من مشروع بيغن فقد تناول أسس التسوية مع مضر وتضمن ما يلي: 1- أن تجرد مناطق معينة من سيناء من السلاح ولا يجتاز الجيش المصري الممرات ويستمر في سريان اتفاق خفض القوات في المنطقة الحصورة بين الممرات وقناة السويس. 2- أن تبقى المستعمرات الإسرائيلية في أماكنها ووضعها الدائم وتكون مرتبطة بالادارة والقضاء الإسرائيليين وتقوم بالدفاع عنها قوات إسرائيلية. 3- أن تحدد فترة انتقالية لعدد من السنين يرابط خلالها الجيش الإسرائيلي وسط سيناء مع ابقاء مطارات وأجهزة انذار إسرائيلية إلى حين انتهاء هذه الفترة الانتقالية والانسحاب إلى الحدود الدولية. 4- ضمان حرية الملاحة في مضائق تيران واعتراف الدولتين في اعلان خاص بأن هذه المضائق هي ممر مائي يجب أن يكون مفتوحا للملاحة لأي سفينة وتحت أي علم، سواء بواسطة قوة تابعة للأمم المتحدة لا يمكن سحبها إلا بموافقة الدولتين وبناء على قرار بالاجماع لمجلس الأمن، أو بواسطة دوريات عسكرية مصرية إسرائيلية مشتركة. استغرقت مباحثات الاسماعيلية ثلاث جلسات وانتهت يوم 26 ديسمبر 1977 بمؤتمر صحفي أعلن فيه الطرفان آراءهما فيما دار من نقاش. ولكن لم يصدر بيان مشترك عن المباحثات واعتبر ذلك مؤشرا إلى وجود خلافات كبيرة في الرأي. وقد اكتفى الطرفان باعلان اتفاقهما على عدة قرارات اجرائية منها رفع مستوى التمثيل في مؤتمر القاهرة إلى المستوى الوزاري وتشكيل لجنتين في اطار المؤتمر ترفعان قراراتهما إليه: لجنة عسكرية يترأسها دفاع الطرفين بالتناوب، وتعقد اجتماعاتها في القاهرة ولجنة سياسية يرتأسها وزيرا الخارجية بالتناوب وتعقد اجتماعتها في القدس. وبناء على ذلك عقد مؤتمر القاهرة جلسة ختامية مساء اليوم نفسه أعلن فيها رفع مستوى التمثيل وتأجيل أعمال المؤتمر إلى أجل غير مسمى انتظارا لنتائج أعمال اللجنتين السياسية والعسكرية.
الموقف الأمريكي
اتخذ المسؤولون الأمريكيون بعد لقاء الاسماعيلية موقفا يمكن اعتباره امتدادا لموقفهم منذ مبادرة السادات إلى زيارة فلسطين المحتلة، وهو الحرص على تحديد الدور الأمريكي باعتبارة وساطة لا مشاركة وتشجيع الأطراف المعنية على الوصول إلى تفاهم بينهم مع الاحتفاظ بالمساندة التنفيذية التقليدية القوية لإسرائيلي.
فقد أعرب المسؤولون الأمريكيون عن رضاهم عن نتائج لقاء الاسماعيلية، ولا سيما استمرار المباحثات، كما أشاروا إلى أ، خطة بيغن للسلام نقطة بداية. وفي الوقت نفسه بدأ موقف الولايات المتحدة من منظمة التحرير الفلسطيينة يزداد تصلبا ونقلت الصحف تصريحا لبرجنسكي مستشار الرئيس الأمريكي للأمن القومي قال فيه: "وداعا لمنظمة التحرير". كما نقلت نقدا شديدا للمنظمة على لسان الرئيس الأمريكي.
وقد أدت هذه التصريحات الأمريكية إلى رد فعل عنيف لدى الدول العربية، حتى ان الرئيس المصري أعرب عن دهشته وخيبة أمله تجاهها. وعلى أثر ذلك أعرب كارتر عن استعداده للقيام بزيارة سريعة لمصر ضمن جولته في المنطقة. وتقرر بالفعل أن يلتقي السادات في أسوان صباح 4 يناير 1977 وهو في طريق عودته من السعودية إلى فرنسا. وبعد لقا ء استغرق ساعتين أدلى الرئيسان بيانيين موجزين. وقد ضمن كارتر بيانه المبادئ الأساسية التي يؤمن بأنها السبيل إلى التوصل للسلام العادئل الدائم، وهي:
1- يجب أن يقوم السلام الحقيقي على أساس علاقات طبيعية عادية بين الأطراف التي سيتحقق فيما بعد، فالسلام يعني أكثر من مجرد أنهاء حالة الحرب.
2- يجب أن يكون هناك حل للمشكلة الفلسطينية بكل جوانها كما يجب الاعتراف بالحقوق المشروع للشعب الفلسطينية وتمكين الفلسطينيين من المشاركة في تقرير مصيرهم.
ودعا كارتر الأطراف إلى ابداء مزيد من المرونة لضمان نجاح المباحثات وايجاد حل وسط بين الآراء المتعارضة. وقد لوحظ على تصريحات كارتر هذه أنها لم تتضمن ذكر الانسحاب الإسرائيلي الشامل ولا هو عدل عن معارته لفكرة الدولة الفلسطينية المستقلة. كما أنها تجاهل الاشارة إلى ماهية الفلسطينين المقصود تمكينهم من المشاركة في تقرير مصريهم. وقد هذه المواقف السلبية للولايات المتحدة في تصريحات مماثلة ومتتالية نقلت عن المسؤولين الأمريكيين في الأيام التالية لزيارة كارتر لأسوان. ومن جهة أخرى واجهت اللجنتان السياسية والعسكرية اللتان تم انشاؤهما في الاسماعيلية صعوبات جمة أدت في النهاية إلى وقف أعمالهما رغم المساعي الأمريكية المكثفة لتنشيطهما. ولكن تقرر بقاء ألفرد أثرتون مساعد وزير الخارجية الأمريكية في المنطقة ليقوم برحلات مكوكية بني القاهر والقدس لحث الطرفين على استنئاف المفاوضات. كما وجهت واشنطن الدعوة إلى السادات لزيارتها والتشاور مع الرئيس كارتر. وقد تمت الزيارة فعلا وأدت إلى حمل السادات على استئناف المفاوضات والعمل على تجنب التغيرات الدبلوماسية المفائجة (مثلما حدث عندما استعدى وفده من القدس) والعودة إلى الدبلوماسية الهادئة والتخلي عما أسمى دبلوماسية التلفزيون (أي دبلوماسية التصريحات العلنية المثيرة)، ومع التشديد على أن الولايات المتحدة ستتسمر في تحديد دورها في عملية صنع السلام وتظل ممتنعة عن ممارسة ضغوط قوية على إسرائيل. بل أكد البيان المشترك الصادر عن زيارة السادات لواشنطن استمرار التزام الولايات المتحدة التاريخي بأمن اسرائيل. استمر ألفرد أثرتون في رحلاته المكوكية بين القاهرة والقدس. وحملت الأنباء أسئلة وجهها الطرفان واجاباتهما عليها. وقد تعلق معظمها بالقضية الفلسطينية وحقوق الشعب الفلسطيني. وبدا واضحا مما نشر من هذه الأنباء أنه كلما اشتد التعنت في الموقف الإسرائيلي ازدادت تنازلات السادات، وأن الرئيس المصري، مع تمسكه الظاهري بموقف متردد حيال القضية الفلسطينية، غدا أكثر استعدادات لاعلان نيته بالتوصل إلى حل ثنائي مع إسرائيل يركز بالدرجة الأولى على وضع سيناء بشروط أدنى بكثير مما طرحه أمام الكنيست الإسرائيلي أو أعلنه مندوبوه في المفاضوات التالية. تتابعت أثناء ذلك لقاءات الرئيس السادات وعدد من المسؤولين الإسرائيليين في فيينا وسالزبورغ، كما اجتمع بعدد من زعماء الاحزاب الاوروبية المشاركة في الدولية الاشتراكية. وفي نهاية لقاءات سالزبورغ عقد لقاء مفاجئ بين السادات وعزرا وايزمان تم فيه الاتفاق على تجديد اللقاء المصري الإسرائيلي.
مؤتمر ليدز في بريطانيا
تم هذا اللقاء في قلعة ليدز البريطانية في يوم 18 يوليو 1978 وأحيط سير المناقشات بتكتم شديد. ولكن سرعان ما بدا واضحا أن هذا اللقاء لم يحدث ما كان مرجوا منه. فقد تمسك الجانب الإسرائيلي بمواقفه المعلنة المتصلبة ولم تلفح محاولات الوفد المصري تقديم مزيد من التنازلات في زحزحته. وكثفت الولايات المتحدة الأمريكية جهودها لدفع عجلة التسوية إلى الأمام. وبعد فشل الجهود المبذولة على مستوى وزراء الدول والمبعوثين المتجولين لجأت واشنطن إلى طرح فكرة الدعوة إلى قمة ثلاثية تضم كارتر وبيغن والسادات وتعقد في 5/9/1978 كمحاولة أخيرة للتوصل إلى حل للأزمة، فكان مؤتمر كامب ديفيد.
مؤتمر كامب ديفد
استمرت القمة الثلاثية في منتجع كامب ديفيد ثلاثة عشر يوما (5-18 سبتمبر 1978) وشهدت مفاوضات وصفت بأنها شاقة ومتعبة وكادت تفشل أكثر من مرة. وقد شارك في هذه المفاوات بالاضافة إلى الرؤساء الثلاثة كارتر والسادات وبيغن وزراء خارجيتهم وكبار مستشاريهم السياسيين والعسكريين والقانونيين. ولكن القرارات الحاسة اتخذت من قبل الرؤساء وحدهم. وهذا يصدق بالدرجة الأولى على القرار المصري الذي حسمه الرئيس السادات بنفسه، بدليل استقالة وزير خارجيته عقب اعلانه عن مقررات القمة احتجاجا عليها، وكان ثالث وزير خارجية مصري يستقبل منتذ اعلان السادات عزمه على زيارة القدس. في يوم 18 سبتمبر 1978 أعلن الرؤساء الثلاثة اتفاقهم على وثيقتين أساسيتين معلنتين (اتفاقتين) سميت الأولى "اطار عمل للسلام في الشرق الأوسط" وجاءت الثانية تحت عنوان "اطار عمل لقعد معاهدة سلام بين مصر واسرائيل".وقد وقع الوثيقتين كل من السادات وبيغن كطرفين وكارتر كشاهدة. وهذا تخريج غاية في الغرابة من الناحية القانونية لاشتراك واشنطن سياسيا في وثيقتين قانونيتين. وقد أعلن مع الوثيقتين الاساسيتين عن مجموعة من الرسائل المتبادلة بين كارتر والسادات من جهة ، وكارتر وبيغن من جهة أخرى.
الاتفاقيات النهائية
شروط الإتفاقية
في 26 مارس 1979 وعقب محادثات كامب ديفيد وقع الجانبان على ما سمي معاهدة السلام المصرية الإسرائيلية وكانت المحاور الرئيسية للإتفاقية هي إنهاء حالة الحرب وإقامة علاقات ودية بين مصر و إسرائيل و إنسحاب إسرائيل من سيناء التي احتلتها عام 1967 بعد حرب الأيام الستة وتضمنت الإتفاقية ايضا ضمان عبور السفن الإسرائيلية قناة السويس و إعتبار مضيق تيران و خليج العقبة ممرات مائية دولية [5]. تضمنت الإتفاقية أيضا البدأ بمفاوضات لإنشاء منطقة حكم ذاتي للفلسطينيين في الضفة و قطاع غزة والتطبيق الكامل لقرار مجلس الأمن الدولي رقم 242 . يرى بعض المحللين السياسيين إن معاهدة السلام المصرية الإسرائيلية لم تؤدي على الإطلاق إلى تطبيع كامل في العلاقات بين مصر و إسرائيل حتى على المدى البعيد فكانت الإتفاقية تعبيرا غير مباشر عن استحالة فرض الإرادة علي الطرف الآخر وكانت علاقات البلدين و لحد الآن تتسم بالبرودة و الفتور [6]. كانت الإتفاقية عبارة عن 9 مواد رئيسية منها إتفاقات حول جيوش الدولتين و الوضع العسكري و علاقات البلدين وجدولة الإنسحاب الإسرائيلي و تبادل السفراء. يمكن قراءة المواد التسعة للإتفاقية على هذا الرابط [7].
يرى البعض إنه ولحد هذا اليوم لم ينجح السفراء الإسرائيليين في القاهرة ومنذ عام 1979 في إختراق الحاجز النفسي و الإجتماعي و السياسي و الثقافي الهائل بين مصر و إسرائيل ولاتزال العديد من القضايا عالقة بين الدولتين و منها [8]: مسألة محاكمة مجرمي الحرب من الجيش الإسرائيلي المتهمين بقضية قتل أسرى من الجيش المصري في حرب أكتوبر والتي جددت مصر مطالبتها بالنظر في القضية عام 2003. إمتناع إسرائيل التوقيع على معاهدة منع الانتشار النووي . مسألة مدينة "أم الرشراش" المصرية والتي لاتزال تحت سيطرة إسرائيل ويطلق على المدينة إسم "إيلات" من قبل الإسرائيليين. حيث إن البعض مقتنع إن قريـة أم الرشراش أو إيلات قد تم إحتلالها من قبل إسرائيل في 10 مارس 1949 وتشير بعض الدراسات المصرية أن قرية أم الرشراش أو إيلات كانت تدعى في الماضي (قرية الحجاج) حيث كان الحجاج المصريون المتجهون إلى الجزيرة العربية يستريحون فيها [9]. قضية الأموال التي تعتبرها مصر "أموال منهوبة" نتيجة إستخراج إسرائيل للنفط في سيناء لمدة 6 سنوات [10].
مقدمة الاتفاقية الأولى "اطار عمل للسلام في الشرق الأوسط"
تبدأ الاتفاقية بمقدمة مطولة أكد فيها الفريقان بصورة خاصة: "أن البحث عن السلام في الشرق الأوسط يجب أن يسترشد بالآتي:
ان القاعدة المتفق عليها للتسوية السلمية لنزاع بين اسرائيل وجيرانها هو قرار مجلس الأمن رقم 242 بكل أجزائه.
ان شعوب الشرق الأوسط تتشوق إلى السلامحتى يصبح ممكنا تحويل موارد الاقليم البشرية والطبيعية الشاسعة لمتابعة أهداف السلام وتصبحهذه المنطقة نموذجا للتعايش والتعاون بين الأمم.
وان مواد ميثاق الأمم المتحدة والقواعد الأخرى المقبولة للقانون الدولي والشرعية الآن توفر مستويات مقبولة لسير العلاقات بين جميع الدول. وان تحقيق علاقة سلام وفقا لروح المادة 2 من ميثاق الأمم المتحدة واجراء مفاوضات في المستقبل بين إسرائيل وأي دولة مجاورة مستعدة للتفاوض بشأن السلام والأمن معها أمران ضروريان لتنفيذ جميع القيود والمبادئ في قراري مجلس الأمن رقم 242 و338.
ان السلام يتطلب احترام السيادة والوحدة الاقليمية والاستقلال السياسي لكل دولة في المنطقة وحقها في العيش في سلام داخل حدود آمنة ومعترف بها غير متعرضة لتهديدات أو أعمال عنف.
وان السلام يتعزز بعلاقة السلام والتعاون بين الدول التي تتمتع بعلاقات طبيعية. وبالاضافة إلى ذلك فانه في ظل معاهدات السلام يمكن للأطراف على أساس التبادل الموافقة على ترتيبات أمن خاصة، مثل مناطق منزوعة السلام ومناطق ذات تسليح محدود ومحطات انذار مبكر ووجود قوات دولية وقوات اتصال واجراءات يتفق عليها للمراقبة. ان الاطراف تضع هذه العوامل في الاعتبار مصممة على التوصل إلى تسوية عادلة وشاملة ومستديمة لصراع الشرق الأوسط عن طريق عقد معاهدات سلام تقوم على قراري مجلس الأمن رقم 242 و338 بكل فقراتهما. وهدفهم من ذلك هو تحقيق السلام وعلاقات حسن الجوار، وهم يدركون أن السلام لكي يعمر يجب أن يشمل جميع هؤلاء الذين تاثروا بالصراع أعمق تاثر. لذا فانهم يتفقون على أن هذا الاطار في رأيهم مناسب ليشكل اساسا للسلام، لا بين مصر وإسرائيل فحسب بل بين إسرائيل وكل من جيرانها الأخرين ممن يبدون استعدادا للتفاوض على السلام معها على هذا الأساس.
ح- اتفاقية "اطار عمل للسلام في الشرق الأوسط": ينبغي أن تشترك مصر وإسرائيل والأردن وممثلوا الشعب الفلسطيني في المفاوضات الخاصة بحل المشكلة الفلسطينية بكل جوانبها. ولتحقيق هذا الغرض فإن المفاوضات المتعلقة بالضفة الغربية وغزة ولتحقيق هذا الغرض فان المفاوضات ينبغي أن تتم على ثلاث مراحل: في المرحلة الأولى ""تتفق مصر وإسرائيل على أنه من أجل ضمان نقل منظم وسلمي للسلطة يجب أن تكون هناك ترتيبات انتقالية بالنسبة إلى الضفة الغربية وغزة لفترة لا تتجاوز الخمس سنوات. ولتوفير حكم ذاتي كامل لسكان الضفة الغربية وغزة ستنسحب الحكومة الإسرائيلية العسكرية وإدارتها المدنية منهما فورا بعد أن يتم انتخاب سكان هذا المنطقة سلطة حكم ذاتي تحل محل الحكومة العسكرية الحالية. ولمناقشة تفاصيل الترتيبات الانتقالية ستسدتعي حكومة الأردن للانضمام إلى المباحثات على أساس هذا الاطار. ويجب أن تعطي هذه الترتيبات الجيدة الاعتبار اللازم لكل من مبدأ الحكم الذاتي لسكان هذه الأراضي واهتمامات الأمن الشرعية لكل من الأطراف التي يشملها النزاع. وفي المرحلة الثانية تتفق مصر وإسرائيل والأردن على وسائل اقامة سلطة الحكم الذاتي المنتخبة في الضفة الغربية وقطاع غزة. وقد يضم وفدا مصر والأردن ممثلي الضفة الغربية وقطاع غزة أو فلسطينيين آخرين طبقا لما يتفق عليه. وستتفاوض الأطراف بشأن اتفاقية تحديد مسؤوليات سلطة الحكم الذاتي التي ستمارس في الضفة الغربية وغزة. وسيتم انسحاب القوات المسلحة الإسرائيلية ويكون هناك اعادة توزيع للقوات الإسرائيلية التي ستبقى في مواقع أمن معينة. وستتضمن الاتفاقية أيضا لتأكيد الأمن الداخلي والخارجي والنظام العام. كذلك سيتم تشكيل قوة شرطة محلية قوية قد تضم مواطنين أردنيين بالاضفة إلى ذلك ستشترك القوات الإسرائيلية والأردنية في دوريات وفي تقديم الأفراد لتشكيل مراكز مراقبة لضمان أمن الحدود. أما الفترة الانتقالية ذات السنوات الخمس وهي المرحلة الثالثة فتبدأ عندما تقوم سلطة الحكم الذاتي (مجلس اداري) في الضفة الغربية وغزة في أسرع وقت ممكن، على ألا يتأخر قيامها عن العام الثالث لبداية الفترة الانتقالية. وستجرى المفاوضات لتحديد الوضع النهائي للضفة الغربية وغزة وعلاقاتهما مع جيرانهما وابرام معاهدة سلام بين إسرائيل والأردن بحلول نهاية الفترة الانتقالية. وستدور هذه المفاوضات بين مصر وإسرائيل والأردن والممثلين المنتمين إلى سكان الضفة الغربية وغزة. وبموجب الوثيقة الخاصة بالضفة والقطاع اتفق ايضا على انعقاد لجنتين منفصلتين احداهما تتكون من ممثلي الأطراف الأربعة التي ستتفاوض على الوضع النهائي للضفة الغربية وغزة وعلاقاتهما مع جيرانهما والثانية من ممثلي إسرائيل والأردن ويشترك فيها ممثلو السكان في الضفة الغربية وغزة للتفاوض بشأن معاهدة السلام بين إسرائيل والأردن. وستضع هذه اللجنة في تقدريها الاتفاق الذي تم التوصل إليه بشأن الضفة الغربية وغزة. وستتركز المفاوضات على أساس جميع نصوص ومبادئ قرار مجلس الأمن رقم 242. وستقرر هذه المفاوضات فيما تقرر موضع الحدود وطبيعة ترتيبات الأمن. ويجب أن يعترف الحل الناتج عن المفاوضات بالحقوق الشرعية للشعب الفلسطيني ومطاله العادلة. وبهذا الأسلوب سيشترك الفلسطينيون في تقرير مستقبلهم من خلال: 1- أن يتم الاتفاق في المفاوضات بين مصر وإسرائيل والأردن وممثلي السكان في الضفة الغربية وغزة على الوضع النهائي للضفة الغربية وغزة والمسائل البارزة الأخرى بحلول نهاية الفترة الإنتقالية.
2- أن يعرضوا اتفاقهم على ممثلي سكان الضفة الغربية وغزة للتصويت عليه.
3- اتاحة الفرصة للممثلين المنتخبين عن السكن في الضفة الغربية وغزة لتحديد الكيفية التي سيحكمون بها أنفسهم تمشيا مع نصوص الاتفاق.
4- المشاركة كما ذكر أعلاه في عمل اللجنة التي تتفاوض بشأن معاهدة السلام بين إسرائيل والأردن.
ورعم كل ما في هذه النصوص من ضمان لإسرائيل وأمنها تمضي الوثيقة الخاصة بالضفة الوقطاع لتضيف المزيد. فهي تنص على أنه يتم اتخاذ كل الاجراءات والتدابير الضرورية لضمان أمن إسرائيل وجيرانها خلال الفترة الانتقالية وما بعدها. وللمساعدة على توفير مثل هذا الأمن ستقوم سلطة الحكم الذاتي بتشكيل قوة قادرة من الشرطة المحلية تجند من سكان الضفة والقطاع. وستكون قوة الشرطة على اتصال مستمر بالضباط الإسرائيليين والأردنيين والمصريين المعينين لبحث الأمور المتعلقة بالأمن الداخلي. أما عن السكان العرب الذين طردوا من الضفة الغربية وغزة في عام 1967 فقد قرر أرباب كامب ديفيد أن يشكل ممثلو مصر وإسرائيل والأردن وسلطة الحكم الذاتي خلال الفترة الانتقالية لجنة تعقد جلساتها باستمرار وتقرر بالاتفاق مدى السماح بعودة هؤلاء العرب مع اتخاذ الاجراءات الضرورية لمنع الاضطراب. ويجوز ايضا لهذه اللجنة أن تعالج الأمور الأخرى ذات الاهتمام المشترك وستعمل مصر وإسرائيل معا ومع الأطراف الأخرى المهتمة لوضع اجراءات متفق عليها للتنفيذ العاجل والعادل والدائم لحل مشكلة اللاجئين.
ط- اتفاقية "إطار لابرام معاهدة السلام بين مصر وإسرائيل": أما الوثيقة الخاصة بالسلام بين مصر وإسرائيل فقد نصت على التفاوض بين الطرفين لتحقيق انسحاب القوات الإسرائيلية من سيناء على مرحلتين: المرحلة الأولى انسحاب يتم في فترة تراوح بين ثلاثة وتسعة شهور بعد توقيع معاهدة الصلح المصرية الاسرائيلية التي يجب أن توقع في غضون ثلاثة أشهر. وأما المرحلة الثانية فيتم فيها الانسحاب الإسرائيلي النهائي من سيناء خلال فترة تتراوح بين عامين أو ثلاثة أعوام من تارخي توقيع معاهدة السلام. وتقضي الوثيقة فيما تقضي باقامة علاقات طبيعية بين مصر وإسرائيل عند اتمام النسحاب في المرحلة الأولى. وتحدد الوثيقة مرابطة قوات الجانبين بعد توقيع معاهدة السلام المرتقبة. وقد كانت مبادئ هذه الوثيقة الاسس التي انبنت عليها معاهدة الصلح التي وقعها الجانبان في واشنطن بتاريخ 26 مارس 1979.
ولم ينس المفاوضون في كامب ديفيد أن يلبوا المطالب الإسرائيلية بأن تكون المبادئ التي أرسوها في اتفاقهم أساسا للتفاوض المرتجى بين إسرائيل والأطراف العربية الأخرى فألحقوا بوثائق المؤتمر عددا من البنود الخطيرة منها أن" على الموقعين أن يقيموا فيما بينهم علاقات طبيعية كتلك القائمة بين الدول التي تعيش في سلام.وعند هذا الحد ينبغي أن يتعهدوا بالالتزام بنصوص ميثاق الأمم المتحدة . ويجب أن تشتمل الخطوات التي تتخذ في هذا الشأن على:
1- اعتراف كامل.
2- الغاء المقاطعة الاقتصادية.
3- ضمان تمتع المواطنين في ظل السلطة القضائية بحماية الاجراءات القانونية في اللجوء إلى القضاء. كذلك يجب على الموقعين استكشاف امكانيات التطور الاقتصادية في اطار اتفاقيات السلام النهائي بهدف المساهمة في صنع جو السلام والتعاون والصداقة التي تتعتبر هدفا مشتركا لهم. كما يجب اقامة لجان للدعاوى القضائية للحسم المتبادل لجميع المطالب القضائية المالية.
أما تنفيذ اتفاق كامب ديفيد فقد جعل برعاية الولايات المتحدة الأمريكية أولا فاتفق الطرفان المتعاقدان على أن تدعى الولايات المتحدة للاشتراك في المحادثات بشأن موضوعات متعلقة بشكليات تنفيذ الاتفاقيات واعداد جدول زمني لتنفيذ تعهدات الأطراف. وأما مجلس الأمن الدولي فسيطلب إليه المصادقة على معاهدات السلام وضمان عدم انتهاك نصوصها. كما سيطلب إلى الأعضاء الدائمين في مجلس الأمن التوقيع على معاهدات السلام وضمان احترام نصوصها. وسيطلب إليهم كذلك مطابقة سياستهم وتصفاتهم مع التعهدات التي يحتويها هذا الاطار.
الرسائل الملحقة بالاتفاقيتين
أما الرسائل المتبادلة بين أرباب كامب ديفيد فقد كانت حول عدد من الموضوعات:
1- الرسالة الأولى: حررها الرئيس السادات إلى الرئيس كارتر وحاول فيها تسجيل موقفه " من الوضع القانوني لمدينة القدس العربية من حيث ضرورة اعتبارها جزءا لا يتجزأ من الضفة الغربية ووجوب احترام وعادة الحقوق العربية الشرعية والتاريخية إلى المدينة واعتبارها تحت السيادة العربية، على أن تتوافر لجميع الشعوب حرية الوصول إلى الأماكن المقدسة لكل دين من الأديان الثلاثة تحت ادارة واشراف ممثلي هذا الدين. كما دعا إلى عدم تقسيم المدينة مع موافقته على اقامة مجلس بلدي مشترك يتكون من عدد متساو من كل من العرب والإسرائيليين.
2- الرسالة الثانية: موجهة من بيگن إلى كارتر، وقد رفض فيها بيگن موقف السادات السابق "مؤكدا أن القدس تعد، وفق القوانين الإسرائيلية الصادرة في 28 يونيو 1967 "مدينة واحدة غير قابلة لللتقسيم، وأنها عاصمة دولة إسرائيل".
3- سجل الرئيس كارتر موقف بلاده من هذا الموضوع في الرسالة الثالثة التي وجهها إلى السادات وأرسل نسخة منها إلى بيگن . وفيها أعلن أن موقف الولايات المتحدة بشأن القدس "يظل الموقف الذي أعلنه السفير گولدبيرگ أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة في 14 يوليو 1967 وأكده من بعده السفير بوست أمام مجلس الأمن في أول تموز 1969. وهذا الموقف الذي عبر عنه كارتر بهذه الطريقة الملتوية يقوم على اعتبار القدس العربية جزءا من الأراضي التي احتلتها إسرائيل بالقوة عام 1967 لا أكثر.
4- كذلك تم تبادل رسالتين حول الضفة الغربية وقطاع غزة. وقد وجه السادات الرسالة الأولى إلى كارتر وأكد فيها أنه " من أجل ضمان تنفيذ البنود المتعلقة بالضفة الغربية وغزة، ومن أجل حماية الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني، ستكون مصر على استعداد للاضطلاع بالدور العربي الذي تحدده هذه البنود، وذلك بعد المشاورات مع الأردن وممثلي الشعب الفلسطيني". وأما الرسالة الثانية فكانت من بيگن إلى كارتر وفيها سجل الأول أن كارتر أبلغه أنه سيفسر ويفهم عبارات الفلسطينيين، أو الشعب الفلسطيني، الواردة في كل فقرة من وثيقة اطار التسوية المتفق عليها بأنها تعني "عربا فلسطينيين". ولكن بيگن لا يشير إلى أنه يوافق على هذا التفسير الأمريكي. غير أنه لا ينسى أن يؤكد "أن الحكومة الإسرائيلية تفهم وستفهم تعبير الضفة الغربية في أي فقرة يرد فيها من وثيقة إطار التسوية على أنه يعني يهودا والسامرة".
5- وتبادل كارتر والسادات وكارتر وبيگن رسائل أخرى حول موضوع المستعمرات الإسرائيلية في سيناء. فقد طالب السادات بازالة هذه المستعمرات كشرط مسبق لبدء مفاوضات السلام التي تستهدف الوصول إلى معاهدة نهائية مع إسرائيل في حين أجاب بيگن أنه غير مخول بالبت في هذا الموضوع مالم يعرضه على الكنيست الإسرائيلية. وقد أخذ كارتر علما بهذا الموقف الإسرائيلي ونقله بدوره إلى السادات. وجدير بالذكر أن الكنيست وافقت على إخلاء القرى الإسرائيلية في سيناء و"إعادة توطين ساكنيها" فاتحة الطريق بذلك للحكومتين المصرية والإسرائيلية للمضي في خطوات التسوية الثنائية التي تبلورت في معاهدة 29 مارس 1979.
الآثار المترتبة على الاتفاقية على القضية الفلسطينية
لقد حاولت الوثيقة الخاصة "بإطار السلام في الشرق الأوسط" التي وقعها السادات وبيغن وشهد عليها، وقد يقال ضمنها: كارتر أن تنسف قضية فلسطين كقضية قومية لكل العرب عبر الأجيال وتحولها من قضية شعب يناضل من أجل حقوقه الوطنية إلى قضية سكان أراضي محتلة فحسب. ويتضح ذلك مما يلي:
1- لم تأت الوثيقة على ذكر الشعب الفلسطيني إلا في حملتين فقط، وحتى هاتان الجملتان فرغتا من أي معنى حيث مضت الوثيقة في كل موضع آخر تركز على سكان الضفة والقطاع، أو فلسطيني المنطقتين، وتمنحهم حق الحكم الذاتي لا أكثر، ويلاحظ أن الحكم الذاتي جعل للسكان، فحسب، مما يفسح المجال أمام إسرائيل للنقاش حول شمول حق السكان في الأرض التي يقيمون عليها.
2- استبعدت الوثيقة منظمة التحرير الفلسطينية من أي دور في التسوية، وهي المنظمة التي اعترف لها وحدها بتمثيل الشعب الفلسطيني من قبل الدول العربية بلا استثناء، ومن معظم دول العالم ومنظمة الأمم المتحدة، وأهم من ذلك كله من الشعب الفلسطيني، سواء من كان منه تحت الاحتلال أو في البحر.
3- تنكرت الوثيقة لحق تقرير المصير للشعب الفلسطيني الذي اعترفت بها الجماعة الدولية ممثلة بصورة خاصة في الأمم المتحدة ومعظم دول العالم. وبذا تكون الوثيقة قد سعت لالغاء جميع المكاسب والمنجزات على كافة الصعد. فهي اذ حصرت حق الفلسطينيين في الضفة والقطاع في الحكم الذاتي خرجت تماما عما تواضعت علهي الجماعة الدولية حول مضمون تقرير المصيرعموما، وتقرير المصير للشعب الفلسطيني بصورة خاصة. فثمة فرق جوهري بين الحكم الذاتي والاستقلال الناجز.
4- تنكرت الوثيقة في غير موضع عبارة "سكان" القطاع والضفة. وهذا يعني التسوية بين الصهيونيين الذين استوطنوا ، أو الذين سيستوطنون في المستقبل فهيا بصورة غير شرعية، وشعبها الأصلي. 5- لم تتطرق الوثيقة إلى حق الفلسطينيين المطرودين من ديارهم في العودة دون قيود. وهو حق اعترفت لهم به الأمم المتحدة منذ قرارها 194 لعام 1948. وحتى الآن (ر: الحقوق الثابتة للشعب الفلسطيني)، و(ر: العودة، حق).
6- ان ما ورد في الوثيقة حول حقوق الفلسطينيين ليس إلا تكرارا لمشروع بيغن للحكم الذاتي الذي تظاهر السادات برفضه في الاسماعيلية. ثم ان الوثيقة لم تعط ممثلي السكان في الضفة والقطاع أي حق في اتخاذ قرارا يتعلق بمصيرهم غير الموافقة على اقتراحات تقدم لهم من قبل إسرائيل ومصر والأردن مجتمعين وهذا يعني فعليا أن مصريهم رهن بالقرار الإسرائيلي وحده.
