آخـــر الـــمـــشـــاركــــات

+ الرد على الموضوع
النتائج 1 إلى 1 من 1

الموضوع: ثورة الساجدين

  1. #1
    أستاذ بارز الصورة الرمزية NAJJAR
    تاريخ التسجيل
    09/05/2007
    المشاركات
    537
    معدل تقييم المستوى
    17

    افتراضي ثورة الساجدين

    ثــورة الساجــدين
    "إن الله لا يغيَّرُ ما بقومٍ حتى يغِّيروا ما بأنفسهِــم"

    لم يشهد التاريخ مثلها ثورة، ولم يكن يمر بخلد أحد قَطُّ أن تحدث ثورة بهذه المقاييس العالية من الدقة والنظام، ومن الحدة والإلتئام، ومن الوقار والإحترام. ثورةُ شبابٍ بالروح والقلب، وثورة شيوخٍ بالحكمة والحِنكة، وثورة أبناء بالتوقير والإحترام، وثورة آباء بالتضحية والرحمة.
    ثورة عرِف كلُّ جيلٍ فيها مكانه ومكانة غيره، فالتزم كلُّ مَن بالصَّفِّ بمكانه وموقعه، حتى إذا دارت الرَّحى واشتدَّ العصفُ والوغى؛ لم يغادر منهم من أحدٍ موقعهُ وهو سليم، ولم يظهر بينهم منافقٌ أو لئيم، وانطلقت قوات الغدر في الأزقة والطُّرقات، فإذا بها تنكسر وتفر وتدوسُ لواءها وتهيم.
    ثورة بيضاء ناصعٌ بياضها تسر الناظرين، وتلهم المفكرين، وتدهش المُرجِفين، وتزعج مُقامات الظالمين، وتهز أركان الظلمِ في العالم، فيهب كلُّ ظالمٍ من نومِه فزِعًا، يحاول أن يلملِم أركان ظلمِه، ويرأب الصدع العميق الذي أحدثته الثورة الخالِدةُ في جِدار جبروتِه؛ بعد أن أظهَرت واحِدًا يتهاوى ممن هم على شاكِلَتِه. لقد أدرك عُبَّادُ الأصنامِ أنها أصنامٌ لا تضرُّ ولا تنفع، فانفضوا مِن حولِها وشدَّ انتباههم منظرُ الفتح، بلى إنهُ نصرٌ مِن اللهِ وفتحٌ كبير.
    إنَّها ليست مجردَ ثورة، بل فتحٌ من الله له ما بعده من فتوحات، فقد تغيَّر الشعبُ فغيَّرَ اللهُ ما بهِ ورفع عنه حُجُبَ الحرَّية، وألقى الرُّعب في قلوب ظالميه، وألَّف بين قلوبٍ لو أنفقنا ما في الأرض جميعًا ما ألَّفنا بينها هكذا في أيامٍ معدودات، فخرجت جموعُ الشعبِ كما يخرجُ الحجيج، ولبَّت نداءَ الحُرِّية التي منحها إياها خالقُها على صبرها واحتسابها وعودتها وثباتها؛ في وتٍ واحدٍ كأنه يخرج من حنجرةٍ واحدة، قاد الشباب الشيوخَ كما هو الحال دومًا في الحراك الإسلامي، فقد نصر اللهُ رسولَهُ بالشباب، وكُلُّ عودةٍ إلى طريق النصرِ لا تكون بغير الشباب.
    هذا الشبابُ الذي هُمِّشَ قد عاد إلى صدور الصفحات، وأصبح عنوانًا للإصلاحِ بالحُسنى وبالثورات. هذا الشبابُ الذي اتهموهُ بالخنوع وبالخضوع، وقالوا عنه أنه العقبةُ التي صنعوها في طريق الرجوع. عاد إلى ربِّهِ عودًا حميدًا، وانتصر على نفسه وعدوِّهِ نصرًا مجيدًا، أفغر به أفواه المتشدِّقين، وسفَّهَ بهِ أحلام المتصفصتين.
    لقد عرَف الشبابُ أن الإلتزام هو طريق النصر فلزمه، ونعت العالمُ مجتمعهُ بالمتديِّن، ثم تغالوا فنعتوهُ بالمتعصِّب، ثم تمادوا في غلوائهم فنعتوه بالمتطرِّف. وحذَّروا منه العالم، وحاولوا أن يدسوا السُّمَّ له في العسل، فأذاعوا الفاحشة في لباس المدنية، وأحلُّوا له كُلَّ دينٍ يخالف دينَ الإسلام، وسدُّوا أمامَهُ كلَّ طريقٍ يسلكُهُ إلى لقمة عيشٍ حلال، وقرَّبوا إليه كل موائد الحرام، فأخرجَ الله مِن خيرِ مصرَ موائدًا سُمِّيَت بموائِد الرحمن، رحمة من الله للفقير الذين أُسقِط من كل حِساباتِ الحُكَّامِ الظالمين؛ إلا من حساب الفتنة والعذاب، وحساب الإضطهاد والتعذيب. لكنهم رجالٌ صدقوا ما عاهَدوا اللهَ عليه، لم ينكسوا ولم ينقلبوا على أعقابهم، وصبروا وجاهدوا أنفُسهُم استعدادًا لجهادِ غيرِهم، ونصروا الله على أنفُسَهُم، فنصرهُمُ الله على عدوهم. ومكنهم في الأرض، وقد اجتمع الظُّلمُ عليهم فلم يفتَّ في عضُدِهِم.
    وحين أذن مؤذنٌ للصلاة، لبُّوا وصدورُهُم تتلقى رشاشاتِ الماء والرصاص، وتفجَّرُ فيهم قنابل الغاز والدخان، ويسقُطُ منهم من اختارَه الظالمون ليكون ضحيتَهُم وهم لا يعلمون أن الله قد اختارَهُ قبلهم ليكون من المقرَّبين إليه، واصطفاهم ليكونوا من الشهداء، ولتكون دماؤهم طهورًا لقلوب المصريين، يشهدون في لونها الأحمرِ القاني لونَ الحرِّيَّةِ والكرامَة، ويشمون في رائحتها الزكيَّةِ رائحة الجنَّة، فيسعون سعيًا ويطوفون حولَها طوافًا، ويلبُّون بأعدادٍ فاقت كُلَّ أحلامِ الحالمين وكوابيسِ الجبناءِ الظالمين.
    ثم تمتد منهم يدٌ إلى حرامٍ وإن حاول إعلام الظُّلمِ أن يصوِّرهم بغيرِ ذلك، ولم يُفلِح كيدُ الكائدين في الإيقاع بين صفوفِهِم، لا بالنعرةِ الحِزبية، ولا بالإفتراءات الكيدية، ولا بالفتنة الطائفية، ولا حتى بخلقِ صراعٍ بين جيل النصر من الشباب، وجيلِ الدَّعمِ من الآباء، فلم يزهو الأول بنصرِهِ كما لم يتكبر الآخرُ بحكمتِه، وإنما كان الشباب أشدَّ حِرصًا على آبائه، وكان الآباءُ أشدَّ تواضُعًا حين قالوا أن أبناءهم قد فعلوا أكثر مما راودهم في أحلامهم، ولم يجحدُ أىٌّ منهما الآخر، واتفقا على شيئ أذهل العالم، ولم يحدث من قبلُ في تاريخ الثورات، بل هو زلزالٌ سوف تسقط لهزته عروشٌ وطيدة.. لقد اتفقوا على الصلاة.
    وارتبطت ثورتهم بالمؤذِّن، وارتبطت خطتهم بالجمعة تلو الجُمعة، فجاءت جمعةُ الغضب، التي وقفت فيها ملايينُ الثائرين تصلي، وردت بشكلٍ عمليٍّ ومثاليٍّ على خطيئة أهلِ الظلمِ الذين حاربوا المُصلِّين وخرجوا على كلٍّ عرفٍ وشرعٍ ودين. واختفت خراطيم المياة التي عجزت أن تطفئ جذوة الآلاف أمام حشد الملايين، وأخرج الشعب فلذة كبدِه إلى ميدان "التحرير"، في هذا الميدان بالذات، الذي شهدَ من قبلُ تحريف عقيدة الشعب، وكان أحرى به أن يسمى قبلها بميدان "التغرير". غير أنه بقعةٌ طاهرةٌ من أرضِ الوطن، أرادت أن تعود كما عاد الشعب، فأصبح ميدان الععودة والتوبة، وميدان الشهداء، وميدان الحريَّة، وميدان الثورة، وميدان مصر الذي أصبح أشهر ميدانٍ في التاريخ المعاصر، وأصبح عَلمًا إسلاميًّا وعربيًّا، مثل القادسية واليرموك وحطِّين، نقطة فارقةً في التاريخ يختلف ما قبلها اختلافًا بيِّنًا عما يأتي بعدَها. وأضيفَ اسمُ الميدان إلى تاريخ مصر، وشهدت مومياوات الفراعنة على بُعدِ خطواتٍ منها بأن عظمة الشعوبِ لا تخبوا ولا تنقرض، وأن مصر في تاريخ الإسلام، وتاريخ الإسلام في مصر، سيمفونيةٌ لم يعرف التاريخُ لها مثيلاً. وأن سلاطين وملوك ورؤساء وحكام الأرض ليسوا في مُلكِها سوى غيضٍ مِن فيض أو قطرةٍ في محيطٍ ممتد.
