آخـــر الـــمـــشـــاركــــات

+ الرد على الموضوع
النتائج 1 إلى 15 من 15

الموضوع: زمن الشمع

  1. #1
    أستاذ بارز الصورة الرمزية سعيد أبو نعسة
    تاريخ التسجيل
    02/12/2006
    العمر
    70
    المشاركات
    1,050
    معدل تقييم المستوى
    19

    افتراضي زمن الشمع



    زمن الشمع
    حاصرَتْـني الجهات الستّ هذا المساء، كشَّرتْ عن أنيابها كوحوش أسطوريّة، وأنشبَتْ مخالبها في حجارة منزلي، فانبجست منه اثنتا عشرة عينا، لا تصلح منها عينٌ واحدةٌ للشرب.فالدموع لم تكن يوما ماءً قراحًا، ولا تحوّلت الدماء إلى سلسبيل.
    وطني ليس هذا المخيّم، فمنزلي إذًا ليس منزلي، حتى وإن كان يقيني لفْـحَ الهجير ولسع الزمهرير.
    كلّ شيء صار مؤقّتا؛الأوطان والحريّة والسلام والعدالة والديمقراطية،كلّها مؤقتة. الدوام لله وحده وللحقّ السليب.
    أخجَـل أن أذكر حدود منزلي من الجهات الستّ.
    نعم ! الجهات الستّ وليس الأربع. السماء والأرض من ضمن الجهات أيضًا.
    ليس صحيحا أنهما جهتان ثابتتان! فالأرض تختلف من شبر إلى شبر؛ وسماء (مونت كارلو) ليست كسماء (الخليل) أو (قانا الجليل) أو (بحر البقر).
    لا داعي للخجل، فمنزلي مُحَـاط من الشمال بالمزبلة العموميّة، ومن الجنوب بالمراحيض العموميّة ومن الشرق بحنفيّة الماء العموميّة، ومن الغرب ببحر الأوهامِ ذلك المستنقعٍ الآسنٍ الذي تنتشر على ضفافه نباتات طفيليّة،لا حول لها ولا قوّة وتعشّش في أحشائها الديدان، وأصناف البعوض ؛ بعضها كالعلقة يعيش على دماء الأحياء، وبعضها كالفُسّاق الطائفين حول البيت العتيق ، ضجيج وعجيج ، ولا حجيج !
    أعوذ بالله من كلّ الفصول ومن كلّ الجهات!
    أطبقت عليّ الروائح الستّ هذا المساء ممزوجة بظلمة حالكة، فأزلجتُ باب غرفتي اليتيمة، وخنقتُ المسارب المحتملة لأي شعاع يحاول التسلل لتعكير خلوتي مع هذه التماثيل التي شكّلـتُها بيديّ.
    أريد أن أرحل إلى داخلي.. أن أسافر عبر هذا الجِرم الصغير.
    تحسّستُ جسدي وحمدتُ الله لأنني ما زلت جزءًا من هذا الوجود.
    تخيّرت وسط الغرفة، لا إيمانا بخيريّة الأمور الوسطى ، بل تشبّها بالرهبان البوذيين.لا يرضى بأواسط الأمور إلا عديم الطموح،و لا يقبل بأنصاف الحلول إلا من لا حقّ له .
    تربّعت، صافقا باطن كفي أمام جبهتي، وأسبلت جفوني،مطأطئا رأسي.
    وجدت الظلمة الداخلية أخفّ ممّا يحيق بي من ظلمات. ورأيت خيط نور وردي فارتحلت معه إلى شعاب الذاكرة !
