يكون دقيقاً أن أعبر عن حضور التراث في النص المسرحي بأنه من قبيل الاستدعاء أو التوظيف، أو نحو ذلك مما يدل على هامشية أدلة حضور التراث، سواء في النص أو في العرض. وقد ساد النظر الى حضور التراث في المسرح على أنه من قبيل التوظيف والاستدعاء. بالفعل، وبما يؤكد أنه لا يعدو أن يكون تقنية عابرة، أو طريقة، أو أسلوباً يلجأ له الكاتب، أو المخرج حينما يشاء ذلك. وحقيقة الأمر بخلاف ذلك كما سأبين من خلال العمل على تنحية الأوهام السائدة:
@@@
أولاً: التراث ليس ماضياً
وأول ما يقلب ذلك النظر السائد الى حضور التراث هو أن أحداً يصعب عليه الحفر في معنى المسرح دون أن يتمثل تلك الخصوصية الغامضة المتصلة بعلاقة المسرح بالتراث.. أو بالماضي. وربما كان هذا الحضور من الهيمنة، ومن التناقض، وربما من اللامحدودية بحيث أنه يشكل الجانب اللامتجانس في معنى المسرح ودلالته، ويحضر خطاب الماضي، أو التراث على المسرح لا كمرجع، ولا كوظيفة، ولا كزخرف، ولا كخلفية، وإنما كحركة يتشكل النص في سياقها ومن خلال فضائها بأكمله، سواء من خلال الكتابة المباشرة على مفردات الماضي/التراث.. أو من خلال سلسلة من التقابلات والمشاكلات بين ما نرده الى المفاهيم والظواهر التي يتيحها لنا الاستنباط من التراث، أو ما نرده الى الاستعارات البلاغية التي يمنحها لنا استعمال التراث بوصفه خطاباً متماهياً أو متناصاً في خطاب النص (المسرحي).
ومن أجل توضيح هذه الصورة التي ربما بدت معقدة سأعود الى خطاطة وضعتها تكشف اختراقات حضور مستويات الزمن في المسرح وتوضح هذه الخطاطة أن أي منغمس انغماساً حقيقياً في المسرح يدرك أن لهذا المسرح حدين قاطعين: أحدهما يغوض في الماضي، والآخر يغوص في الواقع، وأن الحراك المتبادل بينهما هو المؤسس الحقيقي للمعنى الجوهري في المسرح. ولم يكن المسرح في يوم من الأيام حتى مع المسرحيات التاريخية التي تتخذ من التاريخ مجرد خلفية زاهية، أو قطعة زمنية منفصلة، يغوص بأحد الحدين دون الآخر. فإما أن يكون بهما ويكون مسرحاً، وإما لا يكون بهما فلا يكون مسرحاً.
والسؤال الذي يطرح في هذا السياق هل المعنى أو الدلالة والرؤية تتجرد لأحد الحدين، وتنحاز له وحده ماضياً أو واقعاً؟.. أم أنها تعيد صياغة العالم بمنظور رؤية قوامها تشابك الأزمنة ـ الماضي والحاضر والمستقبل فوق أرضية مشتركة، ومنطقة متأججة بالصراع والتناقض وعدم التجانس؟.. وإذا كانت هذه الأرضية أو المنطقة التي تشكل مساحة النص (المسرحي) فإننا في هذه الحالة نستطيع اختزال حد الماضي، وإن كان تاريخاً.. أو حكاية بعيدة مع حد الواقع، فبنية النص المتناقضة اللامتجانسة هي قوام هذا الاختزال، هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى فإن الماضي يقع في بؤرة منظور صاحب ذلك النص المكتوب (المؤلف)، ولا يتموضع هذا المنظور الا في الواقع الذي يحقق وجود المؤلف. مما يعني أن المسرح في أي عصر من العصور مهما غاب بعيداً مع الماضي، فإن ما ينجزه ليس للماضي وإنما للحاضر/ الواقع.
