[ إلى الذكرى المئوية الأولى لوفاة محمد عبده: مفكر التسامح والحوار الذي قال: لو عُرضت عليّ مسألة تقبل الكفر من مئة وجه، وتقبل الإيمان من وجه واحد، لحكمتُ بالإيمان. وإلى شهيد اليسار اللبناني جورج حاوي، نجم الفكر التحرري الأممي الذي أطفئ في ليل الوطن العربي الطويل]
***
(تسمع أصوات كثيرة : هي الضجيج الذي يصدر في العادة عن شارع في إحدى العواصم ، على امتداد خط طنجة - جاكرتا ، يقترب صوت امرأة تبدو عجوزا ، في ثياب رثة ، نعرف أنها من المشعوذات اللواتي يملأن شوارع تلك العاصمة )
العجوز ( بصوت عال) :
كل ما كان وما لم يكنْ
من فـضاءات يموج الضوء والألوان في
أو دروب يرحل الإنسان منها وإليها
أو قبور هي كالأرحام ضنكــًا وعماءً
منذ كنا نشهد الفتنة منها
وعليها، تنــــــتهي الأجيال بالأتعاب والأحزان فيها
كل ما كان وما لم يكنْ
فوق هذي الأرض في كل الصورْ
صفة الفرد القدير
الواضح القدرة بالفعل عظيما ، ذي الكيان المستترْ .
الشاب( يهمس لنفسه) :
الصفات المستحيلةْ
لوجود مستحيلْ
العجوز ( بصوت عال):
كل ما كان وما لم يكن
( تتكفّـف شخصا يعبر أمامها فيخرج لها ثوب جيبيه في آن ، ويتابع سيره )
كذب ٌ في كذبٍ
الشاب ( لنفسه) :
قلتِ حقـــــــــــاً
( تسمعه العجوز فتلتفت إليه )
العجوز (للشاب ) :
ولدي الحقّ أقولْ
كثرت في هذا الزمان الموبقات وعقوق الآبقين والأكاذيب التي من كل نوع طمست أجلى الحقائق،
( يرتبك الشاب فيشيح عن العجوز بوجهه، لكنها
مع ذلك تقترب منه)
كل ما كان وما ...
الشاب :( يقاطعها محاولا التخلص منها ) :
هو الحقيقةْ ...
العجوز: ( تتابع كلامها )
لم يكنْ
فوق هذي الأرض في كل الصورْ
صفة الفرد القديرْ
( تمد يدها نحو الشاب الذي يبتعد عنها )
الشاب ( متأففاً من رائحة تنبعث من العجوز )
يبلغ السيل الزبا الآن وهذي
المرأة الحبلى خداعا وأكاذيب عتيقةْ
هذه الشمطاء ما تفعل ُ، هل تطلب قوتا أم تخاصمْ ؟
قولها يبعث القيء بأحشائي
(يضع يده على فيه كمن يجتاحه غثيان ، يلتفت إلى حيث تقف العجوز، فيراها وقد شرع يلتفّ حولها رجال ملتحون ، يرتدون جلابيب بيضا ، ثمّ يدفع لها أحدهم مالا ،ويقدم لها برقعا وحجابا جديدين بنية إظهارها في حلة الشابة، لكن ذلك لا يكاد يخفي شيئا من بشاعة العجوز ، ينسحب الشاب ، في حين يحيط الرجال الملتحون بها )
الملتحي الأول : ( للعجوز )
سنقول : الولد الضال ارتمى في حضن أخرى
ورأى ما عوّضه دفء الأمومةْ ...
في مهاوي الفسق ، يا هول الجريمةْ
الملتحي الثاني :
سوف يحرج ْ
ثم ينصاع ذليلا ، قابلا ما يرفض الآن ، فأحرى
بالذي نعلمه أن يـُرجع العاق إلى الأم الرحيمةْ
( تفرح العجوز بما تسمع ، لكن سرعان ما تنطفئ فرحتها )
العجوز (بأسف) :
أخشى أن يرفضْ
الملتحي الأول :
سيسير الرفض به نحو السجن
فيعذب إن ظل على الإنكار
نأخذ منه بآلاف الحيل المعروفة والمجهولة ...