    لا أرغب في اجترار الماضي القريب،فأنا أكره الزيف والتخاذل وأمقت الظلم والتنازل!
    أحبّ الطفولة،هي البراءة البِكر، تظلّ المعين الأصفى والأغزر، هي عماد شخصية الإنسان وملهمة الأديب والفنان؛معها يطيب الارتحال .
    قيل لنا يومها: رئيسكم هو ذاك الرجل.. رئيس من لا رئيس لهم.
    لم نجد غضاضة في تمجيده، والغناء له على رؤوس الأشهاد، وفي حلقات الرقص الطفولية.
    ولم يساورنا أدنى شكّ في أن صورته محفورة على وجه القمر.
    إذا حلفنا يمينًا غير حانث قلنا : وحياة الرئيس. وإذا ادلهمّت حولنا الخطوب قلنا: لن ينقذنا منها الاّ هو .
    كان مقداما قوي الشكيمة ، لا يخشى في الحقّ لومة لائم .
    إذا جلجل صوته ارتَجَّ الغرب والشرق.و إذا صَمتَ حسب العالم لصمته ألف حساب .
    يومها،صنعت لرئيسنا تمثالا ضخمًا طويلا من الثلج، وخلعت عليه بردتي السمراء، وقبعة عسكرية كانت جزءًا من بزّتي العسكرية الصغيرة.
    فجأة.. سطعت شمس حارقة وأذابت تمثالي، فقررت أن أنحت لحبيبي تمثالا من الصّخر الأصمّ، لا تقوى عليه نوازل الدهر، ولا تقلّبات الطقس.
    كان مخيّمنا مكبّلا بالشّوك والصخور ، وكان والدي حجّارا، يجتاز حقول الشوك يرويها بقطرات حمراء تنزّ من ساقيه، ليصل إلى منبت الصخر ، يقضي نهاره بين نارين : شمس لاهبة ، وحجر كالجمر يشوي يديه تحت ضربات الإزميل والمطرقة ليخرج الحجر بعد عناء طويل، أملس متساوي الأضلاع والزوايا، يبيعه والدي للبنّائِين بثمنٍ بخس دراهم معدودات، لا تسمن ولا تغني من جوع .
    اختلست من والدي الصنعة، وإزميلا صغيرا ومطرقة، وغامرتُ في الخروج من بوابة المخيم، لا ألوي على شيء، ولا أكترث للشتائم ولا لركلات أبناء العمومة!
    جلستُ جلستي التأمّـلية هذه أمام صخرة صغيرة،اخترتها هشّة لتطاوع عدتي الصغيرة، وقوّتي الواهنة. ورحت أُعمِل الأزميل في جسد الصخرة حتى استحالت تمثالا، قدّرت أنّه يشبه رئيسنا.
    وقعت في مشكلة عويصة! كيف سأفصل التمثال عن جذوره الضّاربة في أغوار الأرض؟
    تركُهُ في العراء أمرٌ غير وارد !
    قبـَّـلته قبل أن أقف وقلت له : سأعود لنقلك إلى داري.
    ماذا حدث بعد ذلك؟ ..ماذا حدث؟ أسعفيني أيّـتها الذاكرة!
    أجفلت لرؤية والدي، كان يرقبني من خلف إحدى الصخور.. تأمل التمثال وأطلق صفرة مدوّية: هو..هو.. هو.. حقا أنت ابن أبيك!
    وعالج الصخرة بمهارته، فإذا التمثال يتربّع من منزلنا سدّة الطاولة، إلى جانب الراديو، فصار الجيران يتهافتون لسماع خطب الزّعيم في بيتنا، شاخصين بأبصارهم إلى التمثال الصخري 0