7- تناست الوثيقة عمدا مدينة القدس. وهذا التناسي يشكل تنازلا من جانب السادات عن الحقوق العربية والقومية والتاريخية والدينية والقانونية في المدينة وتسليما بمزاعم إسرائيل بجعلها عاصمة لها. ولا يخفف من هذا ما تبادله السادات وكارتر من رسائل. فقد اكتفى كل منهما – وأحدهما كارتر ليس طرفا في النزاع – بمجرد تسجيل موقف. وأما الطرف المعني الآخر إسرائيل فقد أكد موقفه العدواني من القدس.
إن موقف السادات الفعلي من القدس يشكل من خلال هذه الوثيقة خروجا على قرارات مؤتمرات القمة العربية ومجلس الأمن والجمعية العامة للأمم المتحدة وتحديا للمواقف الصريحة والمعلنة لمجموعة عدم الإنحياز والمؤتمر الإسلامي. وأهم من هذا كله يشكل تحديا سافرا لحقوق الشعب العربي الفلسطيني.
على الأراضي العربية المحتلة
ومن جهة أخرى ثمة آثار بالغة الخطورة في الأراضي العربية المحتلة . فقد تبنت الوثيقة فعليا التفسير الإسرائيلي للقرار 242 الصادر في 22/11/1967 حول الانسحاب من الأراضي المحتلة. وبذلك حاولت القضاء على جميع المكتسبات التي حققها العرب بعد هزيمة 1967، سواء أكان ذلك على الصعيد العسكرية أم على الصعيد السياسي الذي تعبر عنه قرارات الأمم المتحدة. ويتجلى ذلك بصورة خاصة فيما يلي:
1- لم تتطرق الوثيقة إلى مصير المستعمرات الإسرائيلية الحالية في الضفة والقطاع ولا تعرضت لموضوع الهجرة الصهيونية إليهما. وهذا يعني أن سيل الإستيطان سيستمبر أو أنه لن يحد منه شئ على الأقل. كما أن المستعمرات الحالية ستبقى. وفي هذا تثبيت للمفهوم الصهيوني حول ما يسميه "الحقوق التاريخية" في أراضي فلسطين العربية ويمثله إصرار بيغن على وصف الضفة الغربية "بيهودا والسامرة".
2- ربطت الوثيقة مستقبل الضفة الغربية والقطاع بموافقة الأردن على الاشتراك في المفاوضات المقترحة. وهذا يعني استمرار الوضع القائم اذا لم يوافق الأردن على هذا الاشتراك. وهذا ما حدث فعلا وحمل مصر على التفاوض باسم الجانب العربي دون أن تملك سلطة تخولها ذلك قانونيا.
3- ان دور الأردن – اذا وافق على المشاركة في التسوية المفروضة – سيكون محدودا كدور ممثلي – السكان في الضفة والقطاع:
لأن القوات العسكرية الوحيدة التي ستوجد في الضفة والقطاع، حاضرا ومستقبلات ، هي القوات الإسرائيلية.
ولأن اليد الطولى في حسم جميع مشاريع الحكم الذاتي ومستقبل السكان ستكون لإسرائيل ما دام اجماع آراء الفرقاء المذكورين في الوثقة شرطا لازما لنفاذ بنودها.
4- واضح من نص الوثيقة أن إسرائيل لن تعود في جميع الأحوال إلى حدود ما قبل الخامس من حزيران 1967 ولن تسمح باقامة دولة فلسطينية في الضفة والقطاع، وهذا لا يتعارض فقط مع مبدأ عدم جواز اكتساب اراضي الغير بالقوة كما يعرفه ميثاق الأمم المتحدة بل ومع حقوق الشعب الفلسطيني كما قررتها الجمعية العامة للأمم المتحدة بوضوح متزايد منذ مطلع السبعينات. يزاد على ذلك أن الوثيقة كرست المفهوم الإسرائيلي لما يسمى بالحدود الآمنة، وهو المفهوم الغريب على القانون الدولي.
القانون الدولي
ان وثقة "إطار السلام في الشرق الأوسط" تخطت الشرعية الدولية وصادرت حق الدول العربية والمجتمع الدولي وخرقت مبادئ السلام العادل كما يعرفه القانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة.
1- فهي رغم العبارت المدينة الواردة فيها تتخطى بمضمونها الشرعية الدولية بصورة فاضحة. فالاطار الذي وقعت فيه وثيقتا كامب ديفيد يتعارض نصا وروحا مع قراري مجلس الأمن 338 و242 اللذين أعطيا للأمم المتحدة والاتحاد السوفيتي والولايات المتحدة الدور الأهم في التوصل إلى تسوية عن طريق ما عرف بصيغة جينف. ثم ان الوثيقة تفرض على مجلس الأمن صيغة جديدة وطالبه والدول الدائمة فيه بحمايتها وكأنها محاولة لفرض وصاية على الأمم المتحدة ذاتها.
2- ان ما تم التوصل إليه في كامب ديفيد يلغي عمليا قرارات الأمم المتحدة ، ولاسيما تلك التي تتعلق بحقوق الشعب الفلسطيني وأراضيه المحتلة.
3- تناولت هذه الوثيقة أطرافا وقضايا لا تتعلق بالموقعين عليها. وفي هذا خرق لأبسط قواعد المعاهدات الدولية التي تقضي بأن المعاهدة لا تلزم أصلا إلا عاقديها. فالوثيقة مست بصورة مباشرة مصالح سورية ولبنان والعربية السعودية والأردن فيما يتعلق بحرية الملاحة في مضائق تيران، كما أنها أهدرت حقوق الشعب الفلسطيني. وتلك كلها مسائل تخص هذه الأطراف قانونيا وتخص الأمة العربية كلها قوميا.
4- ان في تصرف السادات بوثيقة إطار السلام خرقا بينا لميثاق جامعة الدول العربية ومعاهدة الدفاع المشترك لعام 1950 وخروجا فاضحا على مقررات مؤتمرات القمة العربية المتتالية، ولا سيما قمتي الجزائر والرباط. واضافة إلى ذلك فإن السادات نصب نفسه قيما على الأطراف العربية المعنية ووصيا على الحقوق القومية للأمة العربية. فقد تعهد إلى جانب ما تعهد به بالغاء المقاطعة الاقتصادية العربية لإسرائيل من جانب واحدة وحماية رعايا العدو الإسرائيلي في الدول العربية واقامة علاقات اقتصادية وسياسية وثقافية معه بكل ما في هذا وذاك من أضرار جسيمة على الجبهة العربية المواجهة للغزوة الصهيونية.
5- استجابت الوثيقة للمطلب الإسرائيلي المستمر بابرام معاهدة صلح منفردة حتى قبل أن يتحقق أهم شروط الصلح (الانسحاب من كل الأراضي العربية المحتلة وضمان الحقوق الوطنية الثابتة للشعب الفلسطيني)، وهو أمر خلق سابقة فريدة من نوعها في العلاقات الدولية تقوم على اساس فرض ارادة الغالب على المغلوب مع ادعاء سيادة الأخير.
6- كرست الوثيقة المزاعم الصهيونية بوجود حقوق مادية لليهود العرب الذين تركوا أقطارهم الأصلية بملء ارادتهم وسوتها بحقوق الفلسطينيين الذين هجروا من بلادهم بالقسر والإرهاب.
ردود الفعل العربية
إستنادا إلى مقال نشر في جريدة "القدس العربي" اللندنية فإن العرب لم يكونوا الوحيدين المقتنعين بان الإتفاقية كانت وحسب التعبير السائد آنذاك تفريط في منجزات النصر العسكري العربي في حرب أكتوبر و تركيز السادات على إسترجاع سيناء على حساب القضية الفلسطينية ، فقد تلقى السادات إنتقادات من الاتحاد السوفيتي و دول عدم الانحياز و بعض الدول الأوروبية ، ففرانسوا بونسيه سكرتير عام الرئاسة الفرنسية في عهد الرئيس جيسكار ديستان قال لبطرس بطرس غالي في قصر الإليزيه ناصحاً قبل ان توقع مصر اتفاقية السلام مع إسرائيل: "إذا لم تتمكن من الوصول إلي اتفاق بشأن الفلسطينيين قبل توقيع المعاهدة المصرية الإسرائيلية فكن علي ثقة من انك لن تحصل لهم علي شيء فيما بعد من الإسرائيليين" ، وحسب نفس المصدر فان الفاتيكان كان على إعتقاد بان السادات ركز بالكامل اهداف مصر و أهمل القضايا العربية الجوهرية الأخري [11]
معاهدة كامب ديفيد
لقد عارض الكثيرون، وأيَّد الكثيرون كذلك، وكلٌّ له حُجَّته، وكلٌّ يعرض وجهة نظره، وتوقعاته للنتائج..
وكان المجال في ذلك واسعًا أولَ الأمر، ولكن مع مرور الزمن، بدأت تتكشّف الأمور، وتحولت الظنون إلى حقائق، وظهرت النتائج جلية.. إننا الآن بعد ثلاثين عامًا من سلام كامب ديفيد نستطيع أن نقوِّم التجربة، ونضع أيدينا على السلبيات والإيجابيات، وليس الحديث حديث العواطف، إنما هو حديث الأرقام والأدلة والمعلومات.
ماذا حدث في هذه الأعوام الثلاثين؟!
أولاً: حدث تطور خطير جدًّا في ملف الصراع العربي الصهيوني، وهو الاعتراف الرسمي بدولة إسرائيل، وهذه كارثة أضخم من تخيُّلاتنا، فهي إقرار بملكية الأرض الفلسطينية لليهود، وفيها أعلنت مصر أنها ترغب في استرداد أراضيها في مقابل التنازل عن 78 % من مساحة أرض فلسطين، واعتبرت ذلك شيئًا من الواقعية، ولم يتوقف الأمر عند مصر، بل كانت هذه البداية، ثم أعقب ذلك بسنوات اعترافُ الأردن والمغرب وتونس وجيبوتي وقطر وموريتانيا، بل اعترفت منظمة التحرير الفلسطينية بالكيان الصهيوني، مضيِّعةً بذلك آمال الملايين من المهجَّرين خارج أرض فلسطين. لقد كنا قبل كامب ديفيد نتحدث عن قضية الوجود الصهيوني في فلسطين، ثم صرنا بعدها نتكلم عن الحدود والمستوطنات، وشتَّان!!
ثانيًا: نصَّت معاهدة كامب ديفيد على تحديد عدد أفراد الجيش المصري في سيناء، وقسَّمت سيناء إلى ثلاث مناطق طولية؛ منطقة (أ) في غرب سيناء، وهذه يُسمح فيها للمصريين بقوات لا تزيد على 22 ألف مقاتل. ومنطقة (ب) في الوسط ليس فيها إلا أربعة آلاف جندي من حرس الحدود بأسلحة خفيفة. ثم منطقة (ج) في شرق سيناء، وهي ملاصقة لدولة فلسطين المحتلة بإسرائيل، وهذه ليس فيها إلا قوات شرطة فقط، وبينما يُسمح للقوات العسكرية المصرية أن تبقى فقط في غرب سيناء، فإن القوات المسلحة اليهودية توجد على بُعد خمسة كيلو مترات فقط من الحدود المصرية الشرقية؛ مما يعني أن أي هجوم على سيناء سيعرِّضها لاحتلال سريع مباغت. ولعلنا نأخذ في الاعتبار أن اليهود احتلوا سيناء في 1956م في ثلاثة أيام، واحتلوها في 1967م في ست ساعات، ففي كم من الوقت سيحدث الاحتلال الآن، والفارق بين القوَّتين العسكريتين يتسع جدًّا لصالح اليهود كما سنبيِّن لاحقًا؟!إن المتدبِّر في الوضع بعين الإنصاف يدرك أن سيناء - وإن كانت خالية من الجنود الصهاينة الآن - على خطر عظيم، وليس هناك معنى للشعارات العنترية التي تطمئن الشعوب العربية والإسلامية أن سيناء في أمانٍ؛ فإن العاقل من قرأ تاريخه، وتدبَّر واقعه!
ثالثًا: تم فصل مصر عن العرب والمسلمين يوم وُقِّعت هذه المعاهدة، بل قبل التوقيع بأشهر خمسة عقدت القمة العربية في بغداد في 2 من نوفمبر 1978م وأعلنت رفضها لكامب ديفيد، وتعليق عضوية مصر، ومقاطعتها تمامًا، وتم نقل مقر جامعة الدول العربية من القاهرة إلى تونس، واستمرت هذه المقاطعة 9 سنوات كاملة حتى عادت العلاقات في 8 من نوفمبر 1987م بالقمة التي عُقدت في عمان، وحتى هذه العودة للعَلاقات لم تكن كاملة، إنما كانت مع ثمانية دول فقط، ولم تكن هذه العلاقات قوية نشطة، بل كانت فاترة. ولعلنا نلمس أثر ذلك حتى زماننا الآن، ونشاهد نتائجه على مؤتمرات القمة العربية، وفقدت مصر بذلك رصيدًا كبيرًا في قيادة العالم العربي، وضيَّعت إيجابيات الوَحدة المهمَّة التي حدثت بعد حرب 1973م، وبدأت تبحث عن بدائل لا معنى لها، لدرجة أنه ظهرت حركة ثقافية أيام المقاطعة العربية تدعو إلى نبذ العروبة والإسلامية، والاتجاه إلى الفرعونية والوطنية، وقاد هذه الحملة توفيق الحكيم ولويس عوض وأنيس منصور وغيرهم، ولا شك أن هذا تفتيت هائل للأمة يصبُّ في الأساس في مصلحة اليهود.
تنمية وتطوير القدرات العسكرية للجيش الإسرائيلي
رابعًا: في ظل السلام المزعوم بدأ الكيان الصهيوني في تنمية قدراته العسكرية، واعتبر هذه المرحلة مرحلة إعداد وتطوير، ووصلت التقنية العسكرية اليهودية إلى درجة عالية جدًّا لا تخفى على أحد. ولعلّ الكثير يعجب عندما يعلم أن الكيان الصهيوني في عام 2007م كان رابع دولة على العالم في تصدير السلاح، وأنه في السنوات الثمانية الأخيرة كانت دومًا في المراكز السبعة الأولى على العالم، وأنه كذلك يسبق دولاً عتيقة في صناعة السلاح مثل بريطانيا وكندا والصين. وعلى الرغم من هذا التطور العسكري الفائق فالكل يلاحظ في نفس الوقت أن التطور العسكري في البلاد العربية ومصر لا يجري على نفس النسق، بل إن الدول العربية بكاملها من الدول المستوردة للسلاح، ولا جدال في ذلك، وفوق ذلك فإن بيانات البنك الدولي تشير إلى انخفاض نسبة الإنفاق على الجيش المصري من 16.3 % عام 1995م إلى 9.9 % عام 2006م، وهو تراجُع كبير في الميزانية له دلالات خطيرة.
خامسًا: نتيجة التفوق العسكري اليهودي، ونتيجة التدهور العربي الملموس، ونتيجة انفراط العِقْد، وتفكُّك الوَحدة، ونتيجة معاهدة السلام التي كبَّلت مصر، ومنعتها من الاعتراض على التعدّيات الصهيونية، وجدنا عربدة صهيونية فاضحة في سماء العالم العربي!! فاليهود لم يصبروا كثيرًا بعد توقيع الاتفاقية، وإخراج مصر من المعادلة العربية، إنما توجَّهُوا بعدها بسنتين تقريبًا، وضربوا المفاعل النووي العراقي في يونيو 1981م، وقاموا بما هو أكبر وأعتى في عام 1982م حيث احتلوا نصف لبنان تقريبًا، وحاصروا بيروت، وتدخَّلت مصر كوسيط للسلام! فتوسطت للسماح لياسر عرفات ومنظمة التحرير بالانتقال إلى تونس، وواصل اليهود تعدّيهم، وضربوا تونس في عُقْر دارها في عام 1985م، وكذلك مجزرة قانا في جنوب لبنان 1996م، وضربوا سوريا جنوب قصف إسرائيلي لسوريا دمشق في عام 2007م، بل وصلت طائراتهم إلى السودان في يناير 2009م، وقاموا بعِدَّة غارات عسكرية كما سمعنا مؤخرًا، فضلاً عن الضرب المستمر للشعب الفلسطيني، وخاصة ما حدث في مخيم جنين 2002م، واغتيال الشيخ أحمد ياسين والدكتور عبد العزيز الرنتيسي في 2004م، وحصار بيت حانون ثم غزة في عام 2006م، ثم أخيرًا حصار غزة وقصفها في أواخر 2008م، وقد تخلَّل ذلك الحرب المدمرة التي قام بها الصهاينة ضد لبنان في سنة 2006م. إنها النتائج المباشرة لتحييد الجانب المصري - القوة الكبرى في المنطقة - والانطلاق يمينًا وشمالاً دون رادع أو رقيب.
سادسًا: نسفت هذه المعاهدة ما بناه الفلسطينيون على مدار عِدَّة سنوات، وشُلَّ مشروع المقاومة، وتاهت منظمة التحرير الفلسطينية بين العرب بعد خروج مصر منفردة، ثم ركعت منظمة التحرير، ووقَّعت اتفاقية أوسلو في سنة 1993م، وبعدها بثلاث سنوات، وتحديدًا في 24 من إبريل سنة 1996م حذفت منظمة التحرير الفلسطينية من دستورها كل البنود التي تصف اليهود بالأعداء، وحذفت كذلك كل ما يلغي الاعتراف بإسرائيل كدولة. وهكذا تهاوت مقاومتها تمامًا، بل ودخلت في صراع داخلي مع الذين تمسكوا بحق التحرير للبلاد، وبحق العودة للاجئين، وظهر الانقسام الفلسطيني بشكل سافر، وأدى هذا إلى عرقلة كل مشاريع الوَحدة بين الفصائل المختلفة، وصار البعض ينادي بالسلام كخيار استراتيجي، والآخر يطالب بالجهاد حتى تحرير الأرض، وما زال الصراع - كما يعرف الجميع - مستمرًّا حتى لحظتنا هذه!
سابعًا: كنتيجة مباشرة لعملية السلام دخلت مصر، ومن بعدها دول العالم العربي كلها تقريبًا، في أحضان أمريكا! لقد كانت أمريكا ترعى مباحثات السلام بقوة، وليس هذا - بلا شك - من أجل عيون المصريين، إنما كانت تحرص في المقام الأول - ولعله في المقام الأخير كذلك - على مصلحة اليهود، ومن أجل اليهود عرضت أمريكا على مصر المساعدات الأمريكية (المعونة) لكي توقِّع الاتفاقية، ووقَّع المصريون، وجاءت المعونة، والتي كانت في البداية 200 مليون دولار سنويًّا، أخذت في الازدياد حتى فاقت المليار دولار سنويًّا، ثم تناقصت الآن من جديد، والثمنُ أن يكون توجُّهنا أمريكيًّا خالصًا، لا روسيًّا ولا صينيًّا ولا حتى أوروبيًّا؛ فالمساعدة أمريكية، والسلاح أمريكي، والمستشارون أمريكان، والوسطاء أمريكان، بل وقوات حفظ السلام الموجودة في سيناء تحت قيادة أمريكية، ويمثِّل الأمريكان فيها 40% من الجنود! كل هذا التوجُّه لأمريكا والجميع يعلم أن أمريكا لن تخذل اليهود، ولن تقوم بما يضرُّ مصالح الصهاينة، ولن تصدِّر سلاحًا إلى العرب إلا إذا صدَّرت أفضل منه لليهود، ولن تتوسط إلا لصالح اليهود، وتحولت أمريكا إلى قطب واحد يتسابق الجميع إلى مصادقته أو اتّباعه، وهو وضع لم يكن على الساحة أبدًا قبل معاهدة السلام.
ثامنًا: حدثت بعد معاهدة السلام كارثة التطبيع، وكارثة التعامل الاقتصادي مع الكيان الصهيوني، وفُتحت مكاتبُ التمثيل التجاري مع اليهود في أكثر من تصدير الغاز المصري لإسرائيل دولة عربية، وكان أخطر التعاملات الاقتصادية مع مصر والأردن؛ فأما مصر فقد صدَّرت - للأسف الشديد - الغاز المصري إلى الكيان الصهيوني، وكان ذلك في عام 2005م، وبشكل سرِّي مفاجئ، وقضت الاتفاقية بتصدير 1.7 مليار متر مكعب سنويًّا من الغاز الطبيعي لمدة 20 عامًا كاملة، وبسعر يتراوح بين 70 سنتًا و1.5 دولار لمليون وحدة حرارية، بينما السعر الطبيعي للغاز المصري يصل إلى خمسة دولارات، ويصل سعر التكلفة إلى 2.65 دولار! وهذا يعني أن اليهود يأخذون الغاز بخسارة اقتصادية على مصر، وحتى لو كان هناك ربحٌ، فتمويل الكيان الصهيوني بالطاقة أمر لا يُتخيَّل، وبرغم الاحتجاجات الكثيرة، وبرغم حكم محكمة القضاء الإداري المصرية بوقف قرار الحكومة بتصدير الغاز إلى اليهود، إلا أن ضخ الغاز ما زال مستمرًّا! أما الأردن فقد أقامت عدة مصانع يهودية في أرضها، وزادت من التبادل التجاري مع الكيان الصهيوني، ولقد وصل التعامل معها في عام 2007م إلى 306.9 مليون دولار، واشترطت أمريكا في اتفاقية الكويز الشهيرة في سنة 2004م، أن تكون الصادرات المصرية إلى أمريكا تحتوي على أحد المكوِّنات الإسرائيلية حتى تُعفى من الجمارك، وهو إغراء اقتصادي يدفع في اتجاه زيادة العلاقات الاقتصادية مع اليهود. ولا يخفى على أحدٍ أن المصانع اليهودية تنتج مواد تحتاج إلى سوق للتسويق، وأن العالم العربي سوق كبير سوف يخدم المستثمرين اليهود بشكل ملموس، أما الفائدة التي ستعود على العالم العربي فمحدودة؛ فالكيان الصهيوني دولة من عشرات الدولة البديلة في العالم، والتي من الممكن أن نصدِّر لها موادَّنا الخام، والمشكلة الكبرى أن الأمر لم يعُدْ على نطاق الحكومة، بل سُمح لرجال الأعمال الكبار أن يتعاملوا مع الكيان الصهيوني، سواء بالاستيراد أو بالتصدير، ولعل الجميع يعرف التعاملات التجارية التي أدت إلى شراء الأسمنت المصري لبناء الجدار العازل في فلسطين المحتلة.
تاسعًا: نتيجة معاهدة السلام سُمح للسياح اليهود بدخول سيناء، وبدون تأشيرة، ومِن ثَمَّ توافدت أعداد ضخمة من السياح إلى شرم الشيخ ودهب ونويبع وطابا والطور، وبلغت هذه الأعداد في عام 2006م - على سبيل المثال - حوالي 171 ألف سائح، وأقل ما توصف به السياحة اليهودية بأنها سياحية فاجرة غير أخلاقية بالمرة، وهذا وغيره أدى إلى إباحية هذه المناطق بصورة كبيرة، ولقد دفع كثير من الشباب المصري دينه ثمنًا لهذه السياحة! وفوق ذلك فهي سياحة فقيرة لا تنفق كثيرًا من المال لصالح التجارة المصرية، كما أنها تتطلب حراسة أمنية خاصة تحمِّل الدولة أعباءً اقتصادية وأمنية وسياسية كبيرة.
عاشرًا: إضافةً إلى كل ما سبق تبقى مشكلة من أكبر المشكلات في معاهدة السلام، وهي نزع كل ما يشير إلى عداء الكيان الصهيوني من مناهج التعليم، وكذلك من وسائل الإعلام، وهذا من أخطر آثار معاهدة كامب ديفيد؛ حيث سيؤدي هذا الأمر إلى نشوء أجيال رخوة لا تعرف عدوَّها من صديقها، ولا تمانع في أن ترى الفلسطينيين يُشرَّدون في البلاد، بينما نبحث عن حق الشعب اليهودي في الحياة، وهذه كارثة كبرى في الحقيقة، فإن كل ما ذكرناه قبل ذلك قد يكون مشكلة بالنسبة لأحد الأجيال، أما تدمير الأجيال اللاحقة فهي جريمة تعلو غيرها من الجرائم. هذه هي البَلِيَّة العاشرة في معاهدة كامب ديفيد.. فتلك عشر كاملة!! وبعد.. فهناك من يقول: لقد نعمت مصر بالسلام فوجَّهت ثرواتها إلى التنمية والإصلاح بدلاً من الحروب؛ لكن للأسف الشديد، وفي ظل الفساد الإداري والمالي والسياسي فإنَّ حدّة العجز في الميزان التجاري قد تزايدت، وكذلك زاد الدَّين المحلي، واستمرت الديون الخارجية، وتدنّت نسبة الاستثمارات العامَّة، وتفاقم العجز في الموازنة العامة، وكل هذا له انعكاساته على الشعب المصري، وطالِعُوا نسب البطالة، والبطالة المقنَّعة، وطوابير الخبز، وارتفاع الأسعار، وجنون الحديد والأسمنت والعقارات، وتأخر سن الزواج، ومعدّلات الهجرة المتزايدة، والمراكب التي تغرق بشباب يهربون من ذُلِّ المعيشة في الداخل إلى ذلها في الخارج! وهناك من يقول: لقد حُفظت أرواحنا، وسلمنا من القصف والعدوان؛ وأقول لهم: إن هذا كله إلى أجلٍ، وسوف يغدر اليهود يومًا ما، وعندها ستكون الفاجعةُ كبرى، وستكون الأزمة عظمى، ثم إنني على يقينٍ أن الحياة مرفوع الرأس ساعةً خيرٌ من الخلود أبد الدهر في هوانٍ.. ولن نكون أقل من عنترة بن شداد حين قال: إن ثلاثين عامًا من الاستسلام كافية، وآنَ للأُمَّة أن تعود إلى رُشدها، وصدقوني أيها المسلمون.. لو أنّ اليهود قادرون على غزونا واحتلالنا لما تأخروا، فلِمَ الرَّهْبة والجزع؟! وكيف يفشلون في دخول غزة، وينجحون في اجتياح عِدَّة دول مهما قلَّ عتادها، أو ضعفت إمكانياتها؟!وكانت مصر واسرائيل قد وقعتا اتفاقية سلام عام1978 بعد حرب اكتوبر المجيدة و هذا نص الاتفاقيه: ان حكومة جمهورية مصر العربية وحكومة دولة اسرائيل اقتناعا منهما بالضرورة الماسة لاقامة سلام عادل وشامل ودائم فى الشرق الاوسط وفقا لقرارى مجلس الامن رقم 242 و 338 اذ تؤكدان من جديد التزامهما باطار السلام فى الشرق الاوسط المتفق عليه فى كامب ديفيد فى سبتمبر 1978 واذ تلاحظان ان الاطار المشار إليه انما قصد به ان يكون اساسا للسلام ليس بين مصر واسرائيل فحسب بل ايضا بين اسرائيل واى من جيرانها العرب كل فيما يخصه ممن يكون على استعداد للتفاوض من اجل السلام معها على هذا الاساس ورغبة منها فى انهاء الحرب بينها واقامة سلام تستطيع فيه كل دولة فى المنطقة ان تعيش فى امن واقتناعا منها بأن عقد معاهدة سلام بين مصر واسرائيل يعتبر خطوة هامة فى طريق السلام الشامل فى المنطقة والتوصل إلى تسوية النزاع العربى الاسرائيلى بكافة نواحيه، واذ تدعوان الاطراف العربية الااخرى فى النزاع الى الاشتراك فى عملية السلام مع اسرائيل على اساس مبادئ اطار الاسلام المشار اليها آنفا واسترشادا بها واذ ترغبان أيضا فى انماء العلاقات الودية التعاون بينهما وفقا لميثاق الامم المتحدة ومبادئ القانون الدولى التى تحكم العلاقات الدولية فى زمن السلم قد اتفقنا على الأحكام التالية بمقتضى ممارستها الحرة لسيادتهما من أجل تنفيذ الاطار على الاحكام التالية بمقتضى ممارستها الحرة لسيادتها من اجل تنفيذ الاطار الخاص بعقد معاهدة السلام بين مصر واسرائيل
نص اتفاقية كامب ديفيد معاهدة السلام بين جمهورية مصر العربية وبين دولة إسرائيل "وزارة الخارجية المصرية، معاهدة السلام بين مصر وإسرائيل واتفاق الحكم الذاتي في الضفة والقطاع، القاهرة، 1979،
معاهدة السلام بين جمهورية مصر العربية ودولة إسرائيل
الديباجة
أن حكومة جمهورية مصر العربية وحكومة دولة إسرائيل ..
اقتناعا منهما بالضرورة الماسة لإقامة سلام عادل وشامل ودائم في الشرق الأوسط وفقا لقراري مجلس الأمن 242 و338 ..
إذ تؤكدان من جديد التزامهما " بإطار السلام في الشرق الأوسط المتفق عليه في كامب ديفيد " ، المؤرخ في 17 سبتمبر 1978 ..
وإذ تلاحظان أن الإطار المشار إليه إنما قصد به أن يكون أساسا للسلام، ليس بين مصر وإسرائيل فحسب، بل أيضا بين إسرائيل وأي من جيرانها العرب كل فيما يخصه ممن يكون على استعداد للتفاوض من أجل السلام معها على هذا الأساس ..
ورغبة منهما في إنهاء حالة الحرب بينهما وإقامة سلام تستطيع فيه كل دولة في المنطقة أن تعيش في أمن ..
واقتناعا منهما بأن عقد معاهدة سلام بين مصر وإسرائيل يعتبر خطوة هامة في طريق السلام الشامل في المنطقة والتوصل إلى تسوية للنزاع العربي الإسرائيلي بكافة نواحيه ..
وإذ تدعوان الأطراف العربية الأخرى في النزاع إلى الاشتراك في عملية السلام مع إسرائيل على أساس مبادئ إطار السلام المشار إليها آنفا واسترشادا بها ..
وإذ ترغبان أيضا في إنماء العلاقات الودية والتعاون بينهما وفقا لميثاق الأمم المتحدة ومبادئ القانون الدولي التي تحكم العلاقات الدولية في وقت السلم ..
قد اتفقتا على الأحكام التالية بمقتضى ممارستهما الحرة لسيادتهما من تنفيذ الإطار الخاص بعقد معاهدة السلام بين مصر وإسرائيل ..
المادة الأولى
1- تنتهي حالة الحرب بين الطرفين ويقام السلام بينهما عند تبادل وثائق التصديق على هذه المعاهدة.
2- تسحب إسرائيل كافة قواتها المسلحة والمدنيين من سيناء إلى ما وراء الحدود الدولية بين مصر وفلسطين تحت الانتداب، كما هو وارد بالبروتوكول الملحق بهذه المعاهدة ( الملحق الأول ) وتستأنف مصر ممارسة سيادتها الكاملة على سيناء.
3- عند إتمام الانسحاب المرحلي المنصوص عليه في الملحق الأول، يقيم الطرفان علاقات طبيعية وودية بينهما طبقا للمادة الثالثة ( فقرة 3 ).
المادة الثانية
أن الحدود الدائمة بين مصر وإسرائيل هي الحدود الدولية المعترف بها بين مصر وفلسطين تحت الانتداب كما هو واضح بالخريطة في الملحق الثاني وذلك دون المساس بما يتعلق بوضع قطاع غزة. ويقر الطرفان بأن هذه الحدود مصونة لا تمس ويتعهد كل منهما احترام سلامة أراضي الطرف الآخر بما في ذلك مياهه الإقليمية ومجاله الجوي.
المادة الثالثة
1- يطبق الطرفان فيما بينهما أحكام ميثاق الأمم المتحدة ومبادئ القانون الدولي التي تحكم العلاقات بين الدول في وقت السلم، وبصفة خاصة:
( أ ) يقر الطرفان ويحترم كل منهما سيادة الآخر وسلامة أراضيه واستقلاله السياسي.
( ب) يقر الطرفان ويحترم كل منهما حق الآخر في أن يعيش في سلام داخل حدوده الآمنه والمعترف بها.
( ج ) يتعهد الطرفان بالامتناع عن التهديد باستخدام القوة أو استخدامها، أحدهما ضد الآخر على نحو مباشر أو غير مباشر، وبحل كافة المنازعات التي تنشأ بينهما بالوسائل السلمية.
2 - يتعهد كل طرف بأن يكفل عدم صدور فعل من أفعال الحرب أو الأفعال العدوانية أو أفعال العنف أو التهديد بها من داخل أراضيه أو بواسطة قوات خاضعة لسيطرته أو مرابطة على
<2> أراضيه ضد السكان أو المواطنين أو الممتلكات الخاصة بالطرف الآخر. كما يتعد كل طرف بالامتناع عن التنظيم أو التحريض أو الإثارة أو المساعدة أو الاشتراك في فعل من أفعال الحرب العدوانية أو النشاط الهدام أو أفعال العنف الموجهة ضد الطرف الآخر في أي مكان. كما يتعهد بأن يكفل تقديم مرتكبي مثل هذه الأفعال للمحاكمة.
3 - يتفق الطرفان على أن العلاقات الطبيعية التي ستقام بينهما ستضمن الاعتراف الكامل والعلاقات الدبلوماسية والاقتصادية والثقافية وإنهاء المقاطعة الاقتصادية والحواجز ذات الطابع المتميزة المفروضة ضد حرية انتقال الأفراد والسلع. كما يتعهد كل طرف بأن يكفل تمتع مواطني الطرف الآخر الخاضعين للاختصاص القضائي بكافة الضمانات القانونية وبوضع البروتوكول الملحق بهذه المعاهدة ( الملحق الثالث ) الطريقة التي يتعهد الطرفان بمقتضاها - بالتوصيل إلى إقامة هذه العلاقات وذلك بالتوازي مع تنفيذ الأحكام الأخرى لهذه المعاهدة.
