فِـــي بـَنـِي وَرتِـــلان "الإخـْوَانُ و الخـِلاَّنُ"..



هل يمكن أن نطلق على بلدية بني ورتلان اسم "العذراء" لصفاء سريرة سكانها و تواضعهم و بساطة عيشهم ، قوم متحابون متفاهمون منسجمون، و أنت تتجول بشوارع بني ورتلان لا ترى عينك اعتداءات و لا تسمع أذنك كلاما قبيحا ، لا قاذورات ، لا امرأة تتسول و لا مجنون يسيح، سكون و هدوء، ربما في بني ورتلان تجد المكان الأنسب للاسترخاء و الاستمتاع بما تراه عينك و ما يستشعره جسمك، فقد حبي الله هذه البلدية منظرا جميلا ، جعل منها جوهرة تحت هواء الجبل النقي ، فبني ورتلان تؤرخ لفكر زاهر لا يفنى ، منبع المثقفين و السياسيين و العلماء ، جعلت أهلها يطبقون شعار: " من دخل بني ورتلان فهو آمن"



بلدية بني ورتلان
الذهاب إلى بني ورتلان ليس صعبًا و لكن فيه مشقة نتيجة النقص الكبير لوسائل النقل بهذه المنطقة المعزولة، فالخط الرابط بين سطيف و دائرة بني ورتلان يكاد أن يكون منعدما تماما كون وسائل النقل قليلة جدا و لا تعمل إلا في الفترة الصباحية، أي أنها تتوقف عند منتصف النهار، و بالتالي يتعذر على الشخص الذهاب أو العودة ، و لذلك يفضل الكثير من زوار المنطقة و حتى سكانها التنقل إليها و العودة عن طريق بلدية بوقاعة، أي من سطيف إلى بوقاعة بمسافة تقارب 50 كيلومتر ومنها إلى بني ورتلان و ذلك بمسافة تقارب 40 كيلو ، و نفس الشيء بالنسبة للعودة، و ذلك مرورا بعدة بلديات : بني عباسة و هي طريق غابي و لكنه مُعَبـَّدٌ ، ثم بلدية عين الرْوَى و بلية عين لقرَّاجْ، الطريق بهذه البلدية منعرج تحيط به الجبال و أشجار الزيتون، ثم شيئا فشيئا تبدأ الطريق في الارتفاع ..

تقع بلدية بني ورتلان في الشمال الغربي لمدينة سطيف على حدود ولاية بجاية، و تبعد عنها بـ: 85 كيلومتر، و يعبر منها الطريق الوطني رقم 74، يحدها من الشمال بلدية بني شبانة، و من الجنوب ولاية برج بوعريريج، و من الشرق عين لقراج و بجاية غربا، تمتاز بمناخ بارد شتاءً و حر صيفا وهي منطقة جبلية بارتفاع يقدر بـ: 1376 متر ( رأس أكوف)، كما أنها ذات طابع فلاحي حيث تكثر فيها أشجار التين و الزيتون، و هي ربما نعمة أمَنـَّهَا الله على أهل بني ورتلان بهذه الأشجار التي ورد اسمها في القرآن و كانت موضع قــََسَمٍ للخالق الرزاق..

أنشئت بلدية بني ورتلان في شهر جانفي من عام 1957 مع بلدية عين لقراج و تيقناثين بموجب قرار مؤرخ في 12 جانفي 1957 بعدة حل بلدية قرقور المختلطة، و في 05 أفريل 1963 تم حل البلديات الثلاث ( بني ورتلان، عين لقراج و تيقناثين) بموجب القرار الولائي رقم 389/63 لتجمع في بلدية واحدة أطلق عليها اسم بني ورتلان و مقرها بني ورتلان، في عام 1974 تم إنشاء ولاية بجاية فألحقت بها بلدية بني ورتلان و استمر ذلك إلى غاية التقسيم الإداري الجديد لسنة 1984 ، حيث تم إعادة إلحاقها بالولاية الأم سطيف مع تقسيمها إلى بلديتي بني ورتلان و عين لقراج و إنشاء دائرة بني ورتلان المؤلفة من بلديات أربع هي: (بني ورتلان، بني شبانة، عين لقراج و بني موحلي)، و هي اليوم تعتبر مركزا حضريا و تجاريا لسكان المناطق المحيطة بها لاسيما و هي تعرف شيئا من التوسع العمراني..



