سلمى خضراء الجيوسي : امرأة كألف و ألف كأفّ
بقلم الدكتورة مديحة عتيق
سلمى..الفلسطينية المهاجرة:
سلمى خضراء الجيوسي هي "ظاهرة "عربية ربما لن تتكرّر، فهي شاعرة وناقدة وباحثة ومترجمة ، دعنا نتساءل مع الدكتورة فريال غزّول " كيف تمّ بناء هذا الشخصية الفذّة على هذه الأرض الخراب في هذا الزمن الرديء؟ ،فهي عربية بجوازات سفر كثيرة ، إنها ثمرة "الشتات" الفلسطيني ، فهي فلسطينية الأصل ، لبنانية الأمّ ، أردنية المولد ، أمريكية الموطن ، ورثت جينات اللجوء الفلسطيني ، وقدره الترحيلي ، فعاشت طفولتها وشبابها منتقلة من الأردن إلى فلسطين إلى سوريا ثمّ لبنان ثمّ إنجلترا وأخيرا استقرّ بها المقام في أمريكا حيث اشتغلت أستاذة الأدب العربي في كبرى جامعاتها بعد أن نالت الدكتوراه في الأدب العربي من جامعة لندن ، وقد هالها ما لاحظته من جهل غربي مطبق بالثقافة العربية و الإسلامية فقررت رفع التحدّي وأن تنجز بمفردها ما عجزت عنه وزارات الثقافة العربية مجتمعة ، ونعني نشر الثقافة العربية في أصقاع العالم وتعريف الآخر بتراثنا العربي والإسلامي التليد ، وكانت البداية مع مشروع "بروتا"
مشروع بروتا أو ترجمة روائع الأدب العربي الإنجليزي:
تروي الشاعرة الفلسطينية سلمى خضراء الجيوسي تجربتها مع أحد طلبتها الأمريكيين في جامعة تكساس الذي حدّثها ساخرا بأنّ العرب لا يملكون ثقافة و لا أدبا فوقفت في وجهه ،وقالت متحدية : "You Man, I show you" خلق الموقف في نفسها تحدّيا بأن تعرّف الأمريكيين – والأخر عموما – بالثقافة العربية ، فأسست مشروعها المعروف بـ "بروتا" (Project for Translation of Arabic) عام 1980 الذي يعنى بترجمة روائع الأدب العربي إلى الإنجليزية، واستطاعت في ربع قرن أن تسدّ ثغرة رهيبة تعكس جهل "الآخر" المطبق بنا وبثقافتنا وأدبنا وتاريخنا وتراثنا .
وبعد مرور أكثر من ربع قرن على قضية عمرها تؤكّد سلمى أنّها لا تزال في أوّل الطريق ، فتاريخنا العربي أكبر أن ينوء بحمله شخص بمفرده ، وأضخم من أن يستوعبه غيرنا ، وجهودنا العربية المبذولة أقلّ بكثير من هذه الرسالة الحضارية العظيمة .
تحدّيات ...ومواجهات:
لم يكن التحدّي بسيطا أمام سلمى الجيوسي ، فقد واجهتها صعوبات جمة : أهمها تصدّي الكثير من المثقفين الإسرائيليين أو اليهود المتواجدين في أمريكا لمشروعها إذ حاولوا إيقاف نشرها الأدب الفلسطيني وترجمته وتعريف العالم به . كما قابلها الكثير من الأدباء العرب بالجحود والنكران إذ لم يكلّفوا أنفسهم مشقة إرسال كلمة شكر نظير ما بذلته من جهود في ترجمة أعمالهم ونقل أصواتهم إلى العالم .
ولعلّ اكبر صعوبة واجهتها هو موقف المؤسسات الرسمية العربية المتخاذل حيث تعاملوا مع مشروعها بمنطق المساومات والنقاش الفاتر الوعود المؤجلة والتشدّق والتفكير عير المسؤول.
وما جعل سلمى الجيوسي قادرة على الصمود هو شعارها المتحدّي الذي مارسته تطبيقيا حيث آمنت ب"أنّك إذا قدّمت أدبك وتراثك بشكل متقن وذكيّ فإنّ العلم مستعدّ له ، ومنفتح لك مهما كانت محاولات أعداء الثقافة العربية لردعه قوية"
أمّا عن موقفها من موقف السلطات العربية الرسمية فلخصته بكلماته هذه " إنّ أفدح ما يشاهد الإنسان في الوطن العربي هو تلك القدرة على التقيّة ، فالفضائل المعتبرة هي الفضائل السكونية و لا سيّما عند المرأة"
يصعب تلخيص إنجازات هذه المرأة الفلسطينية المثقفة في هذه الأسطر لذا سأختم بما قاله عنها الكاتب يحي القيسي على أمل أن نعود إليها في مقالات أخرى ، يقول القيسي عنها " هي امرأة من خارج زماننا العربي ، تواصل الليل بالنهار في العمل (...) فالبيروقراطية المتفشية وسوء التقدير الشعبي والرسمي للجهد الحقيقي يجعل من "سلمى" حالة عالمية الطابع أكثر منها محلّية ، ولهذا فهمها الغرب ، وبوّأها موقع الصدارة ثقافيا ، وفتح لها دور نشره وجامعاته ، ولكن بني جلدتها لم يدركوا قيمتها بعد " ألم أقل لكم من البداية إنها امرأة كألف وألف كأفّ.....