إقراراً : أن يسرع في العود إلى أحضانك
العجوز :
وإذا لم يفعل ؟
الملتحي الأول :
سقناه إلى مشنقـــــــة ٍ ,,,
العجوز :
ماذا أكسب إذاك؟
الملتحي الأول :
نأتيك بآلاف الأبناء
العجوز
:الملعونون همُ اختاروا هجراني
نحو متاهة معرفة تنكرني
الملتحي الأول : (مقاطعا )
أعرف ُ,,, أعرفُ
أنهمً استوحوا آلهة مُسخت ـ لا ترأف ـ
بغيا ، جعلوه نبضا في أفئدة ،
تستمطر رؤيا عطشى
عبدوا فيها أشجارا تطرح في وجدان
الروح ثمارا ، تهجس بالحقد على الآباء ,,,
وتحمل أوهن صبيان الوقت على العصيان,
لكنا,,, سنقيم لهم نارا
نلقي بالأشجار إليها
حتى يُمحى ما في أعماق الأنفس عنها
أو ما في الكتب ِ
من شعر ملعونْ
أو فكر مأفـــونْ
حتى لا يبصر طفل ٌ في
الصحو أو النوم صباحا
تشعله رؤيا الإنسان
أو يدرك شابّ كيف يشبّ حنينٌ
في الروع إلى
الوثبة نحو أقاصي الطلــب ِ
سنواري دعواهم
تحت ثرى مجهــــول
أو خلف ظلام من حـجـب ِ
ونحاصرهم من ثمّ على كل الطرقــــــــــات
من يقرأ منهم يقتلْ
أو يصنع أخيلة ً
أو ينقلْ صوراً بين صفوف الفتية يسحلْ
العجوز ( للملتحي الأول ]
:أبقاك الله لنا ذخرا
(ترتمي على يده لتقبلها فيسحبها بتثاقل ، فتقبلها )
الملتحي الأول (متكلفا الخجل ) :
بل أبقاك لنا أنت الأم لكل الأبناء
فأنا لا أرضى أن يبحث ولدي
عمن يحسبها الأم أو الزوجة ...
أو حتى الجدة في بلد آخر
الملتحي الثاني :
وأنا أيضا لا أرضى ذلك
جماعة الملتحين :
نحن كذلك نرفض ، من يهوى من جيل الأبناء ِ
امرأة أخرى
العجوز( حالمة )
لو أني أرجع طفلةْ
أو تأتي تلك الطفلة من ماضيّ إليّ
يحمرّ على خدي الورد ، وينهلّ التفاح
يهواني من يلقاني من أول وهلةْ
لو أني أرجع تلك الطفــــــــــلةْ
لشفى ذلك نفسي من كل جراح
الملتحي الأول : سنعيدك طفلةْ
نقسم أن نرجع أيام العمر الأولى لك
حتى نتهافت نحن كبار السن عليك
فتعودي المعشوقة والمعبودة
إن هلّ على الناس بهاؤك ْ ...
خرّوا بين يديك سجودا ...
العجوز :
صوت في أعماقي يقول :
إن العمر الملعون القاسي
لا يمشي للخلف
الملتحي الأول :
سنكذ ّبهُ ونقول :
إن التاريخ يعيد علينا نفسهْ .
