أحمد صقر



تحظى ظاهرة المسرح الفردى المصرى بجدل ونقاش منذ زمن بعيد، ذلك أن الكثير من النقاد أثاروا قضية المسرح الفردى ورأوا أن المسرح ظاهرة جماعية وجمعية، فكيف إذن يظن البعض أنه من الممكن أن تتراجع هذه الفكرة، ولو مؤقتا، ليحل محلها ظاهرة قد تستوقف بعض الدارسين، سواء بالقبول أو الرفض، والفيص فى ذلك.
هل من الممكن أن تنجح تجربة المسرح الفردى التى أخذت مسميات عديدة مثل التمثيل الفردى عند الفراعنة أو الممثل الفرد الواحد فى شوارع القاهرة أو المسرح الفردى بالمغرب وأخيرا ما اتفق على تسميته بالمونودراما أى التمثيل الفردى الذى يقوم به ممثل واحد وإن شاركه بمساحات تختلف من نص لآخر ممثلين آخرين دون أن يشغلوا مساحات من النص المؤدى حواريا والاستعانه ببعض مكملات الصورة المسرحية من وسائل اتصال مرئية مثل جهاز التليفون أو المسجل أو غير ذلك من الوسائل الأخرى.

تؤكد "لويس ى. كاترون" أن هذا الشكل المسرحى الذى يعتمد على الممثل الفرد الواحد قد وجد وانتشر فى مسارح أمريكا وأوروبا، وقد اختلفت التسميات، فالبعض يسميها مونودراما، لكن الشكل مرن لدرجة أنه من الممكن أن نسميها أيضا مونولوج وأحيانا يحدد بالمونولوج الدرامى أو المسرحية وأحيانا يحمل مسمى المسرحية الفردية أو مسرحية الفرد الواحد، كما أنه من الممكن أن نستمع إلى مسميات أخرى مثل التمثيل الشخصى أو القراءة الدرامية أو القراءة من فوق المنصة، غير أن هذه الأشكال الأخيرة ليس لها علاقة بتعبيرات الشخصيات .

يرى بعض المستقبلين لفن المونودراما أنها نوع من الهروب من أجمل ما ميز العملية المسرحية منذ النشأة، أقصد الجماعية، ويرفضونها رفضا قاطعا، ونحن لا نرد بالموافقة أو الرفض إلا بعد أن نعطى الإشكالية حقها من الدراسة والتحليل والنقاش محاولين أن نسترشد ببعض الآراء التى ترفض أو توافق على فن المونودراما منتهين إلى تحليل نصين من نصوص المونودراما لنؤكد أو ننكر إمكانياتها فى تحقيق عملية الإبداع المتمثلة فى كون جانبا منها يحمل رسالة يتحمل توصيلها الممثل لتصل إلى مستقبل، هو الجمهور، وفى كل الأحوال لابد وأن يكون لهذه الرسالة مضمون يحقق قدرا من التلقى المسرحى حسيا وعقليا وذلك من خلال الخطاب الاجتماعى أو السياسى أو الأخلاقى أو كلهم معا دون أن ننسى أن البعض قد صدق على التعريفات الواردة فى معاجم المسرح وجعلتها نوعا من المسرح المسمى بالسيكودراما .

تعريف المونودراما

إن فن المونودراما هو فن الممثل الفرد الواحد الذى يمثل ويعتمد فى تمثيله على أداء فردى وفى بعض الأحيان يتحول الآداء- ظاهريا إلى ما يشبه الآداء الجماعى إلا أنهم جميعا لا يتكلمون وينفرد فقط الممثل وحده بمهمة الأداء.

عرف العرف فن التمثيل الفردى قبل أن يصبح الأمر خاضعا للتقنين العلمى الأكاديمى، حيث نعلم أن شخصية الممثل الفرد الواحد تجد ما يعادلها فى معاجم المسرح باسم Monodramas أى التمثيل الفردى وهو اتجاه وجد فى المسرح المعاصر، إذ تعتمد المسرحية على ممثل فرد واحد يؤدى العديد من الأدوار التمثيلية معتمدا فى ذلك على قدراته الأدائية من خلال التغيير فى الملابس والإمكانات الصوتية والجسدية ليصبح بذلك هو وحده ممثلا هذا العمل.