المادة الرابعة
1-بغية توفير الحد الأقصى للأمن لكلى الطرفين وذلك على أساس التبادل تقام ترتيبات أمن متفق عليها بما في ذلك مناطق محدودة التسليح في الأراضي المصرية أو الإسرائيلية وقوات أمم متحدة ومراقبين من الأمم المتحدة وهذه الترتيبات موضحة تفصيلا من حيث الطبيعة والتوقيت في الملحق الأول وكذلك أية ترتيبات أمن أخرى قد يوقع عليها الطرفان.
2- يتفق الطرفان على تمركز أفراد الأمم المتحدة في المناطق الموضحة بالملحق الأول ويتفق الطرفان على ألا يطلبا سحب هؤلاء الأفراد وعلى أن سحب هؤلاء الأفراد لن يتم إلا بموافقة مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة بما في ذلك التصويت الإيجابي للأعضاء
الخمسة الدائمين بالمجلس وذلك ما لم يتفق الطرفان على خلاف ذلك.
3- تنشأ لجنة مشتركة لتسهيل تنفيذ هذه المعاهدة وفقا لما هو منصوص عليه في الملحق الأول.
4- يتم بناء على طلب أحد الطرفين إعادة النظر في ترتيبات الأمن المنصوص عليها في الفقرتين 1، 2 من هذه المادة وتعديلها باتفاق الطرفين.
المادة الخامسة
1- تتمتع السفن الإسرائيلية والشحنات المتجهة من إسرائيل وإليها بحق المرور الحر في قناة السويس ومداخلها في كل من خليج السويس والبحر الأبيض المتوسط وفقا لأحكام اتفاقية القسطنطينية لعام 1888 المنطبقة على جميع الدول. كما يعامل رعايا إسرائيل وسفنها وشحناتها وكذلك الأشخاص والسفن والشحنات المتجهة من إسرائيل وإليها معاملة لا تتسم بالتميز في كافة الشئون المتعلقة باستخدام القناة.
2 - يعتبر الطرفان أن مضيق تيران وخليج العقبة من الممرات المائية الدولية المفتوحة لكافة الدول دون عائق أو إيقاف لحرية الملاحة أو العبور الجوي. كما يحترم الطرفان حق كل منهما في الملاحة والعبور الجوي من وإلى أراضيه عبر مضيق تيران وخليج العقبة.
المادة السادسة
1- لا تمس هذه المعاهدة ولا يجوز تفسيرها على نحو يمس بحقوق والتزامات الطرفين وفقا لميثاق الأمم المتحدة.
2 - يتعهد الطرفان بأن ينفذا بحسن نيه التزاماتهما الناشئة عن هذه المعاهدة بصرف النظر عن أى فعل أو امتناع عن فعل من جانب طرف آخر وبشكل مستقل عن آية وثيقة خارج هذه المعاهدة.
3- كما يتعهدان بأن يتخذا كافة التدابير اللازمة لكي تنطبق في علاقاتهما آحكام الاتفاقيات المتعددة الأطراف التي يكونان من أطرافها بما في ذلك تقديم الأخطار المناسب للأمن العام للأمم المتحدة وجهات الإيداع الآخرى لمثل هذه الاتفاقيات.
4 - يتعهد الطرفان بعدم الدخول في آي التزامات يتعارض مع هذه المعاهدة.
5 - مع مراعاة المادة 103 من ميثاق الأمم المتحدة يقر الطرفان بأنه في حالة وجود تناقض بين التزامات الأطراف بموجب هذه المعاهدة وأي من التزاماتهما الأخرى، فإن الالتزامات الناشئة عن هذه المعاهدة تكون ملزمة ونافذة.
المادة السابعة
1- تحل الخلافات بشأن تطبيق أو تفسير هذه المعاهدة عن طريق المفاوضة.
2 - إذا لم يتيسر حل هذه الخلافات عن طريق المفاوضة فتحل بالتوفيق أو تحال إلى التحكيم.
المادة الثامنة
يتفق الطرفان على إنشاء لجنة مطالبات للتسوية المتبادلة لكافة المطالبات المالية.
المادة التاسعة
1- تصبح هذه المعاهدة نافذة المفعول عند تبادل وثائق التصديق عليها.
2- تحل هذه المعاهدة محل الاتفاق المعقود بين مصر وإسرائيل في سبتمبر 1975.
3- تعد كافة البروتوكولات والملاحق والخرائط الملحقة بهذه المعاهدة جزءا لا يتجزأ منها.
4- يتم إخطار الأمين العام للأمم المتحدة بهذه المعاهدة لتسجيلها وفقا لأحكام المادة 102 من ميثاق الأمم المتحدة.
حررت في واشنطن د . ي . س في 26 مارس سنة 1979م، 27 ربيع الثاني سنة 1399هـ من ثلاث نسخ باللغات العربية والعبرية والإنجليزية، وتعتبر جميعها متساوية الحجية وفي حالة الخلاف في التفسير فيكون النص الإنجليزي هو الذي يعتد به.
عن حكومة جمهورية مصر
محمد أنور السادات
عن حكومة دولة إسرائيل
مناحم، بيجين
شهد التوقيع
جيمي كارتر
رئيس الولايات المتحدة الأمريكية
الموقعين
الرئيس محمد انور السادات
ورئيس الوزراء الإسرائيلي مناحم بيجن
والرئيس الأمريكي جيمي كارتر
الدول الأعضاء
جمهورية مصر العربية
اسرائيل
الولايات المتحدة الأمريكية
المادة الاولى
1. تنتهى حالة الحرب بين الطرفين ويقام بينهما السلام عند تبادل وثائق التصديق على هذه المعاهدة 0
2. تسحب اسرائيل كافة قواتها المسلحة والمدنية من سيناء إلى ما وراء الحدود الدولية بين مصر وفلسطين تحت الانتداب كما هو وارد بالبرتوكول الملحق بهذه المعاهدة ( الملحق الول ) 0 وتستأنف مصر ممارسة سيادتها الكاملة على سيناء 0
3. عند اتمام الانسحاب المبدئى المنصوص عليه فى الملحق الاول يقيم الطرفان علاقات طبيعية وودية طبقا للمادة الثالثة ( فقرة 3) ثالثا : عند اتمام الانسحاب المبدئى المنصوص عليه فى الملحق الاول يقيم الطرفان علاقات طبيعية وودية طبقا للمادة الثالثة ( فقرة 3) ثالثا : عند اتمام الانسحاب المبدئى المنصوص عليه فى الملحق الاول يقيم الطرفان علاقات طبيعية وودية طبقا للمادة الثالثة ( فقرة 3)
المادة الثانية
4. ان الحدود بين مصر واسرائيل هى الحدود الدولية المعترف بها بين مصر وفلسطين تحت الانتداب كما هو واضح بالخريطة فى الملحق الثانى 0وذلك دون المساس بالوضع الخاص بغزة 0 ويعتبر الطرفان بأن هذه الحدود مصونة لا تمس ويتعهد كل منهما باحترام سلامة أراضى الطرف الآخر بما فى ذلك مياهه الاقليمية ومجاله الجوي.
المادة الثالثة
5. يطبق الطرفان فيما بينهما أحكام ميثاق الامم التحدة ومبادئ القانون الدولى التى تحكم العلاقات بين الدول فى وقت السلم وبصفة خاصة :
a. يقر الطرفان ويحترم كل منهما سيادة الآخر وسلامة أراضيه واستقلاله السياسى 0
b. يقر الطرفان ويحترم كل منهما الآخر فى أنن يعيض فى سلام داخل حدوده الآمنة والمعترف بها
c. يتعهد الطرفان بالامتناع عن التهديد باسستخدام القوة أو استخدام أحدهما ضد الآخر على نحو مباشر أو غير المباشر وتحل كافة المنازعات التى تنشأ بالوسائل السلمية
6. يتعهد كل طرف بأن يكفل عدم صدور فعل من أفعال الحرب أو الافعال العدوانية أو أفعال العنف أو التهديد بها من داخل اقليمه أو بواسطة قوات خاضعة لسيطرته أو مرابطة على أراضيه ضد السكان أو المواطنين أو الممتلكات الخاصة بالطرف الآخر كما يتعهد كل طرف بالامتناع عن التنظيم أو التحريض أو المساعدة أو الاشتراك فى فعل من أفعال الحرب أو الافعال العدوانية أو النشاط الهدام أو أفعال العنف لمواجهة ضد الطرف الآخر فى أى مكان 00 كما يتعهد بأن يكفل تقديم مرتكبى هذه الافعال للمحاكمة
7. يثفق الطرفان على أن العلاقات الطبيعية التى ستقام بينهما ستتضمن الاعتراف الكامل والعلاقات الدبلوماسية والاقتصادية والثقافية وانهاء المقاطعة الاقتصادية والحواجز ذات الطابع التمييزى المفروضة ضد حرية انتقال الافراد والسلم 00 كما يتعهد كل طرف بأن يكفل تمتع الطرف الآخر الخاضعين لاختصاصه القضائى بكافة الضمانات القانونية ويوضح البروتوكول الملحق بهذه المعاهدة ( المرفق الثالث ) الطريقة التى يتعهد الطرفان بمقتضاها التوصل الى اقامة هذه الاعلاقات وذك بالتوازى مع تنفيذ الاحكام الخرى لهذه المعاهدة
المادة الرابعة
8. بغية توفير الحد الاقصى للأمن لكلا الطرفين وذلك على اساس التبادل تقام ترتيبات أمن متفق عليها بما فى ذلك مناطق محدودة التسليح فى الاراضى المصرية والاسرائيلية وقوات أمم متحدة تفصيلا من حيث الطبيعة والتوقيت فى الملحق الاول وكذلك أى ترتيبات أمن قد يتفق عليها الطرفان
9. يتفق الطرفان على تمركز افراد الامم المتحدة فى المناطق الموضحة بالملحق الاول ويتفق الطرفان على ان يطلبا سحب هؤلاء الافراد وعلى أن سحب هؤلاء الافراد لن يتم الا بموافقة مجلس الامن التابع للامم المتحدة بما فى ذلك التصويت الايجابى للاعضاء الخمسة الدائمين بالمجلس وذلك ما لم يتفق الطرفان على خلاف ذلك 0
10. تنشأ لجنة مشتركة لتسهيل تنفيذ هذه المعاهدة وفقا لما منصوص عليه فى الملحق الأول
11. يتم بناء على طلب أحد الطرفين اعادة النظر فى ترتيبات الامن المنصوص عليها فى الفقرتين 1 ، 2 من هذه المادة وتعديلها باتفاق الطرفين
المادة الخامسة
12. تتمتع السفن الاسرائيلية والشحنات المتجهة من اسرائيل واليها بحق المرور الحر فى قناة السويس ومداخلها فى كل من خليج السويس واتلبحر الابيض المتوسط وفقا لأحكام اتفاقية القسطنطينية لعام 1888 المنطبقة على جميع الدول 0 كم يعامل رعايا اسرائيل وسفنها وشحناتها وكذلك الاشخاص والسفن والشحنات المتجهة من اسرائيل واليها معاملة لا تتسم بالتمييز فى كافة الشئون المتعلقة باستخادم القناة
13. يعتبر الطرفان أن مضيق تيران وخليج العقبة من الممرات المائية الدولية المفتوحة لكافة الدول دون عائق أو ايقاف لحرية الملاحة أو العبور الجوى 0 كما يحترم الطرفان حق كل مهما فى الملاحة والعبور الجوى من أجل الوصول الى أراضيه عبر مضيق تيران وخليج العقبة
المادة السادسة
14. لا تمس هذه المعاهدة ولا يجوز تفسيرها على اى نحو يمس بحقوق والتزامات الطرفين وفقا لميثاق الامم المتحدة
15. يتعهد الطرفان بأن ينفذا بحسن نية التزامانها الناشئة عن هذه المعاهدة بصرف النظر عن أى فعل أو امتناع عن فعل من جانب طرف آخر وبشكل مستق عن أى وثيقة خارج هذه المعاهدة
16. كما يتعهدان بأن يتخذا كافة التدابير الازمة لكى تنطبق فى علاقاتها أحكام الانفاقيات المتعددة الاطراف التى يكونان من أطرافها بما فى ذلك تقديم الاخطار المناسب للامين العام للأمم المتحدة وجهات الايداع الخرى لمثل هذه الاتفاقيات
17. يتعهد الطرفان بعدم الدخول فى أى التزام يتعارض مع هذه المعاهدة
18. مع مراعاة المادة 103 من ميثاق الامم المتحدة يقر الطرفان بأنه فى حالة وجود تناقص بين التزامات الاطراف بموجب هذه المعاهدة وأى من التزاماتها الاخرى بأن الالتزامات الناشئة عن هذه المعاهدة هى التى تكون ملزمة ونافذة
المادة السابعة
19. تحل الخلافات بشأن تطبيق أو تفسير هذه المعاهدة عن طريق المفاوضة
20. اذا لم يتيسر حل هذه الخلافات عن طريق المفاوضة تحل بالتوفيق أو تحال إلى التحكيم
المادة الثامنة
21. يتفق الطرفان على انشاء لجنة تعويضات للتسوية المتبادلة لكافة المطالبات
المادة التاسعة
22. تصبح هذه المعاهدة نافذة المفعول عند تبادل وثائق التصديق عليها
23. تحل هذه المعاهدة محل الاتفاق المعقود بين مصر واسرائيل فى سبتمبر 1975
24. تعد كافة البروتوكولات والملاحق والخرائط الملحقة بهذه المعاهدة جزءا لا يتجزأ منها
25. يتم أخطار الامين العام للأمم المتحدة بهذه المعاهدة لتسجيلها وفقا لأحكام المادة 102 من ميثاق الأمم المتحدة
26. حررت فى 26 مارس 1979 من ثلاث نسخ باللغات العربية والانجليزية والعبرية وتعتبر جميعها متساوية الحجية وفى حالة الخلاف فى التفسير فيكون النص الانجليزى هو الذ يعتد به
الفقرة الأولى
مفهوم الانسحاب
27. إسرائيل ستكمل انسحاب كل قواتها المسلحة والمدنيين من سيناء بحد أقصى خلال ثلاثة سنوات من تاريخ تبادل التصديق على هذه المعاهدة.
28. لضمان الأمن المتبادل للاطراف, ينفذ الانسحاب بشكل منظم على مراحل مصاحبة بالإجراءات العسكرية لتأسيس مناطق كما فى الخريطة رقم (1).
29. الانسحاب من سيناء سينجز في مرحلتين :
a. الانسحاب المؤقت خلف الخط من شرق العريش إلى رأس محمد كما هو موضح في الخريطة رقم 2 خلال تسعة شهور من تاريخ التصديق على هذه المعاهدة.
b. الانسحاب النهائي من سيناء خلف الحد الدولي فى موعد أقصاه ثلاثة سنوات من تاريخ التصديق على هذه المعاهدة .
30. تشكل لجنة مشتركة فورا بعد التصديق على هذه المعاهدة لكي تشرف وتنسق الحركات والجداول أثناء الانسحاب, ولضبط الخطط والجداول كضرورة خلال الحدود المنشأة بالفقرة 3, أعلاه. .
الفقرة الثانية
الحدود النهائية
31. لكي يتم توفير أقصى أمن ممكن لكلا الطرفبين بعد الانسحاب النهائي, تنشأ وتنظم الخطوط و المناطق على الخريطة كما يلي :
a. منطقة A
1. منطقة يحدها شرقاً الخط الأحمر وغرباً بقناة السويس والساحل الشرقي لخليج السويس, كما هو مبين في الخريطة رقم 1.
2. فى هذه المنطقة ستكون هناك قوة مسلحة مصرية فرقة مشاة واحدة وأجهزتها العسكرية.
3. العناصر الرئيسية لذلك التقسيم ستتكون من :
a. ثلاثة لواءات مشاة.
b. لواء مسلح واحد .
c. سبعة كتائب مدفعية حتى 126 قطعة مدفعية .
d. سبعة كتائب مدفعية مضادة للطائرات متضمنة صواريخ أرض جو وحتى 126 مسدس مضاد للطائرات ل37 مليمتر وأكثر.
e. حتى 230 دبابة .
f. حتى 480 مركبة مدرعة لكل الأنواع .
g. حتى 22 ألف موظف.
b. منطقة B
1. منطقة B حدودها من الخط الأخضر شرقاً والى الخط الأحمر غرباً كما هو موضح بالريطة رقم (1).
2. وحدات الحدود المصرية مكونة من أربعة كتائب مجهزة بالأسلحة الخفيفة والمركبات ستمد الأمن و تستكمل الشرطة المدنية في الحفاظ على النظام في منطقة B . العناصر الرئيسية في كتائب الحدود الأربعة ستتكون حتى مجموع أربعة آلاف موظف .
3. أجهزة انذار مبكر لوحدات دورية الحدود قد تنشأ على ساحل هذه المنطقة .
c. منطقة C
1. منطقة C يحدها الخط الأخضر غرباً والحد الدولي وخليج العقبة شرقاً, كما هو موضح على الخريطة 1 .
2. فقط قوات الأمم المتحدة والشرطة المدنية المصرية ستوضع في منطقة C.
3. الشرطة المدنية المصرية المسلحة بالأسلحة الخفيفة ستجري وظائف الشرطة العادية خلال هذه المنطقة .
4. قوة الأمم المتحدة ستنشر خلال منطقة C و تجري وظائفه كما هو موضح فى المادة الرابعة لهذا الملحق .
5. قوة الأمم المتحدة ستوضع بصفة أساسية في المعسكرات المستقرة خلال المناطق المبينة على الخريطة (1) , و ستنشئ أماكنها المحددة بعد المشاورات مع مصر :
a. في المنطقة ما بين 20 كم من سيناء للبحر الأبيض المتوسط ومجاور للحدود الدولية.
b. في منطقة شرم الشيخ .
d. منطقة D
1. منطقة D يحدها الخظ الأزرق شرقاً والحد الدولي على الغرب, كما هو موضح في الخريطة 1 .
2. في هذه المنطقة سيكون هناك قوة محدودة إسرائيلية أربعة كتائب المشاة, وأجهزتهم العسكرية و التحصينات و قوات المراقبة الخاصة بالأمم المتحدة .
3. القوات الإسرائيلية في منطقة D لن تتضمن الدبابات, المدفعية والصواريخ المضادة للطائرات باستثناء صواريخ أرض جو.
4. العناصر الرئيسية لكتائب المشاة الأربعة الإسرائيلية ستتكون حتى 180 مركبة مدرعة لكل الأنواع و حتى مجموع أربعة آلاف موظف.
32. الدخول عبر الحدود الدولية سوف تكون من خلال نقاط تفتيش بالشكل الذى يراه كل طرف مناسباً وتحت سيطرته . سيكون مثل هذا المدخل وفقا لقوانين و لوائح كل بلد .
33. ستكون فقط الأجهزة العسكرية, القوات و أسلحة مسموحة بصفة خاصة من قبل هذا الملحق في هذه المناطق .
الفقرة الثالثة
نظام عسكري جوي
34. تحليق طائرات عسكرية ورحلات الاستكشاف لمصر وإسرائيل مسموحة فقط على المناطق A و D على التوالي.
35. فقط طائرات غير مسلحة لمصر واسرائيل يمكنها أن تتواجد في المناطق A و D, على التوالي.
36. فقط طائرات مصرية غير مسلحة ستقلع وتهبط منطقة B و حتى ثمانية من مثل هذه الطائرات قد تتواجد في منطقة B . وحدة الحدود المصرية .,., قد تجهز بالمروحيات الغير مسلحة لإجراء وظائفهم في منطقة B .
37. الشرطة المدنية المصرية قد تجهز بمروحيات الشرطة الغير مسلحة لإجراء وظائف الشرطة العادية في منطقة C.
38. المطارات المدنية فقط يمكنها أن تبقى على الأرض فى هذه المناطق.
39. فقط تلك الأنشطة الجوية العسكرية المسموحة بصفة خاصة من قبل هذا الملحق سيسمح بها في المناطق والمجال الجوي فوق المياه الإقليمية .
الفقرة الرابعة
النظام البحري
40. مصر و إسرائيل قد تؤسسان و تشغلان السفن البحرية بطول سواحل المناطق A و D , على التوالي .
41. قوارب حرس سواحل مصرية, نصف مسلحة, قد تتواجد في المياه الإقليمية للمنطقة B لمساعدة وحدات الحدود في إجراء وظائفهم في هذه المنطقة.
42. الشرطة المدنية المصرية جهزت بالقوارب الخفيفة, نصف مسلحة, ستجري وظائف الشرطة العادية خلال المياه الإقليمية للمنطقة C . المنطقة
43. لا شيئ في هذا الملحق سيعتبر كالتقليل من حق المرور البريء للسفن البحرية لأي طرف .
44. مواني بحرية مدنية وحيدة وأجهزة قد تبنى في المناطق .
45. فقط تلك الأنشطة البحرية المسموحة بصفة خاصة من قبل هذا الملحق ستسمح في المناطق الموضحة وفي المياه الإقليمية .
الفقرة الخامسة
نظم إنذار مبكر
مصر و إسرائيل قد تنشئان و تشغلان نظم إنذار مبكر فقط في المناطق A و D على التوالي .
الفقرة السادسة
عمليات الأمم المتحدة
46. الأطراف ستطالب الأمم المتحدة أن تمد القوات والمراقبين للإشراف على تنفيذ هذا الملحق واستخدام أفضل مجهوداهم لمنع أي انتهاك لمصطلحاته.
47. بخصوص قوات الأمم المتحدة هذه والمراقبين, كمناسب, الأطراف توافق طلب الترتيبات التالية :
a. عملية نقاط التفتيش, دوريات الاستكشاف وأبراج مراقبة بطول الحد الدولي و حدود منطقة B, و خلال المنطقة C .
b. ستنفذ مراجعة دورية لتنفيذ شروط هذا الملحق ليس أقل من مرتين كل شهر إلا إذا وافق من قبل المجموعات
c. مراجعات إضافية خلال 48 ساعة فى حال طلب أي طرف.
d. ضمان حرية الملاحة خلال مضيق تيران وفقا للفقرة الخامسة لمعاهدة السلام.
48. الترتيبات التى وصفت في هذه الفقرة لكل منطقة ستنفذ فى مناطق A B C بقوة الأمم المتحدة و في المنطقة D من قبل مراقبي الأمم المتحدة .
49. فرق مراجعة الأمم المتحدة ستصاحب من قبل موظفي اتصال الطرف الخاص .
50. قوة الأمم المتحدة والمراقبون ستبلغ عن تحقيقاتهم إلى كلا الطرفين.
51. قوة الأمم المتحدة والمراقبون الذين يشتغلون في المناطق سيتمتعون بحرية الحركة والمرافق الأخرى الضرورية لأداء مهامهم .
52. قوة الأمم المتحدة والمراقبون لا تفوض لتوكيل معبر الحد الدولي .
53. الأطراف ستتفق على الدول التي ستكون منها قوة الأمم المتحدة والمراقبون. يكونون من دول خلاف الدول الأعضاء الدائمون لمجلس أمن الأمم المتحدة .
54. الأطراف تتفق أن الأمم المتحدة ينبغي أن تعمل ترتيبات الأمور لتأكيد التنفيذ المؤثر على مسئولياتها للاتفاق.
الفقرة السابعة
نظام الاتصال
55. بعد حلّ اللجنة المشتركة, سيكون نظام اتصال بين الأطراف مستخدماً . نظام الاتصال هذا اعتزم لإمداد طريقة مؤثرة لتقييم التقدم في تنفيذ الواجبات تحت الملحق الحالي ولحل أي مشكلة قد تظهر في أثناء تنفيذه, و يحيل مسائل مستعصية أخرى إلى المسئولين العسكريين العالين للبلدين على التوالي للتفكير . هو أيضا لمنع مواقف تنشأ عن الأخطاء أو سوء التفسير على جزء من أي طرف.
56. مكتب اتصال مصري سينشأ في مدينة العريش و مكتب اتصال إسرائيلي سينشأ في مدينة بئر السبع . سيكون كل مكتب برئاسة ضابط البلد الخاص, و يساعده عدد من الضباط.
57. خط هاتف مباشر سيكون بين المكتبين وأيضا خطوط هاتفية مباشرة مع سيطرة الأمم المتحدة.
الفقرة الثامنة
احترام النصب التذكارية للحرب
كل طرف يتولى حفظ النصب التذكارية المشيدة للحرب في حالة جيدة وسوف يتم السماح بالدخول لمثل هذه الآثار.
الفقرة العاشرة
ترتيبات مؤقتة
انسحاب القوات المسلحة الإسرائيلية والمدنيين خلف خط الانسحاب المؤقت, و سلوك القوات للاطراف والأمم المتحدة قبيل الانسحاب النهائي, ستحكم بالملحق المرفق والخريطة رقم 2 .
في يناير 2010م وضع مصرف "دانسك بنك"، أكبر بنوك الدنمارك، عددًا من الشَّركات الإسرائيليَّة على قائمته السَّوداء التي يمنع التعامل معها لأسبابٍ أخلاقيةٍَّ "بسبب عدم التزامها بالمعايير الدَّوليَّة لحقوق الإنسان ومعايير التَّوظيف دون تمييزٍ عنصريٍّ أو أيِّ نوعٍ من التَّفرقة"، وفي ديسمبر السَّابق عليه، أصدرت الحكومة البريطانيَّة توصيةً لشركات التسَّويق بأهمِّيَّة التَّمييز بين المُنتجات الفلسطينيَّة وتلك المُصنَّعة في المستوطنات الإسرائيليَّة غير المشروعة في الضِّفَّة الغربيَّة.
وفي نوفمبر 2009م، بدأ عددٌ من نشطاء حقوق الإنسان والإعلاميِّين البريطانيِّين في حملةٍ لإقناع المراكز التِّجاريَّة الكبرى في بريطانيا، مثل سينسيبري، لمقاطعة منتجات المُستوطنات الإسرائيليَّة، كما قرَّرت النَّقابات العُمَّالية البريطانيَّة في سبتمبر الماضي مقاطعة البضائع الإسرائيليَّة، ردًّا منها على العدوان الإسرائيليٍّ المجنون على قطاع غزة في ديسمبر 2008م، ويناير 2009م، وعقابًا لإسرائيل على استمرارها في فرض الحصار على القطاع.
بل إنَّه قبل سنواتٍ، أعلن مجلس الكنائس العالمي، وهي هيئةٌ تُمثِّل أكثر من نصف مليار مسيحيٍّ في العالم، وتحديدا في شهر ديسمبر من العام 2001م، عن مقاطعة منتجات المستوطنات الإسرائيليَّة، بسبب الجرائم التي ارتكبتها إسرائيل بحق الفلسطينيِّين خلال انتفاضة الأقصى الثَّانية التي اندلعت في سبتمبر من العام 2000م.
كما أنَّ عددًا من الهيئات والجامعات البريطانيَّة والنُّرويجيَّة والأوروبيَّة الأخرى تبنَّت حملة لوقف العلاقات مع الجامعات الإسرائيلية، ومن بينها مؤتمر اتحاد الجامعات والمعاهد "يو. سي. يو"، الذي يعتبر أكبر نقابات التَّعليم العالي في بريطانيا، احتجاجًا على السِّياسات الإسرائيليَّة في فلسطين المُحتلَّة.
في المقابل نجد أنَّ وتيرة التَّطبيع تتزايد بين بلدان عالمنا العربيِّ والإسلاميِّ تزداد يومًا بعد يومٍ، برغم إعلان جامعة الدِّول العربيَّة عن موت عمليَّة السَّلام في الشَّرق الأوسط، والتي كانت المبرِّر الأوَّل للتَّطبيع مع إسرائيل من جانب بعض حكومات الإقليم. وتزايد وتيرة التطبيع بين العرب والمسلمين وبين إسرائيل، ليس كلامًا مُرسلاً، وليس كلامنا نحن، وإنَّما حقائق كشفها مدير معهد التَّصدير في إسرائيل، دافيد أرتزي، الذي قال مؤخرًا إنَّ المبادلات التِّجاريَّة لإسرائيل مع دول العالم "تشمل عددًا كبيرًا من الدِّول العربيَّة والإسلاميَّة، سواءً بطريقٍ مباشرٍ أو غير مباشرٍ"، كما أكَّد أيضًا أنَّ رجال الأعمال الإسرائيليين يملكون العديد من المصانع في الدِّول العربيَّة.
والآن وبينما غزَّة تموت بسبب الحصار، ولا تجد الدولار العربيِّ أو الخليجيِّ ولا زجاجة المياه النَّقيَّة من ذَوي القُربى الذين أعلنوها مقاطعةً تامَّةً ليس مع حركة حماس فحسب، بل مع غزة بأكملها، ومع القضيَّة برُمَّتها؛ فإنَّ مليارات الدُّولارات من خزائن الحكومات العربيَّة والإسلاميَّة، تصبُّ في موازنة إسرائيل السَّنويَّة. وإذا ما علمنا أنَّ ميزانيَّة الدِّفاع تُشكِّل ما بين 12% إلى 15% من ميزانيَّة إسرائيل العامَّة، فإنَّ هذا يعني أنَّه من بين كلِّ مائة دولار يدفعها العرب والمسلمون لإسرائيل من خلال التَّطبيع التِّجاريِّ والاقتصاديِّ، هناك ما بين 12 إلى 15 دولار تصبُّ في صالح التِّرسانة الحربيَّة الصُّهيونيَّة، بما فيها من قنابلَ فسفورٍ ورصاصاتِ "ضمضم" مسمومةٍ، تفتك بأجساد أطفالنا وتقتل أبطالنا في فلسطين، وبما فيها من صواريخَ بعيدةِ المدى مزوَّدةٍ برؤوسٍ نوويَّةٍ وكيماويَّةٍ مُصوَّبة إلى عواصمنا العربيَّة!! وهو ما يجعلنا نفهم بطبيعة الحال أهمِّيَّة وخطورة القضيَّة التي نحن بصددها في الوقت الرَّاهن، ويجعلنا أيضًا نُؤكِّد، وبضميرٍ سليمٍ واثقَ، أنَّ التطبيع مع إسرائيل يندرج تحت بند الخيانة العظمى، على الأقلِّ لأنَّه يدعم ترسانة الخراب والدَّمار الإسرائيليَّة، وهو ما نسعى إلى كشفه في هذه الورقة.
القسم الأوَّل: التَّطبيع وما أدراك ما التَّطبيع
أولاً: تعريف التَّطبيع:
تُعرِّف "الحملة
الفلسطينيَّة للمقاطعة الأكاديميَّة والثَّقافية لإسرائيل" التَّطبيعَ على أنَّه "المُشاركة في أيِّ مشروعٍ أو مبادرةٍ أو نشاطٍ، محلِّيٍّ أو دوليٍّ، مُصمَّمٌ خصِّيصًا للجمع، سواءٍ بشكلٍ مباشرٍ أو غير مباشرٍ بين فلسطينيِّين، و/ أو عرب، وإسرائيليِّين، أفرادًا كانوا أم مُؤسَّساتٍ، ولا يهدف- أي هذا المشروع أو النَّشاط- صراحةً إلى مقاومة أو فضح الاحتلال وكل أشكال التَّمييز والاضطهاد الممارس بحقِّ الشَّعبِ الفلسطينيِّ". بينما تُعرِّف بعض الأوساط الأكاديميَّة والثَّقافيَّة الفلسطينيَّة الأخرى التَّطبيع، بالنِّسبة للعلاقات بين الدِّول العربيَّة والإسلاميَّة وإسرائيل، على أنَّه: "قيام هذه الدِّول أو مُؤسَّساتها أو أشخاصها بتنفيذ مشاريعَ تعاونيَّةٍ ومبادلاتٍ تجاريَّةٍ واقتصاديَّةٍ، في غياب استتباب السَّلام العادل، وذلك إخلالاً بالموقف السِّياسيِّ التَّاريخي لتلك الدول، والقائل بأنَّ مُقاطعة الدِّول العربيَّة لإسرائيل يجب أنْ تستمر حتى يتحقَّق ذلك السَّلام العادل، بل وكوسيلة ضغطٍ لتحقيقه". وفي هذا الإطار فإنَّ "التَّطبيع" يُعتَبَر سماحٌ بتطوير علاقاتٍ طبيعيَّةٍ بين المُعتدي والمُعْتَدَى عليه في غياب العدالة، أي في وضعٍ "غير طبيعيٍّ"، يتناقض مع فحوى كلمة "تطبيع" [Normalization]، أي جَعْلِ العلاقات "طبيعيَّة بين طرفَيْن". وتُعتبر الأنشطة الاقتصاديَّة والتِّجاريَّة والعلميَّة والثَّقافيَّة، وكذلك العلاقات ما بين فئاتٍ بعينها مثل الشباب والمرأة ورجال الأعمال، هي أبرز أشكال التَّطبيع، الذي يتم في صورة مشروعات أو مهرجانات أو فعاليَّاتٍ أخرى مُشتركة. وتنطبق التَّعريفات السَّابقة على الأنشطة التَّالية، كما حددتها "الحملة الفلسطينيَّة للمقاطعة الأكاديميَّة والثَّقافية لإسرائيل":أولاً: إقامة أيِّ نشاطٍ أو مشروعٍ يهدف لتحقيق ما يُعرَف بـ"السَّلام" في الأدبيَّات العامَّة، ولكن من دون الاتِّفاق على الحقوق الفلسطينيَّة الأساسيَّة غير القابلة للتصرُّف بحسب القانون الدَّوليِّ، مثل حقِّ تقرير المصير وحقِّ العودة بموجب قرارات الأمم المتحدة، وعلى رأسها القرار رقم "194" الصَّادر في العام 1948م، وعلى أسسٍ من العدالة والمشروعيَّة.
