شرق اوسطي جديد.. ليس بمفهوم الغرب ولا بمفهوم الجمهورية الاسلامية في ايران
سمير عادل
الانتفاضة التونسية التي اشعلت فتيل الانتفاضة المصرية ثم فتيل سلسلة الاحتجاجات والتظاهرات في الاردن اليمن والجزائر والسودان.. اشاعت رعبا يخيم كالكابوس على الولايات المتحدة الامريكية والغرب برمته. ولا يستثنى ابدا الهلع الذي اصاب الجمهورية الاسلامية في ايران حيث اغلقت المواقع الاجتماعية مثل (فيسبوك وتويتر) على الرغم من التصريحات المستفزة للغرب من قبل مسؤوليها بتعليقهم على الانتفاضتين المذكورتين واخرها كان على لسان وزارة خارجيتها بأنه سيكون شرق اوسط اسلامي.
المصالح السياسية والاقتصادية للغرب تتعرض الى اكبر عاصفة خلال اقل من نصف عقد بعد الازمة الاقتصادية العالمية. الاحتجاجات الجماهيرية العريضة التي اصبحت تطيح بالانظمة القومية العربية الفاسدة المدعومة من الغرب هي نتاج السياسة الاقتصادية لليبرالية الجديدة التي بشر بها فقهاء مدرسة شيكاعو الاقتصادية والصندوق النقد الدولي والبنك الدولي المرتبطة بالشركات واصحاب الرساميل الضخمة. فأذا فشلت تلك السياسة في الغرب لتنتج عنها سياسة التقشف والهجمة على المكتسبات الاقتصادية والاجتماعية للعمال والطلاب والنساء والاطفال كما نراها في بريطانيا وبرتغال وايرلندا وفرنسا..فان الفشل نفسه انفجر كالقنبلة في تونس ومصر والاردن واليمن والمغرب والجزائر التي لم تبين الى الان الحصيلة النهائية لحجم الخسائر التي سجلتها او التي ستسجلها. ولا بد الاشارة بأن السياسة الاقتصادية لليبرالية الجديدة التي تستند على السوق الحرة وحرية حركة الرساميل والغاء الانفاق الاجتماعي وتنصل الدولة من كل مسؤولية تجاه مواطنيها وتجميد الاجور في مستوى متدني جدا وظروف عمل قاسية ورفع الضرائب على الدخول المحدودة مقابل الغائها على اصحاب الشركات والرؤوس الاموال الكبيرة... لم تكن لتنجح في البلدان الموالية والمدعومة من الغرب دون قمع منظم وخنق للحريات وفتح عشرات السجون والمعتقلات وسن قوانين الطوارئ، ودون جهاز بوليسي كبير يستنزف جزء لا يستهان من الدخل القومي مثلما حدث في الخمسينات والستينات والسبعينات في الارجنتين وتشيلي وبوليفيا والبرازيل والارغواي.. وان تونس ومصر والبدان التي اجتاحتها سلسلة الاحتجاجات هو احدى حقول التجارب لتلك السياسة في الشرق، فعلى سبيل المثال لا الحصر فأن عدد اعضاء جهاز الامن القمعي التابع للنظام المصري وصل الى مليون 400 الف شخص اي رجل امن لكل 150 شخص في مقابل 130 الف رجل امن يملكه الجهاز القمعي في تونس، اي رجل امن لكل 130 شخص، تلك السياسة القذرة عملت على تهشيم عظام الجماهير خلال العقود المنصرمة من الزمن.
*****
ان الذي يرعب الادارة الامريكية واسرائيل بالدرجة الاولى من الانتفاضة المصرية، بأن جميع التيارات والقوى والاطراف السياسية التي تعارض النظام المصري هي معادية لسياسة الادراة الامريكية واسرائيل. وان مرحلة ما بعد 25 كانون الثاني هي مرحلة اخرى بكل المقاييس ولن تعاد عقارب الساعة الى الوراء حتى ولو لثواني قليلة. ان محاولات الادارة الامريكية الاخيرة لحيلولة دون انهيار النظام، وخاصة في اليوم التاسع للانتفاضة هي الاطاحة برأس النظام حسني مبارك وايجاد (محمد غنوشي) مصر والذي قد يكون عمر سليمان او احد قادة الجيش المصري الذي يقبض الرشاوى المهولة حيث تبلغ قيمتها مليار و300 مليون دولار سنويا منذ التوقيع على اتفاقية كامب ديفيد تحت عنوان المساعدة العسكرية، وان كل ما تحاول بها الادارة الامريكية والاتحاد الاوربي هو انقاذ ما يمكن انقاذه من مصالح ونفوذ لها. ولذلك جاء خطاب اوباما داعما للشباب المنتفضين، وتهديدات كلينتون وموفد الادارة الامريكية الى حسني مبارك وتصريح الناطق الرسمي للبيت الابيض خلى حتى من الدبلوماسية عندما صبت جميعها بمخاطبة مبارك بالتنحي فورا من كرسي الرئاسة! الا ان كلا من محمد غنوشي وكذلك عمر سليمان لن يتمكنا من ادامة السياسة القديمة لنظامهما على الصعيد الاقتصادي والسياسي والاجتماعي.