زوايا و مساجد بني ورتلان

عرفت منطقة بني ورتلان بالعلم و المعرفة حيث كانت تمول بعض مناطق الوطن بالأئمة و معلمي القرآن الكريم عندما كانت في عصرها الذهبي و لذلك أنجبت أمثال الشيخ الحسين الورتلاني صاحب الرحلة المشهورة: ( نزهة الأنظار في فضل علم التاريخ و الأخبار)، و الشيخ آيت حمودي و الشيخ السعيد بهلول و المولود الحافظي الفلكي الأزهر، و الشيخ الفضيل الورتلاني شهيد الإسلام و الذي جاب أقطار العالم، و المجاهد الكاتب و الصحفي عبد الحميد بن الزين، و هذا لكثرة تواجد المساجد و الزوايا، و هي عبارة عن زوايا و مساجد في آن واحد ، نذكر منها ( زاوية و مسجد ايلموثن، زاوية و مسجد تعرقوبت، و زاوية و مسجد فريحة، زاوية و مسجد امزين) و هي زوايا غير مصنفة و تحتاج إلى ترميم و إعادة لها الاعتبار، وكانت بني ورتلان أثناء الثورة تتبع الولاية الثالثة و ضحت بالنفس و النفيس عندما أعطت أكثر من 750 شهيد، و لعل ما يؤكد عظمة هذه المنطقة برجالها و تاريخها و أبنائها الرافضين وجود 44 مركزا استعماريا و من أهم هذه المراكز: ( مركز المصالح الإدارية المختصة ( ساس) SAS 1956، مركز التعذيب و الاستنطاق بقرية إغيل نايت مالك 1957 – 1962، مركز التعذيب و الاستنطاق بقرية ثيرزيت 1957- 1962 و مركز التعذيب و الاستنطاق الثكنة المركزية ببني ورتلان مركز الدرك الوطني حاليا 1956-1962..) ، و بني ورتلان معروفة من خلال المدرسة القرآنية الشيخ الفضيل الورتلاني، و مسجده و ضريحه المتواجد بمقبرة الشهداء و هي متاخمة للمسجد و المدرسة، كما يوجد بالبلدية أقدم مسجد و هو مسجد بربر بآيت موسى..

بعيدا عن الأصوات الناعقة المرتزقة، و الأفكار الفاسدة يعيش أهل بني ورتلان تقاليدهم في انسجام، يتنازلون في تواضع و طواعية عن حقوقهم من أجل إرضاء - الآخر- مطبقين في ذلك شعار " من دخل بني ورتلان فهو آمن" يتقاسم أهلها الحياة و بعض الأحلام و كثير من الدين في أجواء أكثر جاذبية، تشعرك هذه البلدية أنها ملجأ للتائهين الذين يلتمسون طريقهم نحو النور و الهدوء و الطمأنينة، ففي بني ورتلان الإخوان و الخلان، لأن الثقافة الدينية كانت لهم بديلا عن الخوض في السياسة أو الجري وراء المال في زمن أصيب الكثير بالبكم و العمى، حيث استطاع سكان بني ورتلان أن يمزجوا بين الثقافتين العربية و الأمازيغية، فرغم أن الأسلوب الأمازيغي كان يسلك سبيله، إلا أن ثنائية النمط الحياتي جمعت بين أمازيغيتهم و عروبتهم..

فأهل بني ورتلان يتكلمون الأمازيغية بنسبة 100 بالمائة كما يتكلمون العربية بنسبة 90 بالمائة، ومكنهم التزاوج اللغوي من التعايش مع الآخر و العيش معه في حب ووئام ، فلا تجد تصادما للثقافات بينهم و لا صراع طبقي و لا ضوابط صارمة، و من عجائب الصدف أن بنو ورتلان عرفوا كيف يحافظون على أمن منطقتهم بحيث لم تتعرض هذه الأخيرة إلى مخاطر " الإرهاب" و لم تلطخ تربتها بالدماء رغم موقعها الجبلي، لا لشيء إلا لأنهم كانوا لا يحملون في رؤوسهم الأفكار المنشقة و البدع الظلامية، ولا يؤمنون بفيالق الموت المشؤوم الذين صعدوا إلى الجبال و هم يحملون أفكارا اختطفوها من العدو، و بذلك لم تكن منطقة بني ورتلان يوما في مفترق الطرق ، لدرجة أن "الفيس" عجز عن فتح فرع له بها ، كما عجز "الإرهاب" أن ينقر الموت في زجاج نوافذ بيوت سكانها رغم العنف الذي سلط على معظم تراب البلاد غطى الجزائر بطيفه الرهيب و ذلك بسبب اعتدال أهلها و وسطيتهم ومحافظتهم على الطابع الديني المعتدل..



المدرسة القرآنية الشيخ الفضيل الورتلاني صرح ديني ثقافي قائم بذاته


لا أحد من بني ورتلان يجهل المدرسة القرآنية الشيخ الفضيل الورتلاني كون موقعها يتوسط البلدية و محاطة بمباني سكنية و عمارات، و متاخمة لمسجد الفضيل الورتلاني و مقبرة الشهداء، من السهل جدا على الزائر الوصول إليها دون مشقة، و كم كانت الصدفة أن التقت "المثقف" بمبعوثي التلفزيون الجزائري بالمدرسة و هم بصدد إنجاز بورتري عن الشيخ محمد الحسن فضلاء حسب ما صرحت به الصحفية نوال زعتر و مرافقيها من المصورين ، و هي حصة حول أعلام الجزائر سيتم بثها خلال شهر رمضان المقبل..

"المثقف" كان لها لقاء مع شيوخ المدرسة القرآنية ومنهم السيد داود زدام إمام مسجد الشيخ الفضيل الورتلاني الذين قدموا لنا بطاقة عن المدرسة و ظروف التدريس بها و عدد تلامذتها، فبالرغم من أن التلاميذ في عطلتهم الصيفية ، غير أن المدرسة القرآنية لم تشأ أن تغلق أبوابها في وجه الراغبين في استثمار الفراغ في تعلم القرآن و حفظه، و ذلك في إطار مشروع " المدرسة الصيفية" التي انطلقت نشاطاتها ابتداءً من 15 جوان المنصرم، يتابع نشاطات المدرسة ما لا يقل عن 174 تلميذا ، مقسمون إلى أفواج و هم : ( فوج الإناث وحده، فوج خاص بتلاميذ الطور الثانوي، و فوج يضم تلاميذ الطور الابتدائي إلى المتوسط، و فوج خاص بتلاميذ ما قبل التمدرس الذين تتراوح أعمارهم ما بيم 04 و 05 سنوات ) ، يتابع تلاميذ المدرسة القرآنية النظام الداخل و نصف داخل، بها مطعم و مسجد خاص للطلبة، مرقد يسع لأزيد من 30 سرير..

