التسيير الإداري في ظل الإحتراف الرياضي(2/1)

نعمان عبد الغني

ثار جدل كبير حول أهمية ومضامين التسيير المادي والمالي بالمؤسسات الرياضية العمومية، وامتد هذا النقاش أيضا ليطال إشكالات المتابعة والتأطير والمراقبة المالية في القطاع الرياضي نظرا لعدم تفعيل التفتيش التخصصي من جهة، وما ينجم عن هذا الفراغ من مشاكل وصعوبات وارتباك في التسيير من جهة أخرى·
ولعل الفاعلين الرياضيين بهذه المؤسسات، خاصة منهم مديرو المؤسسات، يدركون جيدا أبعاد هذه التساؤلات لما يعانونه من إكراهات وضغوط يومية مرتبطة بالتسيير الذي يجعلهم على رأس المؤسسة متحملين المسؤولية الأولى في المجال الرياضي والإداري والمالي، والرهان أيضا على أداء المؤسسات الرياضية خاصة في المرحلة الراهنة·
وأعتقد جازما أن من بين أسباب هذا النقاش المستفيض الذي انصب على جزء مهم من النظام الرياضي هو غموض مساطر التسيير المالي بهذه المرافق وغياب استراتيجية واضحة تتضمن رؤية شمولية لجوانب التسيير بالمؤسسة الرياضية العمومية وفيما يلي أقدم بعض الملاحظات الأولية بخصوص التنظيم المالي والمحاسباتي للمؤسسات الرياضية··
1- فيما يتعلق بالنصوص القانونية والتنظيمية التي تُشكل الإطار المرجعي للتدبير المادي والمالي بهذه المؤسسات·
يبرر الدارسون لهذا الموضوع بكون أغلب المداخيل بل وجل الموارد المالية بالمؤسسة الرياضية هي من قبيل انخراطات أو اشتراكات في الجمعيات الرياضية، وهي وضعيات خاصة خاضعة لمبادئ وقوانين تأسيس الجمعيات العمومية·
لذلك فإن صفة الآمر بالصرف والاستخلاص تمنح حينما يتعلق الأمر بواجبات وحقوق مثبتة لها صفة الإلزامية سواء تعلق الأمر بالإستخلاص أو متابعة التحصيل أو تقرير الحق في الإعفاء إذا أوجبه القانون وقررته المقتضيات التنظيمية المعمول بها·
2- إن كون المدير بالمؤسسة الرياضية هو وحده يتحمل جميع المسؤوليات ومهام التسيير الرياضي والإداري والمالي في غياب محاسب مثل المقتصد والممون بالثانوي يجعل من الصعب منحه صفة الآمر بالصرف والاستخلاص طالما أن إدارة الأموال العمومية يجب أن تُسند إلى شخصين متقابلين متعارضين للفصل بين السلط·
3- إرتكاز المؤسسات الرياضية على بعض المذكرات التي ثار بشأنها جدل كبير لكونها تُشكل تناقضا صارخا للمقتضيات المعمول بها في المالية العامة للدولة وتلك المتعلقة بالمحاسبة العمومية والقانون المتعلق بالصفقات العمومية·
- صفته كمدير للمؤسسة يمارس جميع المسؤوليات البداغوجية والإدارية والمالية، حيث يتم تعيينه بقرار·
- صفته كرئيس للجمعية الرياضية للمؤسسة·
- صفته كمحاسب إعتبارا لدوره كرئيس للمصالح الاقتصادية·
إن الدارس يدرك، لأول وهلة، مدى الخلط الواقع في الطبيعة القانونية التي يمارس بمقتضاها السيد المدير مسؤولياته وصلاحياته في ظل غموض المساطر والعوائق والصعوبات اليومية التي يواجهها بمفرده في الإدارة الرياضية·
إن مستوى الضغط وحجم المسؤوليات الملقاة على عاتقه يجعل من العسير أداء جميع هذه العمليات على الوجه الأكمل، خاصة في ظل غياب التشريعات المحددة للتنظيم المالي والمحاسباتي وإطار العمل بكل وضوح ودقة·
4- من بين الإكراهات الأساسية التي تواجهها المؤسسة الرياضية العمومية فضلا عن النقص في الموارد المالية لمواجهة الحاجيات اليومية للتسيير هو غياب بل وعدم تفعيل المراقبة المالية·
5- ذلك أن المؤسسات الرياضية غير مرتبطة إلى يومنا هذا بجدول زمني للوثائق الدورية المالية والمحاسباتية ·
إن انعدام التأطير المالي بالمؤسسات الرياضية وغياب المتابعة يجعل مهمة القائمين عليها ضربا من العبث بحيث لا يمكن أن نتصور أي تسيير دون تأطير ومراقبة وتقويم من طرف ذوي الاختصاص·
وفي ظل هذه الوضعيات يتحتم اللجوء إلى مصادر غير مختصة وغير مسؤولة وغير موثوق من صحة قراراتها واستشاراتها·
إن شمولية الفعل الرياضي تطرح شمولية التقويم، وانطلاقا من هذه الرؤية ومن أجل مواجهة هذا الوضع الذي يتميز بعدة نقائص سنذكرها تباعا، ومن أجل تحقيق الشفافية المطلوبة سواء على صعيد التسيير أو التأطير والمراقبة، ولتفادي تداخل اختصاصات الأجهزة المكلفة بعمليات المداخيل وتنفيذ النفقات (كالجمع مثلا بين مهام الآمر بالصرف والمحاسب في شخص مدير المؤسسة)، وسعيا وراء ضبط المحاسبة المالية والمادية بهذه المرافق العمومية، فإن الأمر يتطلب اتخاذ جملة من الإجراءات لتجاوز الاختلالات القائمة نوجزها فيما يلي:
- تحديد وصياغة التنظيم المالي والمحاسباتي لهذه المؤسسات الرياضية بكل دقة ووضوح·
- تحديد طبيعة العلاقات القائمة بين المؤسسات الرياضية العمومية والمفتشيات·
- الأخذ بجدية بآراء السادة مديري المؤسسات الرياضية ورصد انشغالاتهم اليومية المتعلقة بقضايا التسيير وتوحيد سجلات المحاسبة المادية والمالية·
- تنظيم ملتقيات وطنية وجهوية خاصة بمديري المؤسسات الرياضية العمومية بإشراك مفتشي المصالح الاقتصادية للتداول في القضايا الشائكة للتسيير المالي والمادي والمحاسباتي وعلاقته بالتسيير المالي والإداري·
- إعتماد مبدأ التكوين الإداري والمالي للمؤسسات الابتدائية طبقا لبرنامج زمني محدد·
- مواجهة أسباب ضعف الثقة في المؤسسة الرياضية العمومية وتمكينها من نفس الفرص المتاحة للمؤسسات الرياضية الخاصة، والأخذ بعين الاعتبار المعطيات والإحصائيات الواردة في هذا الشأن من أجل توظيفها كمؤشرات للجودة·
- الإجرأت الفعلية للمفاهيم التحفيزية مثل جودة العمل الرياضي وجودة التسيير التي تقتضي طرح القضايا بكل صدق وأمانة ونهج الحوار الصريح مجردا من كل ذاتية، فضلا عن الاستغلال الأمثل لكل الطاقات والإمكانيات·
إن الأنشطة الرياضية على اختلاف متطلباتها البدنية لا شك أنها تتطلب نوعا مرنا من التسيير الإداري والمالي، بل أنه لابد من إيجاد علاقة بين مواقع القرار والممارسين·
فأصبحت الإدارة الرياضية واقعا ملموسا ملازما للرياضيين، فلا يكاد يوجد بينهم من لم يتعرض للإصابة أو يبحث عن تسديد مستحقاته أو متابعة تأمين هاو وتوفير ظروف إقامته مرات عديدة لذلك بات من الضروري التعرف على أنواع التسيير الإداري الواجب توفيره خاصة مع الإحتراف الرياضي·
فهل نحن مجبرون على تغيير القوانين المسيرة للرياضة أم تغيير المسيرين أم جلب طريقة احتراف للإدارة الرياضية؟··
كيف يتم التعامل مع المؤسسات الرياضية في ظل الإحتراف؟ وهل يحظى الإداري في المجال الرياضي الجزائري بالعناية والرعاية اللازمة؟··
هل التسيير في ظل الإحتراف يقدم الحماية والضمانات الكافية للرياضيين؟ ··
أسباب وأهداف اختيار الموضوع
إن الغموض الذي يكتنف آليات وإجراءات التسيير المالي والإداري، والتعامل مع الممارسة الرياضية الراهنة التي لا تراعى فيها طبيعة النشاط الرياضي الممارس، والوقوف عند التكفل الجيد والمتقن للمؤسسات الرياضية التي تشكو بدورها من نقص التأطير والاختصاص في الادارة الرياضية الحديثة وغياب أساليب العمل الحديثة وبرامج التسيير المالي والاداري، ما يتسبب في صعوبة تحقيق النتائج وتنظيم التظاهرات الرياضية تنظيما مشرفا·
لا أظن أن أحدا قد يعترض في أيامنا هذه على الأهمية القصوى التي يجب أن يحظى بها التسيير المنظم باعتباره مفتاح التحكم في تسيير المؤسسات، ولكونه بالإضافة إلى ذلك الأداة المساعدة على مسك وقياس ورصد كل القضايا الخاصة بحركية المؤسسة بصفة عامة·