    ما زال الظلام دامسًاهذه الليلة .. لن أفتح عينيّ وإلا فقدت شريط الذكريات.
    أين خيط النّور الوردي، يقودني إلى تلك المرأة الحنون؟ شَعرٌ فاحم، وثغرٌ باسم، تروح تشرح للجارات دلالات خُطَب الزعيم، وتداعياتها المرتقبة ، ثم تتمايل أمامهنّ في خفّة واعتزاز مفتخرة بتمثال صخري نحتته أنامل ابنها الغضّة.
    كان في إعجابهن بعض الإطراء وكثير من التملّق والمبالغة في تقريب أوجُه الشّبه بين التمثال والزعيم.
    مخاتِلة هذه الذاكرة.. تُسجِّـل الأحداث بالتتابع لحظة فلحظة؛ ولكنها عند الاسترجاع تخلط الحابل بالنابل ، وتخبط في الزمان والمكان خبط عشواء!
    ها هي أمّي تصحبني إلى السوق ، لشراء حذاء من الكتّان الأبيض، هو أول حذاء تنتعله قدماي حتى ذلك التاريخ.. والمناسبة جليلة وتاريخية.. لن يكرّرها الزمان.. سنجتاز الحدود لسماع خطاب الزّعيم!
    سيقول كلامًا خطيرا ، مُشافهًا ملايين المنتظرين المتلهّفين لرؤيته، سيعلن أمرًا طال انتظاره من الماء إلى الماء!
    لم أَنم تلك الليلة ثانية واحدة! شَغَلتْني الرحلة المرتقبة بكل دقائقها، بدءًا من الحافلة التي كنت سأمتطيها للمرة الأولى، وانتهاء بالطريقة المثلى لتقديم التمثال إلى الزعيم.. ولعل رائحة الحذاء الجديد الذي كنت أتوسّده، ساهمت في طرد شبح النوم عن عيني أيضا!
    لماذا أنشج الآن .. بعد ثمانية وأربعين عاما!
    أجل ... هكذا ذرفتُ دموعًا حرّى آنذاك، لا لأن الرّحلة أُلغيت فقط، بل لأن السبب المعلن للإلغاء: خطورة سكّان المخيّمات على حياة الزعيم!
    لم أصفع التمثال يومها- لا يصفع الحبيب حبيبه- لكنني رمقتُه بأسى ،ومرارة ما زال طعمها يمرّغ حلقي.
    كبرتُ.. وكبر المذياع والمذيع واستطالت نشرة الأخبار.ولم أعد أسمع خبرا واحدا عن رئيسنا.
    تطاحن حولنا الرؤساء. تقلّصتْ أوطانٌ وتبدّلتْ خرائط.. والنشرات الإخبارية تنفَـلِش شعارات وشعائر.
    عدلتُ عن قراري بصنع تمثال أضخم للزعيم ،وتحوّلتُ إلى تشكيل تماثيل الشمع!
    الشمع يناسب هذه المرحلة!
    صنعتُ عشرات التماثيل .. بعضها ساخر تهكّمي.. وبعضها تهكّمي ساخر!
    نصبتها في أرجاء غرفتي الوحيدة، بعد أن كسَدتْ تجارتهاولم يُقبل على شرائها أحد ؛هاهي حولي الآن،يطمسها الظلام ويلفّها سكون قاتل و تجثم جثثًا بلا حراك..
    كنتُ أصنعها كيفما أشاء! أضع الرأس مكان الذيل،والثدي مكان الشارب المعقوف!
    أُجلس هذا المسؤول على عرش شمعيّ، وأُجلس ذاك على خازوق خشبيّ!
    عود ثقاب واحد.. وتسيل التماثيل حولي.. تصبح أثرا بعد عين!
    عود ثقاب واحد أَحرقَ روما من قبل! وعود مُشابهٌ سيحرق مُدن الشمع!