    وأذَّن مؤذِّنُ الجُمعَة، والتقت الأقدام بالأقدام، والأكتافُ بالأكتاف، والقلوبُ بالقلوب، والحناجرُ بالحناجر، ونقلت تلفزاتُ العالم ملايين الساجدين، الذين تاعلوا على الظلم وأهله، وركعوا وسجدوا في خضوعٍ وخشوع لله الواحد القهار، الذي له الملك من قبل ومن بعد. وأعادوا ذاكرة العالم إلى يوم العبور، حين عبروا بخطةٍ أسماها صاحبها بخطة "المآذن العالية"، والتي انتكس الظالم عليها ولم يكرِّم صاحبَها بل أهانَه؛ لتأتي الثورة بعد ثمانية وثلاثين عامًا لتُكَرِّمَه. ولم يتساءل أحدٌ ممن ظلموه، لماذا مات هذا الرجُل عشية يوم الثورة؟ وجاء خبرُ وفاتِه مسبوقًا ومصحوبًا ومتبوعًا بأخبار النصر الجديد "وفاة رئيس أركان حرب أكتوبر الفريق سعد الدين الشاذلي". لقد اختار الله ذلك اليوم لحكمةٍ بالغةٍ يسمو فهمها فوق عقول وقلوب الظالمين والمعتدين.
    لو أنه مات قبلها بأسبوع لخرجت جنازته العسكرية وفيها من فيها من الظالمين. ولم يكن ليُسمَح للشعب المحبِّ له أن يخرج فيها، ولم يكن ليُذكر بعدها يومُ وفاتِه. لكن الله أراد ألا يغمِض عبدُه البارُّ على شيئٍ يكرهه، أو أن يمشي في جنازته أحدٌ يكرهه، أو أن يحجب الأبرارُ عن جنازته.. فرحلَ كريمًا كما ينبغي للكرماءِ أن يرحلوا.
    وأما الذي ركب موجة النصر، وادعى لنفسه ما ليس له من الفضل، ومَنَّ على الناسِ بنصرٍ تآمَر وسابقه على سرقته، وامتنع طيران مصر بأمره وأمر سيدِه أن يقتُل شارون وجندِهِ في الثغرة، حتى أن التف شارون خلف الجيش، وأسقط مظلته وجعله عاريًا يتخطفه طيران الصهاينة، تمت لهما الخطة، وجُرَّت مصرُ المنتصرةُ إلى طاولة السلام ذليلة منكسرة، وبكى الشاذلي كما بكى قادة شرفاء، واستقال ثلاثة وزراء خارجية معترضين، واستقال العرب واستقالت مصر، ولم يَعُد الجميعُ إلا يوم أن رحل الشاذلي، وعادت مصر بعينٍ تدمعُ من أجل فراق قائدها، وعينٍ تدمع فرحًا بالحُرِّية. وقبل أن يُوارَى الشاذلي التراب، دفنت مِصرُ في مزبلة التاريخِ نظامًا تطاول عليها ورماها بكل خبيثٍ، ليُرفعَ الشاذليُّ على الإعناقٍ كريمًا مكرَّمًا، ويُخفَض مبارك تحت الأقدامِ ذليلاً مُحقَّرًا.
    وأذَّن المؤذن يدعو للصلاة، وأذن المؤذن للخطبة، وأذن المؤذِّنُ للإقامة، وصلَّت الجموع، في جمعة الغضب، ثم جمعة الرحيل (رحيل الطاغية)، ثم جمعة الحسم حين التقت الحناجر في ميدان التحرير ومصر وبقاعٍ كثيرةٍ من العالم؛ أدركنا ساعتها أنها لن تفوت والظالم في كرسييِّه، لأن الله تعالى مجيب الدعاء، ولن يخذل الملايين التي اتحدت على دعاءٍ واحد، ورددت الملايين خلف الشيخ محمد جبريل الذي اتهموه بالسوء فكان اليوم أيضًا يوم تكريمه، وعودة الشيخ عمرو خالد وآخرون انتهك النظام حرمتهم كعلماء، وعاد الأزهر، وعادت مِصر، فلم يكن النصرُ ليتخلف، سُنةَ الله، ولن تجد لسُنَّة الله تبديلاً، ولن تجدَ لسُنَّةِ اللهِ تحويلاً.

    التعديل الأخير تم بواسطة NAJJAR ; 21/02/2011 الساعة 05:07 AM

+ الرد على الموضوع

الأعضاء الذين شاهدوا هذا الموضوع : 0

You do not have permission to view the list of names.

لا يوجد أعضاء لوضعهم في القائمة في هذا الوقت.

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

المفضلات

المفضلات

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •