العقيد معمر القذافي..../1/
أختلف الناس في أرجاء الأرض في أصل وفصل ونوايا وأهداف معمر القذافي,وحتى في توصيفه ووصفه.
يقولون أنه ولد عام 1942 بالقرب من مدينة سرت.و شارك بانقلاب دموي أطاح بالملك الليبي إدريس الأول. ولم يتجاوز عمره آنذاك 27 عاماً.وقذفت به ثورة الفاتح من أيلول عام 1969م إلى كرسي الحكم. وأنه يهيم بأزيائه الصارخة. وبحرسه الشخصي من الفتيات والنساء المدججات بالسلاح الفردي والجماعي. وكذلك بأسلوبه في أحاديثه وتصريحاته وخطاباته.والتي يتقن فيها أدوارها التمثيلية بكافة أشكالها الدرامية والميلودرامية والفكاهية والجدية والهزلية والتهريجية, كي يشد من خلالها حواس المستمعين والمشاهدين.وأن من هوايته رقصة الفلامنكو,والفروسية.وحبه لشرب حليب النوق. وأنه لا يحب السفر على متن الطائرة فوق البحر.
في عام 1977 أنشأ ما أسماه بالجماهيرية, أو حكم الشعب. حيث تكون فيها السلطة في أيدي الآلاف من اللجان الشعبية.غير أنه احتفظ بالسلطة المطلقة في يديه.وما فاضت عن يداه, وزعها على أبنائه وبنته وصهره وأقاربه وقبيلته و زوجته. من يحبه ويفاخر بإنجازاته, ويختصر إنجازاته على أنه حول ليبيا من دولة منسية إلى دولة شاغلة للعالم بشعوبه وحكوماته. وهذا ما بات حالياً يردده القذافي في مواجهته في التصدي للثورة الشعبية التي تجتاح بلاده وتطالب بإسقاط نظامه.ومن ينتقده يكدس كماً هائلاً عن فضائحه وانحرافاته وضلالاته, ويفيض كثيراً عن مقاصده وحاجاته. وآخر يعتبر أن مآثره تتلخص بأنه حول ليبيا إلى قبيلة واحدة, ترزح تحت زعامته,وبذلك يكون قد حول العشائر والقبائل الموجودة فيها سابقاً إلى بطون لقبيلته. بحيث حَوًل زعماء العشائر والقبائل الليبية إلى مجرد عسكر يأتمرون بأوامره وينفذون تعليماته وتوجيهاته. وهذا ما يتوعد به القذافي المنتفضين على نظامه.حين أعلن بأنه سيسلح القبائل,وسيقودها للقضاء على المتمردين على نظامه. وآخر يقول أنه لا يجد فيه سوى تصريحاته الجوفاء, ومواقفه الكرتونية والكلامية والهلامية والمطاطية,وخطاباته الهيمانونية المزعجة. وفضائحه المدوية وجرائمه وتصرفاته الإرهابية ونهبه لأموال بلاده. وآخر يتعجب من وجود 3 قواعد جوية كبرى في ليبيا عندما قام القذافي بثورته. واحدة بريطانية,والثانية إيطالية,والثالثة أمريكية كبرى ومجهزة ضد القنابل النووية.وهذه القواعد لم تحرك ساكناً على ثورة القذافي.و القذافي هو من أغلقها.رغم أن الملك السنوسي هو من أعطى الأذن ببناء هذه القواعد الجوية. وتتناقل الفضائيات اليوم أخبار عن وجود مخازن لأسلحة أميركية في ليبيا ,وعن أسلحة هربتها مخابراتها من تونس إلى ليبيا.وآخر يعتبر أن كل ما حققه من إنجازات,جرفها سيل تصرفاته وألفاظ خطاباته ودماء من قتلهم في تصديه لانتفاضة الشعب الليبي.
وصفه الرئيس رونالد ريغان بكلب الشرق الأوسط المجنون.وبحث جورج شولتز في اجتماع رسمي في إمكان حقنه بفيروس الايدز للتخلص منه.وزاره وزير الخارجية السابق كولن باول مراراً وتكراراً .وأتفق معه على ضرورة أن تسلم ليبيا بكل مفردات وخطوات ومخزونات مشروعها النووي,وأسماء من شاركوا فيه, وكافة الجهات التي ساهمت فيه.وأن يسلم الولايات المتحدة الأميركية كل ما بحوزتها من وثائق تهمها في حربها على الإرهاب. ووعده باول بأنه سيعتمد حليفاً موثوقاً لبلاده إذا أقر بمسؤوليته عن حادثة لوكربي كي يغلق ويطوى هذا الملف إلى الأبد. أما إذا كان سخياً بدفع مليارات الدولارات لأسر الضحايا,فأنه سيساهم مساهمة كبيرة في دعم إدارة الرئيس جورج بوش في محاولاتها لشطب أسمه وأسم بلاده من لائحة القوى والبلدان والزعماء الذين يدعمون القوى والمنظمات والفصائل الإرهابية. وكذلك في دعم جهودها في إطفاء جذوة غضب و سخط الشعب الأميركي على معمر القذافي. وبررت كونداليزا رايس وزير الخارجية الأميركية السابقة, زيارتها وهي على متن الطائرة التي تقلها للقاء القذافي قولها للصحافيين:أنه لا أعداء دائمين للولايات المتحدة الأمريكية.
