الطاهر وطار مترجما إلى الإنجليزية "الزلزال" أنموذجا
بقلم الدكتورة مديحة عتيق الجزائر
تعدّ ترجمة روايات الروائي الجزائريالطاهر وطار إلى الإنجليزية مكسبا ثقافيا هاما لصالح الرواية الجزائرية – خاصة المكتوبة بالعربية- وذلك لأنه لا يختلف اثنان في أنّ اللغة الإنجليزية هي اللغة الأولى عالميا من حيث نسبة الاستعمال والانتشار، فهي لغة الحواسيب والإعلام والانترنت ، وهي اللغة الرسمية لأهمّ المنظمات العالمية وعلى رأسها الأمم المتحدة ، أضف إلى ذلك أنّها اللغة الأولى عالميا التي يترجم إليها من سائر اللغات ، فـ " يورد دليل اليونسكو للترجمة لعام 1998 إحصاءات وبيانات مذهلة عن سيطرة اللغة الإنجليزية في تصدير الترجمات حتّى إلى تلك البلدان التي كانت لغاتها إلى أمد قريب لغات مصدّرة لا مستوردة ،وفي مقدّمتها اللغة الألمانية التي أصبحت اليوم في صدارة اللغات المستوردة من الإنجليزية إلى جانب اليابانية طبعا"(1) فاللغة الإنجليزية تضمن طريقا سريعا نحو الشهرة والانتشار والرواج بل والعالمية .
قراءة في ترجمة عناوين روايات وطار :
تذكر موسوعة ويكبيديا أنّ معظم روايات وطار ترجمت إلى الإنجليزية ، فترجمت "الزلزال" إلى (Earthquake) و"عرس بغل" إلى (Mule’s wedding)و "الشمعة والدهاليز" إلى (The Candle and The Dark Corridors)والحوات والقصر إلى (Al Hawat wa Al Kassir)و"الطعنات" إلى (Taanat) و"الولي الطاهر يعود إلى مقامه الزكي " إلى (Al wali Attaher Yaoud Ila Makamihi Ezzaki)وبقراءة سريعة لعناوين الروايات المترجمة يمكن أن نطلق حكما متحفظا على طبيعة ومستوى الترجمات ، حيث يمكننا أن نقسّمها إلى ثلاثة أقسام :
* قسم يعتمد على المكافئ الدينامي(Dynamic Equivalent) أي ترجمة لفظة بما يقاربها في المعجم الإنجليزي معنى وثقافة ، ومن ذلك ترجمة "الزلزال" إلى (Earthquake) و"عرس بغل" إلى (Mule’s wedding)و "الشمعة والدهاليز" إلى (The Candle and The Dark Corridors) فهنا نلمس جهدا في نقل النص بكل ثقله التاريخي ومرجعياته الثقافية إلى لغة لها خصوصياتها النحوية والثقافية.
*قسم يعتمد النقل الحرفي لافتقاده المكافئ الثقافي ، ومن ذلك ترجمة "الولي الطاهر يعود إلى مقامه الزكي " إلى (Al wali Attaher Yaoud Ila Makamihi Ezzaki) ، ففي هذا السياق يبدو "الولي " و "المقام الزكي" كلمتان مثقلتان بحمولاتهما الدينية والتاريخية مما يصعب إيجاد مقابل لهما في اللغة الإنجليزية مما حذا بالمترجم إلى "أنجلزة" الكلمتين ، و لا شكّ أنّه اضطرّ إلى وضع شروحات مطوّلة لتقريب مفهومها إلى القارئ الإنجليزي ، وهذا ما يجعلنا نؤكّد أنّ الترجمة وحدها غير كافية لخلق حوار ثقافي بين القارئ الغربي والنص العربي.
* وهناك ترجمات اعتمد النقل الحرفي دون أن تتعب نفسها بالبحث عن المكافئ اللغوي ، من ذلك ترجمة "الحوات والقصر " إلى Al Hawat wa Al Kassir) مع وجود بديل لغوي صحيح وهو (The Fisherman and The Palace) ولا شكّ أنّ هذا الكسل الترجمي سيخلق صعوبات غير ضرورية في الفهم .