ثانيًا: إقامة أيِّ نشاطٍ أو مشروعٍ، يدعو له طرفٍ ثالثٍ أو يفرضه هذا الطَّرَف على العرب والفلسطينيِّين، ويساوي هذا النَّشاط أو المشروع بين الطَّرفَيْن، الإسرائيليِّ أو الفلسطينيِّ والعربيِّ، في المسئوليَّة عن الصِّراع في الشرق الأوسط.
ثالثًا: إقامة أيِّ مشروعٍ يُغطِّي على وضع الشَّعب الفلسطينيِّ كضحيَّةٍ للمشروع الصهيونيِّ الاستيطانيِّ في فلسطين، أو يغطِّي على حقائق الصراع التَّاريخيَّة، أو يتجاهل حقَّ الشَّعب الفلسطينيَّ في تقرير مصيره، أو في العودة.
رابعًا: مُشاركة عربَ أو فلسطينيِّين، مُؤسساتٍ كانوا أو أفرادًا، في مشروعٍ أو نشاطٍ يُقام داخل إسرائيل أو في الخارج مدعومٍ من أو بالشَّراكة مع مُؤسَّسةٍ إسرائيليَّةٍ لا تُقرُّ علنًا بالحقوق المشروعة للفلسطينيِّين، أو تتلقَّى دعمًا أو تمويلاً من الحكومة الإسرائيليَّة. وعلى الرَّغم من التَّحديد السَّابق للمفاهيم الخاصَّة بالتَّطبيع، إلا أنَّ هناك خلافًا كبيرًا حول وضع الفلسطينيِّين في الداخل المحتل في العام 1948م، أو في الأراضي المُحتلَّة في العام 1967م؛ حيث لا يرى البعض في أيِّ علاقة بينهم وبين إسرائيل ومُؤسَّساتها الرَّسميَّة وشركاتها وما إلى ذلك؛ حيث رأى البعض أنَّ هذه العلاقة تدخُل في حكم الضرورة بواقع ظروف الاحتلال، إلا أنَّ بعض الأطراف التي تُعارض التَّطبيع مع إسرائيل، تقول بضرورة مقاطعة هذه الفئات أيضًا للكيان الصُّهيونيِّ.
ثانيًا: تاريخ التَّطبيع حتى التَّسوية الفلسطينيَّة- الإسرائيليَّة:
هناك أزمة مفاهيمَ كبيرةٍ يُعاني منها العالم العربي، ومن أكثر المفاهيم جدلاً، هو مفهوم "السَّلام"، والذي كثيرًا ما يَستخدم القادة السياسيِّين العرب بعض النُّصوص الدِّينيَّة لتبرير سلوك "السَّلام" مع إسرائيل، ولكن بشكلٍ فيه العديد من المغالطات، ومن بين هذه النُّصوص قول الله تعالى في كتابه الكريم: ﴿وَإِنْ جَنَحُواْ لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلَ على اللهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ﴾ [الأنفال: 61]. فقد تمَّ تطبيق مبدأ الجنوح من جانب للسَّلام من جانب العرب من دون النَّظرِ إلى ما إذا كان الآخر قد جنح لللسَّلمِ بدوره، مع العلم أنَّه لم يمرُّ عقدٌ من الزَّمان منذ العام 1948م، وحتى الآن بدون حربٍ تَشنُّها إسرائيل على بلدٍ عربيٍّ أو ضد الفلسطينيِّين [1956م ضد مصر وغزَّة/ 1967م ضد مصر والأردن وسوريا/ 1979م ضد لبنان والفلسطينيِّين/ 1982م ضد لبنان والفلسطينيِّين/ 1995م ضد لبنان/ 2008/2009م ضد غزَّة]، بخلاف فترات الانتفاضتَيْن الأولى والثَّانية، في الثَّمانينيَّات والتِّسعينيَّات، وفي الألفيَّة الجديدة، وضد المقاومة الفلسطينيَّة في الأردن ولبنان في أواخر السِّتينيَّات ومطلع السَّبعينيَّات. وفي هذا الإطار، ثمَّة خطأٍ تاريخيٍّ نقع جميعًا فيه، وهو أنَّ التَّطبيع بدأ بين العرب وإسرائيل بعد اتفاقيَّات كامب ديفيد بين مصر وإسرائيل في العام 1978م، فقد بدأ قبل ذلك بعقودٍ طويلةٍ، وتحديدًا بعد هزيمة الجيوش العربيَّة التي شاركت في حرب 1948م في فلسطين، عندما وافقت الحكومات العربيَّة على البَدء في مفاوضاتٍ للتَّوصُّل إلى اتِّفاق هدنةٍ مع الكيان الصُّهيونيِّ الوليد في جزيرة رودس في 13 يناير 1949م، تحت إشراف رالف بانش مُمثِّل الأمم المتحدة، واستمرَّتْ حتى يوليو من العام نفسه، وبنتيجتها وقعت كل من مصر والأردن ولبنان وسوريا على اتِّفاقاتٍ مع الكيان الصُّهيونيِّ نصَّت على عدم استخدام القُوَّة العسكريَّة في تسوية مشكلة فلسطين وعدم قيام القوات المسلحة لأي من الفريقَيْن بأيِّ عملٍ عدائيٍّ أو التَّخطيط لمثل هذا العمل أو التَّهديد به. وأنتجت هذه المفاوضات ووثائقها التي تمخَّضت عنها، نوعًا من الاعتراف القانونيِّ والواقعيِّ من جانب حكومات هذه البلدان بإسرائيل. وعندما شكَّلتْ الأمم المتحدة لجنة التَّوفيق الخاصة بفلسطين في ديسمبر 1948م، وكانت مُشكَّلةٌ من الولايات المتحدة وفرنسا وتركيا، كان من ضمن مهامها العمل على تنفيذ القرار "194" الخاص بحقِّ العودة وتعويض من لا يرغب في العودة من الَّلاجئين الفلسطينيِّين، دعت لجنة التَّوفيق إلى اجتماعٍ في لوزان في العام 1949م، حضرته الدِّول التي وقَّعت اتِّفاقات الهدنة، واستمر من أبريل إلى سبتمبر 1949م، وفي نهايته وقَّعت الوفود العربية مع الكيان الصهيوني على بروتوكول "لوزان" الخاص بالَّلاجئين، وأُرْفِقَ به القرار رقم "181" الصَّادر في نوفمبر من العام 1947م، عن الجمعيَّة العامَّة للأمم المتحدة، والمعروف باسم قرار تقسيم فلسطين. وكان توقيع الحكومات العربيَّة الأربع على اتِّفاقيَّات الهدنة وعلى بروتوكول لوزان بمثابة إقرار بوجود إسرائيل، وبموافقتها على مشروع التقسيم، وعلى هذا الأساس أصدرت الجمعيَّة العامَّة للأمم المتحدة سنة 1949م قرارًا بقبول انضمام إسرائيل إلى الأمم المتحدة. وبعد العدوان الثُّلاثيِّ في العام 1956م، وافقتْ حكومة الرَّئيس المصريِّ الرَّاحل جمال عبد النَّاصر على وقف إطلاق النَّار، كان من بين شروطه السَّماح للسُّفن الإسرائيليَّة بالمرور في خليج العقبة المصريِّ، وكان ذلك، من وجهة نظر الكثير من المؤرِّخين أوَّل نمط من أنماط التَّطبيع بين العرب وإسرائيل. وبعد حرب يونيو 1967م، والتي استولى فيها الجيش الصُّهيونيُّ على شبه جزيرة سيناء المصريَّة وقطاع غزَّة والضِّفَّة الغربيَّة الفلسطينيَّيْن، بالإضافة إلى هضبة الجولان السُّوريَّة، وافق العرب على القرار "242" الصَّادر في 22 نوفمبر 1967م، عن مجلس الأمن الدَّوليِّ، وكان من بين ما ينصُّ عليه هو بدء مفاوضات لإحلال السَّلام في الشَّرق الأوسط بين العرب وإسرائيل. وفي التَّاسع من ديسمبر من العام 1969م، طرح وزير الخارجيَّة الأمريكيُّ وليليام روجرز مبادرته الشَّهيرة التي أوقفتْ حرب الاستنزاف على الجبهة المصريَّة، والتي تمَّ تعديلها بالصِّيغة التي قبلتها مصر في 23 يوليو من العام 1969م، وأعطتْ هدنةٌ لمدة ثلاثة أشهرٍ بين مصر وإسرائيل، وتُعْتَبر المبادرة، من وجهة نظر الكثيرين هي أوَّل الطَّريق الذي قاد بعد ذلك إلى كامب ديفيد ومدريد وأسلو بين العرب وإسرائيل. وبعد حرب رمضان/ أكتوبر 1973م، بَعَثَ وزير الخارجيَّة الأمريكيُّ هنري كيسنجر إلى الرئيس المصريِّ أنور السَّادات عن طريق مسشاره للأمن القوميِّ حافظ إسماعيل، رسالةً من رئيسة الوزراء الإسرائيليَّة جولدا مائير تُبدي فيها استعداد الكيان الصُّهيونيِّ للدُّخول الفوريِّ في مباحثاتٍ مع المصريين حول كيفيَّة معالجة حصار الجيش الثَّاني المصريِّ للقوات الإسرائيليَّة غربي القناة، وحصار الجيش الإسرائيليِّ للجيش الثَّالث المصريِّ شرق القناة، وفكِّ حصار السويس. وفي الإطار عُقِدَتْ بين مصر وإسرائيل سلسلةً من المحادثات ذات الطَّابع العسكريِّ، كانت أوَّلها محادثات الكيلو 101 في أكتوبر 1973م، ثم محادثات فكِّ الاشتباك الأوَّل في يناير 1974م، وفكِّ الاشتباك الثَّاني في سبتمبر 1975م.
وفي العام 1978م، نجحت الولايات المتحدة في حَمْلِ مصر وإسرائيل على التَّوقيع على اتفاقيَّتَيْ كامب ديفيد الشَّهيرتَيْن، والَّلتَيْن كانتا أول الطريق على توقيع اتفاق السَّلام بين مصر وإسرائيل في مارس 1979م، والتي تنصُّ المادة الأولى منها، وفي فقرتها الثَّالثة على أنَّه عند إتمام الانسحاب الإسرائيليِّ المرحليِّ المنصوص عليه في المُلحق الأوَّل من الاتفاقيَّة من سيناء "يُقيم الطَّرفان علاقاتٍ طبيعيَّةً ووُدِّيَّةً". وفي الإطار أقامتْ مصر مع إسرائيل علاقاتٍ دبلوماسيَّةً طبيعيَّةً، بالإضافة إلى العديد من الاتِّفاقيَّات الاقتصاديَّة والتِّجاريَّة وعلى رأسها اتِّفاقيَّة المناطق الصناعيَّة المُؤهَّلة "الكويز" مع الولايات المتحدة، في العام 2004م، والتي تنصُّ على منح إعفاءاتٍ جمركيَّةٍ لمنتجات الملابس في بعض المناطق الصِّناعيَّة المصريَّة، شريطة أنْ يكون من مُكوِّنُها 11.7% منتجٌ إسرائيليٌّ، وتمَّ البدء بثلاثة مناطق، هي: القاهرة الكبرى ومنطقة الإسكندرية في برج العرب والعامريَّة، والمدينة الصِّناعيَّة ببورسعيد. وذلك بجانب اتِّفاق تصدير الغاز الطَّبيعيِّ المصريِّ إلى إسرائيل، التي وقَّعتها الحكومة المصريَّة مع إسرائيل في العام 2005م، ويقضي بتصدير 1.7 مليار متر مكعب سنويًّا من الغاز الطَّبيعيِّ المصريِّ لإسرائيل، لمٌدَّة 20 عامًا، بسعرٍ يتراوح ما بين 70 سنتا إلى 1.5 دولار لكلِّ مليون وحدةٍ حراريَّةٍ، بينما يصل سعر التَّكلُفة إلى 2.65 دولار، وهو ما أثار حملة معارضةٍ واسعة النِّطاق في مصر ضد هذا الاتِّفاق. وفي الإطار، وبعد اتِّفاقيَّات أوسلو بين مُنظَّمة التَّحرير الفلسطينيَّة وإسرائيل، والتي بدأت باتفاق إعلان المبادئ في سبتمبر 1993م، وبعد اتِّفاقيَّة وادي عربة في العام 1994م، بين الأردن وإسرائيل، تسارعت وتيرة التَّطبيع بين الدِّول العربيَّة والإسلاميَّة وإسرائيل؛ حيث وقَّعت الأردن على اتفاقٍ "الكويز" الخاص بها في العام 1996م، وافتتحت إسرائيل مكاتب تمثيل تجاريٍّ لها في بعض الدِّول العربيَّة، كما في قطر وتونس. وتُعْتَبَرُ هذه الاتِّفاقيَّات تطبيقًا لتصوُّرات الرئيس الإسرائيليِّ شيمون بيريز في كتابه "الشَّرق الأوسط الجديد"، والذي تحدث فيه عن شرق أوسط تتكامل فيه الشعوب لتُنشئ كيانًا اقتصاديًّا مُتكاملاً برؤوس أموالٍ خليجيَّةٍ وأيدي عاملةٍ مصريَّةٍ وعراقيَّةٍ وسوريَّةٍ والإدارة فيه للإسرائيليين، وبالفعل تمَّ عقد خمس جولاتٍ من المحاثات بين الدِّول العربيَّة وإسرائيل، في صورة مؤتمراتٍ اقتصاديَّةٍ بدأت في مصر وانتهت في قطر، ولكن تعطُّل عمليَّة التَّسوية بين الفلسطينيِّين وإسرائيل بعد واي ريفر في العام 1998م، واندلاع انتفاضة الأقصى الثَّانية في العام 2000م، أدَّت إلى وقف هذا الحِراك. وقد استغلَّت إسرائيل الحِراك الذي ولَّدته التَّسوية، وخصوصًا بعد توقيع الطَّرَف الأساسيِّ للصِّراع، وهو الفلسطينيِّين، لاتِّفاقيَّات تسويةٍ مع إسرائيل، اعترفت بمقتضاها مُنظَّمة التَّحرير الفلسطينيَّة بإسرائيل، لتوسيع نطاق انتشارها الدبلوماسيِّ على مستوى العالم الإسلاميِّ بأكمله. فقد استغل رئيس الوزراء الإسرائيليِّ الأسبق إرييل شارون للدَّويِّ الإعلاميِّ الذي أحدثه الانسحاب الإسرائيليُّ أحاديُّ الجانب من غزة في سبتمبر 2005م، وقام بحملة علاقات عامَّةٍ في أوساط عددٍ من خلال الدَّورة السَّنويَّة للأمم المتحدة في ذات التَّوقيت، والتقى وزراء خارجيَّة كلٍّ من باكستان وإندونيسيا. كما توسَّعت علاقات إسرائيل في عهد شارون ومن تلاه من رؤساء وزارة مع جمهوريَّات آسيا الوسطى الإسلاميَّة الخمس المستقلَّة عن الاتحاد السُّوفيتيِّ السَّابق، وخصوصًا أذربيجان وطاجيكستان؛ حيث وصل التَّعاون بين الجانبَيْن إلى المستوى العسكريِّ، بالإضافة إلى التَّعاون في المجالات الزِّراعيَّة والصِّناعيَّة. ولكي نفهم طبيعة الصُّورة الحقيقيَّة لتأثيرات التَّسوية في دفع التَّطبيع بين العالم العربيِّ والإسلاميِّ وبين إسرائيل، فإنَّه من المهم النَّظر في التَّطورات التي طرأت على ملفِّ التَّطبيع والمقاطعة، التي تُعتبر الوجه الآخر لملف التَّطبيع، في مرحلة ما بعد انطلاق عمليَّة مدريد في أكتوبر 1991م. فانطلاقًا من حقيقة أنَّ غالبيَّة الجهود التي بذلتها الولايات المتحدة خصوصًا، في مرحلة ما بعد مدريد هدفت إلى دمج الاقتصاد الإسرائيليِّ في الاقتصاد العالميِّ، وتحويل إسرائيل إلى مركزٍ للتَّحكُّم في لاقتصاد العولمة في منطقة الشَّرق الأوسط، كان ولا يزال للبعد الاقتصاديِّ الأولويَّة في مسار العلاقات الإقليميَّة. وفي الإطار نجحت إسرائيل بعد ضغوطٍ كبيرةٍ قامت بها واشنطن أيام بوش الاب، وبيل كلينتون، في إنهاء المُقاطعة الاقتصاديَّة العربيَّة لإسرائيل والشركات والمٌؤسَّسات والشَّركات التي تتعامل معها، فعليًّا. ففي العام 2000، قال التَّقرير السَّنويُّ لمكتب التِّجارة الأمريكيِّ الذي صدر في 31 مارس من ذلك العام: "إنَّه بشأن الحواجز التِّجاريَّة، فإنَّ مصر لم تُطبِّق أيَّ وجهٍ من أوجه المقاطعة الرَّسميَّة منذ عام 1980م، تطبيقًا لمعاهدة السَّلام مع إسرائيل التي وُقِّعَت عام 1979م، وأنهى الأردن رسميًّا التزامه بجميع أوجه المقاطعة، وأصبح ذلك ساري المفعول منذ 16 أغسطس 1998م، وذلك لدى تطبيق التَّشريع الخاص بتنفيذ معاهدته للسَّلام مع إسرائيل". وأضاف التَّقرير أنَّ السُّلطة الفلسطينيَّة وافقت على عدم تطبيق المقاطعة في كتاب وُجِّه في العام 1998م إلى ميكي كانتور، المُمثِّل التِّجاريِّ للولايات المتحدة حينئذ، كما أعلنت الدول الأعضاء في مجلس التَّعاون الخليجيِّ (وهي: السَّعوديَّة، والبحرين، والكويت، وسلطنة عُمان، وقطر، والإمارات) في سبتمبر 1994م، عدم التزامها بالمقاطعة من الدَّرجة الثَّانية والدَّرجة الثَّالثة"، أي فيما يخصًُّ الشركات التي تتعامل مع إسرائيل أو لها أفرعٌ فيها. وذكر التَّقرير أنَّه في العام 1996م، أنهت كل من سلطنة عُمان وقطر تطبيق المقاطعة، وأسست ترتيباتٍ تجاريَّةٍ مُتبادلةٍ مع إسرائيل، كما توقَّفت عددٌ من الدِّول العربية الأخرى عن تنفيذ المقاطعة، وهي: المغرب، وموريتانيا التي اعترفت بإسرائيل في عهد الرئيس الأسبق معاوية ولد الطَّايع وأقامت علاقاتٍ دبلوماسيَّةً كاملةً معها في العام 2005م، حتى أنهاها الرَّئيس الموريتانيُّ الحاليُّ محمد ولد عبد العزيز، وتونس التي اعترفت بإسرائيل من خلال إقامة علاقاتٍ دبلوماسيَّةٍ محدودةٍ، وكذلك اليمن التي تخلَّت رسميًّا عن تطبيق المقاطعة من الدَّرجتَيْن الثَّانية والثَّالثة في العام 1995م. أمَّا الجزائر فإنَّها ما زالت تلتزم بالمقاطعة رسميًّا، ولكن ليس من خلال الممارسة، مثلها مثل لبنان؛ حيث أنهت كلا البلدَين كافَّة أشكال المقاطعة، باستثناء إقامة علاقاتٍ اقتصاديَّةٍ مع إسرائيل. وقد هدفت إسرائيل من وراء ذلك إلى تحقيق أمرين أو هدفَيْن أساسيَّيْن، الأوَّل تحجيم الآثار الاقتصاديَّة للمقاطعة، والتي قُدِّرت بأكثر من مليار دولار سنويَّا، وتحديدًا 53 مليار دولار على مدى 45 عامًا، والثَّاني إزالة أكبر عقبة من أمام الشَّركات الأجنبيَّة الرَّاغبة في الاستثمار في إسرائيل، والتي قُدِّرت خسائر إسرائيل منها نحو 41 مليار دولار إضافيَّة في ذات الفترة، والتي عوَّضت الإدارات الأمريكيَّة المتعاقبة إسرائيل عنها من خلال ما مجموعه 75 مليار دولار من المساعدات السَّنويَّة خلال الفترة ما بين العام 1951م إلى العام 1998م. كما ساعدت التَّسوية إسرائيل على تحسين مستوى علافاتها الدبلوماسيَّة مع بلدان العالم المختلفة؛ فمنذ مؤتمر مدريد في 1991م، وحتى مطلع الألفيَّة الجديدة، أقامت إسرائيل علاقاتٍ دبلوماسيَّةٍ مع 62 دولةٍ في عقدٍ واحدٍ فقط، كان من بين هذه الدِّول روسيا والصِّين والهند وإندونيسيا وطاجيكستان، والتي تضم ما يقرب من نصف عدد سكان الأرض تقريبًا. وقد ساعدت هذه الأوضاع على تحقيق الكثير للاقتصاد الإسرائيليِّ وللأمن القومي للكيان الصُّهيونيِّ ككلٍّ، ومن بينها:
أولاً: زيادة تدفُّق المهاجرين إلى إسرائيل، وخصوصًا من روسيا بكلِّ ما فيهم من عمالةٍ ماهرةٍ وأكاديميِّين وعلماء؛ حيث وصل مليون مهاجر روسي فقط إلى إسرائيل بعد مدريد.
ثانيًا: تدفُّق الاستثمارات الخارجيَّة على إسرائيل، والتي لم تكن تزيد على 400 مليون دولار عام 1991م، زادت أكثر من خمسة أضعافٍ بعد ذلك، ففي العام 1996م بلغت حوالي 2.9 مليار دولار، وفي عام 1997م بلغت قيمتها نحو 3.6 مليار دولار، وأكثر من 15 مليار دولار حاليًا، وهي أرقام تُعادل أضعاف قيمة الاستثمارات الأجنبيَّة التي تتدفَّق على مصر.
وبحسب الإحصائيات الصَّادرة عن "بنك إسرائيل"- البنك المركزيُّ هناك- فإنَّ قيمة الأموال المُتدفِّقة من الخارج والتي دخلت إسرائيل بشكلٍ رسميٍّ من العام 1990م، وحتى العام 1999م، بلغت حوالي 75 مليار دولار، وشهدت ارتفاعًا مطردًا من عامٍ لآخر، باستثناء بعض سنوات حكم إسحاق شامير في العام 1991م، وبنيامين نتنياهو في العامين 1997م و1998.
ثالثًا: ارتفاع حجم الناتج الإجماليِّ الإسرائيليِّ السنويِّ، لمستوياتٍ أكبر من الناتج المحليِّ لإندونيسيا التي يبلغ عدد سكانها حوالي 230 مليون نسمة، والنَّاتج الإجماليِّ لمصر، التي يصل عدد سُكَّانها إلى 82 مليون نسمةٍ، وذات النتائج سرت على الموازنة العامَّة الإسرائيليَّة، التي تطوَّرت من 49 مليار دولار عام 1995م، إلى نحو 53 مليارٍ عام 1999م، إلى حوالي 70 مليار دولار في العام 2009/2010م.
رابعًا: تحسين مستوى العلاقات الاقتصاديَّة بين إسرائيل ودول العالم المختلفة؛ فبعد سنةٍ واحدةٍ على اتفاق أوسلو في العام 1993م، زادت الصادرات الإسرائيلية للبلدان الآسيوية بمقدار 33%، وأصبحت تعادل حوالي 13% من مُجمل الصَّادرات الإسرائيليَّة، مع تحسين مستوى البيئة الأمنيَّة داخل إسرائيل بشكلٍ جعل إسرائيل أحد أهم الوجهات السِّياحيَّة في المنطقة. كما شكَّل انضمام الدِّول العربيَّة والإسلاميَّة لمنظمة التِّجارة العالميَّة، عاملاً إضافيًّا لإضعاف أثر المقاطعة الاقتصاديَّة لإسرائيل وزيادة مساحة التَّطبيع؛ حيث تنص لوائح المُنظَّمة على عدم التَّمييز بين الدول في انسياب حركة التِّجارة العالميَّة، بما في ذلك إسرائيل، في مقابل عدم استغلال الدِّول العربيَّة والإسلاميَّة باب "الاستثناءات والمزايا" التي تسمح للدَّولة العضو بممارسة إجراءاتٍ خاصَّةٍ ضد أي طرفٍ عضوٍ في المُنظَّمة.
القسم الثَّاني: التَّطبيع في المرحلة الرَّاهنة
في أبريل الماضي نشر الباحث الجزائريِّ بشير المصيطفي، دراسةٌ في صحيفة "الشُّروق" الجزائريَّة رسمت بعضًا من معالم واقع التَّطبيع الاقتصاديِّ والتجاريِّ بين العالم العربيِّ والإسلاميِّ وبين إسرائيل، والمؤسف بالفعل أنَّ المُصيطفي قال إنَّ الإحصائيَّات الواردة في الدِّراسة تُؤكِّد زيادة حجم المبادلات التِّجاريَّة بين عددٍ من الدول العربيَّة وبين إسرائيل، بشكلٍ يفوق حجم هذه المبادلات البينيَّة بين الدِّول العربيَّة ذاتها.
ففي العام 2008م، بلغ حجم التَّبادُل التِّجاريِّ بين إسرائيل ومصر نحو 292 مليون دولار، بزيادةٍ قدرها 18% عن العام 2007م، بينما لم تتجاوز التِّجارة البينيَّة بين الجزائر وليبيا على سبيل المثال 40 مليون دولار العام 2009م. وبالمناسبة، لا تتعدَّي نسبة التَّبادُل التِّجاريِّ بين الدِّول العربيَّة نسبة الثَّمانية بالمائة من إجمالي التِّجارة العربيَّة بحسب "التقرير الاقتصادي العربي الموحد 2008"، بينما يُشكِّل التَّبادُل التِّجاريِّ 25% من تجارة إسرائيل الخارجيَّة، وهي نسبة تجعل العرب ثاني شريكٍ تجاريٍّ لإسرائيل بعد الولايات المتحدة. وهناك عجزٌ تجاريٌّ بين الجانبَيْن لصالح إسرائيل، بنحو 28 مليون دولار؛ حيث بلغ إجمالي الصَّادرات الإسرائيليَّة لمصر حوالي 160 مليون دولار في مقابل 132 مليونًا صادراتٍ مصريَّةٍ لإسرائيل، وتستورد مصر 200 مُنتجٍ من اسرائيل، بواسطة عدد من المصدِّرين الاسرائيليِّين، وعددهم 321 مُصدِّر يعملون في السوق المصريِّ. وتُساهم 575 شركة من الجانبَيْن، في دعم التِّجارة البينيَّة بين مصر وإسرائيل، من بينها 300 شركةٍ مصريَّةٍ، من بينها شركات تساهم في إمداد إسرائيل بحديد التَّسليح والأسمنت الَّلازمَيْن لبناء المستوطنات والجدار العنصريِّ في الضِّفَّة الغربيَّة، فيما تُصدِّر إسرائيل إلى مصر بعض المنتجات الزِّراعيَّة والأسمدة والمواد الطِّبِّيَّة والأجهزة الصِّناعيَّة، في مقابل النَّفط والغاز والسُّكَّر والمنسوجات. كما أنَّ هناك وجهًا آخر لدعم الشَّركات المصريَّة لإسرائيل، بعيدًا عن التَّطبيع؛ حيث تساهم بعض الشَّركات المصريَّة في عمليَّات بناء الجدار الفولاذيِّ على الحدود المصريَّة مع قطاع غزَّة، ومن بينها شركة "حديد عز" التي يملكها المهندس أحمد عز أمين التَّنظيم في الحزب الوطنيِّ الحاكم في مصر، وشركة "المقاولين العرب- عثمان أحمد عثمان وشركاه"، وشركة "أوراسكوم للمقاولات"، إحدى شركات "مجموعة شركات ساويرس مصر"، والتي تتبع رجلي الأعمال أنسي وناصف ساويرس. وكذلك هناك "الشَّركة العربيَّة السُّويسريَّة الهندسيَّة لتجارة الأسمنت"، وشركة "سيمكس- أسمنت أسيوط"، وشركة "العبور للصِّناعات المعدنيَّة"، والتي تورِّد الصَّاج المضلَّع والمجلفن على البارد و مواسير "بولي إثيلين" و"بي. في. سي"، لحساب مشروع الجدار الفولاذيِّ، وهي ملك محمد ثابت شقيق حرم الرَّئيس المصريِّ، وهي تورد وتربطها شراكة مع بعض الشَّركات الإسرائيليَّة، من بينها شركة "كنعان". كما تقوم "شركة حاويات مصر" بتوريد البيوت الجاهزة للمهندسين والعمال للإقامة بها، و"شركة لمعي فهمي عبد الشَّهيد للتجارة والنقل" بشبرا، والتي تقوم بتأجير الأوناش الكبيرة الحجم الغير موجودة في القطاع العام، وتوريد الدربوكسات والسِّلك الواير وسيارات نقل الخرسانة وخلاطات الضَّغط إلى موقع المشروع. بالإضافة إلى ذلك، تقوم "شركة سيكا مصر للمواد العازلة" بتوريد ألواح العزل على البارد لعزل المياه الجوفيَّة عن الجدار، بينما تقوم "شركة الوفاء العالميَّة" للمواد العازلة، وهي المستورد الوحيد لمادة "Knight punt"، والتي تُخْلَطُ مع الأسمنت حتى يصبح كالفولاذ وغير قابل للتَّفجير أو الحفر فيه، فيما تقوم "شركة آكرو مصر للشدَّات والسَّقَّالات المعدنيَّة"، ومصنع "داي شين" للعوازل الفوم، بتوريد منتجاتهما لموقع بناء الجدار، الذي تشارك شركاتٌ أمريكيَّةٌ في دعمه، مثل "شركة ماكدونالدز مصر"، التي تقوم بتوريد الوجبات الجاهزة لمهندسي الموقع، وشركة مياه أكوافينا المعدنيَّة التَّابعة لشركة "بيبسي كولا" الأمريكيَّة. وفيما يخص الأردن، ثاني بلدٍ عربيٍّ يُقيم علاقاتٍ طبيعيَّةٍ مع إسرائيل، فبحسب بياناتٍ رسميَّةٍ صدرت عن دائرة الإحصاءات العامَّة الأردنيَّة، في أبريل 2010م، فقد بلغ حجم التَّبادُل التجاريِّ بين الطَّرفَين في العام الماضي نحو 231 مليون دولار، مسجلاً تراجعًا بمقدار حوالي 19.5% عن مستوياته التي تحققت في العام 2008م، بإجمالي 342 مليون دولار، وقالت الدَّائرة إنَّ قيمة الواردات الأردنيَّة من إسرائيل في العام 2009م، بلغت 131 مليون دولار، فيما بلغ حجم الصَّادرات الأردنيَّة لإسرائيل 100 مليون دولار، بفائض 31 مليون دولار لصالح إسرائيل. وبخلاف مصر والأردن، يحتل العراق موقعًا متقدِّمًا في التِّجارة الخارجيَّة لإسرائيل بنسبة 43% من إجمالي المبادلات الإسرائيليَّة- العربيَّة، ولكن ذلك يتم من خلال استبدال علامات بلد المنشأ على المنتجات الإسرائيليَّة؛ حيث يتم تصدير هذه السِّلع أولاً إلى قبرص أو وجهةٍ أخرى مماثلةٍ؛ حيث يتم استبدال علامات المنشأ عليها، ثُم يتمُّ إعادة تصديرها إلى العراق. وبحسب تقرير لمعهد التصدير الإسرائيليِّ، فإنَّ هذه الطَّريقة تتبعها إسرائيل أيضًا لإدخال منتجاتها إلى الدِّول الثَّلاث التي لا تزال تتبنَّى سياسة المقاطعة الكاملة لإسرائيل، وهي: إيران وسوريا ولبنان، حيث تصل هذا البضائع بواسطة طرفٍ ثالثٍ وهي لا تحمل هُويَّة الصُّنع الإسرائيليَّة أو عبارة "صُنِعَ في إسرائيل". أمَّا بقيَّة الدِّول العربيَّة والإسلاميَّة فتُمارس الشَّراكة التِّجاريَّة مع إسرائيل من بوابة الشَّركات الأجنبيَّة ومكاتب الاستثمار المنتشرة في الوطن العربي أو عن طريق إعادة التَّصدير والاستيراد من دولٍ أخرى، أو بالتَّحايُل على شهادات المنشأ. وفي هذا الإطار، أَصْدَرَتْ دائرة الإحصاء المركزيَّة الإسرائيليَّة إحصائيَّةً في العام 2009م الماضي، بعض الإحصائيَّات العامَّة حول العلاقات الاقتصاديَّة والتِّجاريَّة بينها وبين الدول العربيَّة والإسلاميَّة في العام 2008م، وللأشهر العشرة الأولى من العام 2009م، وكانت كالتَّالي:
أولاً: تصِّدر إسرائيل مُنتجاتها مباشرةً إلى 16 دولةً عربيَّةً وإسلاميَّةً، بقيمة 2.1 مليار دولار، وهي: مصر، الأردن، المغرب، تونس، موريتانيا، الكويت، لبنان، سوريا، العراق، عمان، السَّعوديَّة، قطر، البحرين، تركيا، ماليزيا، إندونيسيا.
ثانيًا: تستورد إسرائيل مُنتجاتٍ من 9 دولٍ عربيَّةٍ وإسلاميَّة، بقيمة 3.24 مليار دولار في العام 2008م، ولكنَّها تراجعت في الأشهر العشرة الأولى من العام 2009م، إلى مستوى 1.18 مليار دولار، بسبب الحرب على غزَّة، وهذه الدِّول هي: مصر، الأردن، المغرب، تركيا، ماليزيا، إندونيسيا، وفي ذات الفترة، الأشهر العشرة الأولى من العام 2009م، بلغ حجم الواردات الإسرائيليَّة من الدِّول السِّتَّة نحو 1.36 مليار دولار.
