قصة للصغار... صالحة للكبار

كانت جدتي -رحمها الله- امرأة حكيمة عاقلة، تخرجت بامتياز من مدرسة الحياة. عاشت، وعشنا معها في زمان، لم يكن فيه للدش وللنت مكان. فكنا نلتف حولها بنات وصبيان، نسمع عن حكايا سالف العصور والأوان.
ذات مرة، حكت لنا حكاية الغول ذي السبعة رؤوس فقالت:
كان يا ما كان، في قديم الزمان، قرية صغيرة تزهو بالحدائق والجنان.. والكل فيها سعيد وفرحان....
وفي يوم من الأيام، حدث ما لم يخطر في الحسبان.... هجم على السكان وهم يتسامرون تحت تلكم الأفنان، غول بسبعة رؤوس.
دبّ الخوف والرعب في القلوب، وارتعدت الأبدان، وتعالت الأصوات تستنجد و تستغيث بالفرسان الذين يتوزعون عادة في كل الأركان لحراسة المكان.
اقبل الفرسان بكل شجاعة وإقدام، وانهالوا عليه ضربا بالسيوف والسنان. ولكن كلما قطعوا له رأسا، طلع له رأسان. وظلوا على تلكم الحال، إلى أن خارت العزائم و هُدَّت الأبدان.
حكمهم الغول. و استحوذ على كل ما هو جميل وثمين في المكان. والجم الأفواه بكل تجبر وطغيان. وطلب منهم في كل عام قربان؛ واحدة من الفتيات الحسان. فعمت في القرية الأحزان، وأقفرت الجنان، وهاجرت الطيور؛ البلابل والكِروان، التي كانت تصدح بشذى الألحان. ولم يبق إلا البوم الناعق والغربان.
لما ضاق بهم الامر، ذهبوا إلى حكيم الزمان؛ وهو شيخ كبار، آتاه الله الحكمة والعرفان.. لعلهم يجدوا عنده حيلة للخلاص من الطغيان.
اخبروه بما آل إليه الحال والمكان، وكيف دار عليهم الزمان بعد مجيء الغول ذي السبعة رؤوس. وسألوه عن سبيل للخروج من هذا الهوان.
بعد النظر في الأمر بتدبر وإمعان، قال حكيم الزمان:
"يا ابنائي، إن هذا الغول لن يموت إلا بقطع رؤوسه كلها مرة واحدة. عليكم باجتماع الفتيان البواسل منكم والشجعان، وان يضربوه ضربة واحدة، و يقطعوا الرؤوس كلها في نفس الوقت و الأوان".
صاحوا صيحة واحدة! وكيف السبيل إلى ذلك يا حكيم الزمان ؟
فقال:
اظهروا له الود؛ أقيموا له الولائم، واذبحوا له العجول السمان، ثم اسقوه بنت الحان، حتى إذا ما امتلأ البطن، و زاغت في كل راس العينان وثقل الجفنان، يجهز عليه سبعة من الفتية الشِّداد الشجعان.
وهكذا فعلوا، فتطايرت الرؤوس في كل مكان. و سقط الغول الثَّمل السكران في بركة من الدماء. وتعانق أهل القرية فرحا بالنصر الذي كان. وعاد الفرح إلى كل الأرجاء والأركان.

عندما انتهت جدتي من سردها الشيق، الذي تمنينا أن يطول. قالت كعادتها، بصوتها المملوء بالحب والحنان:
هل فهمم ما وراء القصة يا أحبابي؟
لم افهم وانا طفلة ولكني اليوم أدركت ووعيت.................أظن ذلك!

أعزائي الصغار! اسألوا الكبار عمَّا خفي عنكم من الأسرار مما جاء في الحكايا والأخبار.