(تنسحب الجماعة ، ويخرج الملتحي الأول واضعا يده
على كتف المرأة . إظلام )
( تعود الإنارة كما كانت على نفس المكان ،يدخل شاب
من جهة المسرح اليمنى، ثم يأتي من الجهة اليسرى جماعة ثم جماعة ثانية ، إلى أن تمتلئ الساحة بجموع من الشباب ، لا يوجد من بيتهم الشاب الذي رأيناه في المشهد الأول )
شاب أول ( هو أول من دخل الساحة )
لا ندري ماذا أصابْ
فينا بعض كبار السنْ
يدعون إلى أن نختار مبادئنا من كلمات امرأة
نخرت ديدان الأعوام الجثة منها ، نجعلها الأم
لا ندري أسباب تأخر بعض أهالينا في دفن الموتى
ألتملأ كل فضاء رائحة نتنة؟
شاب ثان :
أحيانا يقع التأخير
حتى تـُعرف أسباب الموت
شاب ثالث :
أحيانا من أجل بحوث طبيةْ
شاب رابع :
في بعض الحالات
حتى تـُخبر عائلة المتوفى
الشاب الأول :
لكن ماذا يكون الأمر
إن فاضت روح بين ذويها؟
أو لا يعني هذا أن الناس مجانين ؟
لكنّ الأخطر
أن الدعوة صارت تتسرب حتى لصغار السن
ممن عاشوا في كنف الأم الفعلية
رضعوا منها الحب ، وفتـّــحت ِالأعين منهم
ليروا ما في هذا العالم من علل ٍ
تدعوهم أن يصطنعوا تاريخهمُ كيف يشاءون
لا شئ خطير في هذي الأيام يهددنا
أبشع من أن نسجد في محراب الشمطاء
(يدخل الملتحي الأول )
الملتحي الأول :( في فرحة من أمسك بصيد ، في نبرة تهديد )
هل أنهيت كلامك ؟
الشاب الأول :
بل إني لم أتكلم بعد ...
الملتحي الأول :
ماذا كنت تقول
عن دفن الموتى ؟
أو ما تعرف أن تذكر موتانا بخير؟
الشاب الأول:
كنا نتكلم عن موت وهمي ّ ٍ
ونثرثر عن دفن نظريّ ٍ
الملتحي الأول :
ماذا يدعوكم لكلام عن ذلك ؟
الشاب الأول :
رائحة نتنةْ
بدأت تملأ هذا الجو وتغتصب الأوكسيجين
فاعتلت حقا أنسام أصائلنا
( الشباب الذين في الساحة يضجون ضحكا ، ويطبقون بالسبابة
والإبهام على أنوفهم علامة التأفف)
الملتحي الأول ( يتضايق ويتراجع منسحبا وهو يتوعدهم )
سنريكم ْ... سنريكم ْ,,,
يا أولاد الزمن العاهر هذا ... يا أنتم يا ....
( يختفي الملتحي مبتعدا وهو يصرخ ، إظلام ثمّ إضاءة :
العجوز تجلس على أريكة ممتازة ، وقد ارتدت من الملابس أفخرها ،مسدلة حجابا على وجهها ، المكان تنبعث منه روائح طيبة مصطنعة ، ويحيط بالعجوز ملتحيان،ينضحانها بأطيب أنواع العطور ، حتى لا تطغى على الجو رائحتها النتنة )
العجوز:
أشعر بالموت يدب حثيثا في أوصالي
الملتحي الأيمن :
بل ذاك دبيب حياة فيها
هو كالنسغ سريعا يتجدد في أعراقك
العجوز:
لا أبصر غير ضباب ودخان
الملتحي الأيسر:
تلك سحابة صيف
العجوز :
قلبي لا أسمع دقاته
الملتحي الأيمن :
كالطبل الإفريقيْ قلبك سوف يصير
ينبض ملء الأسماع وملء صدور الناس جميعا
العجوز :
أشعر بالنوم يخيط جفوني
( تتخاذل منهارة، فيسرع الملتحي الأيسر إليها ليعيدها إلى وضعهاالسابق ، فتجلس متداعية الأطراف )
أتركني أنم
الملتحي الأيمن :
نخشى ألا تصحي ثانية (تنام)
الملتحي الأيسر :
هل نامت ؟
الملتحي الأيمن :
أرجو ذلك
حتى تسترجع بعض الراحة
الملتحي الأيسر:
لن تسترجع بالنوم الراحــة
فعليها أن تتحرك أكثر
ولكي تنضو عنها ثوب الداء
فعليها أن تخرج للشمس
الملتحي الأيمن :
حتى من غير شموس
سنعيد إليها القوةْ