    " أصحابَ التماثيل الشمعيّة التي تحتلّ غرفتي وأعصابي:-
    بما أنّني أخرجْتُكم إلى دائرة الوجود الشمعي، فأنا أُصدِر إليكم أمرًا بتوجيه خُطَبكم الرنّانة إلى شعوبكم الخَلوقة والمطيعة، كي تهبّوا هبّة رجل واحد، لإنقاذ امرأة تصيح في أرض كنعان: واشرفاه!
    وإلا فتحتُ جفوني الآن. وقطعتُ جلسة التأمّل هذه.. وأشعلت عود الثقاب في وجوهكم . سأطمس معالمها وأجعلها شوهاء!
    لا يهمني هذا الهدير، يهزّ الأرض تحتي، ولا يعنيني ارتجافكم اللحظة كمرضى (الزهايمر).. لا تخافوا.. إنه اختراق بسيط ومألوف لجدار الصوت!
    قد يُقصف المخيّم اللحظة.. أو في أية لحظة.. وأغلب الظن أنهم لن يقصفوا محتَرفًا لصنع التماثيل.. هم على يقين بأن الروائح ستخنقه من جهاته الستّ عاجلا أو آجلا !"

    أين خيط النّور الورديّ.. أين اختفى..؟
    لاوتسي.. لاوتسي ..!
    ما الذي استحضرك أمامي الآن؟
    أقوالُك ترنّ في رأسي:"خيرما في المسكن الأساس".
    منزلي بلا أساس: لبِنات مصفوفة ، و ألواح مسقوفة 0
    سأُكمل جلستي التأملية هذه، تحت الأنقاض، إذا قُصفت المدينة المجاورة لمخيّمنا0
    قل لي: كيف متّ يا جدّ الحكماء؟
    هل قُصفتَ بالأباتشي أم بالمدفعية البعيدة المدى؟
    لا تبتسم ببلاهة دبلوماسيّة صفراء اصفرار وجهك! سؤالي واضح ومحدّد!
    لا تأخذني في رحلة فلسفيّة بحثا عن جواب غامض ومعقّد حول مفهوم الموت والحياة !
    وهل تتوقع أن يموت إنسانٌ ما في القرن الحادي والعشرين ميتةً طبيعية؟
    أجبني.. على الأقل لأنّني أُقلّدك الآن في جلستي التأمليّة هذه!
    أجبني قبل أن ..
    الاهتزاز يشتد تحتي، يا (لاوتسي)-مع حفظ الألقاب- أَسمعُ وقع انفجارات بعيدة... أجبني قبل أن..
    الانفجارات تصمّ أذنيّ.. والتماثيل حولي تتأرجح.. أجبني قبل أن أفتح جفنيّ
    لا أريد أن افتقدك.. أجبني قبل أن .. أجبني قبـ.. .. .. ..
    -(لا يعلم إلا الله كيف حُشرتْ أشلاءُ النحّات في قالب من الشمع…
    هذا ولم يعثر رجال الإنقاذ بين حطام المنزل، إلا على تمثال صخريّ يُشبه شخصا ما.)




  2. #2
    شاعرة وكاتبة الصورة الرمزية زاهية بنت البحر
    تاريخ التسجيل
    15/11/2006
    المشاركات
    7,681
    معدل تقييم المستوى
    25

    افتراضي

    وجبة دسمة تناولها فكري من هنا حيث أديبنا الكبير سعيد أبونعسة وكتابة عالية الجودة ،وإبداع متفرد أحببتُ أن يطول الحكي فيه ..ببراعة فائقة استطعت أخي المكرم أستاذ سعيد أن تجعلني أحس بأنني أنا التي تكتب لاختراقك النفس عند قرائك ..بارك الله بك ورعاكنقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي
    أختك
    بنت البحر


  3. #3
    شاعرة الصورة الرمزية صابرين الصباغ
    تاريخ التسجيل
    26/09/2006
    المشاركات
    394
    معدل تقييم المستوى
    18

    افتراضي

    الأديب الرائع سعيد
    قص ذكي وررائع
    استمتعت بالقصة وهذه التماثيل التي تصنع منها كل ماتتمناه
    وكاني بخيمتك جامعة للدول العربية مجرد تماثيل ليست تماثيل شمعية
    فلو كانت هكذا لاذابها لهيب صراخنا
    لكنها تماثيل صخرية لاتموت ولاتتحرك
    سعيد
    دمت مبدعا لك نكهة مميزة في القص
    مودتي واحترامي لسمو قلمك


  4. #4
    أستاذ بارز الصورة الرمزية سعيد أبو نعسة
    تاريخ التسجيل
    02/12/2006
    العمر
    70
    المشاركات
    1,050
    معدل تقييم المستوى
    19

    افتراضي

    أختي الكريمة زاهية بنت البحر
    مرورك يسعدني و أنت تغوصين خلف دلالات الحروف و الكلمات
    دمت مبدعة


  5. #5
    أستاذ بارز الصورة الرمزية سعيد أبو نعسة
    تاريخ التسجيل
    02/12/2006
    العمر
    70
    المشاركات
    1,050
    معدل تقييم المستوى
    19

    افتراضي

    أختي الكريمة صابرين الصباغ
    تغلغلك إلى أعماق النص يسعدني و أنت تضيفين نصا إلى النص الأساس يفوقه جودة و إبداعا
    دمت في خير و عطاء


  6. #6
    عـضــو
    تاريخ التسجيل
    02/12/2006
    المشاركات
    40
    معدل تقييم المستوى
    0