*****
تصريحات المسؤولين في الجمهورية الاسلامية مثل احمدي نجاد الذي قال عن الانتفاضة التونسية بأن الشعب التونسي يريد تطبيق القوانين والاحكام الاسلامية و في الخارجية الايرانية علقوا على الانتفاضة المصرية بأنه سيولد شرق اوسطي اسلامي، هي تصريحات تخفي في طياتها الفزع من ما ستجلبها الشرارة التي اشعلت في تونس على الجمهورية الاسلامية، ومحاولة لطمس حالة الغليان في الشارع الايراني. وهنا يجب الاشارة الى نقطنين اولهما: ما يبعث القلق في صفوف ملالي والمسؤولين في طهران هو سقف مطالب الانتفاضة التونسية والمصرية التي تدور حول اسقاط الدكتاتورية واطلاق الحريات والعدالة الاجتماعية. وان هذه المطالب هي نفس مطالب الملايين من الجماهير الايرانية التي تتعرض الى افقار يومي وقمع منظم للحيلولة دون اندلاع اية حركة احتجاجية. ويكفي تذكر قرار الغاء الدعم على الوقود والسلع الاساسية قبل قترة قصيرة الذي قال احمدي نجاد مدافعا عنه، بأنه يوفر اكثر من 90 مليار دولار سنويا من الدخل القومي وحيث زامن القرار نزول قوات الحرس الثوري الى جميع مرافق المجتمع تحسبا لاي تحرك جماهيري ضد القرار المذكور. وثانيهما: غياب الافق والرؤية الواضحة للتيارات الاسلامية وظهورهم كتيارات هامشية في الانتفاضتين المذكورتين، والتي كان من الممكن لو كان لهم دورا اساسيا حيث سأتطرق اليها لاحقا، لبعث الامل ودفع الدم في عروق الجمهورية الاسلامية التي لا تختلف اوضاعها الاقتصادية والسياسية عن اوضاع نظام (بن علي) في تونس او (نظام البلطجية) في مصر، ولما قطعت الانترنيت اوغلقت المواقع الاجتماعية على الانترنيت كخطوة استباقية كما ذكرنا. بعبارة اخرى ليس مطروحا ابدا جمهورية او امارة اسلامية جديدة.
*****
وفي هذا السياق يجب فضح تصريحات الادارة الامريكية والاقلام المأجورة للغرب بأن هناك خوف من الانتفاضة المصرية حيث ستنتج عنها صعود الاسلاميين. ان هذه التصريحات والترويج لها هي محاولات للالتفاف على الانتفاضة المصرية واجهاضها من خلال المحافظة على النظام الذي يترنح تحت ضربات الانتفاضة الجماهيرية. وكانت نفس هذه التصريحات هي المبرر الذي استخدمه نظام حسني مبارك لاقناع الغرب في ممارسة قمعه للجماهير في مصر او كما هو الحال في نظام بوتفليقة في الجزائر. ان النظام المصري الذي عرف يوما بتحويل القاهرة الى منطقة حرة بقيادة السفير الامريكي حينذاك في تصدير الاسلاميين المتطوعين الى افغانستان لمحاربة الاتحاد السوفيتي في بداية الثمانينات من القرن الماضي، يلوح الغرب اليوم بكل صلافة بأن الاسلاميين بعد انهيار النظام المصري سيستولون على السلطة لتبرير دعمهم ومساندتهم لاكثر الانظمة قمعية وفسادا. لكن من يراقب هذه الانتفاضة سوى كانت التونسية او المصرية، فأن قادتها الحقيقييون اما يسار او قريبون من اليسار وان مطالبهم وشعاراتهم هي مطالب وشعارات يسارية. اما المعارضة المصرية التقليدية التي تمثل التيار القومي مثل الوفد والناصريين الذي جرب حظه من قبل في السلطة ولم يكتب له النجاح، يلهثون وراء الاحداث وليس لديهم اي افق او رؤية سياسية وهم مشتتون اكثر من ما متفقون حتى في صفوف الحزب الواحد وان الحماقات السياسية للنظام الحاكم هي وراء استمرارهم والحيلولة دون غيابهم عن الاحداث والتطورات السياسية. اما الاسلامييون المتمثلون بجماعة اخوان المسلمين فأن بوصلتها ضائعة اكثر من زملائهم في المعارضة المذكورة مع اختفاء شعاراتهم التي كانت ابرزها (الاسلام هو الحل) في انتخابات 2005، ويصح نفس الشيء بالنسبة للاسلاميين في تونس، وكلاهما عائمين على سطح الاحداث. وما اظهرتها الانتفاضة المصرية هي اشعال شرارتها احدى عشر حركة ابرزها حركة شباب 6 ابريل، تتراوح اتجاهاتها بين اليسار والوسط، وحتى الامعان في شكل الاحتجاجات التي تخللها التظاهرة المليونية في ميدان التحرير في القاهرة من موسيقى واناشيد واغاني بما فيها اغاني (شيخ امام) الشيوعي المعروف تظهر لك محتوى القوى المحركة لهذه الانتفاضة. والمفارقة في الامر ايضا بأن حتى قناة فضائية مثل (الجزيرة) الناطقة بأسم الاسلام السياسي السني وضعت اغنية (لشيخ امام) الشيوعي المصري في مقدمة برامجها عند تغطيتها للانتفاضة المصرية.
وعلى ضوء احداث الانتفاضة التونسية والمصرية والاحتجاجات التي دفع ملك الاردن من اقالة الحكومة التي لم تمضي على تشكيلها الا فترة قصيرة جدا وسلسلة الاحتجاجات الاخرى في عدة بلدان، يكشف ما تخبئها المرحلة القادمة بأن طلوع فجر جديد لشرق اوسط جديد ليس امريكيا كما بشرت بها ادارة بوش ولا حتى اسلاميا مثلما ادعى مسؤولين في وزارة الخارجية للجمهورية الاسلامية. انه مرحلة اخرى التي ستغير معالم المنطقة والعالم وستعيد الاصطفافات السياسية، انه شرق اوسط يساري جديد بأمتياز.