ولعلّ أهمّ ترجمة للرواية الوطارية إلى الإنجليزية هي ترجمة "الزلزال" بقلم ويليام غرانارا(William Granara )وهو أستاذ مستشرق بجامعة هارفارد في كاليفورنيا ، ووضع مقدمة الترجمة الناقد المصري المعروف جابر عصفور، "وقد تمّت ترجمة هذا العمل الروائي الذي أدرج في مناهج التدريس في الطور الثاني للتعليم الأساسي على حدّ تعبير الأستاذ غرانارا على أساس إيمانه بأنّه لا يمكن فهم ما يجري في الجزائر حاليا إذا نقرا رواية "الزلزال" ، ويلتقي رأي الدكتور ويليام غرانارا برأي الدكتور جابر عصفور الذي أبدى في تقديمه لترجمة "الزلزال" قناعته بأنّها أصدق ما كتب عن العنف الإسلاموي"(2)
لفتت "الزلزال" انتباه المستشرقين الإنجليز بوصفها أول رواية جزائرية تتحدّث عن الصراع بين الإسلاميين وغير الإسلاميين ، وقد روّج جابر عصفور في مقدمته لهذه الرؤية حين عدّ الرواية معالجة للتطرف الديني بل عدّ بوالأرواح أبا الإرهابيين لمجرّد أنّه قرأ في الزيتونة ،يقول" معظم الإرهابيين ذوو شهادات جامعية عالية ، ويتبنون مبادئ إيديولوجية تشبه قناعات بوالأرواح(...)فهؤلاء الجامعيون هم المسئولون عن العنف في الجزائر اليوم (...) في الحقيقة تسجّل عودة بوالأرواح الثانية بتفعيل الأنشطة السياسية التي تدار في الجزائر من قبل الذين يبررون الإرهاب بتأويلات دينية"(3)
وفي رأيي فإنّ هذا الطرح مغالاة للحقيقة و تحميل للرواية أكثر مما تعنيه ، بل وإقحام تصوّر مسبق على الرواية ، فعبد المجيد بوالأرواح ليس رجل دين كما يريد له المترجم الإنجليزي والناقد المصري ، فكثرة الشواهد القرآنية والأحاديث الدينية التي تعجّ بها الرواية ليس كافيا لجعل البطل رجل دين ، هو بذرة للمتطرف الديني الذي سيكون مسؤولا عما ستؤول إليه البلاد لاحقا ، ففي ٍرأيي الشخصي أنّ عبد المجيد بوالأرواح ليس أكثر من إقطاعي ساءته الإجراءات الحكومية المتخذة فسعى جاهدا للالتفات حولها مستعينا بالحسّ الديني للتأثير في ذويه وإقناعه بمخططه ، لذا لا يمكن أن تتسع شخصيته لهذا التأويل.و لا بأس أن ندعم رأينا بما قالته مستشرقه إنجليزية أخرى وهي ديبي كوكس التي "ترى أنّ عقم بوالأرواح دليل على أنّ الطبقة التي يمثلها بلا مستقبل ، وأنّ سلطته آيلة للنهاية ، بل يدلّ عقمه على أنّه ينتمي إلى عالم ينتمي إلى الماضي"(4)
ويقودنا هذا الإشكال إلى طرح نقطة أراها في غاية الأهمية ، وهي الوجه الآخر من اهتمام الآخر بأدبنا ، فبقدر ما يبدو الأمر جذابا ومغريا للوهلة الأولى فما أروع أن يدرس روائيونا في مدرجات جامعة هارفارد ، ويال وميتشيغن ، فإن جرس التحذير يقرع حول طريقة التدريس والأفكار التي يراد إيصالها للقارئ العربي حول هويتنا وثقافتنا ،ونظرتنا لذاتنا وللآخرين .فـ"الترجمة تخضع ،كصناعة وحرفة، لعوامل ليست مرتبطة بالضرورة بجودة العمل الأدبي ، فمنها أفق التوقع الغربي أي الجمهور المعني بهذه الترجمة ، وحينما نكون بصدد القارئ العام فذلك يعني مخاطبة ذوقه وميله والتطابق ، بقدر الإمكان مع أفكاره المسبقة والمتوارثة عن الشرق الإسلامي والعالم العربي ." (5) لذا قد يلجأ إلى إسقاط أفكاره المسبقة وإقحامها إقحاما لتلبية أذواق القارئ الغربي.
تبقى هذه الأسطر فاتحة شهية –كما أرجوها –لهذا الموضوع الثري فأتمنى أن تكون الرسالة قد وصلت...
الهوامش:
1- حسام الخطيب : الأدب المقارن بين العالمية والعولمة، المجلس الوطني للثقافة والفنون ، قطر ، 2001 ص228.
2-رواية الطاهر "الزلزال" بالإنجليزية ، جريدة النصر ، 20-03-2000.
3-Gaber Asfour ; Earthquake(preface), http://www.khayma.com/wattar/lire/ch...BR%20ASFOR.htm
4- Cox, Debbie: The novels of Tahar Wattar : command or critique ? Research in African Literatures, 28 http://sherpa.bl.uk/130/01/The_novel...har_Wattar.pdf
5-محمد علي الكردي : الأدب العربي بين العالمية والعولمة ، من كتاب (الأدب العربي والعالمية)، المجلس الأعلى للثقافة ، مصر 2000، ص242.