تتولى المدرسة القرآنية الفضيل الورتلاني تربية النشء الجديد، و هي مهنة شاقة تتطلب مزيدا من الصبر و ألإخلاص و الكفاءة و الرغبة الصادقة في الإصلاح و التغيير، كما تقدم المدرسة الدروس الشرعية من مبادئ الفقه، السيرة النبوية، اللغة العربية، و علوم القرآن..) بالتركيز على أحكام التجويد، و حسب إمام المسجد السيد داود زدام فقد أخذت علوم القرآن حصة السد في عملية لتدريس حسب احتياجات الطلاب و رغباتهم، وللعلم أن المدرسة القرآنية الشيخ الفضيل الورتلاني حسب ذات المصدر تنشط منذ 05 سنوات و تخرج على يديها حفظة القرآن الكريم، 06 منهم تخرجوا السنة المنصرمة ( 2009) و هم اليوم يحملون القرآن في قلوبهم حفظا و تجويدا، و هذه السنة سيتخرج على يديها عدد كبير من حفظة القرآن ، نذكر البعض منهم و هم: ( طوكة حمزة، بن وقني محمود، و الطالب عبد السلام سواق) تتراح أعمارهم ما بين 20 و 23 سنة..

وقوفنا على هذه المدرسة يجعلنا نوقن أن ما تقدمه هذه الأخيرة ليس بالهين كونها تعمل على خلق "جيل" متدين واع و ناضج فكريا و دينيا و لا يُخشى عليه من الانحراف مستقبلا، و بذلك فهو يحتاج إلى التفاتة من السلطات المحلية و إعطائه الرعاية و العناية التامة، لاسيما و الأطفال داخل القسم يتعلمون و يحفظون القرآن، كانوا يشكلون مكانة مركزية في آلية الحفاظ على الثقافة الإسلامية، كانوا يمثلون أيقونة ترمز لما يسمى بـ: "الاستمرارية الورتلانية" ليسجلوا بها رحلة جديدة، ربما لن تكون في مستوى الرحلة الورتلانية الشهيرة، و لكن سيكونون لا محالة خير خلف لخير سلف و هو ما أكده سكان بني ورتلان و منهم السيد عبد الكريم مهاجري الذي قال: " نحن الأمازيغ نأكل ما تصنعه أيدينا و نحفظ و نتعلم ما ورثناه عن أجدادنا و هذه هي الثقافة التي نبحث عنها و نريد العودة إليها و هي ثقافة الاعتماد على النفس"..

ما تعانيه المدرسة هو قلة التأطير البيداغوجي، حيث تفتقر إلى مُعـَلـَّم القرآن ، و حاليا لا يوجد سوى معلم قرآن واحد يعمل متطوع يشرف على تدريس عدد كبير من الطلبة، إلى جانب غياب إمكانيات التدريس، و هي كما يبدو عراقيل تريد أطراف إدارية عرقلة المشروع الورتلاني و كسر شوكته ، خاصة بعد توقيف معلم القرآن الذي كان يتولى تعليم الطلبة القرآن و أحكام التجويد..



فمن هو الشيخ الفضيل الورتلاني ؟ ("العظماء" ليسوا في حاجة إلى بطاقة تعريف و لكن... ! )