    افتراضي

    هذا النمط من القص أأثره بشكل خاص فهو رحلة من سيولة الوعي التلقائي مع طرح شعري عميق يمتزج فيه المخيالي بالواقعي.
    النص يتطلب مداخلات عدّة و لكني سأبتدأ من المخيالي الحيوي في النص؛ فلعلّكم عاينتم هذه الكلمات الصور : التماثيل، الأب، المكان العفن، الرئيس ... إنّها بمثابة محرك النفسي و جمالي للا شعور عميق في الذات يثير القلق السلبي فهي مؤشر للسلطة الأبوية و الجمود و الإنكسار و العنف و اللؤم ...
    النص مجال فاعل في مستواه الدلالي العميق، و الذي اعتمد على إطالة الآنية من أجل بناء نسيج داخلي حيوي و عميق.
    لكن الأمر الذي يستوقفني هو الإعتماد التركيبي النمطي مثل رؤس الاشهاد و التي تبدو أنها تتضاءل بشعريّة النص، فهل هذا متعمد لإثارة ما غايتها التأثير بالعادة و النمطي ؟
    للنص عودة مستحقّة


  7. #7
    عـضــو
    تاريخ التسجيل
    02/12/2006
    المشاركات
    40
    معدل تقييم المستوى
    0

    افتراضي

    الإطلالة الثانية ستقتصر على قراءة في العنوان و علاقته بالنص.
    زمن الشمع، مركب غريب و إشكالي بين مفهوم و صورة، مفهوم الزمن الذي يتداعى بنا للموضوعي، ربما، و صورة الشمع التي تبشر باللاديمومة، ربما ...
    ثمة مصدر قلق ما؛ لا يجعلني أتوقف في صمت عند العبارة الظاهرة؛ ألأني صوفي بالصميم ؟
    الزمن من خلال النص يداخله فعل متطرف، فعل إرتكاسي، فعل العزلة :
    / خلوتي مع هذه التماثيل التي شكلتها بيدي /
    بل يتجاوز فعله الإجرامي، إلى مرحلة أخرى أكثر تقوية، إلى فعل المكره، إلى التأمل :
    / أريد أن أرحل إلى داخلي /
    / جلست جلستي التأملية هذه أمام صخرة صغيرة /
    غريب، هذا الكيان المشبوه يمارس دورا قسريا على الفضاء، من أجل رغبة صغير كثقب إبرة النفرّي، فهو ساع بلا حشمة إلى معنا آخر إرهابي هو الرحلة :
    / أن أسافر عبر الجرم الصغير /
    هاكم لحظة أخرى من التمرد اللامجدي :
    / سأكمل جلستي التأملية هذه، تحت الأنقاض /
    يا إلاهي، هذا الزمني ليس بالموضوعي، إنّه لا يقاس بعقارب سقيمة مملة، هو فضاء ممتد و بلا إيقاع، لحظة سكون أزلية ساخرة، هو زمن تأمل ذاتي في عزلة مغرورة و رحيل.
    هذا الزمن لا يقاس بالحركة الأفقية بقدر ما هو نزول إلى الأقصى، إلى ما خلف الاشياء المعتادة في زمننا الواقعي الواهي. زمنية ليست بالفرار بقدر ما هو تحدّ مؤلم للعنيف بمختلف أشكاله الإستنباطية المتقدمة.
    ألم أقل لكم أنه فعل إرهابي؟
    تبقى تلك الصورة الأداتية الحادة : الشمع، هي مكون كيميائي لن نحاول فهم مركباتها درءا للتثقيف النووي، لكن مع هذا يناسبني القول أن المعني سعيد لم يغرب عن الظاهر الدلالي من الشمع فهو الآني الضئيل لأنه لا يحتمل الكيان مع النار، الشمع إذا ليس بالعربي و لا الفلسطيني، فكيف أن نعتد جزما بوجود كائن عربي ما دون جذوة النار، هذه بدعة شرط القيامة. و مع هذا ينشدنا هذا الغريب :
    / الشمع يناسب هذه المرحلة /
    آهات متعددة ...
    يا أستاذ عريتنا إلى الحد الذي بتنا فيه عراة.
    أعذر مجازيتي الساخرة، فأنت تحملني ما لا طاقة لي به : فـ / لا تأخذني في رحلة فلسفية بحثا عن جواب غامض و معقد حول مفهوم الموت و الحياة /
    لنا عودة ...................


  8. #8
    عـضــو
    تاريخ التسجيل
    02/12/2006
    المشاركات
    40
    معدل تقييم المستوى
    0

    افتراضي

    الإطلالة الثانية ستقتصر على قراءة في العنوان و علاقته بالنص.
    زمن الشمع، مركب غريب و إشكالي بين مفهوم و صورة، مفهوم الزمن الذي يتداعى بنا للموضوعي، ربما، و صورة الشمع التي تبشر باللاديمومة، ربما ...
    ثمة مصدر قلق ما؛ لا يجعلني أتوقف في صمت عند العبارة الظاهرة؛ ألأني صوفي بالصميم ؟
    الزمن من خلال النص يداخله فعل متطرف، فعل إرتكاسي، فعل العزلة :
    / خلوتي مع هذه التماثيل التي شكلتها بيدي /
    بل يتجاوز فعله الإجرامي، إلى مرحلة أخرى أكثر تقوية، إلى فعل المكره، إلى التأمل :
    / أريد أن أرحل إلى داخلي /
    / جلست جلستي التأملية هذه أمام صخرة صغيرة /
    غريب، هذا الكيان المشبوه يمارس دورا قسريا على الفضاء، من أجل رغبة صغير كثقب إبرة النفرّي، فهو ساع بلا حشمة إلى معنا آخر إرهابي هو الرحلة :
    / أن أسافر عبر الجرم الصغير /
    هاكم لحظة أخرى من التمرد اللامجدي :
    / سأكمل جلستي التأملية هذه، تحت الأنقاض /
    يا إلاهي، هذا الزمني ليس بالموضوعي، إنّه لا يقاس بعقارب سقيمة مملة، هو فضاء ممتد و بلا إيقاع، لحظة سكون أزلية ساخرة، هو زمن تأمل ذاتي في عزلة مغرورة و رحيل.
    هذا الزمن لا يقاس بالحركة الأفقية بقدر ما هو نزول إلى الأقصى، إلى ما خلف الاشياء المعتادة في زمننا الواقعي الواهي. زمنية ليست بالفرار بقدر ما هو تحدّ مؤلم للعنيف بمختلف أشكاله الإستنباطية المتقدمة.
    ألم أقل لكم أنه فعل إرهابي؟
    تبقى تلك الصورة الأداتية الحادة : الشمع، هي مكون كيميائي لن نحاول فهم مركباتها درءا للتثقيف النووي، لكن مع هذا يناسبني القول أن المعني سعيد لم يغرب عن الظاهر الدلالي من الشمع فهو الآني الضئيل لأنه لا يحتمل الكيان مع النار، الشمع إذا ليس بالعربي و لا الفلسطيني، فكيف أن نعتد جزما بوجود كائن عربي ما دون جذوة النار، هذه بدعة شرط القيامة. و مع هذا ينشدنا هذا الغريب :
    / الشمع يناسب هذه المرحلة /
    آهات متعددة ...
    يا أستاذ عريتنا إلى الحد الذي بتنا فيه عراة.
    أعذر مجازيتي الساخرة، فأنت تحملني ما لا طاقة لي به : فـ / لا تأخذني في رحلة فلسفية بحثا عن جواب غامض و معقد حول مفهوم الموت و الحياة /
    لنا عودة ...................


  9. #9
    قاص وناقد
    مشرف وكالة واتا للأنباء سابقاً
    الصورة الرمزية عبد الحميد الغرباوي
    تاريخ التسجيل
    08/01/2007
    العمر
    72
    المشاركات
    1,763
    معدل تقييم المستوى
    19