ويقول البعض أن القذافي كان وما يزال ممثلاً بارعاً.وأنه لو أستغل موهبة التمثيل لديه في التمثيل لكان النجم العالمي بدون منازع. وخاصة حين تظاهر أمام الجماهير بحزنه وجزعه على وفاة الرئيس جمال عبد الناصر, وأندفع هائماً على وجهه في شوارع القاهرة مفجوعاً مصدوماً بوفاته. وحتى أن البعض أعتبر تصرفه هذا إنما كان قصده منه خطف جماهير عبد الناصر, وكسبها إلى جانبه وصفه.كي يبايعونه ليكون خليفته في أرض العرب. وأنه تظاهر بتبنيه أرث الرئيس جمال عبد الناصر. والدعوة الناصرية إلى أقامة دولة الوحدة العربية مع مصر.ولكنه لم يبذل أي جهد يذكر في أي منهما.وحتى أنه لم يعد يذكر أسم الرئيس جمال عبد الناصر على لسانه.وأن القذافي تظاهر بالإحباط من نظام حكم السادات. و تَزعم مسيرة شعبية كي تقتحم حدود ليبيا إلى مصر بغرض إقامة دولة الوحدة معها. فأتخذ الرئيس السادات منها مبرراً لإشعال فتيل حرب مصرية ليبية. زهقت أرواح الكثير من البشر.ومن بعدها أتجه لتطوير علاقته مع الرئيس السوداني جعفر النميري التي خبت بسبب مواقفه من نظام السادات.رغم أنه كان يعتبر جعفر النميري ناكراً للجميل الذي أسداه له حين أعتقله الانقلابين. فلولا مساعدته العسكرية والجوية ,وإرغامه الطائرة التي تقل هاشم العطا إلى الخرطوم بالهبوط في ليبيا .واعتقاله وتسليمه مخفوراً لجعفر النميري كي يعدمه. لبقي النميري يرزح في السجن لعقود طويلة. ولكنه عاد لغزل أستمر عدة سنوات مع النميري,ولكنه لم يجدي ولم يفلح في توطيد علاقاته بالنميري,فانتهى الغزل إلى الفراق و الطلاق. ولكنه كان حريصاً على أن لا يرتكب أي خطأ مع أي سوريا والعراق,وحافظ على أن يكون على مسافة واحدة منهما. أدعى بأنه عكف على القراءة والمطالعة والتبحر بعلوم الفكر والتاريخ والثقافة والجغرافيا. وبعد فترة أطل بثقافة جديدة. وصبها في كتاب عنوانه الكتاب الأخضر. وأنه عبارة عن نظرية كونية ثالثة. اعتبرها بديلاً عن الرأسمالية والماركسية معاً. وبعد فترة وجيزة, تبين أن من كتب الكتاب الأخضر إنما هو شخص آخر. وحينها قال مؤلف الكتاب الأخضر لمن راح يستفهم منه عن الحقيقة ويسأله.فيجيبه: لا تتعجب لأنني كتبت هذا الكتاب,والذي بالكاد قرأته,لكن أتدري مقدار المبلغ الذي تلقيت مقابله من معمر القذافي؟.
دعا القذافي إلى اعتماد الجماهيرية على صعيد العالم.وكان كثير الشكوى والتذمر من أن مشاريعه الوحدوية في السبعينات والثمانيات من القرن الماضي لم تنجح .بسبب أن النظام العربي قد أصبح شديد القطرية أولاً.وأن العرب في انحطاط ثانياً.وأن العرب لا وجود لهم على أرض الواقع ثالثاً.وأن الثورة العربية بكاملها قد أجهضت, ومنيت بهزيمة تاريخية شديدة الخطورة رابعاً.وأن الواقع العربي في حالة احتضار,وفي وضع مأساوي وبالغ الخطورة ليس بعده إلا الموت, وفناء الأمة العربية خامساً. ولهذه الأسباب وجد أنه لم يعد أمامه من سبيل سوى في أن يشدد على دور ومكانة ليبيا .معتبراً أن صوتها مازال هو المسموع في العالم العربي والعالم.لأن ما يحدث فيها يعكس حلم الجماهير العربية.وليس من المستغرب بنظره أن تتألف لجان ثورية سرية,تعمل وتنشط في أرجاء الوطن العربي.مؤكداً على أن مستقبل الأمة العربية هو في أيدي ثورة الفاتح الليبية,التي يزداد تأثيرها يوماً بعد يوم.لأن ليبيا بفضله باتت تملك كل الوسائل التي تجعلها قادرة على صنع المستقبل.مشدداً على أن من يسعى لإقامة علاقات مع العالم العربي يجب عليه أن يأخذ بعين الاعتبار ليبيا.وأن يتعامل مع الثورة الليبية التي يزداد تأثيرها يوماً بعد يوم.لأن الثورة الليبية هي ثورة المستقبل لأنها من صنع الجماهير.وأن من يحارب ليبيا يحارب في الواقع الديمقراطية والحرية وسعادة الناس.ويعتبر البعض أن هدف القذافي من كلامه هذا هو دفع الأمة العربية إلى اليأس والإحباط. وطمس دور سوريا,ودور قوى الصمود والتصدي والممانعة, وقوى المقاومة الوطنية التي كانت ومازالت هي الأمل,وهي من ألحقت بكل من إسرائيل والولايات المتحدة الأمريكية وقوى الاستعمار الهزائم المرة. وهي من أجهضت المشاريع المشبوهة ومشروع الشرق الأوسط الجديد.
يرد القذافي على من يقولون أن هاجسه إنما هو إقامة الجماهيرية أو دولة الجماهير.قائلا لهم: لو أن الظروف سمحت لجمال عبد الناصر لكان قد فعل في مصر ما يفعله هو في ليبيا.فالجماهير بنظره لا تستطيع الوصول إلى السلطة إلا عن طريق المؤتمرات الشعبية واللجان الشعبية. فالثورة لا تحتاج إلى مال وسلاح.حيث لم يكن لديه أي منهما حين قام بالثورة.لذلك فالذين يطلبون من ليبيا السلاح والمال للثورة لا يريدون القتال,فالقتال لا يحتاج إلى مال وسلاح. ويتهمه البعض بأنه يناقض كلامه في قتاله لشعبه اليوم بكل ما لديه من مال وسلاح, وأنه جند لقتالهم بلطجية ومرتزقة شحنها من خارج بلاده.وراح يدفع لكل منهم 2000دولار كأجر يومي.
أعتبر القذافي نفسه معارض على المستوى العالمي. وأنه زعيم المعارضة العربية, وزعيم المعارضة على المستوى العالمي أيضاً. ويعتبر أن المعارضة في ليبيا موجودة في المؤتمرات الشعبية.حيث يحق لأي فرد, أن يدلي في هذه المؤتمرات برأي معارض,ويدافع عنه.وإذا لم يقتنع برأيه مؤتمر الشعب ,فإن رأي هذا المعارض يبقى شخصياً.ولكن إذا أراد أحد أن يقضي على سلطة الشعب,فإن الشعب سيقف ضده.ويصبح حينها عدواً للشعب الليبي,ويعامل على هذا الأساس.فلا معنى للمعارضة بنظر القذافي,إلا إذا كانت هناك فئة من المواطنين في الحكم.وفئة أخرى خارج الحكم,وتسعى الوصول إلى الحكم.ولكن حين يكون الجميع في السلطة كما هو الحال في ليبيا, فكيف يمكن أن يكون هناك معارضة,أو من يعارض؟. وهنا يرى البعض أن القذافي هو من همش وأبعد من سلطته الملايين من الليبيين الذي ينتفضون عليه ,ويطالبون بإسقاطه وإسقاط نظامه.
يفاخر القذافي بوقوفه إلى جانب المعارضة الثورية ,وإلى جانب رجال الشارع,والمضطهدين والمستغلين في أي مكان من العالم,والذين لا سلطة لهم ولا ثروة ولا سلاح. ويفاخر بدعمه لحركات التحرير في العالم.لكن السيطرة الصهيونية على وسائل الإعلام بنظره,تظهر أن عمله هذا إنما هو دعم للإرهاب,وعمل إرهابي. ولكن هناك اليوم من يتهمه بأنه هو من أغتال موسى الصدر ورفاقه, وكذلك اغتياله الصحفي اللبناني سليم اللوزي .
يقول القذافي: بأنه لم يطالب باغتيال السادات بعد توقيعه على معاهدة كامب ديفيد.وإنما أعتبر انه يكفي أن ينزل الشعب المصري إلى الشارع ,وينام في الشوارع.وحينها سيجبر أنور السادات إلى إلغاء معاهدة كامب ديفيد.فالمظاهرات في مصر كفيلة بإسقاط أنور السادات والمعاهدة معاً.ولكنه ينتقد أسلوب المظاهرات في مصر.حيث يهرب المتظاهرون وتنتهي المظاهرة فور حضور رجال الشرطة المسلحون إلى مكان المظاهرة.وهذا خطأ.ويجب أن لا تتوقف المظاهرة حتى ولو ضرب رجال الشرطة المتظاهرين ونكلوا بهم.وعلى المتظاهرين أن يردوا على رجال الشرطة وأن يضربوهم.وقد يقولون أنهم سوف يلقون بالمتظاهرين في السجن. ولكن هل يستطيع السادات وضع مليون شخص في السجن ؟ ويجيب بنفسه على تساؤله:أن السادات لا يستطيع. فالحكومة المصرية لا تستطيع زج ربع مليون شخص في السجن.لأنه لا سجون لديها لتتسع هذا العدد. واليوم يتهمه معارضيه بأنه لم يتقيد اليوم مع شعبه بنصيحته التي أسداها للشعب المصري, ويحرمها على شعبه. وأنه نسخة طبق الأصل عن الرئيس محمد حسني مبارك حين نصح صدام حسين بالتنحي عن الحكم والرحيل عن العراق. بينما أصر على عدم التنحي والرحيل,معتبراً أن الذي عليه أن يرحل إنما هو الشعب المصري برمته.
يعترف القذافي بأن ما قدمته ليبيا لإفريقيا يتجاوز بكثير ما قدمته فرنسا والولايات المتحدة الأمريكية لهذه القارة.وربما لهذا السبب بويع ليكون بملك ملوك أفريقيا ورئيس رؤسائها, لما قدمه لإفريقيا من أموال كثيرة. يعتبر القذافي أن الوضع في تشاد يهم ليبيا وأمنها أكثر مما يهم أي دولة أخرى في العالم.وأنه بذل جهوداً كبيرة ومضنية قي سبيل تحقيق الوحدة العربية ولكنه فشل. ولذلك أتجه لتحقيق الوحدة المغاربية. ولكنه في هذا الاتجاه لم ينجح كما كان يريد ويرغب أيضاً.فاستدار نحو أفريقيا, ليعلن أنه أفريقي وبلاده بلد أفريقي.وأن كل همه هو توحيد الدول الأفريقية في دولة واحدة.لأنها هي من ستكون بيضة القبان في العلاقات الدولية.
ويفاخر معمر القذافي بأنه هو من دعم استقلال الايرلنديين والكورسكيين والباسك وجماعة موروا في الفيليبين وحركة أبوسياف.حتى أن أخوان شقيقان من قادة أبوسياف أسمائهما هي: القذافي أبورزق,و القذافي جنجلاني. و يعترف القذافي بأنه أغدق الأموال على تنظيمات لبنانية وفلسطينية مختلفة, وأقام علاقة وثيقة مع الرئيس أمين الجميل منذ سبعينات القرن الماضي .ومازالت علاقاته حتى اليوم معه وثيقة و وطيدة.
يتهم البعض معمر القذافي بأنه همش جميع رفاقه في ثورة الفاتح من أيلول.حيث لم يبقى منهم سوى ثلاثة: الخويلدي الحميدي من بلدة صرمان ومكلف بملفات سياسية وعسكرية يحددها له القذافي. ومصطفى الخروبي من محافظة الزاوية ويسند إليه القذافي مسائل عسكرية كي يهتم بها.وأبو بكر يونس من خزان,و يحدد له القذافي مسائل عسكرية كي يهتم بها. وأعتزل أربعة من رفاقه وهم:بشير هواري ,و مختار القروي, و محمد نجم,و عوض حمزة. أما عبد السلام جلود وهو من سبها,فقد أعتكف ولم يعد مُنظر للثورة منذ عام 1995م.
ويتهم القذافي القاعدة في ما تشهده ليبيا.كما أتهمها من قبل زين العابدين ومبارك.وكأنهم يهيجون الولايات المتحدة الأمريكية كي تسارع لدعمهم.ويبرروا استخدامهم القوة المفرطة في قمعهم للانتفاضة.ويستثيرونها بمعزوفة واحدة.ومفادها:أن سقوطهم,وسقوط أنظمتهم ورحيلهم,سيفتح باب بلادهم على مصراعيه لسيطرة الإسلاميين على الحكم ومقاليد السلطة.وكأن الشعوب العربية بنظرهم لا وجود ولا قيمة لها.وكأنهم على علم ومعرفة ودراية بأن الإدارات الأمريكية أكثر ما تكره,إنما هما الإسلام,والعرب من مسلمين ومسيحيين. ويتهمونها على أنها هي من خانتهم وخذلتهم وغدرت بهم كي تستجدي حب ومحبة جماهير الانتفاضة لها.
الأربعاء:2/3/2011م العميد المتقاعد برهان إبراهيم كريم
البريد الإلكتروني: burhanb45@yahoo.com
bkburhan@maktoob.com
bkriem@gmail.com