ما لفت انتباهنا أن بعض من سكان الهضاب لا يعرفون مِن " ستيفيس " إلا (عين الفوارة) و ( بكاكشي الخير و سمير سطايفي)، ويجهلون أن هذه المدينة خرج من رحمها رجالا عُظماءَ يحملون فكرا نيرا و علما كبيرا و معارف واسعة ، و هو ما وقفنا عليه و نحن نسأل بعض من التقينا بهم من سكان سطيف بحديقة التسلية و أكدوا لنا انه يجهلون تاريخ هذا الرجل، فما يعرفونه سوى انه توجد بلدية سميت على اسم الشيخ الحسين الورتلاني و نجله الفضيل و ماعدا ذلك فلا يعرفونه و يجهلون حتى أنه أقيم له ملتقى دولي مؤخرا، و هو الرجل الذي عرف بجهاده في ثورة التحرر الوطني لدرجة أن صورته غير موجودة بمتحف المجاهد الذي كانت لنا زيارة إليه و تلك هي لطامة الكبرى، بحيث استكثر على هذا الرجل أن تُعـَلـَّقَ صورته مع صور المجاهدين و رجال الحركة الوطنية، أو يُشَيَّدُ له " مَعْلـَمٌ " تذكاري يخلد ذكراه و ماضيه الثوري و الفكري مثلما شيدت معالم لشخصيات أخرى مثل معلم الأمير عبد القادر بوهران، معلم هواري بومدين بقالمة، و معلم محمد بوضياف بعنابة.
هو العالم الرباني و القطب الصمداني و الشريف النوراني الشيخ الحسين بن محمد السعيد الشريف الورتلاني نسبة الى بني ورتلان قبيلة بالمغرب الأوسط قرب بجاية التابعة للجزائر ولد عام خمسة و عشرين و مائة و ألف من القرن الثاني عشر و توفي في شهر رمضان عام ثلاثة و تشعين و مائة و ألف، و بعضهم قال عام أربعة و تسعين و على هذا عاش المؤلف ثماني و تسعين أو تسعا و تسعين سنة، و كان رحمه الله مجاب الدعوة شديد السلطة لا تأخذه في الله لومة لائم ليله قائم و نهاره صائم، رأى المصطفى في منامه فاحتضنه و ظهرت على يده الكرامات و خوارق العادات و شهد له أهل الصدق بالولاية الكبرى و المكاشفات و لم يزل متضرع الى الله يقيم السُنـّة ، كان يرى النبيّ ( ص) يقظة و مناما و رآه أكثر من ثلاثمائة مرة و في بعضها قال عند تعلقه به، أخذ العلم عن والده و أشياخ وطنه ثم رحل الى المشرق فحج و اجتمع بالأولياء الصالحين و منهم الشيخ الهماق صاحب الطريقة المشهورة بالمدينة المنورة، أحد أجداده هو سيدي أحمد الشريف و هو الشريف الحسين من شرفاء تفلالت و أما مقره و مقر أوائله فمن بجاية و هو نجل الشيخ سيدي على البكاي و كانت له زاوية عظيمة.
والشيخ الفضيل الورتلاني اسمه الحقيقي هو "إبراهيم بن مصطفى الجزائري"، المعروف بالفضيل الورتلاني ، ولد في الثاني من جوان تسعمائة و ألف للميلاد ( 02 جوان 1900) ببلدة بني ورتلان ولاية سطيف و منها جاءت شهرته بالورتلاني، نشا في أسرة كريمة ذات علم و فكر ، فجده الشيخ - حسين الورتلاني- كان من العلماء المعروفين في منطقته، انتقل الورتلاني إلى مدينة قسنطينة سنة 1928 م و استكمل دراسته على يد العلامة الشيخ عبد الحميد ابن باديس و كان مرافقا له في بعض رحلاته بالوطن مشاركا بقلمه في كل من البصائر و الشهاب بروح وطنية و شعور يني ملتهب، كما كانت له مساهمات كثيرة في الإصلاح و التغيير لحال الجزائريين مع ابن باديس، فأخذ في إنشاء النوادي الثقافية في مختلف بقاع الأرض في باريس و ضواحيها و بعض المدن الفرنسية الأخرى ليتصل بالدارسين العرب في الجامعات، فبدأت السلطات الفرنسية التضييق على تحركاته و تهديده بالقتل فاضطر الرحيل إلى إيطاليا و منها إلى القاهرة سنة 1940 ..

و من الأزهر حصل الفضيل الورتلاني على شهادته العالمية دون أن ينسى مواصلته الجهاد و تبنى قضايا المسلمين عموما، فأسس عدة هيئات مثل جبهة الدفاع عن شمال أفريقيا، إلى أن صار عضوا في تنظيم حركة ألإخوان المسلمين و كانت تربطه صلة وثيقة بحسن البنا، لدرجة أنهى كان ينوبه في إلقاء حديث الثلاثاء بالمركز العام لجماعة الإخوان، و امتد نشاط الفضيل الورتلاني إلى مساندة "الأحرار" في اليمن و نجح في توحيد صفوف المعارضة و إزالة الخلاف بين أهل اليمن، غير انه وجهت له تهمة المشاركة في الانقلاب بعد إزاحة الإمام يحي فقبض عليه ثم أفرج عنه ففضل الترحال بين البلدان و منها لبنان ثم مصر ..

و بالقاهرة شارك الفضيل الورتلاني في تأسيس "جبهة تحرير الجزائر" FLA سنة 1955 م و كانت تضم الشيخ البشير الإبراهيمي و ممثلي جبهة التحرير مثل احمد بن بلة و حسين آيت أحمد و بعض ممثلي الأحزاب الجزائرية، ثم غادر الفضيل الورتلاني القاهرة شداد رحاله إلى بيروت، و استمر على جهاده دفاعا عن القضايا العربية و الإسلامية و العمل في سبيل الدعوة إلى أن لقي ربه في إحدى مستشفيات مدينة "أنقرة" بتركيا في الثاني عشر من آذار تسع و خمسون و تسعمائة و ألف ( 12 مارس 1959) ، و في سنة 1987 نقل رفاته من تركيا ليعاد دفنه في مسقط رأسه بالجزائر..

و تجدر الإشارة أن ضريح الشيخ الفضيل الورتلاني يوجد بمقبرة الشهداء لبلدية بني ورتلان، دشنت هذه المقبرة حسب ما كشفه لنا السيد أرزقي عيوش رئيس بلدية بني ورتلان في الفاتح من نوفمبر من عام 1966 في عهد الرئيس أحمد بن بلة، بعدما قدمت أزيد من 750 من خيرة أبنائها فداءً للوطن و لما لا و بني ورتلان تفتخر برجل عظيم في مقام الشيخ الفضيل الورتلاني و جده الشيخ حسين الورتلاني صاحب "الرحلة الورتلانية" و الذي يعتبر قدوتهم في الكفاح التضحية..


الرحلة الورتلانية الشهيرة


عرف الشيخ الحسين الورتلاني بترحاله بين مشارق الأرض و مغاربها فكانت له هذه الرحلة الشهيرة المسماة: " نزهة الأنظار في فضل علم التاريخ و الأخبار" أنشاها عندما ذهب الى الحج عام 1179، وطبعت في مطبعة بيير فونتانا الشرقية في الجزائر عام 1908 و هي تقع في 816 صفحة، وتأتي هذا الرحلة المشهورة نتيجة تعلق الشيخ الحسن الورتلاني بالرسوم و الأنام و العلماء و الفضلاء النجباء و الأدباء من كل من الفقهاء و المحدثين و المفسرين و الأخيار و الأشياخ العارفين و الإخوان و المحبين من المجاذيب المقربين و الأبرار من المشرق الى المغرب سيما أهل الصحر و المحاويذ ليس لهم من غير الله فرار، هذه الأسباب كلها دفعته الى إنشاء رحلته المشهورة و هي رحلة عظيمة يستعظمها البادي كما قال و يستحسنها الشادي، فإنها تزهو لمحاسنها عن كثير من كتب الأخبار، مبينا فيها بعض الأحكام الغريبة و الحكاايات المستحسنة و الغرائب العجيبة و بعض ألحكام الشرعية مع ما فيها من التصوف مما فتح الله أو منقولا منىالكتب المعتبرة، و اعتمد الشيخ الحسين الورتلاني رحلته الشهيرة على رحلة الشيخ سيدي احمد بن محمد ناصؤر الدرعي الجعفري و نقل ايضصا من بعض كتب التاريخ كنبذة المحتاجة في ذكر ملوك صنهاجة، و مختصر الجمان في اخبار أهل الزمان، و كانت رحلته هذه لما أراد الله له المشي الى الحج عام تسعة و سبعين و مائة و ألف بعدما اجتمع معلا شيوخ بلده فزاد عزمه و قويت همته للمشي الى الحج..


الشيخ الحسين الورتلاني يؤكد نبوة سيدي خالد


تكلم الشيخ الحسين الورتلاني عن النبي سيدي خالد و ذكره في رحلته الشهيرة مبينا أن رسالة النبي سيدي خالد كانت قبل رسالة النبي محمد (ص) و كانت معجزته نارًا، و خحسبما تؤكده الروايات فإن النبي سيدي خالد المذكور في الرحلة يقصد به سيدي خالد بن سنان الذي كان فيما بين النبي عيسى و النبي محمد (ص)، و ثبتت نبوته لما له من معجزانت منها غطفاؤه النار العظمى التي ظهرت في بني عبس ببلاد العرب وإن ضوءها كان يظهر من مسيرة ثلاثة أيّام، فافتتن بها العرب حتى كادوا يتمجسون فبعث الله خالدًا فأطفأها والنّاس من حولها ينظرون، يقول الشيخ الحسين الورتلاني في رحلته الشهيرة: "مشينا لزيارة النبي سيدي خالد عليه السلام على القول بنبوته، وقد شهر غير واحد من النؤرخين رسالته بجبل «الرص» الملّقب الآن «أوراس» وكانت معجزته نارًا وكانت رسالته قبل رسالة سيّدنا محمّد صلّى الله عليه وسلّم بمدة قليلة، والذي شهر رسالته صاحب التآليف المشهورة والتصانيف المذكورة، سيدي عبد الرحمن الأخضري رضي الله عنه، وإنّا سمعنا أنّه هو الذي أظهر قبره بعلم التربيع وهو مقام عظيم و الوفود تأتيه من المشرق والمغرب للزيارة وهكذا نجد هؤلاء الرحالين وغيرهم ممن لم نفق على ما كتبوه عنه نجدهم يثبتون نبوّة خالد وقبره ببلدته المدفون بها منذ قرون خلت كما تفيد الأخبار التي ينقلها الأحفاد عن الأجداد والتي بلغت مبلغ التواتر"


رحلته الى مدن الجزائر
(بجاية ، زمورة ، بسكرة ، قسنطينة..)