فتعود إلى سيرتها الأولى
سنجددها في أجسام أخرى
وستمتد و تنداح على طول وعرض الأرض
لا نخشى شيئا نحن هنا نعرف ماذا نريد
هذي السيدة الفضلى ميراث هـُويتنا حتى إن ماتت
نبعثـْـها متوردة الوجنات وجيـّـدة البنيةْ
ونقاتل من يملك أن يحييها ، أو تحيا فيه ، ولا يفعل
فالعاقون من الأبناء تخلوا عنها
ومضوا ضالين على درب امرأة أخرى
غرتهم بأحابيل فنون عصرية
هذي المرأة أقسم أقوى السادة
أن تسترجع في أقرب وقت كل قواها
[يظلم المشهد]
إضاءة :المكان زنزانة ، نرى الشاب الذي
رأيناه في المشهد الأول مقيدا إلى مقعد ، وقد وقف إلى جانبه الملتحيان الأول والثاني ، هناك كدمات شديدة الزرقة على وجه الشاب )
الملتحي الأول :
أو ما زلت على رفضك ؟
الشاب :
إن مرت بخيالي
صعدت من أحشائي نافورة قئ ( يبصق )
الملتحي الأول :
تهم أخرى للآن بهذا تضاف عليك
أولاها : أنك من حرض أبناء الناس على العصيان
أو لا تعترفون بدور السيدة الفضلى منذ زمان
في حرب التحرير ، وكيف ارتفعت أصوات تدعو
لجهاد تحت لواء قيادتها ؟
أفئن قعدت أو شاخت بعد التحرير
أوغلتم في الإنكار وناديتم بسواها أنثى للعصر
رمزا للكفر ، وشق عصا الطاعة
الشاب :
لم أعرف أنثاكم يوما
أمي أعرفها ، أحفظ آثارا منها في القلب وفي العين
الملتحي الأول :
(يصفع الشاب على وجهه ) اسكت
(يسيل بعض الدم من فم الشاب )
دمك الفاسد هذا سنريقـُهْ
كافراً تجْــري إلى ا لموت و للنار طريقـُهْ
(يمرّرُ يده على شفة الفتى ، ثمّ يمسح ما علق بها من دم على قميصه بما يدل على تأفــّــُــفه من ذات الشاب أو حتى مجرد رائحته)
الشاب :
حتى لو أفرغتم أعراقي مما فيها
فدمي لن يرسم مندلقا فوق الأرض ،
إلا صورة من تسكن أعماقي
فتنتها أروع من ألوان حديقة
دعوتها أزهار في الصدر، وسير في أضواء حقيقة
( ينكب الملتحي على الفتى صفعا وضربا، حتى يغمى على الشاب يظلم المشهد )
(العجوز وقد استفاقت ، واستعادت بعضا من قوتها ، رغم روائح النتن التي تنبعث منها ، نفس المنظر في المشهد الثالث ، بحضور الملتحي الأول )
العجوز : (بصوت واثق )
في زمن القوةْ
كنت أقاتل ، أعدم من يتراجع عن حبي
أو يرتدّ إلى إنكاري
آه ٍ ، ليت الماضي يعود
حتى يدري من يستهزئ من صبيان العصر بأفكاري
ماذا سيكون مصيرُهْ،
لن أتوسط في أحكامي بعد الآنْ
من يسخرْ مني يعدمْ
من يخضعْ لي فهو الأرضى والأسعد أيـّــاً كانْ
الملتحي الأول :( بصوت خائف )
سندمرهم إن عشقوا امرأة أخرى
أو ساروا في طرقات لا تمشي نحوك
أبقاك الله لنا ذخرا
( ينحني على يدها فيقبلها ، تشمخ العجوز برأسها إلى أعلى في
حين تتضاءل قامة الرجل وقد بدت علامات التأفف على محياه ، إظلام ثمّ إضاءة على :
ساحة يتوافد عليها رجال ملتحون مجلببون يحمل كل منهم على كتفيه رشاشا ناريا ، هم نفس الرجال الذين أحاطوا بالمرأة العجوز في المشهد الأول)
الملتحي الأول : (يضع رشاشا على كتفيه)
:أيها الناس اسمعوني بلغ الشر المدى الآن
وإن نحن تقاعسنا عن الردع ،
تراجعنا عن القمع ،
غلبنا .
أوغل الأبناء في العصيان حتى
لم نعد نلقى لديهم أذنا تصغي لوعظ الراشدين ْ
فلنقارعهم بحد السيف إذ زاغوا ولم ينفع بيان .