    افتراضي

    عتبة
    ما الذي يدفعنا إلى التفاعل مع نصوص دون غيرها؟...
    سؤال طرحه علي أحد الإخوة، و لم أجد متسعا من الوقت أو مجالا أرحب في مساحة التنفس(ذلك اليوم) لأستجيب لسؤاله و أقدم إليه جوابا ...جوابا محكوما براهنيته، و بما يحمله العقل من قناعات ، هي على كل حال، معرضة في كل وقت و حين إلى التغير و التجدد...
    و عودة إلى السؤال، أقول مجيبا: إن النصوص التي تدفعني أساسا إلى التجاوب و التفاعل معها ،هي
    النصوص التي تستفز في رغبة السؤال، تدفعني إلى دخولها و البحث في تلافيفها و ثناياها عن الجوهر و العميق...
    إن النص الذي يظل حصير الذات، لا يحيد عنها، هو نص جامد، راكد، و لا يستجيب إليه إلا من يعيش نفس الأزمة. هو نص يأخذ من الرومانسية "فضلاتها" لا غير، أما النص الذي ينطلق من الذات ، يدور حولها دورة، دورتين، ثم ينطلق ليعانق ما هو أوسع و أعم، ليعانق هموما و أفراحا يجد كل واحد فيها نفسه، فهو نص يتسم بالحيوية و الحركة ، و يحظى في نفسي (شخصيا) بمكانة و احترام.. و النص الذي يظل حبيس الذات ، غالبا ما يقع في أسر الخاطرة ، و البوح أو الاعتراف..
    القصة القصيرة لا تطيق مثل هذه الكتابة ضيقة الأفق..

    النص: " زمن الشمع" للأديب سعيد أبو نعسة/
    رؤيا بانورامية
    عن مثل هذا النص ، كنت أحكي، عن الكتابة الساحرة، الكتابة الصادمة، المثيرة للأسئلة و التساؤلات، الكتابة الذكية، الواعية، العالمة، و ليس المتعالمة، الكتابة التي ديدنها الابتكار و التجديد لكن في غير فوضى، الكتابة الرافضة، الراصدة، الكتابة المكتفية بجمالها الطبيعي الخاص و الخالص، دون " ماكياج" أو تصنع...
    لا أود أن أبوح (من خلال قراءتي الخاصة لهذا الأثر الأدبي أكثر من مرة) بما حفل و يحفل به من شاعرية و موسيقى ، و من تنوع و تعدد في المرجعيات ، و من سخرية ، و خرافة (أسطورة) و من ابتكارات أسلوبية ، ذكية ، لكنْ، أود الإشارة إلى اسم علم و رد في سياق النص، إنه اسم " لاوتسو" ، و " لاوتسو" مؤسس مذهب الطاوية، ولد حوالي 604 ق.م. و هو فيلسوف صيني. يقال إن الحكيم كونفوشيوس كان معاصرا له. قرأت كتاب " التاو" و ياله من كتاب رائع، فقد ضم بين دفتيه جواهر و دررا ثمينة من عميق و بديع القول.
    مودتي أخي سعيد.


  10. #10
    قاص وناقد
    مشرف وكالة واتا للأنباء سابقاً
    الصورة الرمزية عبد الحميد الغرباوي
    تاريخ التسجيل
    08/01/2007
    العمر
    72
    المشاركات
    1,763
    معدل تقييم المستوى
    19

    افتراضي

    عتبة
    ما الذي يدفعنا إلى التفاعل مع نصوص دون غيرها؟...
    سؤال طرحه علي أحد الإخوة، و لم أجد متسعا من الوقت أو مجالا أرحب في مساحة التنفس(ذلك اليوم) لأستجيب لسؤاله و أقدم إليه جوابا ...جوابا محكوما براهنيته، و بما يحمله العقل من قناعات ، هي على كل حال، معرضة في كل وقت و حين إلى التغير و التجدد...
    و عودة إلى السؤال، أقول مجيبا: إن النصوص التي تدفعني أساسا إلى التجاوب و التفاعل معها ،هي
    النصوص التي تستفز في رغبة السؤال، تدفعني إلى دخولها و البحث في تلافيفها و ثناياها عن الجوهر و العميق...
    إن النص الذي يظل حصير الذات، لا يحيد عنها، هو نص جامد، راكد، و لا يستجيب إليه إلا من يعيش نفس الأزمة. هو نص يأخذ من الرومانسية "فضلاتها" لا غير، أما النص الذي ينطلق من الذات ، يدور حولها دورة، دورتين، ثم ينطلق ليعانق ما هو أوسع و أعم، ليعانق هموما و أفراحا يجد كل واحد فيها نفسه، فهو نص يتسم بالحيوية و الحركة ، و يحظى في نفسي (شخصيا) بمكانة و احترام.. و النص الذي يظل حبيس الذات ، غالبا ما يقع في أسر الخاطرة ، و البوح أو الاعتراف..
    القصة القصيرة لا تطيق مثل هذه الكتابة ضيقة الأفق..