يذكر الشيخ الحسين الورتلاني علماء بجاية و مروره بقبر الشيخ الولي الصالح سيدي العبدلي و الشيخ سيدي عبد الرحمن شارح الوغليسية و جد أولاد مقران، و كذا الشيخ سيدي محمد السكلاوي الجزائري الذي كان يقرأ عليه كبرى الشيخ السنوسي، و في زيارته الى الشيخ أبي زكريا الزواوي يقول الشيخ الورتلاني أربعة قبور يستجاب الدعاء عندها ( قبر معروف ببغداد، و قبر أبي مروان في بونة ( عنابة) و قبر أبي زكريا يحي الزواوي و قبر أبي مدين بتلمسان و كان الزواوي رجل ورع تقي له كرامات عديدة و من كراماته حسبما ورد في الرحلة الورتلانية أنه كان يوما يعبد الله في خلوة بشاطئ البحر فإذا سفينة من النصارى فأخذوه و رفعهوه في السفينة فلم تتحرك بهم فأمرهم ربان السفينة برده الى مكانه و قال أنه من رهبان المسلمين، فلم تتحرك أيضا، فقال لهم أبقي من حوائجه شيئ فوجدوا سجادة فردوها له و لكن السفينة لم تتحرك حتى أخرجوا عصاه و ابريقه فتحركت حينئذ، كما يذكر أنه من استغاث برجال النخلة ببجاية يغاث بإذن الله..
و يذكر زمورة أنها كثيرة المياه، أرضها ذات زرع و ضرع، و يذكر قصرالطير و هي منطقة سهلية بسطيف، و يذكر دخوله طولقة و زيارته الولي الصالح المشهور سيدي عبد الرحمن الأخضري في قريته المشهورة و سيدي علي بن المبارك نجل سيدي علي الطيار، كما يذكر بسكرة بأنها بلدة كثيرة الماء ماؤها حلو كالعسل و نخلها عظيم و غلتها كثيرة أيضا ثم يصف حالها بعدما دخلها الترك و نزول الوباء فيها، ومن رجالاتها يذكر الحسين الورتلاني الفقيه الفاضل سيدي عبد الرحمن الأخضري و من أصحاب والده من بسكرة يذكر سيدي قاسم و سيدي محمد بن عبد الواحد الرماني و كانوا في حجته الأولى مع الوالد عام 1076، و يذكر كذلك أن الحاج محمد بن عبد الملك السجلماسي أحد تلامذة والده..
كما يصف "الزاب" على انها كثيرة النخل و الزيتون و فيها كل أصناف الثمار كما يذكر أبوابها و آبارها و بعض من سكانها و هم "المولدون" و يذكر أن في الطريق الى بسكرة جبل يعرف باسم " زينير" و قيل " زنفير" في وسطه كهف فيه رجل قتيل و لم يتغير منه الدهر و لا أحد يعلم متى قتل، و عندما نقله أهل المدينة و دفنوه بانفسهم ليتبركوا به لم يلبثوا أن وجدوه في الكهف على حالته..، و يذكر في رحلته فتح مدينة " باغية" التي على مقربة من جبل أوراس في عهد عقبة بن نافع و مدينة "لميس" و "أذنة" و هي من أعظم مدن "الزاب" كثيرة الأنهار و العيون العذبة كما يذكر "الكاهنة"..

رحلته الى البلاد العربية
(طرابلس، مصر، تونس، المغرب.. )

في طرابلس يذكر الشيخ الحسين الورتلاني أن الشيخ يوسف الكاخبة وزير السلطان بالغ في حبه و علي باشا أجاد في حبه و بالغ في تعظيمه و إكرامه و خدمته، يقول شيخنا الورتلاني و قد تركنا عنده فرسنا الأحمر، وقد أحسن بها غاية الإحسان، و في زيارته مصر وجدها طافحة بالعلم و العلماء، فأخذ العلم عن علمائها و من تأليفه الرحلة السنية، كانت حصنا حصينا و درعا متينا، و منها شرحه على المنظومة القدسية للشيخ عبد الرحمن الأخضري في التصوف و حاشية على السكتاني و كتاب المرادي و قصيدة فيها خمسمائة بيتا في مدح النبي كالهمزية لكنها ميمية، في مصر يقول الشيخ الحسن الورتلاني أن مصر فيها 24 بابا و فوقهم الباشا الذي ياتي من مدينة اسطنبول كل عام ماستوفي أحد عامه إلا ذهب و أتى غيره مع القاضي و ذلك دأبهم، كما يذكر الوباء الذي حل بمصر و خسة الجمالين و غدرهم ثم يذكر خروجه منها و نزوله بالدار الحمراء، و في تونس يصف الشيخ الحسن الورتلاني "الحمارنة" على أنهم من أجود العرب و أكرمهم نسبا و شرفا عندهم من جَمَّلـَهُ الله برشاقة القد و حسن الخد و هيبة الركوب و زينة الملابس وسعة البيوت و لهم جاه عظيم عند سلاطين تونس..
وبلدة الحمارنة كما يصفها الورتلاني في رحلته الشهيرة قرية طيبة ذات مياه عذبة و نخيل و مزارع و بساتين، فيها ( في عُرام ) مات قاضي محروسة بسكرة و دفن فيها و لذا قال أحمد بن حنبل بيننا و بينكم الجنائز، و قد أسلم عند موته بين اليهود و النصارى 08 آلاف و قد انغلقت الداكين و الأسواق شهرا لعزائه، و صلى عليه نحو 80 ألف من الناس، ويذكر صاحب الرحلة مدينة سوسة بأنها بلدة طيبة و من علمائها الشيخ الهادي و هي محل الصالحين، كما يذكر ما جاء في الرسالة "القشيرية" التي تذكر مدينة اليهودية بارض المغرب و الولي الصالح سيدي حسن السجومي و هو من أصحاب القطب الرباني ، كذلك ذكره الغوث الصمداني أبي الحسن الشاذلي، و يصف مدينة الكحيلة أن ماءها ذو حمأة، كذلك السبخة و هي صعبة جدا كثيرة الوحل..


في المدينة المنورة
يذكر الشيخ الحسين الورتلاني جبل أحد و ما به و المساجد النبوية و ذكر مشهد سيد الشهداء حمزة عم الرسول و في الحج يذكر قبة هارون، كما يذكر جبل حراء و جبل ثور و من المساجد مسجد طريق السافلة و هي طريق اليمنى الشرقية الى مشهد حمزة، كما يذكر الأودية والآبار التي ورد أن النبي ( ص) تفل فيها أو شرب من مائها أو توضا فيها فصارت مقصودة للزيارة و الإستسقاء بمائها..


ذكره الأولياء الصالحين

يذكر الشيخ الحسين الورتلاني جملة من الأولياء الصالحين و يخصص لهم بابا خاصا ينهي فيه التعرض إليهم، إذ يقول:"إياك أن تتعرض لأحد من أهل الله ممن ثبت له الخصوصية من الأولياء في زمانك، و أن الإعتراض على من ثبتت له الخصوصية حرمان و المنازعة شقاوة و امتثال أمره غنيمة فالكيس بن الكيس إذا اجتمع مع أحد من أولياء زمانه بنظر ما يستحسنه منه بقلبه"، وفي وصفه قبور الأنبياء و الأولياء يقول: "إن الوقوف عند أبواب الأولياء و السؤال منهم و الإحتياج إليهم و النظر في وجوههم أو مشاهدة قبورهم و التضرع فيهم و الشغف بهم و الذل و المسكنة عندهم لقدر جليل عند الله و الله أجل و أعظم من أن يرد من هذا وصفه و عليه حاله خائبا لأن المحبوب عند الله قريب لديه يستحي أن يرد من تشفع به"، كما أن زيارة الإخوان كما يقول في الصفحة 141 و القيام بحقوقهم يقوى نوره و يتسع مدده لأن أوصاف النبيّ (ص) سارية في احيبابه و ذكر أوصافهم ذكر أوصاف النبي، و من الأولياء المذكورين سيدي علي البجائي ( نسبة الى بجاية) نجل العالم الفاضل قاضي بجاية و مفتيها و خطيبها سيدي عبد المومن، سيدي بركات من بسكرة، و أهل عامر، سيدي أحمد بن ادريس الذي توفي في مصر، وأولاد سيدي ابراهيم، كما يذكر الأشراف و المريدين و طلبة العلم..، و يقول في قسنطينة أنها مديننة واسعة الأرزاق كثيرة الإرتفاق ممدونة الأنفاق.. إلى أن يقول: "و قد سمعنا أنها من عهد ابراهيم الخليل عليه السلام لم يطفأ لها سراج و لااستقر فيها أمير، دائما هي لنائب السلطان، لا يقل رزقها أصلا و لا يدوم فيها الغلاء، لا تخلو عن العلم غير ان التدريس فيها إنما يكون في بعض الأوقات كالشتاء و أول الربيع، و أما سائر الأوقات فليس فيها العلم الغزير و لا انعدامه، فليس يفقد جملة و لا استمر كلية، فولاتها لم يشتغلوا ببناء المدارس و لا بكثرة الأوقاف و الأحباس لما علمتُ أنها ضيقة، و غير خالية من العلماء و لا الفضلاء و الصالحين، غير أنها سريعة بأهل الصلاح فمن ظهر فيها بالقبول و الفضل إلا اسرعت بهلاكه، فبيقبض ساعتئذ..
ومن أولياء قسنطينة يذكر الشيخ الحسين الورتلان الشيخ سيدي حي اليعلاوي، سيدي أحمد الزين، و كان سيدي اليعلاوي تلميذ جده سيدي الحسين الشريف، و أما أحمد الزين فكان تلميذ والده و مثلهما صلاحا و علما وورعا و فقها، كما يذكر سيدي على الزموري و سيدي خليفة الشارف و سيدي أحمد العلمي و سيدي عبد الله التومي و سيدي علي بن سعيد و سيدي السعدي الصدراني و سيدي الطاهر بن بعداش و سيدي إبراهيم الضرباني كان قاضي الملكية و سيدي شعبان بن جلول كان قاضي الحنفية، اجتمع الشيخ الحسن الورتلاني بهؤلاء عند نزوله عند الولي الصالح سيدي السعيد السفري، كما يذكر سيدي عبد الكريم الفقون، و يقول الورتلاني ان كل مسجد في قسنطينة من مساجد الصلاة إلا و فيه شيخ ولي صالح مدفون في المسجد و ينسب إليه..


في وظائف العلماء و السلاطين

كما يذكر الشيخ الحسين الورتلاني وظائف العلماء و السلاطين ( الحكام) فيقول في الصفحة 541 " و أما السلاطين فيجب عليهم النكير و التغيير باليد، إذ وظيفة العالم اللسان ووظيفة السلطان اليد لكن لما سكت العلماء زاد الناس في البدع، و يصف الورتلاني طبائع الإنسان على طبائع الحيوان فيقول: " فمنهم من يكون كالثعبان، ومنهم كالخنزير، و منهم كالقرد و منهم كالذئب، فكل معصية تستدعي كسوتها لقلب فاعلها هذا إن لم يدم عليها و إلا مات على سوء الخاتمة و العياذ بالله"..
و يختم الشيخ الحسين الورتلاني رحلته الشهيرة بذكر شروط قيام الساعة لتكون زادا للمسلم و هكذا انتهت الرحلة الورتلانية و كان الفراغ من نسخها ضحى يوم الاثنين الفاتح من شهر شعبان عام اثنين و ثمانين و مائة و ـألف ( 1182م)



قالوا في الفضيل الورتلاني

* الأستاذ عبد الحفيظ أمقران الحسني: الورتلاني صاحب فكر ثوري

وصفه الأستاذ أمقران الحسني بأنه صاحب فكر ثوري شديد على الاستعمار و الاستبداد و الجمود و التخلف الفكري و جميع البدع و الضلالات التي شوهت الوجه المشرف للإسلام كدين سماوي، يدعو البشرية إلى القراءة و العلم و التفكر و التدبر في ما خلقه الله، و هو يشبه كثيرا الشيع العربي التبسي في وطنيته وثوريته و دعوته أبناء الجزائر إلى القيام بثورة حقيقية ضد الظلم و العدوان، كما أن هناك من علماء المنطقة من يصفه بالاعتدال و استعمال أسلوب الحكمة و التدرج في تغيير المنكر.


* الشيخ القرضاوي يتحدث عن الشيخ الورتلاني:

يذكر الشيخ القرضاوي عندما التقى بالفضيل الورتلاني في بيروت في رحلته الشامية السابقة و كانت هذه الزيارة بناء على طلبه، و قد عاد من بيروت معززا مكرما من رجال ثورة يوليو ( جويلية) باعتباره أحد رموز الجهاد الوطني و العربي، و كان القرضاوي قد اصطحب في زيارته الورتلاني أخاه الشيخ محمد الدمرداش، و بطلب من القرضاوي تحدث الشيخ الفضيل الورتلاني عن الشيخ العلامة عبد الحميد ابن باديس و جمعية العلماء المسلمين و الدور الرائد الذي قامت به نهضة الجزائر و استعادة الهوية العربية الإسلامية.



* الأستاذ عثمان أمقران:


يمثل العلامة المجاهد الفضيل الورتلاني أحد أقطاب التنوير للتحرير في الجزائر بلا منازع و لا مدافع، و قد سلك فضيلة الشيخ هدف التحرير بالتنوير مسالك شتى مدرعا بهمة قعساء و عزيمة نجلاء تعضدهما ثقافة علمية شرعية و إنسانية عميقة الغور، و يسندهما إلمام واسع و محيط بأوضاع و حقائق و مكونات الفكر الغربي ، و كان كما قال حسان " جمعية العلماء" الشاعر محمد العيد آل خليبفة:

...أجرأنا قلبا و أقوى دعاتنا إفصاحا..

كم طوّح لزّمان به طويلا.. فتحدى زمانه الطواحا

و تصدى له العدو و لكن.. كان أقسى على العدو جماحا



مشاريع و آفاق بني ورتلان


إنجاز "زاوية" و "متحف" الشيخ الفضيل الورتلاني


و اعترافا بجميل الرجل فكرت بلدية بني ورتلان إنجاز بعض المشاريع لتكون في مستوى أهل بني ورتلان، حيث تقرر إنشاء زاوية الفضيل الورتلاني حسب ما كشفه لنا السيد ارزقي عيّوش رئيس بلدية بني ورتلان، و قد رصدت الولاية لهذا المشروع ما لا يقل عن 05 مليار سنتيم، و حسب رئيس البلدية فإن المشروع سيقام بالقرب من المدرسة القرآنية و مرافق أخرى لها مثل سكنات وظيفية، كذلك إنجاز متحف خاص بالشيخ الفضيل الورتلاني و مركز ثقافي، فضلا عن تحويل مقبرة الشهداء إلى مدخل مدينة سطيف حتى تكون منارة و معلما تاريخيا للزائرين و الوافدين على الولاية، يضاف إلى المعلم التاريخي " كتاب الشهيد" الذي يضم قائمة أسماء الشهداء التي قدمتهم بني ورتلان فداءً للوطن، و يهدف مشروع إنشاء زاوية الورتلاني لإعطاء الرجل حقه لما بذله من جهد فكري في التوجيه و التربية الروحية و النصيحة للمسلمين ، لاسيما و الزوايا لعبت دورا كبيرا في نشر الوعي الديني والثقافي، و كانت بمثابة المسجد ، كما لعبت دورا في تحرير البلاد من السيطرة الاستعمارية و الحفاظ على الهوية الوطنية ومقومات الشخصية الوطنية، و يراها بعض الشيوخ على أنها مدرسة دينية بل جامعة قائمة بذاتها..



العالم الجليل حمزة قصوري


و من هم ابرز العلماء الذين عرفتهم المنطقة، إذ يتذكر إمام المسجد أحد أعلام منطقة بني ورتلان و هو الشيخ حمزة قصوري المولود في عام 1918 ببني ورتلان ، و هو من خريجي جامع الزيتونة رفقة الشيخ لكحل شرفاء، و هو شقيق محمد قصوري الذي كان سفيرا بالعراق و أمين عام العلاقات الخارجية لجبهة التحرير الوطني..

كان الشيخ حمزة قصوري من المجاهدين الذين تركوا بصماتهم في الكفاح، كما كان هذا الرجل مفتي الشهيد عميروش، الذي كان لا يفوت قضية من القضايا إلى و أخذ فيها بفتوى الشيخ قصوري، وحسب إمام المسجد فإن الشيخ قصوري عرف بنشاطاته المكثفة عبر منطقة إلمايل التابعة لولاية البرج، و منطقة جبل سيدي إيدير بولاية بجاية، و لما حضر الشهيد عميروش في 15 من رمضان إلى بني ورتلان كان برفقته الشيخ حمزة قصوري الذي شغل غمام مسجد الفضيل الورتلاني و بقي ينظم فيه الندوات و الحلقات الدينية الفكرية و الصلوات و الخطب إلى أن توفي في 29 أوت 1992 ، كان الشيخ قصوري يقول إمام المسجد يتمته بالجرأة في طرح الأفكار و علاج القضايا و كبيرات المشكلات..



نشر في أسبوعية "المثقف" بتوقيع المتحدثة
المدير العام للنشر توفيق بوحجار