تعرف د. "نهاد صليحة" هذا اللون بقولها "المونودراما هى مسرحية يقوم بتمثيلها ممثل واحد يكون الوحيد الذى له حق الكلام على خشبة المسرح فقد يستعين النص المونودرامى فى بعض الأحيان بعدد من الممثلين ولكن عليهم أن يظلوا صامتين طول العرض وإلا انتفت صفة المونو (من الكلمة اليونانية Monos بمعنى واحد) عن الدراما .
يتوافق التعريف السابق مع الذى سبقه، خاصة التأكيد على كون الممثل الفرد الواحد يتحمل أعباء العرض المسرحى وحده، وإن وجدت شخصيات أخرى على خشبة المسرح، غير أنه ليس من حقها المشاركة فى الحوار.
يعرف "مجدى فرج" المونودراما بقوله هى "محاولة لتلخيص التفاصيل فى الدراما التقليدية دون الإخلال بقواعد الشكل، والصراع، والحدث، والحبكة، والشخصية، فضلا عن حرصها على مكونات التسلسل الدرامى المنطقى، البداية، والوسط، والنهاية، أيا ما تكون مواضعها فى العرض المسرحي ، أى أن المسرحية المونودرامية إنما هى نوع من المسرحيات التى تحتوى على كافة عناصر النص المسرحى بكافة تفاصيله والفارق أن المونودراما تراعى من حيث حجمها نصا مسرحيا أن تكون مكثفة بما لا يطيلها، كما هو الحال فى المسرحيات الأخرى ذلك أن مؤلفها يحرص على التركيز على الشكل والمضمون دون أن يمنعه ذلك من عرض كافة القضايا الإنسانية التى تتناولها الدراما التقليدية هو "درجة التركيز العالية جدا التى تستخدمها المونودراما لتوصيل المعنى وهى بهذا تقفز قفزات أبعد من الدراما التقليدية فى التداول وإن تأسست على قواعد هذه الدراما التقليدية .
يعرف د."إبراهيم حمادة" المونودراما "بالمسرحية المتكامله فى ذاتها التى تتطلب ممثلا واحدا أو ممثلة كى يؤديها كلها فوق الخشبة أمام المتفرجين . إن هذا يوضح أننا أمام نص مسرحى تتحقق فيه كافة متطلبات الإبداع لذا كان من الطبيعى أن نسأل كيف تُؤدًى المسرحية المونودرامية؟

يقوم هذا النوع من المسرح على قدرات الممثل فى الأداء، فهو يتطلب منه أن يقوم بأداء كافة الشخصيات فى المسرحية الواحدة وتحويلها إلى أدوار يتنقل هو بينها بسرعة وأن يوحى بوجود شخصيات أخرى فى هذه العروض هو إيجاد نقاط إرتكاز للمثل مثل وجود أغراض لها صيغة دلالية عالية تكون البديل عن الشخصيات الأخرى بحيث تصبح محاورة الغرض بديلا يستدعى من خلال المحاور الغائب (حوار مع لوحة أو مع قطعة ثياب أو الحديث بالهاتف) .

تتفق الآراء السابقة فى تعريف المونودراما، بل تزداد الآراء وتتكاثر حول المونودراما وتعريفاتها مما يدلل على معرفة الكتاب والممثلين والمخرجين والجمهور بها، وفى هذا الصدد يقول الكاتب الجواتيمالى "ميجويل استورياس" إنها أينما وجد المسرح فالكلمات باقية كلمات حوار الإنسان مع الآلهة وحوار الإنسان مع العالم. إنها كلمات حوار خالد لا يدركه الفناء. ولغة الأجيال الخالدة بتجددها على مدار الزمن تصبح فى المسرح أكثر الوسائل قدرة على الاتصال المباشر بالجماهير .

يعرف المخرج المسرحى المصرى "أحمد زكى" الممثل الواحد الذى يعنى به ضمنيا المونودراما بقوله "كانت العروض الأولى للمسرح فى عهد الإغريق تحتوى على ممثل واحد وكان فى الغالب هو الشاعر نفسه، وكانت تعاونه مجموعة عُرِفَت بالكورس ودورها فى الآداء يجرى فى ترديد فقرات خاصة من النص المسرحى فى ترتيل مُنغًم وبصوت جماعى وعن طريق الرقص أيضا، أما الممثل الواحد- الكاتب الممثل- فيستطيع أن يجسد عدة شخصيات عن طريق قناع مصنوع من الكتان، ولكن ليس صحيحا أن مثل هذا القناع كان يستخدم فى تضخيم صوت الممثل كما تشير بعض المراجع .
وعليه فإن تعريف المخرج "أحمد زكى" يؤكد التعريفات السابقة، غير أنه أكد أن الممثل الواحد عند الإغريق قد استخدم القناع ليقدم من خلاله عدة شخصيات وليس كما أشار البعض إلى تضخيم الصوت من وراء هذا القناع.

يؤكد د."إبراهيم سكر" ما أشار إليه السابقون، غير أنه يضيف فى تعريفه للمثل الفرد الواحد بعدا جديدا يتعلق بالتحول من السرد إلى التمثيل بقوله "لم ينتقل الأمر من مرحلة السرد إلى مرحلة الحوار والتمثيل إلا على يد شاعر آخر هو "ثيسبيس" فى منتصف القرن السادس قبل الميلاد ويتلخص عمله فى أنه أوجد فكرة الممثل فبعد أن كانت الأحداث تروى على لسان رئيس الجوقة أصبحت تمثل أمام النظارة ويطلق عليه اسم "هيبوكريتيس" أى المجيب .
ويعرف د."أبو الحسن سلام" المونودراما فى دراسته عن "المونودراما وفنون ما بعد الحداثة" بقوله: "هى تركيبة درامية من المونولوج والمناجاة الجانبية-، وهو فى هذا يتفق من قريب مع بول فان تيفيم- على هيئة مسرحية قصيرة تأسست بنيتها على صور متشظية لصراع نفسى يدور بداخل شخصية واحدة، متعددة الأصوات وهى أصوات درامية مستدعاه أو مستعادة من موقف أو مواقف ماضية من حياة الشخصية نفسها .
وهنا نستطيع أن نؤكد أن التعريف السابق يُجْمِل ويوحد بين عناصر المونولوج والمناجاة والجانبية، وهى عناصر حوارية يغلب عليها الصفة الفردية وقد عرفت قديما وانتعشت فى زمن الرومانسية، غير أن هذه الشخصية تعانى من صراع نفسى لعجزها السابق عن تحقيق قدرا من الرخاء والقناعة أو لوقوع ظلم عليها من قِبَل الآخرين أو أنها عند إعادة قراءة ماضيها اكتشفت كثير من نقاط الضعف والقصور لذا تستعيد هذا الماضى وتستعيد معه الشخصيات الأخرى غير أنها جميعا تحمل صوت واحد هو صوت الشخصية المونودرامية.

يخالف الكاتب المونودرامى "أمين بكير" الرأى السابق، وذلك حين يقول "أمين بكير" "أن هناك خطأ شائع يقع فيه من يتعرضون لكتابة هذا الجنس الأدبى من المسرح أنهم يتصورون بأنه بالإمكان كتابة مونولوج أو كما أسماه المسرحيون القدماء حوار طويل جانبى هو فى الواقع جزء من عمل مسرحى يخطئون حين يطلقون على هذا الاجتزاء ولو حتى مشروعا للمونودراما فالحق أن هذا الاجتزاء لا يشبع عرضا مسرحيا، ولا يمكن له أن يكون دراما مستقلة .
إن الرأى السابق يفرق بين المونودراما وبين كون البعض يعتقد خطأ أن المونولوج قد يرقى ليصبح مونودراما، والصحيح أن د."أبو الحسن" يرى أن المونولوج والمناجاة والجانبية هى تركيبة باتحادها تشكل بنية المونودراما على المستوى الحوارى، وفى هذا القول شئ من الصحة خاصة إذا فرقنا بين مكونات المونودراما وبين تعريف المونودراما.
ولا ننسى ما أضافه "سمير عوض" حين عرف المونودراما واتفق فى تعريفه مع السابقين، غير أنه أضاف بعدا جديدا تمثل فيما حدث فى القرن العشرين من تطور ساهم بدوره فى اسباغ تعريف المونودراما بصبغة جديدة، أقصد وكما قال "سمير عوض" أن المسرح الحديث أحيا المونودراما فى كل اللغات، حيث ساهمت التكنولوجيا الحديثة فى الإضاءة والأصوات فى خلق عالم كامل ومتغير يساند الممثل .
على أننى وقبل أن أعرض للملامح الفنية والفكرية للمونودراما (بنية المونودراما الفنية والفكرية) أرى أنه يثار تساؤل يستحق منا التوقف عنده، ونحن هنا نتضامن مع ما قالته "ليوس كاترون" ود. "نهاد صليحة" و"أمين بكير" حين سألوا عن أسباب العودة من قِبَل الكتاب لكتابة المونودراما ومن بعد الممثلين والمخرجين لتقديمها.

تقول "لويس كاترون" ساد معظم عروض المسرح الأمريكى تقديم المونودراما لونا من ألوان التعبير الفردى الهام التى حطيت باهتمام المسرحيين داخل وخارج برودواى حتى أن كافة مسارح أمريكا لا يكاد يخلو أى منها من عرض مونودرامى حتى أن عروض المونودراما لا تتركز فقط فى نيويورك بل عبر الولايات كلها فقد اهتم بها وقدمها الهواه، المسارح المحترفة، التعليم الأساسى سواء فى استديو كلية فرجينيا وفى مسارح كنتاكى أو فى غيرهما من المسارح ولعل السبب فى كل ذلك هو الحاجة الماسة إلى هذه النوعية التى تأتى متوافقة مع حاجات الإنسان فى ظل ظروف اجتماعية واقتصادية ونفسية دفعت به وكما تقول د."نهارد صليحة" إلى هذا الاتجاه "أن تكون دلالة الإقبال على المونودراما هى أن الإنسان العربى قد يئس من قدرته على السيطرة على قدره، والإلتحام مع هيئاته ومؤسساته فى صراع بناء والإمساك بتلابيب التاريخ فالتف بفرديته وانزوى داخل ذاته يبحث عن خلاص فردى بعد أن يئس من الخلاص الجماعى؟" .
إن هذا التساؤل منطقى، وربما جاءت المونودراما سبيلا يستطيع من خلاله المبدع أن يقدم إبداعه، خاصة إذا أدركنا أن صدام الإنسان فى النصف الثانى من القرن العشرين ورغبته فى أن يتخلص من المجتمع وسطوته، فترتب على ذلك أن تولد فى المسرح العالمى نوعان من المسرح، أولهما: مسرح جماعى يلتحم بالشعب ويعبر عن قضاياه ومثله المسرح الملحمى أو المسرح السياسى أو مسرح يحب الفردية بعيدا عن المجتمع وجاء مسرح العبث ليمثل هذا التوجه ولعلنا ندرك نقاط التلاقى القوية بين مسرح العبث وبين المونودراما التى تناشد الفردية.

نادى "أمين بكير" من خلال مونودراماته بما نادت به "لويس كاترون" ود."نهاد صليحة"، فهو يرى فى المونودراما مسرحا يتوجه لنوعية كبيرة من الناس اصطدمت مع مواقعها ومع نظمها فجاءت المونودراما بديلا لغيرها من فنون المسرح، كذلك حدد "بكير" لماذا يكتب لأنه يدرك جيدا أن التحولات التى حدثت فى القرن العشرين وتطور العلوم الفكرية والفلسفية والنفسية أتاحت للكاتب أن يغوص داخل النفس وقد مكن هذا الممثل الفرد الواحد أن ينفرد بنفسه يحاورها ويناجيها ويكشف عما يعتريها من أحاسيس فى لحظة صدق تميز المونودراما.

1- أما الخارجى فيعلن "المنافق" رمز الطبقة الفقيرة رفضه لهذه الطبقة الجديدة ورغبته فى البقاء مع أهل طبقته بالحب.
2- عكست هذه المونودراما بنية درامية وجمالية لم تشعرنا بفقدان أى من جوانب الإبداع الدرامية فى المسرحية.
3- تخطت البنية الحوارية للنص مشكلة "مخلوف" لتصل إلى العديد من الناس، مما قلل من فكرة التفرد التى يظن البعض أنها من سمات المونودراما.