ثالثًا: الشَّريك التِّجاريِّ الأوَّل لإسرائيل من الدول العربيَّة والإسلاميَّة، هو تركيا؛ حيث تبيّن إحصائيَّات الأشهر العشرة الأولى من العام 2009م، أنَّ صادرات تركيا الى إسرائيل بلغت 1.14 مليار دولار، وبلغت وارداتها من إسرائيل 878.3 مليون دولار، وكان من بين أهم أَوجُه التَّطبيع التُّركيِّ- الإسرائيليِّ، التَّعاون العسكريِّ وكذلك في المجال المائي؛ حيث انت تركيا تُصدِّر مياه الفرات إلى إسرائيل من خلال مشروع سد الأناضول الكبير، إلا أنَّ هذَيْن الجانبَيْن تراجعا بعد تولِّي حزب العدالة والتَّنمية ذي التَّوجُّه الإسلاميِّ للحكم في تركيا.
توصياتٌ
بكلِّ تأكيدٍ، فإنَّ للحكومات حساباتها، ولذلك لا يمكن تقديم توصياتٍ تتعلَّق بجهود الحكومات في هذا المُقام؛ حيث انعدم الأمل فيها، وبَقِيَ الأمل في جهتَيْن رسميَّتَيْن في العالم العربيِّ والإسلاميِّ لوقف قطار التَّطبيع.
الأولى هي جامعة الدِّول العربيَّة؛ حيث يجب على أمانة الجامعة تفعيل عمل مكتب المقاطعة، والإعلان عن الدِّول والشَّركات المُطبِّعة؛حيث لا يزال خيار المقاطعة هو الخيار الرَّسميِّ للجامعة، أمَّا الطَّرف الثَّاني فهو حكومة تركيا الإسلاميَّة؛ حيث يجب عليها استكمال ما بدأته في صدد تحجيم علاقات تركيا مع إسرائيل، على النَّحوِ الفجِّ الذي سارت عليه حكومات حزب الشَّعب الجمهوريِّ التُّركيِّ العلمانيِّ السَّابقة.
المُهمَّة الأكبر إذن على عاتق الشُّعوب.. على أئمة المساجد في التَّعريف بالمخالفة الشَّرعيَّة الواقعة في التَّطبيع مع إسرائيل.. على الصَّحفيِّين والإعلاميِّين في جمع أكبر قدرٍ ممكنٍ من المعلومات عن الحكومات والشَّركات التي تدعم إسرائيل وآلتها العسكريَّة المُجرمة.. على المُثقَّفين في تنوير النَّاس بأنَّ كلَّ دولارٍ يدفعونه لإسرائيل يخدم آلتها العسكريَّة ومشروعاتها الاستيطانيَّة ويدعم إجرامها ضد الفلسطينيِّين.. على مُؤسَّسات المجتمع المدني في فضح هذه الحكومات والشَّركات، وفي استمرار الدَّعوة إلى مقاطعة إسرائيل.. على الشُّعوب في التَّحرُّك للضغط على حكوماتها في الشَّارع وفي النَّقابات والأحزاب وغيرها من منافذ العمل الشَّعبيِّ العام، من أجل وقف حركة قطاع التَّطبيع. وبدون ذلك الجهد الشَّعبيِّ، وبدون مواجهة قطار التَّطبيع الجامح، واتِّفاقيَّات التَّسوية الباطلة التي فكَّت زمامه، فإنَّنا سوف نفاجئ بعد أشهرٍ قليلةٍ أو سنواتٍ قادمةٍ، بأنَّ حديد العرب ودولارات العرب قد أصبحت عبارةٌ عن مكوِّناتٍ في دبابةٍ إسرائيليَّة وطائرةٍ إسرائيليَّة تقتل شعوبنا داخل حدودنا هذه المرَّة!
معاهدة الصلح المصرية – الإسرائيلية أدت حرب أكتوبر وعدم التطبيق الكامل لبنود القرار رقم 338 والنتائج الغير مثمرة لسياسة المحادثات المكوكية التي إنتهجتها الخارجية الأمريكية والتي كانت عبارة عن استعمال جهة ثالثة وهي الولايات المتحدة كوسيط بين جهتين غير راغبتين بالحديث المباشر والتي كانت مثمثلة بالعرب وإسرائيل، أدت هذه العوامل إلى تعثر وتوقف شبه كامل في محادثات السلام ومهدت الطريق إلى نشوء قناعة لدى الإدارة الأمريكية المتمثلة في الرئيس الأمريكي آنذاك جيمي كارتر بإن الحوار الثنائي عن طريق وسيط سوف لن يغير من الواقع السياسي لمنطقة الشرق الأوسط.مرجع 1في إسرائيل طرأت تغييرات سياسية داخلية متمثلة بفوز حزب الليكود في الانتخابات الإسرائيلية عام 1977 وحزب الليكود كان يمثل تيارا أقرب إلى الوسط من منافسه الرئيسي حزب العمل الإسرائيلي الذي هيمن على السياسة الإسرائيلية منذ المراحل الأولى لاستعمار الصهاينة لفلسطين واحتلال أراضيها لعمل دولة لهم تعرف بـ إسرائيل ولا يعتبرها العرب دولة لأنها نشأت على الأراضي الفلسطينية بعد قتلهم لسكانها وتسكين اليهود لها وكان الليكود لايعارض فكرة انسحاب إسرائيل من سيناء ولكنه كان رافضا لفكرة الإنسحاب من الضفة الغربية مرجع 2 من الجانب الآخر بدأ الرئيس المصري محمد أنور السادات تدريجيا يقتنع بعدم جدوى القرار رقم 338 بسبب عدم وجود اتفاق كامل لوجهات النظر بينه وبين الموقف الذي تبناه حافظ الأسد والذي كان أكثر تشددا من ناحية القبول بالجلوس على طاولة المفاوضات مع إسرائيل بصورة مباشرة. هذه العوامل بالإضافة إلى تدهور الأقتصاد المصري وعدم ثقة السادات بنوايا الولايات المتحدة بممارسة اي ضغط ملموس على إسرائيل مهد الطريق لسادات للتفكير بأن على مصر أن تركز على مصالحها بدلا من مصالح مجموعة من الدول العربية وكان السادات يأمل إلى إن اي اتفاق بين مصر وإسرائيل سوف يؤدي إلى اتفاقات مشابهة للدول العربية الأخرى مع إسرائيل وبالتالي سوف يؤدي إلى حل للقضية الفلسطينية. ويعتقد معظم المحللين السياسيين إن مناحيم بيغن إنتهز جميع هذه العوامل وبدأ يقتنع إن إجراء مفاوضات مع دولة عربية كبرى واحدة أفضل من المفاوضات مع مجموعة من الدول وإن أي اتفاق سينجم عنه ستكون في مصلحة إسرائيل إما عن طريق السلام مع أكبر قوة عسكرية عربية أو عن طريق عزل مصر عن بقية العالم العربي. مرجع 3 سبقت زيارة السادات للقدس مجموعة من الاتصالات السرية، حيث تم إعداد لقاء سري بين مصر وإسرائيل في المغرب تحت رعاية الملك الحسن الثاني، التقى فيه موشى ديان وزير الخارجية الإسرائيلي، وحسن التهامي نائب رئيس الوزراء برئاسة الجمهورية. وفي أعقاب تلك الخطوة التمهيدية قام السادات بزيارة لعدد من الدول ومن بينها رومانيا، وتحدث مع رئيسها تشاوشيسكو بشأن مدى جدية بيجن ورغبته في السلام، فأكد له تشاوشيسكو أن بيجن رجل قوي وراغب في تحقيق السلام. وبعد هذا اللقاء استقرت فكرة الذهاب للقدس في نفس السادات، وأخبر وزير خارجيته الذي رفض هذا الأمر وقال له: "لن نستطيع التقهقر إذا ما ذهبنا إلى القدس، بل إننا سنكون في مركز حرج يمنعنا من المناورة"، كما أن سيناء لم ولن تكون في يوم ما مشكلة، وأخبره أنه بذهابه إلى القدس فإنه يلعب بجميع أوراقه دون أن يجني شيءًا، وأنه سيخسر الدول العربية، وأنه سيُجبر على تقديم بعض التنازلات الأساسية، ونصحه ألا يعطي إسرائيل فرصة لعزل مصر عن العالم العربي؛ لأن هذه الحالة تمكّن إسرائيل من إملاء شروطها على مصر. واقترح فهمي عليه عقد مؤتمر دولي للسلام في القدس الشرقية تحضره الأمم المتحدة والدول الكبرى لوضع فلسفة أساسية لمعاهدة السلام، مع استمرار مفاوضات السلام في جنيف. مرجع 4القى السادات خطابا أمام الكنيست الإسرائيلي في 20 نوفمبر 1977م. وشدد في هذا الخطاب على أن فكرة السلام بينه وبين إسرائيل ليست جديدة، وأنه يستهدف السلام الشامل، وأقر أنه لم يتشاور مع أحد من الرؤساء العرب في شأن هذه الزيارة، واستخدم بعض العبارات العاطفية التي لا تصلح للتأثير في المجتمع الإسرائيلي، مثل: الإشارة إلى أن إبراهيم (عليه السلام) هو جدّ العرب واليهود، واقتران زيارته بعيد الأضحى. دعا السادات بيجن لزيارة مصر، وعقد مؤتمر قمة في الإسماعيلية حين تخاذل السادات أمام بيجن الذي تكلم عن حق إسرائيل في الاحتفاظ بالأراضي المحتلة، وعدوان مصر على إسرائيل. وقال بيجن بحدة شديدة: "وقد كان في وسعي أن أبدأ المباحثات بالمطالبات باقتسام سيناء بيننا وبينكم، ولكني لم أفعل".مرجع 5وعرض الإسرائيليون على مصر ترك قطاع غزة للإدارة المصرية مقابل تعهد بعدم اتخاذها منطلقًا للأعمال الفدائية، وكان هدفهم من ذلك عدم إثارة موضوع الضفة الغربية، وبذلك تكون إسرائيل حققت هدفًا جوهريًا من أهداف المباحثات وهو التركيز على مسألة الانسحاب من سيناء، بما يؤدي إلى صلح منفرد مع مصر، وتوسيع الهوة بين السادات والفلسطينيين, شعر السادات أن الإسرائيليين يماطلونه؛ فألقى خطابًا في يوليو 1978م قال فيه: إن بيجن يرفض إعادة الأراضي التي سرقها إلا إذا استولى على جزء منها كما يفعل لصوص الماشية في مصر.مرجع6
المعاهدة
في 26 مارس 1979 وعقب محادثات كامب ديفيد وقع الجانبان على معاهدة السلام المصرية الإسرائيلية وكانت المحاور الرئيسية للمعاهدة هي إنهاء حالة الحرب وإقامة علاقات ودية بين مصر وإسرائيل، وانسحاب إسرائيل من سيناء التي احتلتها عام 1967 بعد حرب الأيام الستة وتضمنت الاتفاقية أيضا ضمان عبور السفن الإسرائيلية قناة السويس واعتبار مضيق ثيران وخليج العقبة ممرات مائية دولية [4]. تضمنت الاتفاقية أيضا البدء بمفاوضات لإنشاء منطقة حكم ذاتي للفلسطينيين في الضفة وقطاع غزة والتطبيق الكامل لقرار مجلس الأمن الدولي رقم 242. مرجع 10
الخطوط الرئيسة والعامة
- الاتفاقية الأولى تبدأ بمقدمة عن السلام وضروراته وشروطه، ثم تعرض الاتفاقية التصور الذي تمّ التوصل إليه "للسلام الدائم في الشرق الأوسط" وتنصّ على ضرورة حصول مفاوضات بين إسرائيل من جهة ومصر والأردن والفلسطينيين من جهة أخرى.
الاتفاقية الثانية نصت على التفاوض المباشر بين مصر وإسرائيل من أجل تحقيق الانسحاب من سيناء التي احتلتها إسرائيل في عدوان العام 1967م. وتنص الاتفاقية على إقامة علاقات طبيعية بين مصر وإسرائيل بعد المرحلة الأولى من الانسحاب من سيناء. إضافة إلى هاتين الاتفاقيتين العلنيتين، تم التوقيع على عدة اتفاقات سرية تتعلق بالتعاون بين الدول الثلاث (أمريكا، إسرائيل، مصر) في الميادين العسكرية والسياسية والاقتصادية والدفاع المشترك. وتتعلق بالوضع اللبناني وكيفية وقف الحرب الأهلية. ويرى بعض المحللين السياسيين إن معاهدة السلام المصرية الإسرائيلية لم تؤدي على الإطلاق إلى تطبيع كامل في العلاقات بين مصر وإسرائيل حتى على المدى البعيد فكانت الاتفاقية تعبيرا غير مباشر عن استحالة فرض الإرادة علي الطرف الآخر وكانت علاقات البلدين ولحد الآن تتسم بالبرودة والفتور [5]. كانت الاتفاقية عبارة عن 9 مواد رئيسية منها اتفاقات حول جيوش الدولتين والوضع العسكري وعلاقات البلدين وجدولة الإنسحاب الإسرائيلي وتبادل السفراء. يمكن قراءة المواد التسعة للاتفاقية على هذا الرابط مرجع11يرى البعض إنه وحتى هذا اليوم لم ينجح السفراء الإسرائيليين في القاهرة ومنذ عام 1979 في اختراق الحاجز النفسي والاجتماعي والسياسي والثقافي الهائل بين مصر وإسرائيل ولا تزال العديد من القضايا عالقة بين الدولتين ومنها مسألة محاكمة مجرمي الحرب من الجيش الإسرائيلي المتهمين بقضية قتل أسرى من الجيش المصري في حرب أكتوبر والتي جددت مصر مطالبتها بالنظر في القضية عام2003 - بخلاف مسألة مدينة أم الرشراش المصرية والتي لا تزال تحت سيطرة إسرائيل ويطلق على المدينة اسم "إيلات" من قبل الإسرائيليين. حيث إن البعض مقتنع إن قريـة أم الرشراش أو إيلات قد تم احتلالها من قبل إسرائيل في 10 مارس 1949 وتشير بعض الدراسات المصرية أن قرية أم الرشراش أو إيلات كانت تدعى في الماضي (قرية الحجاج) حيث كان الحجاج المصريون المتجهون إلى الجزيرة العربية يستريحون فيها وقضية الأموال التي تعتبرها مصر "أموال منهوبة" نتيجة استخراج إسرائيل للنفط في سيناء لمدة 6 سنوات . . مرجع 12
تأثير الاتفاقية استراتيجيا وسياسيا
1. أرجعت لمصر سيناء ولكن بسيادة منقوصة وتحفظات على توزيع الجنود
2. أنهت حالة الحرب بين مصر وإسرائيل.
1. حازت إسرائيل على أول اعتراف رسمي بها من قبل دولة عربية
2. تمتعت كلا البلدين بتحسين العلاقات الدبلوماسية والاقتصادية مع الدول الأوروبية والولايات المتحدة
3. فتح الاتفاق وإنهاء حالة الحرب الباب أمام مشاريع لتطوير السياحة، خاصة في سيناء مرجع 13
ردود الفعل
أثارت اتفاقيات "كامب ديفيد" ردود فعل معارضة في مصر ومعظم الدول العربية، ففي مصر. استقال وزير الخارجية محمد إبراهيم كامل لمعارضته الاتفاقية وسماها مذبحة التنازلات، وكتب مقال كامل في كتابه "السلام الضائع في اتفاقات كامب ديفيد" المنشور في بداية الثمانينيات أن "ما قبل به السادات بعيد جدا عن السلام العادل"، وانتقد كل اتفاقات كامب ديفد لكونها لم تشر بصراحة إلى انسحاب إسرائيلي من قطاع غزة والضفة الغربية ولعدم تضمينها حق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره. وعقدت هذه الدول العربية مؤتمر قمة رفضت فيه كل ما صدر. ولاحقاً اتخذت جامعة الدول العربية قراراً بنقل مقرها من القاهرة إلى تونس احتجاجاً على الخطوة المصرية.مرجع 14 ويرى البعض أن الاتفاقية كانت في صالح إسرائيل كليا حيث تغير التوازن العربي بفقدان مصر لدوره المركزي في العالم العربي وفقد العالم العربي أكبر قوة عسكرية عربية متمثلة بالجيش المصري وادى هذا بالتالي إلى نشوء نوازع الزعامة الأقليمية والشخصية في العالم العربي لسد الفراغ الذي خلفه مصر وكانت هذه البوادر واضحة لدى القيادات في العراق وسوريا فحاولت الدولتان تشكيل وحدة في عام 1979 ولكنها انهارت بعد اسابيع قليلة وقام العراق على وجه السرعة بعقد قمة لجامعة الدول العربية في بغداد في 2 نوفمبر 1978 ورفضت اتفاقية كامب ديفيد وقررت نقل مقر الجامعة العربية من مصر وتعليق عضوية مصر ومقاطعتها وشاركت بهذه القمة 10 دول عربية ومنظمة التحرير الفلسطينية وعرفت هذه القمة باسم " جبهة الرفض " مرجع 15
- التصورات والمفاهيم الإسرائيلية لـ" اقتصاد السلام "
لدى عرض منطلقات الإسرائيليين التي تبرز في مناقشاتهم العامة , وتصريحاتهم الرسمية عن " اقتصاد السلام " بصورة عامة ,وإرساء قواعد العلاقات الاقتصادية بمصر أولا , ومن ثم بالعالم العربي لاحقا , نجد أنها لا تختلف كثيرا عن تصورات مؤسسي الحركة الصهيونية لدور الكيان الصهيوني الاقتصادي في العالم العربي . وإذا كان الإسرائيليون يناقشون احتمالات التعاون الاقتصادي مع الدول العربية بمعطيات التطورات الحالية , في ضوء توقيع معاهدة الصلح مع مصر , فان المرتكزات الأساسية التي يبنون عليها تحقيق هذه الاحتمالات , لا تبتعد كثيرا عن ترجمة مساعي الحركة الصهيونية لإخفاء مطامعها الاقتصادية تحت ستار تحويل الصحارى إلى جنات على الأرض , ورفع المستوى المعيشي والثقافي لشعوب المنطقة , وإشاعة الازدهار فيها . وما يدعيه الإسرائيليون اليوم من فوائد سيجنيها الشعب المصري نتيجة التعاون الاقتصادي مع إسرائيل مستمد , إلى حد ما , مما سبق لهيرتسل أن ادعاه أمام السلطان التركي إذ قال له : إذا منحنا صاحب الجلالة السلطان الظروف الضرورية لإسكان شعبنا في فلسطين , فسنوفر للاقتصاد التركي النظام والازدهار بالتدريج ....مرجع 23- وقد عبر فريق من الخبراء الاقتصاديين عن هذا المنحى بأطروحات شتى اهمها . أ- السلام منفعة اقتصادية
كيف يترجم الإسرائيليون " مسار السلام " إلى اللغة الاقتصادية ؟ ثمة فريق يعتبر أن السلام الحقيقي والكامل يتمثل في إقامة علاقات طبيعية بمصر , في جميع المجالات , وإقامة علاقات اقتصادية كاملة . كما أن السلام لن يكون مستقرا ودائما إلا متى ارتبطت مصر بتعاون اقتصادي ومشاريع مشتركة مع إسرائيل في المدى البعيد . والسلام يعني , في نظر هذا الفريق بصورة عامة , انخراط الدولة اليهودية في اقتصاديات المنطقة عبر إقامة " سوق شرق – أوسطية مشتركة " , وتعاون إقليمي يعتمد على الخبرة والتكنولوجيا الإسرائيلية والأموال العربية والغربية والثروات الطبيعية العربية . مرجع 24
ب- انخراط إسرائيل في المنطقة
والسلام يعني أيضا , في نظر الإسرائيليين , انخراط إسرائيل واندماجها في المنطقة العربية , ثم التغلغل إلى مناطق أخرى . فالمسئولون عن المجمع الصناعي المكون من عدة شركات إسرائيلية متنوعة الإنتاج , والمسمى " كور" , يعتبرون أن فرص النجاح في تقدم العلاقات الاقتصادية مرهونة , إلى حد كبير , " بالقدرة على الانخراط " – أي انخراط إسرائيل في اقتصاديات المنطقة . وتعتبر مؤسسة " كور" أن الخبرة التي اكتسبتها في تنفيذ مشاريع في دول مختلفة , يمكن أن تطبقها في مصر , ولديها مقترحات لإقامة مشاريع صناعية هناك " بخبرة وإدارة إسرائيليين " . وسيكون إنتاج هذه المشاريع واسع النطاق فيصار إلى تصديره إلى "دول أخرى في المنطقة والى الشرق الأقصى أيضا . " وقد تباهى عيزر وايزمن , وزير الدفاع , أمام مؤتمر حيروت بأن اكبر انجاز حققته حكومة الليكود هو أنها وضعت إسرائيل على طريق الاندماج في المنطقة العربية . فقال في خطابه الذي ألقاه أمام المؤتمر ونقلته صحيفة " معاريف " ( 6/6/1979) :حاربنا خلال السنين لنصبح جزءا من هذه المنطقة , التي نحن متجذرين فيها من الناحية التاريخية , والتي جلبنا الحضارة إليها . فهذه حرب سياسية دائمة . فقد بحث جميع قادتنا عن الطريق المؤدية إلى الاندماج . وانه لشرف عظيم لحركة حيروت ولمناحم بيغن أنهما قادا الشعب إلى هذه الطريق . مرجع25
ج- " الاستقلال " الاقتصادي وتقليص " الاعتماد على الغير"
لا شك في أن الدولة اليهودية تتطلع إلى تحقيق الاستقلال الاقتصادي , ربما نظرا إلى أنها تفتقر إلى الموارد الذاتية والثروات الطبيعية التي هي شرط أساسي للاستقلال الاقتصادي . فالبحث عنها في العالم العربي يبقى الأمل الأخير للصهيونية لترسيخ أقدام إسرائيل في المنطقة , وللاستغناء – إلى حد ما – عن المساعدات الخارجية . وقد عبر عن ذلك الخبير الاقتصادي دافيد برودت بقوله أن " الحل ] لمشكلة [ استقلال إسرائيل الاقتصادي مرهون بالسلام فقط " . لكن , شرط أن تواصل إسرائيل – على حد قوله – السير في " اتجاه صناعة مبنية على الخبرة وعلى رأس المال , بحيث يكون نمو الزراعة عنصرا خارجا عن التطورات التكنولوجية , وعندها ستصبح لإسرائيل المميزات التي تمنحها إياها مكانتها الخاصة في المنطقة." وحذر برودت من اعتماد إسرائيل على الأيدي العاملة الرخيصة والتكنولوجيا القديمة , " فهذا الاتجاه سيقود الاقتصاد الإسرائيلي إلى تخلف تكنولوجي والى اقتصاد فقير وغير متقدم , بحيث لن تكون لديه – في نهاية الأمر المميزات الاقتصادية الخاصة التي ستمنحه الأساس الاقتصادي للمدى البعيد مرجع 26- ومن ابرز التصورات الإسرائيلية لاستغلال معاهدة الصلح مع مصر, من اجل تقليص اعتماد إسرائيل على المعونات الخارجية , أو من اجل تحويل هذه المساعدات من " حسنة " إلى " واجب " , ما طرحه موشيه زنبار . فقد اقترح أن تضاف إلى معاهدة السلام " اتفاقات مختلفة " للمساهمة في " اعتمادنا الاقتصادي على الغير " – على حد قوله . ونورد جزءا كبيرا منها لأهميتها :
أ- التعويض عن المنشآت التي ستسلم للمصريين
ب- اتفاق لعدة سنوات بشأن المعونات الأميركية
إن للولايات المتحدة اعتبارات بعيدة المدى في مساعدة إسرائيل ومصر للتواصل إلى معاهدة سلام في أسرع وقت , وتسوية النزاع في منطقتنا بصورة عامة , وهي اعتبارات عالمية , وإقليمية , داخلية – أميركية على حد سواء . والرئيس كارتر مهتم شخصيا بأن يصبح " صانع السلام " في منطقتنا ... ويبدو لي أن الوقت الحاضر هو الوقت الملائم للمطالبة بتوقيع اتفاق مساعدات – عسكرية واقتصادية – لسنوات عدة , يلغي أو يقلل إلى الحد الأدنى , الحاجة إلى إجراء محادثات , قد تستمر سنتين مضنيتين , بشأن المساعدات . وفي مثل هذه المحادثات , من الطبيعي أن نطالب نحن , وهم يقررون ما إذا كانوا سيقدمون إلينا مساعدة , وما هو حجمها وما هي طبيعتها , وكل ذلك بحسب الوضع الذي سيسود , في ذلك الحين , الولايات المتحدة ومنطقتنا والعالم , والعلاقات بيننا وبين الولايات المتحدة مرجع27
ج- الانخراط في تنمية الاقتصاد المصري
تشير جميع الدلائل إلى أن مصر قررت تفضيل الولايات المتحدة كشريك سياسي على صديقها السابق الاتحاد السوفيتي , لأسباب اقتصادية في المقام الأول , بهدف إنقاذ الاقتصاد المصري من جموده الشديد خلال العقد الأخير . وتتلقى مصر خلال السنوات الأخيرة نحو 900 مليون دولار سنويا مساعدات من الولايات المتحدة . ولا شك في أن هذه المساعدات , ستزداد كثيرا , بعد توقيع معاهدة السلام , وربما تكون شرطا لها . ويجب أن نحاول ونضمن أن يعطى جزء إلى مصر , لا على شكل سلع أميركية وأموال نقدية تستخدمها بحرية فحسب , بل أيضا على شكل تخصيص مبلغ ( بأكبر قدر ممكن ) تشتري به مصر سلعا وخدمات من إسرائيل من المرغوب فيه توقيع اتفاق تجاري ثنائي مع مصر , يتضمن تسهيلات جمركية للتبادل التجاري بين الدولتين ... إننا لا نستطيع أن نعرف سلفا كيف سيكون رد فعل " الشارع المصري " على ظهور بضائع إسرائيلية في السوق ؟ ربما ستحدوهم ] المصريين [ الرغبة في شرائها , وربما سيرفض الكثيرون شراءها نتيجة سنوات العداء والتربية المنفردة . فاتفاق تفضيل متبادل سيخفض من هذا المحذور . ويجب ضمان التزود بالنفط والغاز من سيناء ومن الأراضي المصرية الأخرى , لفترة طويلة , من اجل خفض أسعار مصادر الطاقة عندنا (توفير في النقل ) ومن اجل تنويع مصادر التزويد . وقبل أن يتخذ قرار بمد أنبوب للنفط من آبار خليج السويس وسيناء إلى إسرائيل , كما اقترحت جهات معينة لها مصلحة في تنفيذ مشروع كهذا , من الواجب أن ندرس أولا , وبصورة دقيقة , مزايا استغلال أنبوب النفط القائم بين ايلات وعسقلان بأقصى قدر ممكن .. مرجع 28 نشر مقالا في " معاريف " , بتاريخ 30/12/1977 , عالج الوسيلة الممكنة لحل مشكلة اللاجئين , كان عنوانه " اللاجئون والسلام والتنمية الإقليمية " . وكتب في ختامه , عن المعالجة السياسية لهذا الموضوع : " يجب أن تكون التسوية المتعلقة بالمنشآت المتروكة والتعويضات عنها , جزءا لا يتجزأ من أية معاهدة سلمية . ويجب أن تحدد التسوية , بصراحة , مبلغ التعويض الشامل الصافي الذي ستدفعه إسرائيل, وطريقة الدفع من جهة , ووسائل معالجة طلبات التعويضات الشخصية من جهة أخرى . وينبغي أن تضمن المعاهدة السلمية إعفاء إسرائيل من أية مطالب شخصية بالتعويضات , بما في ذلك تلك المستندة إلى قرارات الأمم المتحدة . على ألا يكون هذا البند نافذ المفعول إلا بعد أن توقع مصر والأردن , على الأقل , معاهدة السلام معنا , وأن توافق الولايات المتحدة على ضمان البند الذي يعفينا من المزيد من طلبات التعويضات , باستثناء تلك التي سنتعهد بدفعها ضمن إطار معاهدة السلام و من المفيد التطرق إلى فهم الإسرائيليين للمواقف والمفاهيم التي تبلورت في مصر إزاء التعامل الاقتصادي مع إسرائيل . كما سبق أن اشرنا إلى أن الإسرائيليين يدرسون بعناية فائقة الأوضاع والاتجاهات السائدة في مصر , قبل الشروع في إنشاء باكورة العلاقات الاقتصادية بالمصريين . وقد نشرت , في هذا الصدد , دراسة أعدها جاد غيلبر , عرض فيها المواقف والمفاهيم السائدة في كل من مصر وإسرائيل , إزاء العلاقات الاقتصادية بين البلدين . وقال/ أن ليس من السهل البحث في مستقبل العلاقات الاقتصادية بين نظامين اقتصاديين , كالمصري والإسرائيلي , " يفصل بينهما – نزاع دام لزمن طويل رافقته حرب اقتصادية وبلورة إيديولوجية معادية للصهيونية ويعتقد غيلبر أن هذه العوامل تحدد طبيعة العلاقات بين البلدين , أكثر من أية عوامل اقتصادية مألوفة أخرى . وبعد " إحلال السلام الرسمي ستكون لها أهمية كبيرة في تطور شبكة العلاقات الاقتصادية نظريا وعمليا . " مرجع 29وقد لاحظ غيلبر أربعة مواقف للمصريين من إقامة علاقات اقتصادية بإسرائيل : 1- الموقف الرافض ؛ 2- الموقف البراغماتي ؛ 3- الموقف المؤيد – المتحفظ ؛ 4- الموقف المؤيد المطلق . كما لاحظ ثلاثة مواقف بارزة في إسرائيل من إقامة علاقات اقتصادية بمصر , هي
1- الموقف المؤيد ؛ 2- موقف التروي والترقب ؛ 3- الموقف الرافض .
- وقال غيلبر إن الموقف الإسرائيلي المؤيد مستمد من مصدرين تاريخيين :
أولا : المفهوم الذي كان سائدا في الفكر الصهيوني منذ بزوغه ,وهو أن عودة اليهود إلى بلدهم ستساهم في رفع مستوى رخاء سكان المنطقة بأسرها . وهذا المفهوم الأبوي الايجابي , القائم على الفلسفة الوضعية , والمتأثر بالمفاهيم التي كانت رائجة في أوروبا الغربية في ظل الاستعمار خلال العقود الأخيرة
ثانيا : التطلع إلى جني الفوائد القائمة على الاعتبارات الاقتصادية
وبحسب هذا المفهوم , فان الروابط الاقتصادية القوية والتعاون الوثيق مع مصر , ينطويان على احتمالات كبيرة تساهم في الاقتصاد الإسرائيلي . مثالا لذلك : أن فتح السوق المصرية أمام المنتجات الإسرائيلية , سيتيح تصدير عدد من المنتجات الصناعية . كما أن شركات البناء والهندسة , التي فقدت – بعد طردها من إيران – قاعدة مهمة لنشاطاتها , تستطيع الآن الانخراط في مشاريع البناء المصرية الكبيرة . كذلك , إن استيراد الغاز الطبيعي من مصر سيمنح إسرائيل ميزة تأمين مصدر طاقة قريب . والتعاون في مجال قطاع المياه(مد أنبوب للمياه من مصب النيل إلى النقب) سيؤدي إلى زيادة سرعة وتيرة تطور الزراعة والصناعة في إسرائيل . والتعاون في مجال السياحة سيؤدي إلى زيادة عدد السياح , وتوفير المداخيل بالعملة الأجنبية . وأخيرا , في الإمكان التحرك – ضمن إطار المشاريع المشتركة – في اتجاه زيادة الاستثمارات الأجنبية في إسرائيل . مرجع 30
المراجع
1- وزارة الخارجية المصرية – معاهدة السلام بين مصر وإسرائيل – ص 15 - المطابع الأميرية – القاهرة 1979م
2- وزارة الخارجية المصرية – المرجع السابق الذكر – ص 43
3- وزارة الخارجية المصرية – المرجع السابق الذكر – ص 58
4- حسن التهامي – معركة الحزام الذهبي – ص 299- القاهرة 1980م
5- كامل زهيري – مزاعم بيجين – ص 134 – دار الموقف العربي – القاهرة1978
6- انطونيو روبي – مع عرفات في فلسطين – ص154- السلطة الفلسطينية 1998
7- جولدا مائير – حياتي – ص 277 – دار الفكر – بيروت 1980
8- محمود سعيد عبد الظاهر – الصهيونية وسياسة العنف – ص 277- الهيئة العامة المصرية للكتاب – القاهرة1978م
9- احمد الشقيري – صفحات من القضية العربية – ص 39 – المؤسسة العربية للدراسات – بيروت1979م
10- هارولد ساوندز – الجدران الأخرى / عملية السلام – ص 65 – معهد المشاريع الأمريكي / العمليات السياسية والاجتماعية
11- بدر عبد العاطي – الكيان الفلسطيني – ص 55 – مركز الأهرام للدراسات – القاهرة 1997م
12- حسين أبو النمل – مشروع الحكم الذاتي – شؤون فلسطينية – العدد 85 – بيروت
13- عبد العليم محمد عبد العليم – الحكم الذاتي الفلسطيني – ص 58 – مركز الأهرام للدراسات – القاهرة 1980م
14- أمل الشاذلي – الليكود والتسوية – ص 38 – مركز الأهرام للدراسات - القاهرة
15- طاهر شاش – التطرف الإسرائيلي – ص106 – دار الشروق – القاهرة1997
16- سمير جبور – مخططات إسرائيل الاقتصادية – ص 37 – مؤسسة الدراسات الفلسطينية – بيروت 1980م
17- سمير جبور – المرجع السابق الذكر ص 39
18- سيفر – المحرر الاقتصادي لصحيفة عل همشمار – إسرائيل 27/5/1977م
19- يسرائيل تومار – يديعوت احرونوت – إسرائيل 20/12/1977م
20- رومان بريستر – هارتس – إسرائيل في 6/1/1978
21- أبراهام كوشنير – دافار – إسرائيل في 4/4/1972م
22- آرييه افنيري – يديعوت احرونوت – إسرائيل في 10/11/1978م
23- هاني الهندي – حول الصهيونية وإسرائيل – ص 204–الطليعة - بيروت 1971
24- دافيد كوخاف – دافار – إسرائيل في 22/9/1978م
25- افرايم كتسير – التعاون بين العرب وإسرائيل – مداع – المجلد 23 – العدد1 – ص 3
26- اليعيزر ليفن – هارتس – إسرائيل في 30/3/1979م
27- يوفال اليتسور – معارف – إسرائيل – في 25/12/1977م
28- سمير جبور – المرجع السابق الذكر ص 49
29- ايتان ليفشتس – استقراء آراء رجال المال والأعمال والخبراء في إسرائيل – هارتس في 10/4/1979م
30- ايتان ليفشتس – هارتس – إسرائيل في 10/4/1979م
التطبيع.. أيصبح العدو اللدود صديقاً حميماً!
