"اسرائيل" : من دولة لليهود الى دولة يهودية!!!!!!


*محمد السمَّاك*


ماذا يعني أن تكون "اسرائيل "يهودية ؟


هناك إجابتان عن هذا السؤال :

الإجابة الأولى تتعلق بغير اليهود من العرب المسلمين والمسيحيين. والإجابة
الثانية تتعلق باليهود العلمانيين غير المتدينين. بالنسبة للفئة الأولى، تقول
الإجابة بصراحة وبوضوح انه لا مكان لهؤلاء في دولة يهودية. وذلك ليس عملاً
بقانون يمنع وجودهم. فالقانون غير موجود. ولكن التزاماً بالنصوص التوراتية.
والتوراة موجودة. واستناداً الى كبير حاخاماتهم عوفوديا يوسف فإن التوراة تقول
بتحريم بيع أو تأجير العرب بيوتاً أو محلات أو أراضٍ في اسرائيل. وهذا يعني
تحريم مساكنتهم. وتطبيقاً لهذا النص التوراتي وقع أكثر من ثلاثماية حاخام هم من
كبار موظفي الدولة في الشؤون الدينية على عريضة نشرتها الصحف تشكل توجيهاً
دينياً لعامة الاسرائيليين يدعونهم فيها للتعامل مع الفلسطينيين العرب كعناصر
غير مرغوب فيها في المجتمع اليهودي.
وجد اليهود العلمانيون في هذا التوجيه نوعاً من العنصرية الدينية التي تسيء الى
سمعة اسرائيل في العالم. ولذلك انتقدوها. ومن هنا كان المدخل الى الإجابة
الثانية حول معنى يهودية اسرائيل بالنسبة لهذه الفئة من الاسرائيليين.
لقد صاغ هذه الإجابة الحاخام عوفوديا أيضاً، وفيها يقول "ان التوراة تقول برفض
اللاتوراتيين (من المسلمين والمسيحيين) وان التوراة لن تتغير كرمى لمجموعة من
الاسرائيليين الذين لا يفهمون روح هذه التوراة وأحكامها. فلا الحاخامات سوف
يسكتون ولا إسكاتهم سيغير الحقائق التوراتية، وهي ان اليهودية لا تقبل غير
اليهودي. ويؤكد الحاخام ان هذا هو الدين اليهودي، "ونحن فخورون بذلك".
وقد أيده في ذلك المستشار القضائي للحكومة الاسرائيلية يهودا فاينشتاين، مما
جعل هذا الموقف العنصري من عرب الأرض المحتلة موقفاً دينياً حكومياً في الوقت
ذاته.
استناداً الى هذه الفتوى الدينية، قررت جامعة صفد طرد طلابها العرب. وتكاملاً
مع هذا القرار، دعا حاخام المدينة الى طرد العرب من مدينة صفد. فإذا كانت
التوراة تحرم تأجيرهم أو بيعهم بيوتاً أو محلات أو اراضٍ فان معنى ذلك تحريم
بقائهم. وبالتالي فان طردهم يكون امتثالاً للتعليمات التوراتية.
كذلك، ارتفعت دعوات تدعو الى تجميع العرب داخل اسرائيل في معسكرات اعتقال
جماعية لدى وقوع أي صدام أو خلاف حاد مع أي دولة عربية أو اسلامية، تمثلاً بما
فعلته الولايات المتحدة مع مواطنيها المتحدرين من أصول يابانية اثر العدوان
الياباني على بيرل هاربر. وتقوم هذه الدعوة على أساس عدم الثقة بالعرب المسلمين
والمسيحيين في اسرائيل الذين يرفضون اعلان الولاء لاسرائيل والتخلي عن قوميتهم
العربية وعن وطنيتهم الفلسطينية، والذين يتمسكون بإيمانهم الديني الاسلامي أو
المسيحي.
يعرف كثير من الاسرائيليين بمن فيهم أعضاء في الحكومة ان هذه الأدبيات الدينية
توصم اسرائيل أمام العالم بالعنصرية وبممارسة الكراهية الدينية التي كان اليهود
أنفسهم ضحاياها على مدى عقود وقرون، خاصة في أوروبا.
وخوفاً على سمعة اسرائيل وحرصاً على علاقات التعاطف معها، ارتفعت أصوات سياسية
واعلامية تندد بالحملة الدينية ضد العرب، وذلك ليس تعاطفاً معهم ولكن رغبة في
التخفيف من رد فعل المجتمع الدولي على هذا الموقف الديني العنصري الجديد.
وفي الواقع، فان المزيد من التهويد يعني المزيد من استضعاف القوى العلمانية في
اسرائيل. والمزيد من استقواء رجال الدين وهيمنتهم على عملية اتخاذ القرارات
السياسية. ونتيجة لذلك بدأ عدد المهاجرين العلمانيين الى اسرائيل بالانخفاض بل
بالانحسار، مقابل ارتفاع حاد في نسبة المتدينين اليهود الذين يحملون أفكاراً
الغائية لكل من هو غير يهودي وخاصة للمسلمين والمسيحيين. ومن شأن ذلك أن يسرّع
في عملية التحول في اسرائيل من دولة لليهود كما أرادتها الحركة الصهيونية
العالمية في عام 1897 (مؤتمر بال)، الى دولة يهودية، كما تريدها الحكومة
الاسرائيلية الحالية التي تُعتبر اكثر حكومات اسرائيل تطرفاً منذ عام 1948.
أدّت هذه التبدلات الى تبدل في طبيعة ديموغرافية الهجرة من والى اسرائيل. كان
المهاجرون الأوائل يعتبرون الهجرة واجباً قومياً ودينياً مقدساً. هدفها العمل
على تحقيق الحلم الذي طالما راود اليهود في شتى أنحاء العالم وهو أن تقوم لهم
دولة. وكان الهدف الأساس والمباشر من الهجرة هو تعزيز هذه الدولة وتقويتها
لتكون ملاذاً لهم إذا ما تعرّضوا مرة جديدة الى الاضطهاد الذي ذاقوا مرارته على
مدى حقب تاريخية متعددة من روسيا في الشرق حتى بريطانيا في الغرب.
غير ان تحوّل اسرائيل من ملاذ آمن لشعب مضطهد الى دولة عنصرية تضطهد
الفلسطينيين أدى الى أمرين :- الأمر الأول حصول هجرة معاكسة من اسرائيل الى
الخارج، شملت نخباً فكرية وعلمية. أما الأمر الثاني فهو تراجع حاد في نسبة
الهجرة التلقائية من الخارج الى اسرائيل واتساع نسبة التهجير من الفئات
العنصرية المتطرفة.
طبعاً، لعبت عوامل عديدة أخرى في التأثير على الهجرة من والى اسرائيل، منها
الاضطرابات الأمنية، والمصاعب الاقتصادية، والتحولات التي طرأت على الاتحاد
السوفياتي (السابق) ودول أوروبا الشرقية. ومنها كذلك الحروب العربية
الاسرائيلية، والانتفاضات الفلسطينية والعمليات الانتحارية، وكذلك بناء الجدار
العنصري العازل ؛ كما لعبت عوامل اسرائيلية داخلية في التأثير على نمط هذه
الهجرة، منها ارتفاع نسبة المتدينين المتشددين في الجيش الاسرائيلي، وسيطرة
التشدد على الحياة العامة في المدن الاسرائيلية بدءاً من مدينة القدس المحتلة،
وسيطرة الأحزاب الدينية على عملية القرار السياسي من خلال اضطرار الأحزاب
العلمانية الأخرى الى التحالف معها من أجل تأمين الأكثرية في الكنيست البرلمان.
وتبين الأرقام الإحصائية أن أكبر مصدرين للهجرة الى اسرائيل هما أولاً روسيا
(الاتحاد السوفياتي السابق)، ثم أميركا الشمالية. فمن أصل ثلاثة ملايين مهاجر
(2,992,870 مهاجراً) حتى عام 2006، بلغ عدد المهاجرين اليهود من روسيا وحدها
مليون و155 ألفاً و 653 مهاجراً. بينما بلغ عدد المهاجرين من أميركا حتى تلك
الفترة 199 ألفاً و 418 مهاجراً. أما بقية المهاجرين فقد استقدموا الى اسرائيل
من فرنسا وبريطانيا وأميركا الجنوبية خصوصاً الأرجنتين وجنوب افريقيا
وأثيوبيا وأخيراً اليمن.
لقد تعامل المجتمع الدولي مع اسرائيل منذ أن فرض قيامها في عام 1948 على انها
حالة استثنائية. حتى عندما كانت اسرائيل تنتهك المواثيق الدولية وتضرب بقرارات
الأمم المتحدة عرض الحائط، وتمارس ارهاب الدولة على نطاق واسع، كان المجتمع
الدولي يجد تبريراً لذلك في أن اليهود عانوا كثيراً وطويلاً من الاضطهاد، وانهم
يتصرفون عن خوف من الماضي وعن قلق من المستقبل.
وقد شجع ذلك اسرائيل لأن تصبح دولة عنصرية بامتياز. بل الدولة العنصرية الوحيدة
في العالم الحديث. وهي في عنصريتها دولة نووية، تملك ترسانة ضخمة من الصواريخ
المتوسطة والبعيدة المدى. بمعنى أن عنصريتها قد تنفجر نووياً في أي مكان من
العالم العربي القريب، ومن العالم الاسلامي البعيد. فهل يتعلم المجتمع الدولي
من النتائج المدمرة للتجربة النازية ويعيد النظر في موقفه من اسرائيل قبل فوات
الأوان ؟