إن هذا المعنى يقلب مفهوم الماضي بمعناه التراتبي، ويجعله مقترناً بالواقع في عمود واحد، لأنه في أبسط معانيه على المسرح أحداث وشخصيات تعكس زمنها التاريخي كما تعكس زمن السارد الواقعي (المؤلف/المتلقي) إما بواسطة قانون الاستدعاء، أو الاستلهام أو قانون التوظيف، أو قانون الإسقاط الطبيعي أو العكسي.. وهكذا فإنه على المسرح يصاغ الماضي ـ وقد كان واقعاً قبل التشكل على المسرح ـ ليكون تشكيلاً للواقع الذي يحدث الآن، أو المستقبل الذي سيحدث في زمن السارد (المؤلف/المتلقي). وفي كل الأحوال فإن هناك بؤرة ثابتة لا تميل عنها الحساسية المسرحية وهي الواقع. وإذا افترضنا هنا الخطاطة التشكيلية لمادة المسرح كبوصلة تضم العديد من مستويات الزمن بين ثلاثة فواصل رئيسية هي الماضي والواقع والمستقبل، فإننا سنرى مؤشر هذه البوصلة يتحرك ان كان المصدر الأساسي للمادة الخام المكونة لشكل المسرحية ومادتها فقط، لكنه سيثبت دائماً أمام مفصل الواقع".
إن المكون الأساسي لحساسية النظر الى الواقع لا يمكن افتراضه فوق حد منفصل عن الماضي.. فالزمن مسرح لتكوين هذه الحساسية دون قيود، أو شروط مسبقة، وهذا يعني أن الماضي لن يكون هامشياً على الإطلاق على خشبة المسرح، ولن يكون مجرد استدعاء أو توظيف، وهو ليس خلفية يتم بها تطريز النظر الى عالم الواقع، وإنما هو سيرورة، وحركة في التاريخ، وهو بهذا المعنى مكون جوهري لسلسلة من الأسباب والعلل والصور والأفكار سواء اتخذناها في نص الرواية، أو نص القصيدة، أو نص المسرحية.. وسواء نظرنا اليها فوق خشبة العرض المسرحي.. أو فوق حركة التاريخ.
ثانياً: التراث ليس أقنعة
يتوهم كثيرون بأن التراث من حيث كونه أحداثاً وشخصيات يشكل سلسلة من الأقنعة، يوظفها الكاتب من أجل مراوغة الرقابات المكنونة في المجتمع حول الأفكار وحريات التعبير، وهم لذلك يفسرون انهماك عدد من الكتاب بموضوعات التراث والتاريخ والأساطير بأنه مؤشر على أزمة الحريات في المجتمعات العربية، وهو مظهر لحضور رقابات السلطة والدين والتقاليد..
وأعتقد ان التفسير السابق لا يرتكز على فهم جوهري للمسرح، وإنما يعتمد على فهم المسرح بوصفه موضوعات تتقاطع مع المحرمات السائدة في المجتمع.. وقد ساد اعتقاد لفترة طويلة من تاريخ المسرح العربي بأن المسرح هو معالجة موضوعات السياسة والسلطة والمحرمات بوجه خاص، سواء اتصلت بالدين أو بالجنس أو بغيرها. وتوسع هذا الاعتقاد الى الحد الذي وصل فيه فهم البعض للمسرح بأنه معالجة كل مشاكل المجتمع في آن واحد..
مثل هذه النظرة وضعت المسرح في مواجهة من دون شك أمام السلطة والقوانين والتقاليد، فتحول الى صفوف السياسة والايديولوجيا، ووقفت منه السياسات الثقافية مواقف مضادة، وأصبح ـ أي المسرح ـ وسيلة انتهازية في يد المصفوفات السياسية جميعها، ومن ثم قلّ الإبداع فيه، وكثر الخطاب الايديولوجي المتكئ على التراث.. والمتستر بأقنعته المختلفة من شخصيات وأحداث ورموز اقترنت باستمرار بمعنى السلطة والسلاطين، وما ينضوي في ذلك من دلالات نمطية سائدة ومعروفة.
مثل هذه النظرة "النفعية"، "الانتهازية" خلقت أوهاماً كاذبة حول معنى المسرح أولاً.. وحول كيفية علاقته بالتراث ثانياً.. فالمسرح هو المنبر الأوسع للإيديولوجيا وللسياسة.. والتراث هو مستودع الأقنعة، وهو المعادل الموضوعي لكل ما يجري بين ظهراني السياسة والسلطة والمواطن والمجتمع من قضايا الاستغلال والظلم وغياب الحريات الخ..
وسط هذا الاعتقاد وتلك الأوهام شاعت مصطلحات "الاسقاط السياسي" و"التوظيف" و"الاستدعاء" و"التثوير" ونحوها مما اقترن باستخدام التراث على المسرح من مصطلحات استهلكها النقد الأدبي لعقود من الزمن.. وهي كلها تشير الى أن شروط التراث تفرض هيمنتها على كيفية انبناء الخطاب في النص المسرحي.. إن خطاباً بأكمله هو خطاب التراث وشخصياته وأقنعته يراد له الحضور بشكل مسبق على حضور خطاب أكثر منه تعقيداً ودقة وإشكالية وهو خطاب النص.. وهناك مساحات كبيرة تعمل في خطاب النص المسرحي لم ينظر لها النفعيون السابقون في الاعتبار وهي مساحات اللاشعور، والاستيهام، واختراقات العادة والمألوف، واشتغالات اللامنطقي في خلق المنطق، واشتراطات أخرى لا حصر لها، تعمل جميعها كمرجع في تكوين خطاب النص بعيداً عن الاستباقات التراثية الجاهزة.
ثالثاً: التراث ليس هوية منغلقة
ارتبط مفهوم المسرح خلال ما يزيد عن ثلاثة عقود، وحتى الآن بشعار العودة الى التراث من أجل خلق مسرح عربي أصيل، أو دراما ذات هوية عربية. وبينما كان الأروبيون يستلهمون من التراث الشرقي/ والعربي ما يصقل إحساسهم بالمعنى العميق والانساني للمسرح، وما يجعلهم أكثر قدرة على امتلاك أدوات وتقنيات ومناهج تجريبية جديدة من أجل تأسيس مفهوم إنساني شامل للمسرح.. أقول بينما ذلك يحدث نجد العكس في المسرح العربي. وما شعار "ربط التراث بخلق مسرح عربي" إلا الصيغة المباشرة المعبّرة عن النكوص بالمعنى الانساني في فن المسرح..
لقد أصبحت مشكلة المسرح العربي خلال سنوات عديدة تتلخص في الذهاب الى التراث من دون مصاحبات عقلانية، واعتقد الجميع في ذلك نوعاً من التجريبية الجديدة، خصوصاً انها توافقت مع إشكالية الأصالة والمعاصرة في الثقافة العربية، وتداعياتها في الفن والفكر والسياسة والمجتمع والتنمية، وقد كرست العقود الثلاثة الأخيرة مقولة التراث على المسرح بوصفه ممثلاً للأصالة في مقابل القالب المسرحي الأوروبي بوصفه ممثلاً للحداثة. وبذا جرى استلهام التراث على هذا النحو التصنيفي المتعسف، ووضعت حلقات التراث ومساحاته في سياقات تراثية في الثقافة التي تنتمي اليها.. إذ من يستطيع أن يفك علاقة المسرح اليوناني بالتراث، أو المسرح الروماني بالتراث، ومن يستطيع ان يجرّد مسرح شكسبير من التراث والتاريخ، أو مسرح أبسن وسترندبيرغ وبرتولد بريخت وموليير وراسين وكورني.. وهل يستطيع أحد ان يفصل اشتغالات المخرجين المسرحيين العظام أمثال ستانسلافسكي ومايرخولد وغيرهم عن تراثهم المسرحي الذين قضوا عمرهم يحفرون فيه، وينقبون في خلاياه.
ومرة اخرى ينحرف النظر الى التراث لأسباب غير عقلانية فوق خشبة المسرح، فوسط الخطاب المنغلق على الايديولوجيا القومية الذي سيطر على الثقافة العربية منذ الستينات انهمكت التطبيقات العملية في هذه الثقافة مع مقولة التراث.. فالمشروع القومي لم ينتقل الى حيز الواقع في أية ممارسة عملية (عقلانية وديموقراطية) وانما بدأت سلسلة اخفاقاته تتوالى.. وبدأت سلسلة من دعاوى الاشتراكية تتحول الى سلسلة من دعاوى الليبرالية، وفي هذا السياق وجدت مقولة التراث تربتها بحثاً في الماضي التقليدي، وإثباتاً لإمكانات الذات القومية المتراجعة.
إن المسرح العربي ـ إذن ـ لا يذهب الى التراث مبرءاً من الاستباقات التاريخية المندمجة في سياقات الظروف الطارئة التي مرت بها الأمة العربية، وانما انغمست فكرة التراث في هذه الظروف وأصبحت احد شروطه.. بينما هي على المسرح تخترقها شروط مغايرة ومختلفة تماماً عن شروط كونها ظرفاً تاريخياً طارئاً...
اما مسألة الشغف بإثبات الهوية العربية على المسرح فهي تتناقض مع عقلانية التجريب التي خرجت في أوساطه أولاً.. وهي لا تنسجم مع خطاب النص الذي يتأسس على شروط متسقة ومتعارضة، منسجمة وغير منسجمة، وذلك لأن الهوية فعل نشحذ به قراءتنا للنص، انها شحنة نملأ بها ما يسميه رولان بارت بالمساحة الفارغة الموجودة في النص. وهي لذلك طارئة.. ومتداخلة مع نشاط القراءة والتأويل المعاكسة ـ ربما ـ للنص. ومن ناحية ثانية فإن شعارات الهوية المطروحة تتعارض مع عقل التجريب الذي يفترض إلغاء حواجز الهوية، وحواجز المصفوفات الاجتماعية التي تصنعها رواسب المجتمع الثقافية. ومن أجل ذلك أستطيع القول إن الكم الكبير من نصوص المسرح العربي التي ذهبت الى التراث لم تؤصل مسرحاً عربياً وانما استعادت تقنيات أصّلتها كشوف المسرح الأوروبي الحديث، وخاصة عند بريخت وغيره، والجانب الذي أصلته حقاً لا يتمثل في ابتكار تقنيات ووسائل وصور وأشكال وانما يتمثل في وضع كم مسرحي عني بتفسير وقراءة التراث لا غير. ينطبق ذلك على مسرح توفيق الحكيم وسعدالله ونوس والفريد فرج ومحفوظ عبد الرحمن وعز الدين المدني وصلاح عبد الصبور وغيرهم.
رابعا: التراث ليس إسقاطاً
حين نقلّب تلك الأوهام، ونعيد النظر في تجاربنا المسرحية، بعيداً عن سلطتها ستبدو فكرة المسرح نقية، من النقاء بحيث لا توصف.. عميقة من العمق بحيث لن تدرك.. معقدة وغير منسجمة من التعقيد وعدم الانسجام بحيث انها لن تجعلنا نفرغ تماماً من قراءتها وتأويلها.. بل انها لن تتسع لها نصوص تجربة مسرحية محددة في مجتمع ما او محيط ما.. اما التراث في النص المسرحي فلا يمكن أن أنظر اليه إلا بوصفه حركة في نسيج ذلك النقاء والعمق والتعقيد، وهو حركة في نسيج الفضاء الذي يسرده النص. وسواء كان هذا التراث موجوداً او متناصاً او متخيلاً فإنه عرضة للتناقض والتعارض مع تشكيلات نسيجية موازية.
سيخضع التراث ـ إذن ـ الى عمليات تحويلية صعبة، وشائكة، استعارات، وتمثلات، وتعارضات لا حصر لها، ستجعله يقوم بالتمثيل..تماماً كما ستقوم أية مادة مستعارة بمثل هذا التمثيل، سواء ترتب على لسان هذه الشخصية او تلك.. فالتراث لحمة داخلية من صور وأفكار، وليس شحنة خارجية من إسقاطات التأويل والقراءة كما افترضت ذلك الكثير من النصوص المسرحية الايديولوجية.. ولذا تمثلته بوصفه حركة ذهنية تجري داخل النص وتكوّن بنيته مع جملة حركات ذهنية اخرى لا حصر،لها لكنه لن تكون حركة هامشية، انها حركة تتصف بالحضور المركزي، والحضور الذي أعنيه أعمق وأشمل من مصطلحات الاستدعاء والتوظيف والإسقاط والتأثير ونحوها.. الحضور هنا يعبر عن هيمنة نسقية لها من القوة بحيث لا يمكن وصفها بأي مصطلح يقصي درجات حضورها، او يختزلها في سياقات وتجليات هامشية.. إن الحضور طاقة متخفية، وقوة مهيمنة وموجهة للمفاهيم والتصورات. والقوة او الهيمنة او الطاقة.. تقرّب مفهوم الحضور الذي أعنيه من الصيغة النسقية التي تتحول فيها مادة التراث الى أفعال ومواقف وأفكار نفسّر بها الواقع وكأننا ابتعدنا عن التراث، بينما النسقية تنخرط بنا في الحضور الشامل للتراث. وسنرى بأن تصور علاقة "الحضور" بين التراث والمسرح هذه ستُعين على إعادة تقييم أدبية نصوص المسرح، كما انها ستنحّي الكثير من التصورات او الأوهام غير الدقيقة في علاقة التراث بالمسرح.