اشتق لفظ التطبيع (Normalization) من الكلمة الإنكليزية (Normal) بمعنى العادي أو المعتاد أو المتعارف عليه، وفي مختار الصحاح (الطبع هو السجية جبل عليها الإنسان)، وفي المعجم الوسيط (تطبع بكذا أي تخلّق به، وطبّعه على كذا أي عوّده إياه)، ولا توجد مادة تطبيع في المعاجم العربية لأنها محدثة، فالمعنى الحالي مأخوذ من ترجمة هذه الكلمة عن لفظة إنكليزية تم تداولها أخيراً خاصةً بعد اتفاقيات كامب ديفيد، لكن يمكن تصور المعنى من كلمة التطبيع من حيث المبدأ أنه (هو العودة بالأشياء إلى سابق عهدها وطبيعتها).
حقيقة التطبيع مع اليهود:
"أنه يشمل (كل اتفاق رسمي أو غير رسمي أو تبادل تجاري أو ثقافي أو تعاون اقتصادي مع إسرائيليين رسميين أو غير رسميين) ويهدف إلى (إعادة صياغة العقل والوعي العربي والإسلامي بحيث يتم تجريده من عقيدته وتاريخه ومحو ذاكرته خاصة فيما يتعلق باليهود، وإعادة صياغتها بشكل يقبل ويرضى بما يفرضه اليهود) ومآله: الاستسلام غير المشروط للأمر الواقع والاعتراف بالكيان الصهيوني الغاصب للأرض كدولة ذات شرعية، وتحويل علاقات الصراع بينها وبين البلدان العربية والإسلامية إلى علاقات طبيعية وتحويل آليات الصراع إلى آليات تطبيع " (ورقة لحسين عبيدات ألقيت في المؤتمر العام العاشر للصحفيين العرب عام 2004 م).
وبذلك يتضح أن المقصود بالتطبيع هو سلام دائم وليس عبارة عن هدنة مؤقتة ومسالمة يركن إليها المسلمون لضعفهم في زمن معين - كما يعتقد بعض من يقولون بجواز التطبيع - باعتبار أنه صُلحٌ أو سِلمٌ جنح له العدو، ولا يخفى أن هناك فرقأً شاسعاً بين اتفاقيات التطبيع وبين أحكام الهدنة والصلح التي ذكرها العلماء، وأهون ما يمكن أن يقال عن هذه الاتفاقيات أنها صلح دائم مع عدو محتل لأرض المسلمين غاصب لمقدساتهم وهذا محرم باتفاق المسلمين، وقد قال جمع من علماء المسلمين أن الصلح الدائم مع اليهود لا يجوز شرعاً لما فيه من إقرار الغاصب على الاستمرار في غصبه والاعتراف بحقية يده على ما أغتصبه وتمكين المعتدي من البقاء على عدوانه، وقد أكدت الفتوى الصادرة من رابطة علماء فلسطين عدم جواز التطبيع مع دولة الاحتلال الصهيوني، موضحة أنه 'إذا استوطن أحد من الأعداء أرض المسلمين، فلا يجوز أن يقره على هذا الاستيطان أحد من المسلمين، وأن التطبيع بمثابة إقرار من المسلم المطبع لعدوان العدو واحتلاله،وجاء في فتوى الرابطة أن 'الواجب الديني على كل مسلم نصرة إخوانه ومعاونتهم على إخراج الأعداء من أرضهم، وعدم التطبيع مع الأعداء أبداً؛ لأن التطبيع مع الغاصب خذلان لأصحاب الحقوق وضرر بالغ بهم، فأين التعاون بين المسلمين على الأعداء إذا طبع المسلم مع عدو أخيه ومغتصب أرضه وقاتل بنيه' (موقع حركة الجهاد الإسلامي في فلسطين على شبكة الإنترنت). وأخطر ما في التطبيع الذي يراد إقراره هو أنه في حقيقته صورة من صور الولاء، الذي يمكن أن ينتهي إلى التولي، والولاء والتولي لا يجوز إلا للمسلم، قال الله - تعالى ـ: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاء تُلْقُونَ إِلَيْهِم بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءكُم مِّنَ الْحَقِّ يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ أَن تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ رَبِّكُمْ إِن كُنتُمْ خَرَجْتُمْ جِهَاداً فِي سَبِيلِي وَابْتِغَاء مَرْضَاتِي تُسِرُّونَ إِلَيْهِم بِالْمَوَدَّةِ وَأَنَا أَعْلَمُ بِمَا أَخْفَيْتُمْ وَمَا أَعْلَنتُمْ وَمَن يَفْعَلْهُ مِنكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاء السَّبِيلِ" (الممتحنة: 1). ولعلنا نتأمل أقوال بعض زعماء الصهاينة ونظرتهم إلى العلاقة التي يرغبون بإقامتها مع المسلمين، " يقول اليهودي هركابي (الأب الروحي لرابين): لابد من إدماج العرب في المشروع الصهيوني وتوظيفهم لخدمته، وهذا ممكن من خلال التعامل السياسي (وليس العسكري) مع العرب؛ لأنهم قوم لا يتحلون بالمثابرة والصبر والدأب وسرعان ما يدب فيهم الملل والضجر والاختلاف، ويسلمون أمورهم حتى لأعدائهم في سبيل الغلبة في معاركهم وخلافاتهم الداخلية " كتاب (لا للتطبيع د. عبدالله النفيسي)، ويقول شيمون بيريز: إن البقاء مستحيل لدينين لن يلتقيا ولن يتصالحا، وأنه لا يمكن أن يتحقق السلام في المنطقة ما دام الإسلام شاهراً سيفه ولن نطمئن على مستقبلنا حتى يغمد الإسلام سيفه إلى الأبد، وفي مؤتمر التسامح الذي عقد قبل عدة سنوات في المغرب العربي قال ديفيد ليفي وزير خارجية العدو حينها (إنه من أجل أن يقوم التسامح بيننا وبين العرب والمسلمين، فلا بد من استئصال جذور الإرهاب , وإن من جذور الإرهاب سورة البقرة من القران).
ثانياً: إستراتيجية اليهود وخططهم في التطبيع:
هناك بعض المعالم التي تبين سياسة الكيان الصهيوني للوصول إلى رحلة التطبيع:
1- القضم ثم الهضم هي إستراتيجية الكيان الصهيوني، ففي السنين الماضية احتلت أجزاء من بلاد المسلمين فتحتاج إلى وقت لهضمها وخلال هذا الوقت يتم الاستعداد لجولة أخرى يتم فيها التهام جزء آخر من بلاد الإسلام.
2- أصبح من المعتاد أن تبدأ الاتصالات سرية أولا بين المندوبين والوسطاء، ثم تنتقل إلى المسئولين فالزعماء للترتيب لإعلان بداية المفاوضات العلنية للتضليل، وهي قد انتهت سراً قبل الإعلان، وما جرى قبل زيارة السادات لفلسطين من اتصالات سرية بدأت في 9/1977م، وما كشفه موشي ديان في كتابه " أيبقى السيف الحكم "، وكشفته العديد من الكتب والمذكرات لزعماء يهود ومنها كتاب (تواطؤ عبر الأردن: ليوسي ميلمان ودان رفيف) من حقائق كثيرة لهو دليل واضح على ذلك.
3- تكوين رابطة الشرق أوسطية التي تربط بين دول المنطقة أجمع باسم الشرق الأوسط وتنبذ الانتماء للإسلام أو العروبة، وهذا مشروع اليهودي (شيمون بيريز)الذي طرحه في كتابه (الشرق الأوسط الجديد) عام 1993 م، ثم طور خطابه في عام 1995 م فذكر بأن الشرق الأوسط بحاجة إلى تبني مواقف ليندمج مع العالم الجديد، ونصح العرب بتطبيق سياسة اقتصاد السوق علماً بأن الكيان الصهيوني يقيد سياسة السوق، ومن المعلوم أن اقتصاد السوق الذي ينادي به بيريز هو الطريق اليسير لسيطرة الكيان الصهيوني والصهيونية العالمية ورؤؤس الأموال الأمريكية على الاقتصاديات العربية، ثم اسُتنسخ هذا الطرح مع بعض الإضافات والتعديلات في المشروع الأمريكي المسمى (الشرق الأوسط الكبير) الذي من أبرز عناصره:
- إقامة أمن إقليمي جديد بدلا من الأمن القومي العربي ويتضمن ذلك إقامة مناورات مشتركة عربية – غربية – إسرائيلية لضمان تطبيع العلاقات وكسر التعبئة النفسية وإضعاف روح الاستعداد المعنوي للمواجهة.
- طبيعة هذا المشروع سياسية في الأصل لكنه يعرض بقالب اقتصادي حيث يوصف بأنه مشروع اقتصادي أو كما يجري اختزاله أحياناً بـ " سوق شرق أوسطية ".
4- التطبيع وسيلة فاعلة لليهود تهيئ لهم الفرصة لدعم المنافقين والمفسدين لأداء دورهم داخل مجتمعاتهم بشكل يدفع كثيراً من المسلمين إلى الهزيمة النفسية والشعور باليأس من الإصلاح.
5- من أبرز أهداف اليهود سعيهم إلى عزل الدول العربية بعضها عن بعض وخاصة في المفاوضات ليحققوا أطماعهم الخاصة، فيخسر العرب الكثير من قوتهم بسبب فرقتهم وتفرقهم.
6- أن تصبح جامعات اليهود ومراكز أبحاثهم ودراساتهم مرجعية علمية للمنطقة بأسرها، بحيث تؤسّس للمشروع الصهيوني، الموجّه لتدمير الثقافة والهويّة الحضارية الإسلامية للمنطقة العربية بأكملها، وإحداث التفكيك والفوضى في داخل كل بلد عربي.
ثالثاً: مراحل التطبيع:
المرحلة الأولى: قبل عام 1967 م (اللقاءات السرية):
كانت بدايات مراحل التطبيع الأولى تتمثل في قدر من التواصل السياسي الذي يتحرك عبر الاتصالات السرية بين بعض الدول العربية والكيان الصهيوني، كالاتصالات التي كانت قائمة بين المغرب والكيان الصهيوني وبينه والأردن، وبعضها قبل حرب 1967م، وما كشفه كتاب (تواطؤ عبر الأردن)، يكفي في بيان المقصود حيث فيه توثيق للعلاقات السرية التي كانت قائمة بين الكيان الصهيوني والأردن ومن ذلك التوقيع على مسودة اتفاق في عام 1950 م تضمن: عدم الاعتداء بين الجانبين لمدة خمس سنوات وتشكيل لجان مشتركة بهدف التوصل إلى تسوية شاملة بين الطرفين، وقد برز هذا اللون من التطبيع منذ الاحتلال العسكري الإسرائيلي للضفة الغربية وقطاع غزة في يونيو 1967م، وذلك إثر توافق النظام العربي الرسمي بعد اعتراف مصر، ومن ثم سوريا بالقرار الدولي رقم 242 المتضمن أن الكيان الصهيوني قد وجد ليبقى، وأنه ما من سبيل إلى إزالته، لكن هذا التوجّه بدا أكثر وضوحاً بعد عام 1974م عندما انضمت منظمة التحرير الفلسطينية إلى السرب العربي، واعترفت بالقرار المذكور ولم يكن خافياً بالطبع ذلك الترابط بين اعتراف المنظمة بالقرار الدولي وبين الاعتراف بها ممثلاً شرعياً ووحيداً للشعب الفلسطيني في مؤتمر الرباط عام 1974م، بل بدأت مشاريع اتصالات سرية مع الكيان الصهيوني من خلال ما عُرف بالاتصالات مع التقدميين الإسرائيليين، أو اليسار الإسرائيلي، وكان من أبرزها اللقاءات المتتابعة للملك حسين مع اليهود في عامي 75 – 1976 م حيث بلغت ستة لقاءات ، وذلك لشعور الملك بخسارته لجزء مما كان يملكه بعد الاعتراف بمنظمة التحرير الفلسطينية ولخوفه من اتفاق وشيك بين مصر والكيان الصهيوني .
المرحلة الثانية: مرحلة توقيع معاهدة كامب ديفيد وتداعياتها عام1979م (كسر الحاجز النفسي):
زار فيها السادات فلسطين المحتلة عام 1977 م، والتقى بقادة اليهود فيها وألقى خطاباً في الكنيست الإسرائيلي، ثم ما لبثت المفاوضات أن تسارعت حتى تمخضت عن توقيع معاهدة كامب ديفيد برعاية أمريكية وذلك عام 1979 م، وتم عزل مصر عن بقية الدول العربية بهذه المعاهدة المنفردة، وسيأتي مزيد من التفاصيل عن هذه المرحلة لاحقاً.
المرحلة الثالثة: مرحلة أوسلو عام1993م...(الهرولة السريعة):
جاءت مرحلة مدريد بعد حرب الخليج الثانية ثم أوسلو لتطلق حصان التطبيع العربي الإسرائيلي من عقاله خاصة مع الطرف المباشر وهم الفلسطينيون؛ فما هي سوى عشرة شهور، وتحديداً في شهر يوليو 1994م، حتى وقع الأردن اتفاقية (وادي عربة), وما أن حدث ذلك حتى انطلق مسلسل سريع من الهرولة العربية صوب تل أبيب؛ من موريتانيا إلى المغرب صاحب العلاقات التاريخية مع تل أبيب، إلى تونس وبقية الدول العربية.
المرحلة الرابعة: مرحلة ما بعد مؤتمر الإسكندرية عام 1995م (التهدئة التكتيكية):
أدركت الدول العربية المحورية، وعلى رأسها السعودية , ومصر، وسوريا أن موجة الهرولة العربية صوب تل أبيب تؤذن بإنجاح مشروع (شيمون بيريز) الشرق أوسطي القائم على فكرة التمدد السياسي والاقتصادي الإسرائيلي في المنطقة من خلال السوق الشرق أوسطية بلا ثمن, وأن إسرائيل تتجاهل النوايا العربية في التطبيع بالحد الأدنى من الحقوق، وفي هذه الأجواء جاء مؤتمر القمة الذي عقد في الإسكندرية مطلع عام 1995م لتهدئة الهرولة تجاه الكيان الصهيوني، وبدأت موجة من الضغوط التكتيكية على الدول العربية المطبعة والمتجهة للتطبيع كي تهدئ جماح التطبيع، وهو ما استجابت إليه معظم الدول في واقع الحال؛ إذ بقيت العلاقات الدبلوماسية في حدها الأدنى غالب الأحيان، غير أن الأهم من ذلك كله هو ما يتعلق بسير المفاوضات؛ فقد كانت استراتيجية الدول الثلاث تقول: إن مسيرة التطبيع يجب أن تتزامن مع سير المفاوضات؛ إذ من دون الوصول إلى تسوية حقيقية لا يمكن الحديث عن تطبيع مع الكيان الصهيوني، وقد جاءت مسيرة المفاوضات الأولية من خلال جملة الاتفاقات التي تلت (أوسلو) لتؤكد أن نوايا الكيان الصهيوني بالتسوية بعيدة جداً، وهو ما تأكد بعد ذلك في قمة كامب ديفيد صيف عام 2000م، وهي القمة التي أكدت صعوبة التسوية مع مطالب إسرائيلية لا يقبل بها أحد في الساحة الفلسطينية والعربية.
المرحلة الخامسة: مرحلة تصاعد انتفاضة الأقصى واشتداد المقاومة المسلحة(تكافؤ القوى):
جاءت انتفاضة الأقصى بعد ثلاثة شهور من القمة كامب ديفيد ثم تصاعدت واستمرت وفي أجوائها تصاعدت المقاومة المسلحة لتحصر في زمن قياسي جهود التطبيع التي بذلت طوال سبع أو تسع سنوات في أضيق نطاق، وبدأت مرحلة جديدة في الخطاب الرسمي العربي حيال الكيان الصهيوني تقوم على هذه الرؤية للتطبيع، حتى أن الدولتين المرتبطتين باتفاقيات سلام مع الكيان الصهيوني ولهما علاقات دبلوماسية معها وهما مصر والأردن قد اضطرتا إلى سحب سفيريهما من تل أبيب تحت وطأة الضغوط الشعبية والرسمية والتكتيك السياسي.
المرحلة السادسة: مرحلة ما بعد قتل عرفات واحتلال أمريكا للعراق (الهرولة الجماعية):
يمكن التأريخ لهذه المرحلة بمقتل الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات نهاية عام 2004م، وموافقة حركة فتح على تعيين (محمود عباس) خلفاً له، وهو المعروف بمناهضته لبرنامج المقاومة الذي تبنته حركة حماس والجهاد وفصائل فلسطينية أخرى، أو يمكن التأريخ لها باحتلال العراق، على اعتبار أن ذلك الحدث هو الذي مهّد لمرحلة الرعب بالنسبة للنظام العربي الرسمي الذي شكّل وقوفه خلف (محمود عباس) سبباً أساسياً في إنهاء مرحلة انتفاضة الأقصى، وإعلان التعامل مع التسوية بلغة جماعية جديدة، على رغم عدم توافر أي أفق حقيقي لها في المنطقة بوجود شارون والمحافظين الجدد على رأس السلطة في الكيان الصهيوني والولايات المتحدة، وفي هذه الأجواء جاءت المبادرة العربية للتطبيع الجماعي.
رابعاً: نماذج من بنود اتفاقيات التطبيع السابقة بين العرب والكيان الصهيوني:
أ- كامب ديفيد الأولى (التطبيع بين مصر والكيان الصهيوني 1979 م):
" نصّت المادة الثالثة من اتفاقيات كامب ديفيد تحت عنوان العلاقات الثقافية على ما يلي:‏
1-يتفق الطرفان على إقامة علاقات دبلوماسية وتبادل السفراء عقب الانسحاب المرحلي.‏
2-يتّفق الطرفان على أنّ التبادل الثقافي في كافّة الميادين أمر مرغوب فيه، وعلى أن يدخلا في مفاوضات في أقرب وقت ممكن، وفي موعد لا يتجاوز ستّة أشهر بعد الانسحاب المرحلي، بغية عقد اتفاق ثقافي.‏
3- كما نصّت المادة الخامسة الفقرة الثانية على تعاون الطرفين على إنماء السلام والاستقرار والتنمية في المنطقة ويوافق كل منهما على النظر في المقترحات التي قد يرى الطرف الآخر التقدم بها تحقيقا لهذا الغرض." (من كتاب مشاريع التسوية للقضية الفلسطينية).‏ ومع ذلك كله فإنه أثناء زيارة (بيغن) - رئيس وزراء الكيان الصهيوني الهالك - لمصر في 25/8/ 1981م، أعرب عن استيائه البالغ من استمرار الطلبة في مصر بدراسة كتب التاريخ التي تتحدث عن "اغتصاب إسرائيل لفلسطين" وكتب التربية الإسلامية التي تحتوي على آيات من القرآن الكريم تندّد باليهود وتلعنهم ولعله يقصد مثل قوله _تعالى_: "لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِّلَّذِينَ آمَنُواْ الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُواْ وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَّوَدَّةً لِّلَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ قَالُوَاْ إِنَّا نَصَارَى ذَلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَاناً وَأَنَّهُمْ لاَ يَسْتَكْبِرُونَ" (سورة المائدة: 82)، وقد أشارت الصحف إلى أنّ السادات استجاب على الفور لطلب "صديقه بيغن"، فأصدر أوامره للمختصين في وزارة التربية بإعادة النظر في المناهج الدراسية بما يتلاءم مع طلبات بيغن.‏
ب- وادي عربة (التطبيع بين الأردن والكيان الصهيوني 1994 م ):
لا يخفى اهتمام اليهود بالجانب الثقافي لما له من أثر كبير في مسيرة التطبيع، فهم في معاهدة كامب ديفيد قد طالبوا بأمور عديدة، ثم تطورت مطالباتهم في اتفاقية (وادي عربة) على النحو التالي:
- «انطلاقاً من رغبة الطرفين في إزالة كافة حالات التمييز التي تراكمت عبر فترات الصراع؛ فإنهما يعترفان بضرورة التبادل الثقافي والعلمي في كافة الحقول، ويتفقان على إقامة علاقات ثقافية طبيعية بينهما».
- وجاء في المادة الحادية عشرة: «يسعى الطرفان إلى تعزيز التفاهم المتبادل فيما بينهما والتسامح القائم على ما لديهما من القيم «التاريخية» المشتركة، وبموجب ذلك فإنهما يتعهدان بما يلي:
أ - الامتناع عن القيام ببث الدعايات المعادية القائمة على التعصب والتمييز، واتخاذ كافة الإجراءات القانونية والإدارية الممكنة التي من شأنها منع انتشار مثل هذه الدعايات؛ وذلك من قِبَل أي تنظيم أو فرد موجود في المناطق التابعة لأي منهما.
ب - القيام بأسرع وقت ممكن بإلغاء كافة ما من شأنه الإشارة إلى الجوانب المعادية، وتلك التي تعكس التعصب والتمييز، والعبارات العدائية في نصوص «التشريعات» الخاصة بكل منهما.
خامساً: من وسائل التطبيع:
من أخطر وسائل التطبيع، التطبيع الثقافي ومن أهم ما يرتكز عليه:
1- الاهتمام بعينة من الكتاب والصحفيين والأكاديميين، وفتح المنابر لهم، وتوفير فرص تدفعهم إلى مناصب سياسية واجتماعية متقدمة حتى وإن كانت مؤهلاتهم الحقيقية متواضعة وضعيفة، أو من خلال جمعيات أهلية عربية تدعم مشروع التسوية، وتدفع باتجاه التطبيع كجمعية بذور السلام غير الحكومية التي تأسست عام 1993م، إثر اتفاق أوسلو بين الفلسطينيين والكيان الصهيوني.
2 - إيجاد أنصار للتطبيع مع دعمهم وإبرازهم من خلال المنظمات الممولة أمريكياً وأوروبياً تحت لافتات متعددة ومتنوعة مثل منظمات الدفاع عن حقوق المرأة ومنظمات الدفاع عن حقوق الإنسان داخل المجتمع العربي ليقوموا بالأدوار التالية:
أ - الطعن في الإسلام وادعاء عدم صلاحية الشريعة للتطبيق، وضرورة علمنة المجتمعات العربية والإسلامية وتبديل أحكام الشريعة ومحاصرة دعاة الإسلام واتهامهم بالتطرف والإرهاب والظلامية...الخ.
ب - القول إن النص القرآني يجوز التعامل معه كنص تاريخي أو الهجوم على كل تفسير صحيح للإسلام وبشكل خاص الآيات القرآنية التي تتعلق بالجهاد أو بالمواريث أو غيرها.
جـ - الدعوة إلى كل ما يثير الاضطراب داخل المجتمعات الإسلامية والعربية بإثارة المسائل العرقية والطائفية والأقليات، وإبراز الحضارات السابقة للإسلام كالفرعونية والفينيقية ونحو ذلك.
3- الترويج لما يسمى بثقافة السلام، الذي وجد طريقه إلى العديد من الكتابات والأفكار التي طرحت في العديد من المؤتمرات والملتقيات الدولية والعربية العامة، وكذلك الندوات والحوارات عبر القنوات الفضائية، والتي تدعو إلى نسيان التاريخ – تاريخ الصراع العربي الإسرائيلي – وإلغاء ذاكرة الأمة.
4- التهوين من فتاوى العلماء حتى علماء المؤسسات الرسمية خاصة السنية، للتقليل من أهمية المرجعية العلمية في معظم البلاد العربية والإسلامية ، فترى اليوم كثيراً من الدول العربية والإسلامية، تفتقد المرجعية العلمية، بينما تنمى المرجعية العلمية المتميعة والمبتدعة.
5- ممارسة ضغوط على الدول التي لا تتجاوب مع التطبيع بالسرعة المطلوبة فقد حث أعضاء الكونغرس الأمريكي إدارة الرئيس جورج بوش على رفض التوقيع على اتفاق يسمح للسعودية بالانضمام إلى منظمة التجارة العالمية حتى تنسحب من المقاطعة العربية لإسرائيل وأكدوا أنه يتعين على الولايات المتحدة الإصرار على تحقيق تقدم في أربعة ميادين رئيسة قبل تقديم مساعدتها للرياض للانضمام إلى منظمة التجارة العالمية، ووضعوا على رأس هذه الميادين إنهاء المقاطعة السعودية للكيان الصهيوني.
6 - تشويه صورة الجهاد والمجاهدين المقاومين للاحتلال في نفوس الشعوب المسلمة والسعي لإيقاف الدعم عنهم ونبزهم بالإرهاب.
7 - استخدام طوائف من عرب أراضي ثمانية وأربعين الذين هم داخل الخط الأخضر للترويج للتطبيع كما هي خطة (عزمي بشارة) التي عرضها على الكنيست الإسرائيلي والتي قدمها كمشروع لدولة المواطنين والتي يدعو فيها إلى المساواة بين الفلسطينيين والصهاينة وهو لا يعني سوى إضفاء شرعية نهائية على اغتصاب فلسطين بشرط الاعتراف بحقوق الفلسطيني في المواطنة.
فالمقصود من كل هذه الوسائل إيجاد تيار عريض يقوم أفراده بدور الطابور الخامس القابع خلف خطوط الدفاع في الأمة، حيث أنهم يضربون في صميم عقيدة الأمة وملامح هويتها على جميع الصعد، لجعل الإنسان العربي المسلم مجرد إنسان بلا هوية، يسهل تشكيل عقله على هوى المحتل، وقد كان تمويل أمثال هؤلاء يجري في مصر وفق أنماط من الرسمية أو وفق حالات مقننة، حيث كانت الأموال تصل إليهم عبر وزارة الشئون الاجتماعية وخصماً من المعونة الأمريكية المقدمة للحكومة المصرية، إلى أن تطور الأمر بعد احتلال العراق وأخذ مدى أبعد حيث أصبحت السفارة الأمريكية في القاهرة هي التي تتولى مباشرة عملية تسليم الأموال في الاحتفالات التي تدعى إليها مختلف أجهزة الإعلام، ليجري توزيع ما يزيد على 40 مليون دولار سنوياً.
سادساً: من فعاليات التطبيع:
ضمن إطار العمل المستمر لدعاة التطبيع من الصهاينة والأمريكيين والعرب من أجل استحداث مؤسّسات وهيئات وجماعات وملتقيات تصب في المشروع التطبيعي، تكوّنت "مؤسّسة المبادرة من أجل السلام والتعاون في الشرق الأوسط" في سبتمبر 1991م، وهي تضمّ نخبة من الشخصيات الأمريكية والصهيونية والعربية, ويترأسها "جون ماركس" بصفته من الخبراء الأمريكييّن في شؤون المنطقة على مدى العقود الأربعة الماضية, ويعمل في إطار " مؤسّسة المبادرة" خمسة وعشرون شخصاً من الأمريكيين والعرب والإسرائيليين، وتعدّ أحد المطابخ الرئيسة في طرح الأفكار والتصوّرات الممّهدة لتأسيس "نظام الشرق أوسطي" على أنقاض النظام العربي، يقوم اليهود فيها بدور القيادة وتتمحور حول مصالحهم وإستراتيجيتهم شبكة التفاعلات الإقليمية الجديدة وقد برزت أخبار هذه "المؤسّسة" إثر خلوتهم السرّية السادسة التي عقدت في مراكش بالمغرب (في الفترة من 18-22 مارس 1994م)، حيث اعترف المجتمعون أن هدف اجتماعاتهم هو إعداد الجماهير العربية لقبول "السلام" بشروطه الحالية أي فرض هذا "السلام" طوعاً بإرادتها، أو رغماً عنها عن طريق تزييف وعي الناس وإرادتهم المقاومة للعدوان والاستيطان والعنصرية الصهيونية، ولتحقيق برنامجها، قررت المجموعة القيام بإجراءات وتحركات واسعة، تتمثّل خطوطُها العامة بما يلي:‏
- ينبغي إحداث تحولات في التوجهات والإدراك في الشرق الأوسط إذا أريد للمنطقة الانتقال من ثقافة المواجهة والحرب إلى ثقافة السلام.‏
- يمكن للإعلام أن يلعب دوراً أساسياً في بناء السلام لتجاوز القيود الحكومية والثقافية السائدة، التي تضع عقبات مانعة أمام تقدم السلام.‏
ثم عُقدت في سبتمبر من عام 1994 م، "خلوة أنقرة" التي أشرفت عليها ونظمت أعمالها وأسماء المدعوّين إليها وموّلتها المؤسّسة الأمريكية الصهيونية المعروفة بـ "مشروع البحث عن أرضية مشتركة" وقد استمرت أعمالها لثلاثة أيام تحت شعار "نحو ثقافة سلام بالشرق الأوسط"، وقد بدأت بتنفيذ برنامج العمل المستقبلي، الذي كانت أقرته في الاجتماع السادس بمراكش (مارس 1994م)، مجموعة العمل الأساسية في إطار "المبادرة" من أجل السلام والتعاون في الشرق الأوسط، وقد ساهم بدور واضح في "خلوة أنقرة"، "مركز تاتي ستينمتيز الإسرائيلي لأبحاث السلام" في تل أبيب، الذي يترأسه "شمعون شامير" (الذي كان مديراً للمركز الأكاديمي الإسرائيلي بالقاهرة)، ومؤسّسة "وقف الأمل" التركيّة بأنقرة وجمعية إعلام العالم بباريس، إضافة إلى تسعة صحفيين عرب.
وقد أجمع المشاركون على ضرورة اتخاذ الخطوات التالية:‏
- ينبغي على صحف المنطقة نشر مقالات وزوايا دائمة من دول أخرى، وقد قبل أكثر من صحفي عربي دعوة المساهمة في كتابة مقالات في الصحف (الإسرائيلية).‏
- أن يتم ترجمة وتوزيع المقالات الرئيسة التي تصدر في الصحف (الإسرائيلية)، التي لا يسمح بدخولها إلى الدول العربية من قبل المشاركين، كما يتم ترجمة وتوزيع المقالات الرئيسة، التي تصدر في الصحف الأخرى التي لا تتوافر (للإسرائيليين)، والهدف من ذلك هو رفع مستوى العلاقات وتقويتها بين الصحفيين العرب و(الإسرائيليين).‏
من آثار التطبيع
أولاً: فلسطين:
1 - الجانب السياسي:
من أبرز المبادئ اليهودية في إدارة الصراع مع الفلسطينيين العمل على عدم تمكينهم من إقامة دولة فلسطينية مستقلة؛ لأن إقامتها يعني وجود منافس حول الشرعية المرتبطة بالأرض التي يعيش عليها اليهود، وأخطر من ذلك سياسة استيعاب الشعب الفلسطيني عن طريق:
- استيعاب الفرد معنوياً وحضارياً سواء بإيجاد الاحترام والانتماء العربي أو بإيجاد الإعجاب بالحضارة اليهودية.
- تشجيع زواج العربي باليهودية وخاصة الشرقية مع مخالفة ذلك لمبادئ النقاء اليهودي ولكن ذلك قد يؤدي في الأمد البعيد إلى إضعاف العنصر الفلسطيني.
- الاستئصال العضوي وله وسائل متعددة كالقتل أو الطرد أو التشجيع على الهجرة الدائمة.
وإذا نظرنا إلى فصائل المقاومة الفلسطينية، فإنها تجد نفسها في مأزق، كلما وجدت الدول العربية تهرول باتجاه الكيان الصهيوني غير عابئة بما تجره هذه الهرولة من تنسيق أمني عالٍ مع الكيان الصهيوني في المجال الأمني والاستخباراتي خصوصاً، مما يضرها وهذا بدوره يقطع كثيراً من طرق الإمداد للمقاومة الفلسطينية، سواء العسكرية أو التموينية، كما تقلل مساحة الوجود للفصائل الفلسطينية على التراب العربي، ومن ثم يقطع سبيل التواصل بين الخارج والداخل لهذه الفصائل.
2 - الجانب الاجتماعي:
سعى اليهود للتقليل من تكاثر المسلمين في فلسطين (عام 1948م) خاصة وبقية الأراضي المحتلة بوسائل متعددة كنشر الأمراض الجنسية وترويج مواد استهلاكية وأدوية تؤدي إلى العقم، وقد صرح وزير الصحة الفلسطيني السابق عبد العزيز شاهين عن اكتشاف ما يقارب العشرين طناَ من علكة لبان تسبب العقم كانت توزع داخل فلسطين المحتلة.
3 - الجانب الاقتصادي:
منذ العام 1967م بدأ اليهود باستخدام العملة اليهودية في المناطق المحتلة وتحويل أفرع البنوك العربية إلى بنوك يهودية وفتح باب التبادل التجاري بين المناطق المحتلة و الكيان الصهيوني وتشجيع زراعة المحاصيل الزراعية التي يحتاجها الكيان الصهيوني للاستهلاك المحلي أو قيامه بتصديرها إلى أوربا وتنشيط إدماج العمالة العربية في قوة العمل اليهودية لتوثيق الامتزاج الاقتصادي ولكن بشروط قاسية حيث يعمل العربي ساعات أكثر من اليهودي ويأخذ أجراً يماثل نصف أجر العامل اليهودي الذي يؤدي العمل نفسه، إضافة إلى تعرض بعض العمال العرب إلى اعتداءات عنصرية من رجال الشرطة أو رجال سلاح الحدود اليهود بل وحتى من العمال اليهود. ومع استمرار مسلسل الحصار والاجتياح اليهودي للمدن الفلسطينية تزايد عدد الأسر الفقيرة إما بسبب مقتل عائلها أو اعتقاله، وكان من نتيجة ذلك سيطرة اقتصادية يهودية شبه كاملة على الضفة وقطاع غزة، بلغ فيه حجم التعامل الاقتصادي مع اليهود 83% وحقق اليهود من ورائها سوقاً يفوق حجم سوقه مع مجموع الدول الأفريقية، وبعد بدء مسلسل المفاوضات بين السلطة والكيان الصهيوني ظهر منذ البداية الاهتمام الأميركي ـ الصهيوني بالمضمون الاقتصادي للعملية السلمية، حيث تم التركيز بشكل خاص على ضرورة البدء بإقامة تكتل اقتصادي يدمج اقتصاد الكيان الصهيوني واقتصاد الأردن والاقتصاد الفلسطيني في الضفة الغربية وقطاع غزة، ولقد بادرت مدرسة جون كيندي في جامعة هارفارد إلى دعوة اقتصاديين أكاديميين من فلسطين والأردن والكيان الصهيوني ليعملوا تحت أشراف اقتصاديين أميركيين على تحديد مستقبل التعاون الاقتصادي بين بلدانهم وعقد ذلك المؤتمر قبل توقيع اتفاق أوسلو، وتم بعد ذلك اعتماد الكثير من توصياته في الاتفاقية الاقتصادية بين الكيان الصهيوني ومنظمة التحرير التي وقعت في باريس العام 1994 م. وقد كان الفلسطينيون قد وعدوا عند توقيع اتفاقية أوسلو بتحسن الأوضاع الاقتصادية والمعيشية ولكن الواقع الحالي يشهد بما يعانيه ساكني مسرى الأنبياء من فقر وحاجة لا يعلمها إلا اللطيف الخبير.
ثانياً: مصر:
1 - الجانب السياسي:
تم عزل مصر عن محيطها العربي فلم يكن لها دور في أحداث عظام وقعت بعد توقيعها لاتفاقية (كامب ديفيد) كتدمير المفاعل النووي العراقي وقمع اليهود للمقاومة الفلسطينية واللبنانية بشراسة ودعمهم لإثيوبيا ولحركة التمرد في جنوب السودان وغيرها من الأحداث، أما على الصعيد الداخلي فقد كشفت المخابرات المصرية عدداً من شبكات التجسّس (الإسرائيلية)، أغلبها على صلة مباشرة بسفارة "إسرائيل" منها -على سبيل المثال- الشبكة التي كانت برئاسة المستشار العسكري (الإسرائيلي) بالسفارة، والتي كشفت في أوائل أغسطس 1985م، وكانت تضم عدداً من أعضاء البعثة الدبلوماسية (الإسرائيلية)، وبعض الباحثين "بالمركز الأكاديمي الإسرائيلي"، وأمريكيين يعملان بهيئة المعونة الأمريكية، وسويدياً يعمل وسيطاً في صفقات الأسلحة، وثلاثة مصريين، وكانت هذه الشبكة تستخدم محطة لاسلكية متطورة داخل سفارة العدو، لتبليغ رسالة يومية عن أحوال مصر، بينما يتم نقل التقارير والأفلام والصور والخرائط إلى (إسرائيل) عبر الحقيبة الدبلوماسية، وكذلك قام ضباط "الموساد" بالسفارة (الإسرائيلية) بالقاهرة، بتجنيد عدد من الطلاب عن طريق بعض أقاربهم العاملين بالسفارة، وتشجيعهم على السفر إلى (إسرائيل)، حصل مقابلها أقاربهم على مكافآت مجزية نظير تجنيدهم!!.‏ وهناك قضية (الإسرائيليين) الأربعة الذين كانوا يحملون جوازات سفر إنجليزية مزوّرة، وتم ضبطهم عند خروجهم من إحدى نقاط المراقبة الخاصة بقوة حفظ السلام في جنوب سيناء، وبحوزتهم حقيبة تضم 7 وثائق شفرية و19 شريطاً ميكرو فيلماَ للمنشآت المصرية في سيناء ونُظم تسليحها.(المركز الفلسطيني للإعلام على شبكة الانترنت يوم 30 مايو 2005م).
2 -الجانب الثقافي:
نشر المركز الفلسطيني للإعلام على شبكة الانترنت يوم 30 مايو 2005م، بحثاً بعنوان مراكز الأبحاث والمؤسسات العاملة في خدمة التطبيع والإستراتيجية الصهيونية، وهذه مقاطع من البحث:]ضمن الإطار التطبيعي أقيمت في مصر ستّ وثلاثون مؤسّسة علمية أمريكية، وثقافية "إسرائيلية"، مثّلت وتمثّل مظلّة رسميّة لاختراق الشخصية العربية، والتجسّس على قطاعات المجتمع كافّة، ومن ذلك -مثلاً- النشاط الذي يقوم به "مركز البحوث السياسية" في كلية الاقتصاد جامعة القاهرة، الذي يجري كثيراً من الأبحاث بتمويل من "مؤسّسة فورد"، وكذلك نشاط "مركز الدراسات السياسية والإستراتيجية في الأهرام"، و"معهد التخطيط القومي" وغيرها من المؤسّسات العلمية، وبغية اختراق العقل العربي وعناصر المجتمع العربي أُنشئ في مصر عام 1982 م "المركز الأكاديمي الإسرائيلي بالقاهرة"، الذي لعب ويلعب دوراً خطيراً في مجال التمهيد للتطبيع، ونظراً لكونه الأخطر في ميدان إستراتيجية العدو على الأصعدة الأمنية والثقافية والعلمية، فقد توالى على إدارته عدد من أبرز المتخصصين في الدراسات الشرقية والعربية، الذين يرتبطون بعلاقات عضويّة مع أجهزة المخابرات (الإسرائيلية)، ومع مراكز التخطيط الاستراتيجي في الكيان الصهيوني حيث ركّز المركز جهوده خلال مدة ماضية للحصول على معلومات عن طلبة كليات العلوم والهندسة في جامعات مصر، لمعرفة آخر ما توصل إليه الطلبة النابغون من اختراعات جديدة، فاختير عشرة اختراعات وضعها "مدير المركز الأكاديمي الإسرائيلي بالقاهرة" تحت المجهر، ووجّه بشأنها رسالة إلى السفير الإسرائيلي بالقاهرة كتب فيها:‏ بناء على تعليماتكم بإحضار ملفّات كاملة عن آخر اختراعات الشباب المصريين أرسلنا لكم عشرة ملفات عن اختراعات في مجال الزراعة وتحلية المياه والبلاستيك والكمبيوتر وإطارات العربات، ونودّ أن ننبهكم أنّ معظم هذه الاختراعات قمنا بتجربتها وفحصها جيداً، وهي تعد من أحدث ما توصل إليه العلم، فأرسل السفير الإسرائيلي بالموافقة على شراء أربعة اختراعات وبأسرع وقت، أحدها جهاز لتحلية مياه البحر لطالب في كلية الهندسة، و الثاني جهاز لإنتاج سماد يعيد خصوبة الأرض، ويحول الأرض المالحة إلى أرض صالحة للزراعة، لطالب في كلية الزراعة، وهو الوحيد الذي قابل السفير الإسرائيلي في اليوم التالي ليعرض اختراعه، فعرض عليه السفر، وتجربة الاختراع ذاته بطريقة عملية، شاملة تكاليف الإقامة ومكافأة لكل يوم يقضيه في الكيان الصهيوني، إضافة إلى حق شراء الاختراع نفسه ومدة الإقامة ثلاث سنوات، وسافر بالفعل بعدما وضع ثمن الاختراع في البنك الأمريكي المصري. والمؤسّسات والهيئات الأمريكية، التي تمثّل بؤراً تطبيعية في جسد المجتمع المصري لا حصر لها، وسوف نقدّم هنا أكثر هذه المؤسّسات والهيئات شهرة وأكثرها خطراً وهي:
1- الجامعة الأمريكية في القاهرة.
2- المركز الثقافي الأمريكي في مصر.
3- مؤسسة فورد: يرى باحثون منصفون أنها من أخطر مؤسسات التغريب العالمي الأمريكية، وقد انفردت بتمويل (أبحاث ودراسات الشرق الأوسط) وعبر هذه المؤسسة تقوم وكالة التنمية الأمريكية: (aid ) بتخصيص حوالي مئة مليون دولار سنوياً لمركز البحث العلمي والجامعات المصرية منذ نهاية السبعينات وحتى اليوم.
4- مؤسّسة راند الأمريكية، وهي مؤسسة دراسات وأبحاث تقدم توصياتها للحكومة الأمريكية.‏
5- معهد ماساشوستس وفروعه في القاهرة ومعهد "إم-إي-تي" (في مبنى جامعة القاهرة).‏
6- الأكاديمية الدولية لبحوث السلام.‏
7- مشروع ترابط الجامعات المصرية الأمريكية ومقره المجلس الأعلى للجامعات في القاهرة. (تبلغ ميزانيته السنوية 27 مليون دولار تقدّمها المخابرات الأمريكية).‏
8- "مركز البحوث الأمريكي" بالقاهرة، ويتركّز نشاطه في مجال الدراسات الاجتماعية، إلى جانب البحوث الاقتصادية والتاريخية والأثرية.. ويحظى بعضويته الشرفية "الزمالة" عدد من الأساتذة المصريين ومزدوجي الجنسية أمريكي/ مصري، وأمريكي/إسرائيلي , كما ينشط في مجال البحوث المشتركة والمموّلة،‏ وفيما يلي بعض عناوين البحوث والدراسات التي أجراها هذا المركز:
-بحث فاليري هوفمان: "الحياة الدينية للمرأة المسلمة في مصر المعاصرة".‏
-دراسة ليوناردو بايندر حول "حرية الفكر الإسلامي في مصر المعاصرة".‏
-دراسة آرثر كريس عن: "الجهاد الإسلامي والاتجاهات الفكرية المختلفة".‏
ومنذ منتصف الثمانينات كثّف "مركز البحوث الأمريكي" نشاطه في مجال التطبيع والتجسّس العلمي على المجتمع المصري وتمثّل ذلك في عشرات الأبحاث المموّلة ومنها:
دراسة عن العادات والتقاليد المتوارثة للأسرة المصرية، الموالد الشعبية المصرية، تقصي ظاهرة التطرف في الحياة المصرية الحديثة، الإسلام والثورة... إلخ.‏
9- هيئة المعونة الأمريكية: استطاعت تمويل مشروع بحثي، أُنجز بالتعاون بين عدد من الجامعات الأمريكية، والجامعات المصرية، شمل أكثر من 500 دراسة بحثية برصيد 60 مليون دولار، وتناولت كل شيء في مصر من الصناعات الاستراتيجية، مثل: صناعة الحديد، والصلب، مروراً بمناهج التعليم والتربية وموقع الدين فيها، وانتهاء بسياسة مصر الخارجية تجاه (إسرائيل)، والتطبيع معها، وقد اشترك في هذا المشروع أكثر من 2007 من الباحثين المصريين، وأكثر من 500 أمريكي، وقد كُتبت جميع هذه الدراسات باللغة الإنجليزية، وحصلت (هيئة المعونة الأمريكية) على نسخ منها، وعلى جميع المعطيات والأرقام والاستنتاجات التي توصل إليها الباحثون إلى الحدّ الذي دفع بعض الباحثين المصريين إلى القول: إن «كمية المعلومات التي حصلت عليها هذه المؤسّسات تفوق ما تعرفه القيادة السياسية، وتفوق ما يعــرفه علماؤنا» وقد أوردت صحيفة «السياسي» القاهرية في عددها 25/5/1993م تحت عنوان بارز «اليهود والأمريكان... هل اندسوا في تطوير مناهجنا الدراسية؟» بعض المعلومات البالغة الدلالة إذ نشرت الفقرات المحذوفة من المناهج، مشيرة إلى أن «العملية التطويرية للمناهج التعليمية المصرية» قام بها 29 أستاذاً ومستشاراً أمريكياً، بينهم عدد كبير من اليهود بتمويل من المعونة الأمريكية لمصر، وبينت الصحيفة أيضا: أن وزارة التعليم المصرية ألغت كتاب «صور من تاريخ مصر الإسلامية» للصف الخامس الابتدائي، وقررت بدلاً عنه كتاب «تاريخ الفراعنة»؛ بغية غرس محبة الحضارة الفرعونية عوضاً عن الحضارة العربية الإسلامية، كما ألغي كتاب «الدولة الإسلامية العربية وحضارتها» للصف الثاني الثانوي، وتقرر عوضاً عنه كتاب «تاريخ أوروبا في القرون الوسطى» مع تحريف كتب التاريخ العربي، وتاريخ الحضارة الإسلامية.
3 -الجانب الاجتماعي:
أ- ازدياد أعداد المصابين بمرض السرطان بسبب الكثير مما يتم استيراده من الكيان الصهيوني.
ب- انتشار المخدرات بشكل كبير بين فئات المجتمع كلها.
ج - السماح بدخول اليهوديات بأعداد كبيرة بزعم تنشيط السياحة فقمن بنشر الأمراض واقترنت الكثير منهن بشباب مصريين حتى بلغ عدد الزيجات أكثر من عشرين ألفا زواجاً مختلطاً.
د- ظهور جماعات منحرفة من الشباب تحمل عقائد باطلة كمن يتسمون بعبدة الشيطان.
4 - الجانب الاقتصادي:
يعد هذا الجانب من أبرز الجوانب التي يحرص عليها اليهود لأهميته، وقد وقعوا مع مصر على اتفاقية الكويز:(QIZ: qualifying industrial zones) في 12/2004 م، لإقامة المناطق الصناعية (في طور التأهيل) ، وهذه الاتفاقية هي تطبيق للقسم التاسع من اتفاقية التجارة الحرة بين أمريكا والكيان الصهيوني المبرمة عام 1985 م، وهي ليست اتفاقية مستقلة بين حكومتين من الناحية الفعلية فقد وافق الكونجرس الأمريكي على إعطاء الرئيس الأمريكي الإذن بالسماح لمصر والأردن بتصدير منتجاتهما إلى أمريكا دون دفع رسوم جمركية بشرط احتوائها على مكون إسرائيلي بنسبة 7,11 % كحد أدنى، وهي تشمل كل الصناعات والسلع، وقد تم في مصر استبعاد أهم المناطق الصناعية التي تنتج الملابس الجاهزة كمدينة المحلة الكبرى (قلعة النسيج في مصر) ومدينة 6 أكتوبر والتي يوجد فيها أكثر من 200 مصنع وغيرها من الأماكن فلا تشملها الاتفاقية، ويتضح من هذا الاستبعاد مراعاة مصالح خاصة لبعض رجال الأعمال، واتفاقية الكويز تناقض اتفاقية التجارة الدولية (الجات) والتي تؤكد على عدم وضع شروط تفصيلية لبعض الدول دون البعض الآخر، وكذلك هي مخالفة للقانون والدستور المصري لأنها حفظت في مجلس الشعب دون عرضها للنقاش، بل لم تنشر إلى الآن؟ومن أبرز الآثار السلبية لهذه الاتفاقية أنها لم تحدد الحد الأقصى للمكونات الإسرائيلية الداخلة في المنتجات، وهي ستساهم في زيادة الكساد للمصانع المصرية وستمكن اليهود من اختراق منظومة المعلومات الخاصة بالصناعة المصرية وستدخل غالب الأرباح الناتجة منها للخزينة اليهودية وستتسبب في هروب رؤؤس الأموال العربية وستقضي على حلم السوق العربية المشتركة، وكذلك فإنها ستمكن بقية الدول العربية من إظهار التطبيع بعد أن كانت تستخفي به، وما سيتبع ذلك من انسحاب الدول المنضمة إلى اتفاقية الكويز من اتفاقية المقاطعة العربية للكيان الصهيوني، مثلما فعلت الأردن التي أعلنت انسحابها بعد التوقيع على الاتفاقية نفسها قبل مصر. ومن أبرز المستجدات في الجانب الاقتصادي، قيام شركة (EMG) الصهيونية – المصرية المشتركة بالتوقيع على صفقة لشراء الغاز الطبيعي مع وزير البترول المصري (سامح فهمي) وشركتين حكوميتين تعملان في مجال الغاز في مصر حيث سيتم سنوياً شراء 7 ملايين متر مكعب من الغاز الطبيعي المصري ولمدة عشرين عاما بقيمة 5,2 مليار دولار تقريبا ثم بيعه بعد ذلك إلى شركة الكهرباء (الإسرائيلية)، وذكرت مصادر رسمية في مجال الطاقة بالكيان الصهيوني: إن كمية الغاز المتبقية سيتم بيعها لتركيا واليونان ودول أوربية أخرى، وقالت تلك المصادر: إن نسبة الغاز التي ستنقل لشركة الكهرباء الإسرائيلية تصل إلى1,7 مليون متر مكعب في العام الواحد وتقوم شركة(EMG) حالياً بإجراء مفاوضات مع شركات(إسرائيلية) أخرى لبيع كميات من الغاز المصري لها، والشركة يمتلك رجل الأعمال الإسرائيلي (يوسي ميمان) نسبة 25% ويمتلك رجل الأعمال المصري (حسين سالم) نسبة 65% أما الحكومة المصرية فتمتلك 10% فقط من أسهم الشركة. وكذلك نقل موقع (مفكرة الإسلام) على شبكة الانترنت الخبر التالي: كشف موقع صهيوني أن الرئيس المصري (حسني مبارك) أبلغ (شيمون بيريز) نائب رئيس الحكومة (الإسرائيلية) بموافقته على إقامة منطقة زراعية مشتركة على الحدود المصرية- الصهيونية وذكر موقع (القناة السابعة) العبري الإخباري أن (بيريز) أجرى اتصالاً هاتفياً برئيس مجلس مدينة (رامات هناجف) بصحراء النقب وأبلغه موافقة الرئيس مبارك على مشروع مشترك لتطوير المنطقة الحدودية بين مصر و (إسرائيل) وإقامة مشروع زراعي على مستوى عالٍ يندرج ضمن مشاريع التعاون الإقليمي المشتركة، وقال (موشيه برائيل) مراسل الموقع: إن الرئيس مبارك وافق كذلك على مشروع تقدم به مجلس مدينة (رامات هناجف) يقضي بإقامة معبر سياحي لاستقبال السائحين بالقرب من معبر (نيتساناه) الحدودي بين مصر و(إسرائيل) . وأخيراً لا يخفى ما يعيشه الناس في مصر من أزمات اقتصادية خانقة متتالية وصل فيها معدل البطالة إلى 5,10 % والدين الخارجي إلى أكثر من 30 مليار دولار وبلغ الدين الداخلي ما يزيد على 300 مليار جنيه.
ثالثاً: الأردن:
1- الجانب السياسي:
"كانت اللقاءات بين الملك حسين واليهود مستمرة عن طريق الوسطاء منذ العام 1950 م، ثم تطورت حتى بدأ اليهود يبلغون الملك حسين بمحاولات اغتياله (1958 م) عن طريق بريطانيا، وفي عام 1960 م اغتيل رئيس الوزراء الأردني المجالي وكان المستهدف هو الملك حسين، وكانت أصابع الاتهام تتجه إلى سوريا فقام الملك حسين بنقل جزء من قواته المرابطة على حدوده مع فلسطين إلى حدوده مع سوريا وأكد على اليهود بعدم استغلال ذلك، ولكنه عدل عن الفكرة فيما بعد، ثم كان اللقاء الأول للملك حسين مع المدير العام لوزارة الخارجية الإسرائيلية في سبتمبر عام 1963 م، ثم تتابعت اللقاءات إلى أن التقى الملك حسين مع موشي ديان في لندن عام 1977 م " من كتاب (تواطؤ عبر الأردن)، ولا يخفي مقولة الملك حسين عندما أدخل اليهود في قائمة المؤمنين حيث قال في خطابه يوم 15\11\1994 م:" إن السلام المعقود مع إسرائيل سيكون سلاما تنعم به الأجيال من العباد المؤمنين من نسل إبراهيم, ويؤدي إلى علاقات الإخوة بين المؤمنين الذين جعل الله لهم القدس محج أنظارهم جميعا.
2- الجانب الاقتصادي:
بعد أن وقع الأردن على (اتفاقية الكويز) مع الكيان الصهيوني عام 2003 م، هبط الميزان التجاري الأردني مع الكيان الصهيوني من 24 مليون دولار عام 1999 م إلى عجز بقيمة 26 مليون دولار عام 2003 م وقد تسببت هذه الاتفاقية بخسارة كبيرة لكثير من مصانع المواد الكهربائية وزيادة نسبة البطالة أيضا، ويمكن رصد عينة من ممارسات التطبيع التجاري والصناعي بين الجانبين خلال الأعوام الماضية:
1 ـ يعمل الإسرائيليون على الاستفادة من رخص الأيدي العاملة الأردنية لزيادة إنتاجهم وخفض كلفة الإنتاج، وذلك عبر نقل مصانعهم إلى الأردن، أو اتخاذ مصانع وكيلة لهم في المناطق الصناعية.
2 ـ تهتم هذه المصانع بالاستفادة من الانفتاح الأردني الواسع على الدول العربية لترويج بعض منتجاتها في دول لا تقيم علاقات اقتصادية مع الكيان الصهيوني بوصف هذه البضائع أردنية المنشأ والإنتاج.
3- من المشاريع الهامة التي نجح (الإسرائيليون) في إقامتها:
أ ـ تمكنت شركة " شتراوس " الإسرائيلية المتخصصة في صناعة منتجات الألبان من نقل جزء من صناعاتها إلى الأردن في منتصف عام 1998 م، وقد خطط لتصدير الكثير من الإنتاج إلى الدول العربية، غير أن الشركة تعاني من صعوبات كبيرة في تسويق منتجاتها حيث اكتشف عدد من التجار مصدر الألبان الذي تصلهم منه، مما جعل السوق الرئيسي لها هو الدول العربية بوصفها منتجات أردنية.
ب ـ خرّجت كلية " شنكر"الإسرائيلية لتعليم مهنة الحياكة وفنون الموضة وإنتاج الملابس الجاهزة خمسة عشر عاملا أردنيا على نفقة مؤسسات إسرائيلية بهدف إلحاقهم بالمصانع الإسرائيلية التي أقيمت في الأردن.
وقبل فترة وجيزة أعلن رسمياً عن تطوير الاتفاق التجاري الذي يربط بين الكيان الصهيوني والأردن، ما يعطي مزيداً من الفرص للتعاون فيما بينهما للتصدير المشترك لأوربا، فقد أجرت صحيفة (هارتس)العبرية حواراً مع مسؤول التجارة بالإتحاد الأوروبي (بيتر مندلسون) حيث أكد أن هذا الاتفاق الذي وقعه الاتحاد الأوربي مع الأردن و الكيان الصهيوني لم يكن رد فعل متأخر لاتفاق (الكويز) الموقع مع الولايات المتحدة، وقال:إن التعاون معهما بدأ قبل تنفيذ هذا الاتفاق، وعن إمكانية التوقيع على اتفاق مماثل بين مصر والكيان الصهيوني قال المسئول الأوربي: إنه يتمنى دخول مصر تلك المنظومة التجارية، كما أشار إلى أن الإتحاد الأوربي يبدي اهتماماً خاصاً باتفاق التجارة الحالي بين الكيان الصهيوني والسلطة الفلسطينية، وأنه معني باستمراره في قطاع غزة بعد الانسحاب الإسرائيلي منه حيث أن مسئولي الاتحاد الأوربي يرون أن هذا الاتفاق إذا تم وقفه سيؤدي إلى تدهور الأوضاع الاقتصادية في القطاع، كما سيضر بمحادثات السلام بين الكيان الصهيوني والفلسطينيين حسب رأيهم. وأخيرا فالشعب الأردني المسلم والذي ظلت قيادته متمسكة بتعهداتها للعدو الصهيوني لا يزال يئن من شدة الحاجة والفاقة، وأرضه تحوي من الخيرات والثروات الشيء الكثير، حتى وصل الحال " بحاملي درجة الدكتوراه - العاطلين عن العمل - أن يسيروا في مظاهرات في شوارع عمان " (تقرير بثته فضائية الجزيرة).
رابعاً: موريتانيا:
وضع موريتانيا الجغرافي وثقلها السياسي الهش جعلها دومًا بعيدة عن الصراع العربي والإسلامي مع الكيان الصهيوني , إلا أن نظام معاوية ولد الطايع (المخلوع) مد جسور العلاقة مع الكيان الصهيوني , وجعل من بلاده أول بلد عربي خارج دول الطوق يكسر حاجز التطبيع مع الصهاينة, ليكون ثالث نظام عربي بعد مصر والأردن يقيم علاقات دبلوماسية كاملة مع الكيان الصهيوني، ولعلنا نقول: إن علاقات موريتانيا مع الكيان الصهيوني تفوقت واتسمت بدفء مستمر لم تشهده علاقات الكيان مع أية دولة عربية أخرى, ففي نوفمبر 1995 م وقعت موريتانيا اتفاقًا تعترف فيه بالكيان الصهيوني وتقيم علاقات معها، و في أكتوبر 1998م زار وزير الشؤون الخارجية والتعاون الموريتاني الكيان الصهيوني؛ حيث عقد محادثات مع (رئيس الوزراء الصهيوني السابق) بنيامين نتانياهو، ثم أقامت موريتانيا علاقات دبلوماسية كاملة مع الكيان الصهيوني في أكتوبر 1999م, وفي ذات العام تواردت الأنباء عن سماح النظام الموريتاني بدفن نفايات نووية من الكيان الصهيوني في البلاد في صفقة لم يتم الكشف عن جميع أبعادها، وقد زار وزير الخارجية ولد عبدي الكيان الصهيوني في مايو 2001م اجتمع خلالها مع (رئيس الوزراء الصهيوني) أرييل شارون، و(وزير خارجيته) شيمون بيريز، و في أبريل 2002م قاومت الحكومة الموريتانية الضغوط لقطع علاقاتها الدبلوماسية مع الكيان الصهيوني، بسبب حملته العسكرية الإجرامية على الفلسطينيين في الضفة الغربية, مع أن مصر قد اضطرت تحت الضغوط الشعبية إلى سحب سفيرها من الكيان الصهيوني وتبعتها في ذلك الأردن، و في مايو 2005 م أجرى (وزير الخارجية الصهيوني) سيلفان شالوم محادثات مع مسؤولين بارزين في الحكومة الموريتانية.
خامساً: المغرب:
يمثل النظام المغربي حالة فريدة في التطبيع من خلال أدواره التاريخية في تسهيل الاتصالات الإسرائيلية – العربية بالمنطقة،منذ بداية الستينات حيث كان يعمل على تهجير المغاربة اليهود إلى الكيان الصهيوني مقابل رسوم مالية بالدولار، ويشكل حجم الجالية اليهودية الكبير وسيلة تواصل دائم بين الجانبين، حيث يوجد حوالي مليون يهودي مغربي بالكيان الصهيوني و300 ألف يهودي مقيم بالمغرب، وهو أكبر عدد لطائفة يهودية في دولة عربية، كما يوجد في المغرب عدة جمعيات يهودية تعمل في مجال التطبيع مع الكيان الصهيوني كجمعية هوية وحوار التي تأسست عام 1974 م، والتجمع العالمي لليهودية الذي تأسس عام 1985م، والمركز العالمي للأبحاث حول اليهود المغاربة الذي تأسس عام 1995 م ، ثم الاتحاد العالمي لليهود المغاربة الذي تأسس في 3 مايو 1999م. وقد قام النظام المغربي بدور كبير في اتفاقية (كامب ديفيد)، ففي اللقاء التمهيدي بين الحسن الثاني وموشي ديان - وزير الخارجية الإسرائيلي آنذاك - الذي سأل الملك متعجباَ عن كيفية عمله كمنسق بين الكيان الصهيوني والدول العربية، أجاب الملك بكل سهولة: (أتعرف أنه لو علم بوجودك هنا فلن يطيح هذا العمل بي عن العرش والسبب شعبيتي الكبيرة بين اليهود)، ثم تلا ذلك عدد من الاجتماعات بين (موشي ديان) و حسن التهامي (أحد ضباط ثورة يوليو وأمين عام منظمة المؤتمر الإسلامي) مبعوث الرئيس السادات في مدينة (أفران) بالمغرب سنة 1977 م.
وأخيراً لا يخفى ما أعلنته غالب دول الجامعة العربية بما فيها بعض دول الخليج عدم التزامها بالمقاطعة الاقتصادية للكيان اليهودي وذلك عام 1994 م، إلا أن بعضها ما زال ملتزماً بشئ يسير منها، وهذه المقاطعة هي التي كبدت اليهود بين عامي 1948م إلى 2004م، ما يقرب من مئة مليار دولار، " وما وصفته الصحافة الأميركية بهدف (إعادة تأهيل الكيان الصهيوني عالميا The International Rehabilitating of “Israel”) وهو هدف يتطلب تحقيق أمرين: الأول إنهاء المقاطعة العربية للكيان الصهيوني، والثاني إشاعة جو يطمئن الشركات العالمية إلى إن السلام في الشرق الأوسط أصبح حقيقة لا رجوع عنها حتى تقبل على الاستثمار في الكيان الصهيوني، ففي ثلاث سنوات تقريبا تم تحقيق هدف إعادة تأهيل الكيان الصهيوني عالميا، على ثلاثة محاور: المحور الأول إقامة علاقات دبلوماسية مع بلدان كانت لا تقيم علاقات مع الكيان الصهيوني بسبب الصراع العربي ـ الصهيوني، وخلال عام واحد بعد توقيع اتفاقية أوسلو، أقام الكيان الصهيوني علاقات دبلوماسية مع 20 دولة، وبعد ذلك استمر يقيم علاقات مع بلدان أخرى، وكان واضحا أن الكيان الصهيوني يولي بلدان جنوب شرقي آسيا اهتماما خاصا.
أما المحور الثاني فهو أن البلاد التي كانت تلتزم قوانين المقاطعة العربية للكيان الصهيوني أخذت تفتح أسواقها للبضائع الصهيونية، وتقيم مع الكيان الصهيوني مشاريع مشتركة، وعلى سبيل المثال زادت الصادرات من الكيان الصهيوني للبلدان الآسيوية بعد سنة واحدة من اتفاق أوسلو بمقدار 23 في المئة وأصبحت تعادل حوالي 13 في المئة من مجمل الصادرات الصهيونية بعدما كانت اقل من 8 في المئة ولقد ازداد حجم التبادل التجاري بين الكيان الصهيوني وكوريا الجنوبية حوالي 50 في المئة ما بين 1994 ـ 1996م، كما أصبحت الصين مستوردا رئيسيا للسلاح والتكنولوجيا الصهيونية، وكذلك فإن الشركات الآتية قامت ببناء مصانع أو مراكز لها في الكيان الصهيوني بعد العام 1994م: Intel General Motors, Westinghouse, Mottorola, Salmon, Cablet Wireless, Daimler Brewze, Siemens, Brothers, ولقد أتت هذه الشركات إلى الكيان الصهيوني لأنها ترى في اقتصاد الكيان الصهيوني شريكا في التمويل والاستثمار والبحث العلمي، وهي لا تقيم مصانعها في الكيان الصهيوني من اجل سوقه المحلي، ولكن لأنها تستخدم سوق الكيان الصهيوني بوابة لأسواق الشرق الأقصى أولاً، وأسواق الشرق الأوسط ثانياً، وهكذا بينما كان حجم الاستثمارات الأجنبية في الكيان الصهيوني عام 1991م لا يتعدى 400 مليون دولار، أصبح عام 1996 م حوالي 2.9 بليون دولار، وهذا يعني أن حجم الاستثمار الأجنبي في الكيان الصهيوني في العام 1996م، كان حوالي أربعة أضعاف حجمه في مصر" (مجلة الوسط 1-5-2000م).
لماذا كل هذا الخوف من أمريكا و"إسرائيل"؟!
كان هذا هو السؤال الأكثر ترددًا بين الناس في مصر أثناءالعدوان الأخير على غزة، يتداولونه فيما بينهم، وسط خليط من مشاعر الدهشة وعدمالفهم والغضب من موقف الإدارة المصرية. وانتهى العدوان، ولكن ظل السؤال قائمًا، وهو سؤال عمره أكثرمن ثلاثة عقود كاملة، منذ توقيع اتفاقيات كامب ديفيد والتي تحلُّ ذكراها الثلاثونهذا الشهر. والإجابة الصحيحة والقاسية في نفس الوقت عن هذا السؤالهي: نعم.. إن مصر الرسمية مكرهة على كل ما تفعله منذ حرب 1973م،فلقد قبلت وقف إطلاق النار تحت الإكراه، ووقَّعت اتفاقيات السلام تحت الإكراه،والتزمت بها وما زالت تحت الإكراه، وإن حياتنا جميعًا منذ ذلك الحين تجري وتدور تحتالإكراه الأمريكي والصهيوني. والإكراه يفسد الإرادة ويبطل التصرف، وعليه فإن اتفاقياتالسلام المصرية "الإسرائيلية"، وكل ما ترتب عليها باطلةٌ بطلانًا مطلقًا طبقًاللمبادئ القانونية العامة وطبقًا لأحكام القانون الدولي، وفيما يلي التفاصيل،نستهلُّها بالتذكرة بما تناولناه عن كامب ديفيد عبر العديد من المقالات:
أهم مساوئ كامب ديفيد
- سحبت مصر من الصراع ضد العدوين الصهيونيوالأمريكي.