فاعف عنا اللهم ثبّـت خطونا ، انصرنا على البغي اللعين
واجعل الجنة مأوانا فنحن المـــــــــؤمـنــــــــــــــــــــون
واجعل النار لهم دارا وفيها يخلدون
كلما أشرقت الشمس على أرضك أو صليت الخمسُ
بها في كل حيــــــــن
رضي الله علينا ، وعلى من سبقونا لجهاد المارقين
جماعة الملتحين :
آمين .
الملتحي الثاني :
حسن قولك لكن
الملتحي الأول :
(مقاطعا بتعجب ) ما تقول؟
الملتحي الثاني :
يدفع التدبير في البدء إلى اللين ...
الملتحي الأول :
تجاوزنا البداية
شبت النار فلن تطفأ بعد الآن إلا بسيول ٍ دموية
إن تراجعنا عن الردع كما قلت دحرنا...فإذن ..
الملتحي الثاني :
مـُرْ بما شئت ونحن التابعون
الملتحي الأول :
نـُعمل الحيلة ، فهي الآن أو في غـدنا الحرب العوان
فأعدوا ما استطعتم من قوى
ورباط الخيل حتى نرهب الطاغوت
(جماعة الملتحين ترفع لافتات كتب عليها ـ وأعدوا ـ بين سيفين )
الجماعة :
نحن معك
وعلى هديك حتى آخر الدرب نسير ،
نملأ الأرض خضوعا وسجونا وقبورا
نجعل العالم قبرا يسع الضالين مهما كثروا
نفقئ الأعينا
ما ظلت ترى
نبقر الأبطنا
ما كانت تلدْ
(إظلام ثمّ إضاءة علـــــــــى :
شباب تتوسطهم فتاة رائعة الحسن، مزنرة بحزام ناسف ، تستغرقهم مناقشة بأصوات غير مسموعة ، يعبر عنها بالحركة )
الشاب الأول : (وقد وضع على كتفيه مدفعا رشاشا، يتوجه إلى الفتاة التي تصغي باهتمام ) :
سجنوا منا الكثير
دفعوا منا إلى المنفى الكثير
وأراقوا في دروب الأرض أنهار دماء
فعلى كل طريــــــــــــــــــقْ
وردة تحمرّ في صدر رفيقْ
ورفضنا أن نهادن
ورفضنا أن ننافق
نحن لن نحني جاها للخبثْ
إنما ندفن موتانا ، نطهر ْ
هذه الأجواء من نتن الجثث ْ
نخرج الأحياء من ليل القبور
نعلن الحرب على الماضي
وأن ينهض موتى من تراب ...
القبر ، أو يأخذنا الموتى إليهم
الفتاة :
لن أتخلى عنكم
مهما نعتوني بالأوصاف المرذولةْ
لن أمنح سمعي لكلام مغترض يحكى عني
أو قالوا إني دخيلةْ
شاب أول :
فليقولوا ما يريدون أرى أنهمُ افتضحوا اليوم
عرفنا منهمُ كل النيات السيئة
الفتاة :
هم أرادوا أن يصير الكون سجنا
وقبورا تملأ الأرض لمن يحلم منكم
شاب أول :
من غير المعقول
أن يطرد من هذي الدنيا الحيّ ً...
ليحتلّ الميت مقعده أو موطئ أقدامهْ .
(يدخل الملتحي الأول ، تسمع جلبة تقترب ، هي نفس الأصوات التي سمعناها في المشهد الأول ، يتبعه ملتحون كثيرون )
الملتحي الأول :
بل إنا جئنا مسرورين لنخبركم
أنّــا أعددنا مساحات للدفن
شاب أول :
هل حقا أنهيتم دفن الشمطاء
الملتحي الأول : ( متشفيا)
من تدعوها الشمطاء
عادت فاتنة الحسن
والآن ... ستقومون بكل هدوء
وستمشون مع بعض رجالاتي نحو ثرى ...