أشكال حضور هيمنة التراث
حضور مسرحي أم حضور مضاد
ومن خلال هذه الملاحظات، وما تبينه من أوهام حول مقولة التراث في النص المسرحي أستطيع الافتراض بإمكانية الكشف عن سلسلة التناقضات المهيمنة التي خلفتها تلك الأوهام في تكوين النص المسرحي الذي أنتجته الحركة المسرحية في الكويت على مدى نصف قرن تقريباً. وهو التكوين الذي أورث لنا نصوصاً لم تحتمل الاستمرار، والخلود في ذاكرة الحركة المسرحية.. لقد تحولت الى "تراث" يصعب احياؤه او استعادته، ومن بين جميع ما عرفناه من النصوص المسرحية التي اخترقها حضور التراث بشكل او بآخر، لم يفكر أحد من المخرجين او الممثلين في إعادة عرض نص واحد منها باستثناء مسرحية "خروف نيام نيام" لحمد الرجيب التي أخرجها الفنان فؤاد الشطي في عام بعد التدخل في إعادة صياغتها. اما بقية الأعمال فتظل حبيسة ذاتها، ودائرتها المغلقة.. وكأنها كانت وليدة ظروف طارئة، وموقتة. انها قراءات.. وتفسيرات أتت بها شحنة من خارجها، وذهبت بها شحنة من خارجها. وهذا مصداق الوهم الذي أنتجها.
والأمر بخلاف ذلك مع نصوص المسرح الكويتي الواقعية المتمثلة بشكل خاص في أعمال صقر الرشود وعبد العزيز السريع، فهي أعمال تمثل التأسيس الحقيقي والخلاق لكتابة النص المسرحي في الكويت.
والغريب أن هذين الكاتبين لم يخضعا لحضور التراث بوصفه مادة خام، وانما خضعا له بوصفه عناصر استيهامية في حركة المجتمع، لعلنا نجدها متخفية في المواقف الاجتماعية والسلوكية والذهنية للشخصيات التي جسدتها نصوص، الحاجز والمخلب الكبير والطين وعنده شهادة وضاع الديك والدرجة الرابعة و(، ، ، ، بم).
الحضور النمطي للتراث
ينطوي الحضور النمطي للتراث في النص المسرحي على تناقض أساسي مصدره أن نمط الحياة.. او نمط المواقف والأحداث والأشخاص ثابت، وانه قبل ان يتحول في مساحة النص كان كذلك، وبعد أن تحول في النص ظل كذلك ايضاً.. انه باستمرار مصدر للأخلاق الثابتة، ومنبع للمواقف النهائية الحاسمة، والمختزلة في الصيغة التي انتهى اليها قبل التحول.. وعند التحول في نسيج النص.
وبهذا المعنى للحضور النمطي يغدو التراث واقعاً ثابتاً وقاراً، وليس حركة متغيرة، وفاعلة، وقادرة على اختراق العلاقات، وتكوين شبكة من التعارضات والانقسامات المكونة لبنية نص او رؤية.. وهو من اجل ذلك يمنح فرصة واسعة لتمثل التراث بشكل يكاد يكون معزولاً رغم الدلالات السطحية التي قد يؤولها النص في اتجاه الواقع.
مع تحياتى ومحبتى الناقد والقاص/صادق ابراهيم صادق