- مما أطلق يد "إسرائيل" لتعربد كما تشاء فيالمنطقة.
- اعترفت بـ"إسرائيل" وتنازلت لها عن فلسطين 1948م.
- أضعفت المقاومة الفلسطينية، وجعلتها تقف منفردةً وحيدةً فيمواجهة الآلة العسكرية الصهيونية.
- وضعت سيناء رهينةً دائمةً في يد "إسرائيل"، تستطيع أن تعيداحتلالها في أي وقت تشاء.
-أعادت صياغة مصر عسكريًّا وطبقيًّا واقتصاديًّا وسياسيًّاوثقافيًّا على مقاس أمن "إسرائيل".
- وضعت مصر ومن فيها تحت قيادة ورحمة الولايات المتحدةالأمريكية.
- أعطت الضوء الأخضر لكل القوى الطائفية في المنطقة للانفصالعن الأمة، وتأسيس دويلات كردية وشيعية وسنية ومارونية وقبطية وزنجية على نموذجالدولة اليهودية "إسرائيل".
- ضربت وحدة الصف العربي التي تجلَّت في أعلى صورها في حرب 1973م.
أسباب البطلان
تنص اتفاقية فيينا لقانون المعاهدات الصادرة في سنة 1969م فيالمادة رقم 51 على:
"ليس لتعبير الدولة عن رضاها الالتزام بمعاهدة والذي تمالتوصل إليه بإكراه ممثلها عن طريق أعمال أو تهديدات موجهة ضده أي أثرقانوني".
كما تنص المادة رقم 52 من نفس الاتفاقية على: "تعتبر المعاهدة باطلةً بطلانًا مطلقًا إذا تم إبرامها نتيجة تهديد باستعمال القوة أو استخدامها بالمخالفة لمبادئ القانون الدولي الواردة في ميثاق الأمم المتحدة".
خلاصة المادتين السابقتين أن الإكراه الواقع على الدولة أوعلى ممثلها لتوقيع أى اتفاقية يبطلها بطلانًا مطلقًا، وتنطبق نصوص المادتين على حالة مصر في الفترة من 1973 حتى 1979، وبالتحديد في الوقائع التالية:
وقائع الإكراه
أولاً: احتلال سيناء
الاحتلال الصهيوني للأراضي المصرية عام 1967م وما بعدها واستعمال للقوة بالمخالفة لمبادئ القانون الدولي الواردة في ميثاق الأمم المتحدة وبالتحديد في الفقرة الرابعة من مادتها الثانية التي تنص على: "يمتنع أعضاء الهيئة جميعا في علاقاتهم الدولية عن التهديد باستعمال القوة أو استخدامها ضد سلامة الأراضي أو الاستقلال السياسي لأية دولة أو على أي وجه آخر لا يتفق ومقاصد الأمم المتحدة".
ثانيًا: سيناء رهينة
حالت الولايات المتحدة دون أن يُصدر مجلس الأمن قرارًا ينصعلى الانسحاب الفوري من الأراضي المحتلة عام 1967 بدون أي قيد أو شرط، في سابقة هيالأولى من نوعها في تاريخ الأمم المتحدة.
وبدلاً من ذلك أصدروا القرار رقم 242 الذي تعامل مع سيناءوغيرها من الأراضي المحتلة كرهينة لدى "إسرائيل"، تعيدها إلى مصر بشرط الاعتراف بهاوالسلام معها.
ثالثًا: دعم أمريكا العدو الصهيوني في حرب 1973م
قال الرئيس أنور السادات في 16 أكتوبر 1973: "إن الولاياتالمتحدة أقامت جسرًا بحريًّا وجويًّا لتتدفق منه على "إسرائيل" دبابات جديدةوطائرات جديدة ومدافع جديدة وصواريخ جديدة وإلكترونات جديدة"، وقال في 16 سبتمبر 1975م "إنه في ليلة 19 من أكتوبر 1973م كان بقي لي عشرة أيام أواجه أمريكابذاتها".
رابعًا: تهديد كيسنجر للسادات عنالثغرة
اعترف السادات في حديثه لمجلة (الحوادث) اللبنانية عام 1975م بأنه عندما أخبر كيسنجر يوم 11 ديسمبر 1973بأنه قادرٌعلى القضاء على الثغرة رد الأخير: "ولكن لا بد أن تعرف ما هو موقف أمريكا إذا أقدمتعلى هذه العملية فستضرب".
وهو ما دفع السادات- كما يدعى- إلى التفاوض وقبوله إعادة 90% من قواتنا التي عبرت إلى مواقعها قبل العبور، وهو ما كان له بالغ الأثر على النتيجةالنهائية لوضع القوات المصرية طبقًا للملحق الأمني في اتفاقية السلام عام 1979م.
خامسًا: التهديدات العسكرية "الإسرائيلية" قبل زيارة القدس 1977م:
ففي خطابه أمام مجلس الشعب المصري في 26 نوفمبر 1977م بعدعودته من القدس جاء الآتي: "في جلسة مع وزير الدفاع "الإسرائيلي" عزرا وايزمان توجه إلي بسؤال: لماذا كنت تريد أن تهجم علينا في العشرة الأيام الماضية"؟!
قلت له: أبدًا.. بدأتم أنتم مناورة، وعلى طريقتنا بعد حربأكتوبر وبأسلوبنا أسلوب الدول المتحضرة التي تعرف مسئولياتها حينما بدأتم مناورات كمبدأ الجمسي مناورته أيضًا بنفس الحجم، قال إن تقارير المخابرات كلها أمامي أهه (وعرضها) تقول بأنكم كنتم ستضربوننا ضربةً مفاجئةً وكان في شدة العصبية.. هذا هوا لحاجز النفسي الذي أتحدث عنه.. منذ عشرة أيام وهم في شدة العصبية".
سادسًا: تهديد كارتر للسادات
ذكر الرئيس الأمريكي جيمي كارتر أنه عندما علم أن الساداتقرر الانسحاب من المفاوضات في كامب ديفيد والعودة إلى القاهرة فإنه تصرف كما يلي: "لسبب ما استبدلت بملابسي ملابس أكثر رسمية.."، "شرحت له النتائج بالغة الخطورةالتي تترتب على إنهائه المفاوضات من جانب واحد، وأن عمله سيضر بالعلاقة بين مصروالولايات المتحدة الأمريكية، وأن مسئولية الفشل سيتحملها هو" "وكنت جادًّا إلىأقصى حد وكان هو يعرف ذلك، الواقع أنني لم أكن جادًّا في أي يوم من حياتي أكثر منذلك…" انتهى كلام كارتر. بعد هذا اللقاء صرَّح السادات لأعوانه أنه "سيوقع على أي شيء سيقترحه الرئيس الأمريكي كارتر دون أن يقرأه".
سابعًا: التهديد الأمريكي الصريح لمصر في 25 مارس 1979 قبل يوم واحد من توقيع الاتفاقية تسلمت مصر رسالةً من الولايات المتحدة الأمريكية تتضمن مذكرة تحمل عنوان "مذكرة التفاهم الأمريكية الإسرائيلية " جاء فيها:
"1- حق الولايات المتحدة في اتخاذ ما تعتبره ملائمًا من إجراءات، في حال حدوث انتهاك لمعاهدة السلام أو تهديد بالانتهاك؛ بما في ذلك الإجراءات الدبلوماسية والاقتصادية والعسكرية.
2- تقدم الولايات المتحدة ما تراه لازمًا من مساندة لما تقوم به إسرائيل من أعمال لمواجهة مثل هذه الانتهاكات، خاصةً إذا ما رُئي أن الانتهاك يهدد أمن إسرائيل؛ بما في ذلك- على سبيل المثال- تعرض إسرائيل لحصار يمنعها من استخدام الممرات المائية الدولية وانتهاك بنود معاهدة السلام بشأن الحد من القوات،وشنِّ هجومٍ مسلَّح على إسرائيل، وفي هذه الحالة فإن الولايات المتحدة الأمريكيةعلى استعداد للنظر بعين الاعتبار وبصورة عاجلة في اتخاذ اجراءات، مثل تعزيز وجود الولايات المتحدة في المنطقة وتزويد إسرائيل بالشحنات العاجلة وممارسة حقوقه االبحرية لوضع حد للانتهاك.
3- سوف تعمل الولايات المتحدة بتصريح ومصادقة الكونجرس علىالنظر بعين الرعاية لطلبات المساعدة العسكرية والاقتصادية لإسرائيل وتسعى لتلبيتها".
ثامنًا: التهديدات الأمريكية الصهيونية بشأن الأنفاق والحدود مع غزة
وهو ما نراه ونعيشه يوميًّا من تهديدات من أعضاء في الكونجرس والإدارة الأمريكيين بقطع المساعدات عن مصر، بالإضافة إلى حملات التفتيش الدورية على الحدود المصرية، من قبل لجان من المهندسين الأمريكيين وموظفين بالسفارة الأمريكية ورجال الكونجرس.
تاسعًا: التصريحات الرسمية المصرية
منذ اليوم التالي لتوقف إطلاق النار في 22 أكتوبر 1973 وحتى يومنا هذا في مارس 2009م، والإدارة المصرية ورجالها وإعلامها يؤكدون بمناسبة وبدون مناسبة أن إلغاء كامب ديفيد يعني الحرب، وكان آخرها تصريحاتهم تلك التي صدرت أثناء العدوان الأخير.
الخلاصة
إن العدو الصهيوني- بدعم من الولايات المتحدة الأمريكية- قدقام باحتلال سيناء في عام 1967 مع أراضٍ أخرى، ومنعت أمريكا مجلس الأمن من إصدار أيقرار ينص على الانسحاب دون قيد أو شرط، وربطت الانسحاب بالاعتراف بـ"إسرائيل" وتوقيع اتفاقية سلام معها، فلما رفضنا ذلك وقررنا تحرير الأرض بالقوة، وقفت أمريكادون ذلك، وسرقت منا النصر العسكري بدعمها قوات العدو، وتهديد رئيس الجمهورية حتىوقَّع المعاهدة، ولم تكتفِ بذلك، بل استمرت في تهديداتها لنا على امتداد أكثر منثلاثين عامًا؛ الأمر الذي يؤدي إلى بطلان كل هذه الاتفاقيات بطلانًا مطلقًا بموجب أحكام القانون الدولي، ويجردها من أية مشروعية. بعد ذلك ندخل مع القارئ العربي إلى موقف العالم العربي من كامب ديفيد بين التأييد والحياد والرفض .. فالموقف المحايد للمغرب كان بإعلانها الرسمي بأنها ملتزمة بتنفيذ مقررات الرباط عام 1974م والموقف المعارض انقسمت القوى التي عبرت عن ذلك الموقف إلى جناحين .. هما الجناح العراقي .. والجناح السعودي .. والتسمية هنا مقصود بها التقاء بعض الاتجاهات مع موقف دول معينة هي العراق بالنسبة للجناح الأول والسعودية بالنسبة للجناح الثاني وأن كلا الدولتين باشرت بعض التحركات والسلوكيات التي تدفع المرء إلى القول بأن كلا منهما كان له كتلته أو مجموعته التي تسايره .. في الجناح العراقي كانت العراق وسوريا واليمن الجنوبي والجزائر وليبيا و م.ت.ف وتعاطفت وتعاونت معه الأردن .. لمراقبة سلوكه .!. وفي الجناح السعودي كانت السعودية ودول الخليج ماعدا عمان التي أيدت الاتفاقية .. أما بخصوص موقف لبنان وتونس .. فهما الدولتان اللتان يصعب إدراجهما تحت أي من هذين الجناحين فلبنان تقول على لسان الدكتور سليم الحص آن ذاك خطورة إغفال حق العودة واستبداله بالتوطين .. أما تونس فأصدرت الحكومة التونسية بيانا قالت فيه أن نتائج مؤتمر كامب ديفيد لا تضمن إعادة السلام والاستقرار في المنطقة ولا تلبي حقوق الشعب الفلسطيني ...... أما الجناح العراقي في فترة انعقاد مؤتمر كامب ديفيد وعقب إعلان نتائجه مباشرة كانت الدول التي تم تصنيفها تحت المظلة العراقية توجه النقد والهجوم الصارخ على السياسة المصرية ودعت الصحف السورية والعراقية الرسمية العرب لرفض ما قد يصدر عن مؤتمر كامب ديفيد ( الوثيقتين ) بأنهما صياغة جديدة سبق أن رفضها الشعب العربي الفلسطيني .. وأذاع مكتب م.ت.ف في الرياض بيان لياسر عرفات إعتبر فيه أن ما جاء في كامب ديفيد قد مس بالصميم عروبة القدس ووجه الطعنة إلى مقدساتها كما استنكر مدير مكتب م.ت.ف في البحرين وثيقتي المؤتمر .. وفي الضفة الغربية .. تحدث فهد القواسمة إلى صحيفة السفير اللبنانية قائلا أن الفلسطينيين يرفضون وثيقتي كامب ديفد ويعارضون تطبيقها .. أما الأردن التي تعاطفت مع موقف دول الرفض دون الإنضمام الفعلي لها حرصا على اتخاذ موقف يحقق لها أكبر قدر من المزايا السياسية في التفاوض مع إسرائيل فقد اهتمت بمسايرة إتجاه دول الرفض في نفس الوقت الذي لم تعتبر فيه طرحة عن رفضها لإمكانية التفاوض مع إسرائيل .. وهذا ما حدث .. وقد تحركت وقتها سوريا والجزائر لعقد اجتماع مشابه لقمة طرابلس لدول الرفض لتدارس ما يمكن أن تفعله مجموعة دول الرفض لمواجهة مؤتمر كامب ديفيد ونتائجه وقد حاولت الجزائر عقد ذلك المؤتمر في الجزائر إثر جولة قام بها مبعوث للرئيس الجزائري في دول المجموعة وعاد بتأكيدات بأن كلا من العراق وسوريا و م.ت.ف قد وافق على بدء حوار جديد ولكن سوريا بدت أكثر نشاطا في عقد مؤتمر كهذا .. وقام وزير الخارجية السوري آن ذاك بزيارة ليبيا والجزائر وعقب لقاء بين ياسر عرفات والرئيس حافظ الأسد وافق الجميع على عقد مؤتمر قمة بدمشق في 20 / سبتمبر لدول ( جبهة الصمود والتحدي ) أو مجموعة دول الرفض العربية .. وكان قد سبق كل هذه التحركات اتصال سوري بالإتحاد السوفييتي ( الله يرحمه ) هكذا اجتمعت سوريا والجزائر وليبيا واليمن الجنوبي و م.ت.ف بدمشق وقررت قطع العلاقات الدبلوماسية والاقتصادية مع مصر .. علما بأن العلاقات كانت مجمدة منذ قمة طرابلس .. وقررت إنشاء قيادة عسكرية موحدة وطالب بنقل الجامعة العربية من القاهرة .. وهنا على هامش قرارات المؤتمر تحقق قدر عال من التنسيق والتقارب بين دول الجبهة وكل من الأردن والعراق كان من العوامل الأساسية وراء نجاح الدعوة لعقد قمة بغداد .. فالرئيس القذافي اتجه ومعه ياسر عرفات إلى العاصمة الأردنية لمقابلة الملك حسين رحمه الله وكان ذلك مؤشر على تحسين العلاقات الأردنية الفلسطينية وحمل القذافي معه اقتراحا من قمة دمشق يقضي بإعادة التعاون العسكري بين الأردن و م.ت.ف وبالتالي السماح للفدائيين باستخدام الأراضي الأردنية من جديد كمنطلق لعملياتهم في الأراضي المحتلة مقابل مساعدات ليبية مالية للأردن .. يومها نقل راديو لندن في 24/9 تصريحا للملك حسين قال فيه " أن العلاقات مع م.ت.ف طيبة وأنها ستقوم على أسس وطيدة مع تجنب أخطاء الماضي .. كما استطاع الرئيس القذافي أن يقوم بجهد طيب للتوفيق بين العراق وسوريا وعقب قمة دمشق ازداد التقارب السوري العراقي وتبلورت الرسائل بين الرئيسين الأسد والبكر وتم تشكيل لجان مشتركه سياسية وعسكرية وقام الأسد بزيارة عمان والسعودية والكويت محاولا بيع قرارات قمة دمشق وإقناع دول الخليج التي كانت تتخذ موقف الاعتدال والتحفظ بمسايرة اتجاه الرفض والمواجهة لخط الرئيس السادات وقالت إذاعة دمشق في 28/9 بأن الأسد نجح في كسب موافقة الكويت بالذات . لأنها كانت من أكثر دول الخليج معارضة لكامب ديفيد .. في نفس الوقت قام الملك حسين بجولة في السعودية وسوريا ودول الخليج للتشاور والتنسيق وخلال أذكر شهر اكتوبر كانت مجموعة الرفض دائمة الحركة في سبيل التوصل إلى موقف عربي غالب ضد نتائج قمة كامب ديفيد .. وأوفد الرئيس البكر مبعوثين.. أما الجناح السعودي فاعتمد على مباديء التضامن العربي والعمل العربي المشترك , وتكلفت صحف الكويت ودولة الإمارات العربية ودولة قطر بالجانب الدعائي الهجومي على مصر وطالبت الإمارات دول البترول العربية أن تساند الملك حسين في المجالين الاقتصادي والعسكري حتى لا يستجيب للضغوط الكثيرة التي تحثه على الإنضمام إلى مفاوضات السلام وبيجن ... وعليه انعقد مؤتمر قمة بغداد من 3 إلى 5 نوفمبر وحضرته كل الدول العربية ما عدا مصر وإن اختلف مستوى تمثيل كل دولة وفقا لدرجة تعاطفها مع موقف مصر .. فمثلا السودان أرسلت سفيرها في مصر رئيسا لوفدها بالمؤتمر ومن الجدير بالذكر أن رفض الرئيس السادات استقبال الوفد المرسل من قبل مؤتمر قمة بغداد أثبت أمام العرب والعالم أنه غير قادر على أن يكون حاكما عربيا لمصر وذلك حسب ما صرح به وزير الإعلام السوري أحمد اسكندر .. هذا الموقف دفع بالدول المعتدلة لتبني مواقفها المتشددة .. وفي النهاية .. اتخذ المؤتمر عدة قرارات سرية وعلنية .. في الآتي ... رفض نتائج مؤتمر كامب ديفيد على اعتبار ان الرئيس السادات عقد اتفاقيتي سلام منفرد مع إسرائيل ... وقف المساعدات المالية لمصر , نقل مقر جامعه الدول العربية , تجميد العلاقات الدبلوماسية مع مصر , في حالة وقعت مصر معاهدة الصلح المنفرد مع إسرائيل سيتم تعيين العاصمة الجديدة التي ستكون مقرا للجامعة العربية ... , إنشاء صندوق لمساندة دول المواجهة مع إسرائيل , تشكيل لجنة تنسيق عسكرية بين العراق والأردن وسوريا و م.ت.ف , عقد مصالحة بين الأردن و م.ت.ف على فتح مكاتب م.ت.ف في الأردن , عقد مصالحة بين السعودية واليمن الجنوبي بواسطة صدام حسين رئيس وزراء العراق , رفع المقاطعة العربية المفروضة على اليمن الجنوبي , عقد مصالحة بين العراق و م.ت.ف وتطويق الخلاف بين الطرفين والذي كان آخر حلقاته مشاركة العراق في سلسلة الاغتيالات لقادة المنظمة .. بعد كل ذلك .. ومن أجل إنعاش ذاكرة القارئ العربي والفلسطيني أن اتفاقية كامب ديفيد أو ما يسمي بمعاهدة السلام المصرية الإسرائيلية الموقعة في 26 مارس من عام 1979 تمثل مخالفة للدستور المصري وانتهاكا لقرارات الأمم المتحدة ومن ثم لايحق للمسئولين المصريين التمسك والالتزام بها . ان الاتفاقية تخالف اتفاقية " فيينا " المتعلقة بالمعاهدات الدولية في مادتها رقم 35 التي تؤكد ( كل معاهدة تعد باطلة اذا خالفت قاعدة آمرة من قواعد القانون الدولي وقد خالفت كامب ديفيد في جميع نصوص وثائقها قواعد القانون الدولي الآمرة ). بأن هذا اثار حفيظة الجمعية العامة للأمم المتحدة فأصدرت العديد من القرارات منها القرار 34/65 بتاريخ 29/11/1979تؤكد فيه بطلان المعاهدة لأنها خالفت كل قواعد القانون الدولي وأحكامه. أن الاتفاقية شابها ايضا العوار القانوني والدستوري وأهم هذه المخالفات الدستورية السادات قام بالتوقيع عليها دون العودة إلي مجلس الشعب أولا كما أنها خالفت الدستور في أنها أخرجت مصر من محيطها العربي والدستور ينص علي (أن مصر جزء من الأمة العربية ). وبموجب هذه الاتفاقية - يضيف - فرطت مصر في السيادة الوطنية علي جزء من أرضها حين جعلت سيادتها علي سيناء منقوصة بموجب الاتفاقية المشئومة التي فرضت عليها تحويل مطاراتها العسكرية في سيناء إلي مطارات مدنية محظور عليها استخدمها في الأغراض العسكرية . كما فرضت عليها ترك مناطق شاسعة من سيناء خالية من السلاح ومناطق أخري لايسمح فيها بأي تواجد عسكري مصري مما جعل ثلثي سيناء منزوع السلاح وبالتالي يصعب الدفاع عنها إذا أرادت إسرائيل إعادة احتلالها كما هددت بذلك أكثر من مرة . أن اخطر ما في اتفاقية كامب ديفيد هو أن مصدر السيادة المصرية الحالية على سيناء لم يعد هو حقنا التاريخي فيها بصفتها جزء من أرض الوطن إنما مصدر السيادة الحالية وسندها هو اتفاقية السلام . أن هذه السيادة اصبحت مشروطة بالتزامنا بأحكام الاتفاقية فان رغبنا في إنهاء الاتفاقية والخروج منها ، يصبح من حق إسرائيل إعادة احتلال سيناء بحجة أن انسحابها كان مشروطا بالاعتراف بها والسلام والتطبيع معها . أن أخطر آثار كامب ديفيد اذ تنص المادة الأولى من الاتفاقية فى فقرتها الثالثة على : " عند إتمام الانسحاب المرحلي المنصوص عليه فى الملحق الأول ، يقيم الطرفان علاقات طبيعية وودية " . أن هذه المادة تعد مخالفة صريحة للمادة الثالثة من الدستور التي تقر حق السيادة للشعب بدون قيد أو شرط فتنص على : " السيادة للشعب وحده ، وهو مصدر السلطات ، ويمارس الشعب هذه السيادة ويحميها .. ".أن كامب ديفيد هي بمثابة سلاح إسرائيلي مشهر في وجه الحكومات المصرية تضغط به لمنع مصر من امتلاك أسباب القوة حتي لاتتكرر تجربة حرب أكتوبر 1973فالاتفاقية تعطي إسرائيل الفرصة للتدخل في شئون مصر الداخلية وتحديد كيف يتعامل النظام مع القوي السياسية فتضغط عليه لكي يستبعد القوي والتيارات المناهضة لإسرائيل وان يصفها بالمحظورة لانها في زعم اسرائيل تقوم بالتحريض ضدها في ادبياتها السياسية وهو ما يخالف بندا من بنود الاتفاقية المشئومة . أن هذا مااكد عليه وزير الأمن الداخلي الإسرائيلي بقوله في احدي محاضراته (سنعود إلي سيناء إذا حدث في مصر ما لايرضينا ) مشيرا إلي انه كان من نتائج تلك الضغوط الإسرائيلية استبعاد التيارات السياسية ذات التوجه العربي والإسلامي من المسرح السياسي . كما تكونت طبقة من رجال الأعمال تري مصالحها مع إسرائيل وأمريكا وليس مع محيطها العربي والاسلامي وأصبحت هذه الطبقة تمثل زواج السلطة بالثروة ومهمتها حماية المصالح الأمريكية والإسرائيلية داخل مصر . أن المنطقة تشهد حاليا صراعا بين مشروعين المشروع الصهيوني الذي يسعي لإجبار كل القوي علي الاعتراف بمشروعية وجوده وبالتالي ضياع ارض فلسطين وحق العودة لملايين الفلسطينيين في الشتات وضياع القدس. والمشروع الثاني هو قوي المقاومة التي تمثله حماس وفصائل المقاومة الاخري إلي جانب المقاومة اللبنانية وتسعي إسرائيل للإجهاز عليها لأنها تقف عثرة أمام إعطاءها المشروعية التي تريدها . لقد أحدث نصر أكتوبر الأسطورى نقله نوعية إيجابية فى طريقة تفكير “العقل العربي” ومعنوياته حيث تم شطب أسطورة ”الجيش الأسرائيلى الذي لايقهر” من الذاكرة ، ثم جاءت معاهدة الصلح مع العدو الصهيوني في كامب ديفيد ( مارس 1979 ) فأثرت سلباً على طريقة تفكير ” العقل العربي” لبعض النظم العربية . فأكتوبر يعبّر عن نفسية سوية تجاهد عن حقها وأرضها وعرضها بما تملك من إمكانيات وإن عارض هذا مصالح الدول العظمى وخاصة أمريكا والإتحاد السوفيتى السابق .. وأما مارس 79 فهو يعبر عن نفسية رضيت بنصوص كامب ديفيد والتي حولت العقل العربي إلى صديق حميم ومدافع قوي عن المحتل لإرضنا ومقدساتنا العربية والاسلامية حيث نصت كامب ديفيد على “القبض على ومحاكمة : كل من يظهر العداء لإ”سرئيل” … وهذا هو أخطر انقلاب فكري ضد ثوابتنا الثقافية وقوميتنا العربية والإسلامية . وهو هو ماتفعله السلطة الفلسطينية الآن من القبض على كل من يقاوم الإحتلال الصهيوني ، وهو ماتفعله دول عربية آخرى دون ضجة أعلامية !!! . إنّ شروط “الرباعية الدولية” وشروط” خارطة الطريق” هي نفسها كامب ديفيد جديدة ، لأنه إذا كان المنتصر في حرب أكتوبر 73 والمحسوب بإنه فارس الحلم العربي قد رضي ووافق ووقع على كامب ديفيد فكيف يكون حال من هو دونه. لقد تعرض العقل العربي منذ “كامب ديفيد الأمريكية الصهيونية” ، إلى عملية “غسيل مخ” مكثفة وطويلة المدى ومازالت مستمرة حتى الآن ، وللإسف فإننا نعلن أنها ناجحة وإلى الآن في تطويع العقل العربي الرسمي ليقبل تطبيع العلاقات مع العدو الصهيوني ، ولكنها لم تحقق نجاحا يذكر على مستوى العقل العربي الشعبي . إن الإدارات الأمريكية المتعاقبة وحتى إدارة أوباما الحالية تقوم بدور خطير في تحسين صورة “إسرائيل” والدفاع عنها بكل قوة فى المحافل الدولية ، حتى فى تقرير “جولدستون” ، وهو قاضي يهودي تابع للأمم المتحدة قد آلمه أشد الألم ما رآه من فجائع وفظائع وكوارث قام بها سلاح الجو و البر والبحر الصهيوني ضد المدنيين في غزة مما أضطره إلى أن يسطّر بعض الحقيقة في تقريره ، بعد أن أرسلته منظمة حقوق الانسان التابعة للأمم المتحدة إلى غزة بعد أن دمرتها آلة الحرب الصهيونية في الحرب الأخيرة على غزة … إلا أن أمريكا وقفت وبكل قوة ضد هذا التقرير!!! إنّ أمريكا تحاول وبكل قوة مع دول العالم الاسلامي غير العربية لكي تقنعها بتطبيع علاقاتها مع “إسرائيل” ، ففي باكستان حاولت الإدارة الأمريكية مع الرئيس ” بيرفيز مشرف” بكل أنواع الضغوط لكي تعلن باكستان الاعتراف بـ”إسرائيل” ، ولكن مشرف رد قائلا : ” إننى أستطيع أن أفعل ذلك ولكنني سأقتل سريعاً لأن فلسطين والقدس والمسجد الأقصى هم جزء من عقيدة الشعب الباكستاني المسلم” ؛ كما حاولت محاولات مستميتة مع إيران عن طريق كثير من الوفود الأوربية بإغرائهم باشياء كثيرة منها السماح لهم بالسلاح النووى بشرط الاعتراف بـ”إسرائيل” !! هذه هي أمريكا الماضي والحاضر والمستقبل فهي و”إسرائيل” وجهان لعملة واحدة هي الإمبريالية الجديدة أو الإستعمار الجديد الذي يهدف إلى إضعاف وإذلال العالم العربي . يجب على المفكرين العرب أن يحذروا قومهم من خطورة “حرب الأفكار الأمريكية” والتي تشنها الإدارة الأمريكية على “العقل العربي” ؛ وخاصة بعد أن أستطاعوا أن يقنعوا بعض الدول العربية بالسير في طريق كامب ديفيد” وأطلقوا عليهم اسما محببا لكل النفوس وهو ” محور الإعتدال” والكل يعرف من هم “دول الإعتدال” بالمفهوم الأميريكي الإسرائيلي ! لم يكن بعيداً عن الصواب من أطلق قول : ” الشيطان صهيوني” ، أو أن من قال : ” الشيطان أمريكي ” ، فالشيطان صهيوني – أمريكي ، فالسياسة الأمريكية سياسة صهيونية بكل المقاييس كما يراها روجية جاردوي ، ولقد أثبت هذه الحقيقة بأن الشيطان صهيوني أو الصهيوني شيطان ما قاله السيد المسيح – عليه السلام- ، حينما خاطب اليهود قائلا لهم : ” تقولون إن آباكم إبراهيم ، لو كنتم أبناء إبراهيم لعملتم أعمال إبراهيم .. أنتم من أب هو إبليس وشهوات أبيكم تريدون أن تعملوا .. ذلك كان قتالا للناس” ( يوحنا 8 ، 39 – 45 ) . وراجع فى ذلك بتوسع في : إعلانات المنطق المسيحي : الإعلانات التاسع ص 397 – مراكز القديس كيرلوس السادس. ولو كنا قد وعينا ماجاء في القرآن أو الإنجيل أو قرأنا عن التاريخ الحديث للدولة العبرية من 1948 وحتى 1973 ما كنا وقعنا فى خطئية كامب ديفيد. إن “إسرائيل” وبالرغم من توقعيها لمعاهدات صلح من بعض الدول العربية وخاصة مصر فإنها لاتخفى خططها الإستيراتيجية في تدمير الدول العربية ولنقرأ بعض ماجاء في المجلة الإسرائيلية “كيفمونيم” أو” إتجاهات” ، – والتقرير موجود في كتاب المفكر الفرنسي روجية جارودي ” حفاروا القبور ص 42 – دار الشروق ” وعنوان التقرير كما ذكرته المجلة الإسرائيلية هو ” خطط إسرائيل الإستيراتيجية” والذي جاء فيه : ” لقد غدت مصر بإعتبارها كيانا مركزيا مجرد جثة هامدة ، لاسيما إذا أخذنا في الإعتبار المواجهات التي تزداد حدة بين المسلمين والمسيحيين ، ويجب أن يكون هدفنا السياسي هو تقسيم مصر إلى دويلات منفصلة وبمجرد أن تتفكك أوصال مصر فسوف تتفكك بالمثل بلدان آخرى مثل السودان وليبيا ، إن تكوين دولة قبطية فى صعيد مصر بالإضافة إلى كيانات أصغر سيفتح الباب لتطور تاريخي … هذا على الجبهة الغربية . أما على الجبهة الشرقية فإن تقسيم لبنان إلى 5 دويلات ( سنية ، شيعية ، درزية ، مارونية ، مسيحية ) هذه بعض آثار ونتائج كامب ديفيد مع الشيطان الصهيوني ، فالسلام معه قد زاد من جنونه ضد مصر والعرب ، ولقد كان قبل كامب ديفيد يرتعش رغم ترسانته العسكرية ، أما وقد رأى الأسود تتاسقط كأوراق الخريف فلم يعد يخشى أحداً من العرب . إن أمريكا تضغط وبكل قوة لإقناع العرب أن “إسرائيل” دولة شرعية غير مخالفة للقانون الدولي وأنها تريد السلام ، كما تريد أن تقنع الجميع بأن ” المعتدل من العرب” هو الذي تربطه بالكيان الصهيوني علاقات وتعاملات، وأن من لا يعترف بـ”إسرائيل ” ولا تربطه علاقات تطبيع معها فهو” إرهابي ومتطرف ومجرم” أما الكثير من الشعوب العربية فيرى أن العرب الرافضين لشرعية الكيان الصهيوني وللتطبيع معه والمقاومين له لاحتلاله أرضهم ، هم عرب ” روح أكتوبر” ، وأن العرب المعترفين بشرعية الكيان الصهيوني والمطبعين معه هم عرب ” روح كامب ديفيد” ، الذين فقدوا الثقة في أنفسهم وحقوقهم ، فأصبحوا ” موتى الأحياء” .. حياتهم كالموت أمام الأعداء.