تحت رياح لياليه تفترشون الروع وتلتحفون الأدواء ,
:
(يدخل المسرح ـ إلى صفوف المتفرجين أو الخشبة حسب اختيار المخرج أو ضرورات العرض ـ بعض أفراد الجماعة الملتحية يحملون أسلحة , معهم آخرون في أيديهم أدوات حفر وتجريف ، هم حفارو قبور )
الملتحي الأول :
لا يحاول أحد منكم فرارا
فلكل منكم الآن على حسب المقاس
قبرُه ، أو مـُـنصلٌ يستأصل الحقد الدفينا
من قلوب قد صغت للنار شوقا وحنينــــا
عنكمُ نحن رفعنا أجرة الحفار أو أي التكاليف التي
توجب دفعا
همنا كان انتصار الحق في الدنيا وردعا
لفلول المارقين.... فلتسيروا خلفه منتظمين ...
شاب أول :
لو تركنا أرضنا ..
لغدونا خائني...
موئل الروح الذي يشعل للناس منارات الطريق
مرقد الآباء والأبناء فيه، والذي
يحمي صبيب النسغ في نبض العروق
فاخرجوا منه إلى حيث ترون النصر
أو حيث تلاقـون الهزيمةْ
اركبوا خيلا تجللـْـكم أكاليلَ بطولات ٍ عقيمةْ
( يضحك الشباب، بينا يستمر تدفق تعريض الشاب بمخاطبيه)
اتركوا لحظتنا تكتبْ لها الأزمان ما تعمى عيون ٌ
أن ترى فيه بهاء الأجمل الآتي بخيراتٍ عميمةْ
الملتحي الأول : ( إلى أصحابه )
غرّهُمْ بي بعضُ لين ٍ...
لم أكن ممن يراه
(ثم إلى كل أعضاء الفريق الشاب )
لا يحاول أحد منكم فرارا ، أنا لله ِ
وجيشي سوف لا يخرج من تحت سماه
فبها ما واعد الحق فريقي من نعيم ٍ وجــــنان ِ
و شآبيب من الرحمة في قبري إذا موت عراني
في جهاد المارقين المرجفين ...
شاب ثان :
أنا لن أترك أرضا هي نبع النور في عين صغاري
سوف تبقى ما دفعنا ـ عن حماها ـيد غزو ٍ ودمــــار ٍ
الملتحي الأول :
لو تركنا ديننـــــا
سـُـفـّهت أحلامنا
الشاب الأول
:وإذا نحن تركنا الأرض أو نحن وضعنا
مبدأ التحرير كنا الخاسرين
الملتحي الأول :
فعلى أنفسكم حقا جنيتم وجنت أختكم ُ قبلُ ، براقش..
( تنطلق قهقهات بين الملتحين استحسانا لنكتة الملتحي الأول)
الشاب الأول :
وإذن ... لن تدركوا من ضحك النصر
وعرس الفرح الآتي نصيبا
الملتحي الأول :
فعلينا وعلى الأعداء ما تحمله النار نزولا و هبوبا
(تجري مطاردة بين الفئتين ، يعبر عنها برقص عنيف حينا وهاديء حينا آخر ،ينسحب على إثرها الجميع ،فلا يبقى إلا الملتحي الأول ، الآمر الناهي، الذي ينزع قناعه عن جبين يبُـض منه عرق غزير ، يعود الشاب الأول على حين غرة ،وقد أصيب أثناء المطاردة ، فيفاجأ يشخص عرفه سابقا في صور وأقنعة عدة ، هو جاسوس كانت مهمته في أكثر من مكان ، زرع الشقاق والخلاف بين أبناء الوطن الواحد)
الشاب الأول ( يصرخ متألماً ـ :
أي ّ صدر بدأ الآن يضيقْ ؟
هل ترى أثأٍر من هذا الذي
بذر الأحقاد والخُلف العميقْ
بيننا؟ يا هول ما أشهده
هل ترى أشعل في هذا الطريقْ
ظلمة في الرأي ,,, ؟
(يدخل الشاب الثاني وهو مصاب أيضاً)
الشاب الثاني :
ماذا يارفيقْ؟
الشاب الأول : ( مصدوما)
قد خُـدعنا ، فالذي حاربنا
زرع الفتنة فينا والعقـــــوقْ
كان مدسوسا علينـا ، ولــذا
فلنغيّر خطة الزحف ,,,
الجاسوس : (وهو الملتحي الأول سابقا )
لذلك ْ
كنت فيكم ,,,
الشاب الأول : أيها الملعون لن تســـ
طيع نصراً ، فلك الموت المحيقْ
نشء هذي الحرب أو بعد نزالك ْ
( يفلت الجاسوس من طلقات نار الشاب الأول ، محتميا بالظلام ، ثمّ يمتلئ المشهد بقوات تدخل ،يستمر إطلاق النار بين الفريقين اللذين يتقاطر أفرادهما على الساحة ، فتدوّي صفارة إنذار، وتحاصر الشباب أضواء قوية ، يتضح معها أن كل ما جرى من الأحداث كان تحت أعين رقباء يتدخلون الآن ، بحجة محاربة إرهاب، أو فرض إصلاحات ، تسكت صفارة الإنذار ، فتسمع طلقات نار وأزيز طائرات و هدير دبابات وسيارات قوى تتدخل طالبة أن يستسلم الجميع لها ، ويرتفع علم جهة ثالثة )
مكبرات صوت ( تقرأ بيانات القوات التي تحتل المكان إلى الفئتين المتقاتلتين لتلتزما الهدوء ، بينا لا يهدأ أزيز الرصاص و أصوات إطلاق النار )
جئنا لنحرركم
جئنا حتى نفتح أعينكم
للضوء ، ونطرد عنكم ظلمات أن تقهركم
من يلزم منكم خاصته يأمن ْ
من يقنت منكم في مسجده يأمن
من يدخل في ظل الحاكم يأمن
سنقاتل من أخركم ,,,
عنا , أو من أخرنا عنكم ، ونقاتل من آزركم
مكبرات صوت أخرى:
جئنا ، جئنا لنحرركم
سنقاتل من ناصركم في الفتنة
أو من بالردة أوغركم
(تطفأ الأضواء تدريجيا أمام اندهاش فريقي الشباب والملتحين معا ،اللذين كان كلاهما ـ قبل قليل ـ يزعم أنه هو صاحب الحق ، أو محرك التاريخ ليس غير, تعقب ذلك إضاءة مضطربة ، يغلب عليها اللون الأحمر الدموي ، مصحوبا بأصوات صارخة متنافرة ،ثمّ ينشطر المشهد إلى واجهتين : أولى ، وتضمّ فريق الشباب ، وقد غاب عنهم من اشتـُُشهد منهم ، وفريق الملتحين ، وقد طرد من بينهم من سقط قناعه, وواجهة ثانية يتقدم عليها جيش دخيل ، مدجــجاً بعتاد ثقيل )
الشباب والملتحون :
(وقد توحدوا مصدومين بحقيقة وضعهم الجديد ، في صوت واحد)
أما كان يمكن حقن دماء البلــــــــــــدْ
أما كان يمكن غير الذي قد حـــــدث ْ
وألا يقطـّــع أوصالنا من أحــــــــــدّ
(يخلع الملتحون لحاهم ويلقون بها ، ويتكاتفون في مؤازرة مع صفوف السباب ،والجميع يردد نفس السؤال ، بينا ينزلون إلى القاعة)
أصوات
(من بين الجمهور).
أما كان يمكن غير الذي قد حدث
أما كان يمكن حفظ بهاء البلـــد ْ
أما كان يمكن ألا نـُخـــــــــــــانَ
وألا يروّعنـــــا من أحـــــــدّ
أصوات أخرى :
الذين يبيعون لليل أوطانهم يـُـهرعون
إلى حضن ظلمته لائذين به يحتمون
صوت شاب :
(كان من بين الملتحين سابقا)
الذين اشترى الصبح ُوالنورُ أنفسهم منهمُ ,,,
صوت :
( من الشباب متابعا )
قادمون ,,,
الشباب :
( ممن كانوا من الملتحين أيضا )
قادمون ,,, قادمون ,,,
(يخرج الجميع إلى الشوارع وهم يصرخون ، بالشعار ذاته، تحاصر الجمهور والممثلين قوات أخرى ، تمنع الجميع من التظاهر ، ليتوقفوا مؤقتا ، دون أن يكفوا عن الهتاف ، حتى يلف الجميع ظلامُ النهاية أو ضوء ُ الصباح )
ـ تمّتْ ـ