إن قدرتنا على التحكم في مؤسساتنا - هيئات، شركات، إدارات··- تكمن في قدرتنا على الإلمام بالمعطيات وتوليد أفكار تلقيناها عبر حركيات داخلية وخارجية وبدون التسيير المنظم تبقى المعطيات خرساء تستنجدها فلا تلبي وتستنطقها فلا تجيب·
ولعل هذا ما جعل الاهتمام بطريقة التسيير المنظم يتزايد في الأوساط المهنية وذلك بترسيخ الفعالية في المؤسسات والإدارات على حد سواء كما تعكس أيضا وبجلاء تعدد الدراسات واللقاءات المتمحورة حولها وذلك لمحاولة ضبط أبعادها وتحديد طرق الاستفادة منها·
إن تعدد الانشغالات والأسئلة المرتبطة بهذه القضية - التسيير المنظم - كثيرة ومتشعبة، البعض منها يمس علاقة المنهج والبعض الآخر يخص حجم مساهمة المناهج وفعاليتها في تحقيق التسيير المنظم دون أن ننسى هامش تدخل الفعل البشري في هذا كله وإلى غير ذلك من الأسئلة الصعبة المصاحبة للممارسة هاته بوجه عام·
ولإضفاء صبغة موضوعية على عملنا هذا وإخراجه من دائرة الطرح المجرد إخترنا فضاء عمليا لتناول الموضوع ومساءلته في محاولة لتبيان أبعاده وخفاياه، وبالتالي تحديد السلبيات والمخاطر·
التسيير المنظم أداة مراقبة ومصدر للمعلومات لم يكن لها وجود في أدبيات التسيير القديم، الأمر الذي يؤكد أن التنظيم ليس بالملحق السطحي للتسيير، وإنما هو دائما قرينه الضروري الذي لا يفارقه·· الأمر الذي يسمح لنا بالقول أن ثقافة التسيير لم تعرف التنظيم إلا في مرحلة متأخرة تزامنت مع مرحلة ظهور ميكانيزمات تخضع للتحليل العقلاني وإذا بها تؤسس لبناء ذاكرة تسجيلية وتترجمها إلى واقع ملموس·
إن التسيير المنظم يمتلك الكثير من المجالات كزاد معرفي ومعلوماتي حقيقي يشكل الذاكرة التسجيلية خلافا لما يسمى - المحاسبة العامة - التي تعتبر بمثابة المخزن الأساسي لجميع المعطيات التي يتم جمعها·
ولعل من أبرز مظاهر الإمتياز للتسيير المنظم هو التعامل الحديث مع المعطيات، إعتبارها إجراءات كاملة ومتصلة ومؤطرة بأصول تتشكل منها قاعدة معرفية والتي يفقد المنهج فعاليته عند غيابها، ليتحول إلى جملة من الإجراءات عديمة النفع، ومن شأنها أيضا الإساءة إلى التسيير وتحريفه عن مراميه الحقيقة·
تعددت تعاريف الإدارة لكونها نشأت وتطورت وهي مرتبطة ومتداخلة مع العلوم الأخرى كالسياسة والقانون والاقتصاد وعلم الاجتماع وعلم النفس وإدارة الأعمال وغيرها·· لذلك أصبح من الصعب إيجاد تعريف شامل لكافة جوانب الإدارة العامة والسبب في هذا هو اختلاف خلفيات الذين تعرضوا لعمليات التعريف بالإدارة، وهذا التعريف لم ينعكس على عملية التعريف بالإدراة فقط، بل تعداه أيضا إلى عملية تحديد ودور نطاق ووضائف الإدارة·
الإدارة لغة: الإدارة في إنجلترا هي مصدر لفعل أدار، وهذا التعبير مشتق من الكلمة اللاتينية ad.ministre وتعني خدمة الغير أو تقديم العون للآخرين، وعلى هذا النحو تعني الإدارة الخدمة وأن من يعمل الإدارة يقوم بخدمة الآخرين أو يصل عن طريق الإدارة للخدمة، وهناك تعاريف مختلفة لمصطلح الإدارة وهو المصطلح الذي يطلق عادة في المجال الحكومي على تنسيق جهود الأفراد والجماعات لتحقيق هدف معين وتشمل الإدارة عدة مراحل: التنظيم، التخطيط، التوظيف، التوجيه، الإبلاغ ·· إلخ·
ويعرفها، فريديريك تايلور، (أبو الإدارة العلمية ومؤسس المدرسة الكلاسيكية) بأنها المعرفة الدقيقة لما تريد من الرجال أن يعملوا، ثم التأكد من أنهم يقومون بعمله بأحسن طريقة وأرخصها، فيما يراها، هنري فايول، قائلا: أن تقوم الإدارة معناه أن تتنبأ وأن تخطط وأن تنظم وأن تصدر الأوامر وأن تنسق وأن تراقب·