    النص: " زمن الشمع" للأديب سعيد أبو نعسة/
    رؤيا بانورامية
    عن مثل هذا النص ، كنت أحكي، عن الكتابة الساحرة، الكتابة الصادمة، المثيرة للأسئلة و التساؤلات، الكتابة الذكية، الواعية، العالمة، و ليس المتعالمة، الكتابة التي ديدنها الابتكار و التجديد لكن في غير فوضى، الكتابة الرافضة، الراصدة، الكتابة المكتفية بجمالها الطبيعي الخاص و الخالص، دون " ماكياج" أو تصنع...
    لا أود أن أبوح (من خلال قراءتي الخاصة لهذا الأثر الأدبي أكثر من مرة) بما حفل و يحفل به من شاعرية و موسيقى ، و من تنوع و تعدد في المرجعيات ، و من سخرية ، و خرافة (أسطورة) و من ابتكارات أسلوبية ، ذكية ، لكنْ، أود الإشارة إلى اسم علم و رد في سياق النص، إنه اسم " لاوتسو" ، و " لاوتسو" مؤسس مذهب الطاوية، ولد حوالي 604 ق.م. و هو فيلسوف صيني. يقال إن الحكيم كونفوشيوس كان معاصرا له. قرأت كتاب " التاو" و ياله من كتاب رائع، فقد ضم بين دفتيه جواهر و دررا ثمينة من عميق و بديع القول.
    مودتي أخي سعيد.


  11. #11
    عـضــو
    تاريخ التسجيل
    30/11/2006
    المشاركات
    5,554
    معدل تقييم المستوى
    23

    افتراضي

    مرور احترام وتقدير وشكر
    استاذ سعيد
    قصة رائعة بكل المقاييس
    لا استطع طبعا ان اضيف شيئا فوق كلام اساتذة النقد ورئيس قسم القصة



    انت اديب ومفكر رائع وكفى نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي


  12. #12
    عـضــو
    تاريخ التسجيل
    30/11/2006
    المشاركات
    5,554
    معدل تقييم المستوى
    23

    افتراضي

    مرور احترام وتقدير وشكر
    استاذ سعيد
    قصة رائعة بكل المقاييس
    لا استطع طبعا ان اضيف شيئا فوق كلام اساتذة النقد ورئيس قسم القصة



    انت اديب ومفكر رائع وكفى نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي


  13. #13
    أستاذ بارز الصورة الرمزية سعيد أبو نعسة
    تاريخ التسجيل
    02/12/2006
    العمر
    70
    المشاركات
    1,050
    معدل تقييم المستوى
    19

    افتراضي

    أخي الكريم طارق الطوزي
    كم أسعدني تغلغلك إلى أعماق النص و قراءتك الواعية المتأنية
    كنت على ثقة بأنني سأجد عمالقة أدب و فكر و نقد هنا و أنت منهم في القمة السامقة
    دمت في خير و عطاء


  14. #14
    أستاذ بارز الصورة الرمزية سعيد أبو نعسة
    تاريخ التسجيل
    02/12/2006
    العمر
    70
    المشاركات
    1,050
    معدل تقييم المستوى
    19

    افتراضي

    أستاذنا الكريم عبد الحميد الغرباوي
    أفرحني تعليقك المتأني و قراءتك الواعية و تغلغلك إلى ما وراء النص
    أشكرك شكرا جزيلا
    دمت في خير و عطاء


  15. #15
    أستاذ بارز الصورة الرمزية سعيد أبو نعسة
    تاريخ التسجيل
    02/12/2006
    العمر
    70
    المشاركات
    1,050
    معدل تقييم المستوى
    19

    افتراضي

    أختي الكريمة إيمان الحسيني
    و الله أنا عاجز عن شكرك و أنت تكيلين لي هذا الثناء العطر
    دمت في خير و عطاء


+ الرد على الموضوع

الأعضاء الذين شاهدوا هذا الموضوع : 0

You do not have permission to view the list of names.

لا يوجد أعضاء لوضعهم في القائمة في هذا الوقت.

المفضلات

المفضلات

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •