مسرح الثـــــورة .. وثــــــــــورة المســــــرح .الأربعاء, 30 مارس 2011 21:46 تحقيق: سهام العقاد .المسرح هو ظاهرة اجتماعية ونشاط حر يعكس الواقع الاجتماعي والسياسي ويتفاعل معه في مختلف العصور والأزمنة، انه انعكاس حضاري، يزدهر مع نمو الوعي الثقافي ويتراجع بتراجعه. إلي أي مدي يتأثر المسرح بالثورة، وكيف تنعكس الثورة علي المؤلفين والمبدعين؟، وهل سيخرج المسرح المصري من حالة الركود التي عاشها في العقود السابقة؟ ويشهد إبداعا مغايرا مستلهما روحه من ثورة 25يناير؟ وهل الحرية والحراك السياسي سيعيدان للمسرح مكانته الرائدة التي شاهدناها في الستينيات؟ وهل ستنعكس ثورة الشباب علي الفن المسرحي؟ في التحقيق التالي نحاول الإجابة علي تلك الأسئلة.
المسرح والثورة
لعب المسرح المصري دورا بارزا منذ ثورة1919، واحتل المسرح مكانة فنية كبري بين مختلف الفنون، حيث تألفت آنذاك العديد من الفرق الفنية المهمة منها علي سبيل المثال فرقة يوسف وهبي التي ضمت نخبة من الفنانين أمثال أمينة رزق وفاطمة رشدي وعزيز عيد، وفرقة علي الكسار، ثم فرقة نجيب الريحاني الذي شهد معها المسرح حالة من الازدهار.
كما تأثر كتاب المسرح المصري إلي حد كبير بالمناخ الثوري الذي أشعلته ثورة يوليو1952 فلمعت كوكبة من كبار المسرحيين الموالين للأفكار الاشتراكية والباحثين عن قيم الحرية والعدالة، وأسهموا بمؤلفات عبرت عن مدي تفاعلهم مع روح وأفكار الثورة، وتأثروا بالحركات المسرحية العالمية وعلي وجه التحديد المسرح البريختي، فكان الكاتب الراحل "الفريد فرج" يروج للعدالة الاجتماعية في مسرحيته الشهيرة "علي جناح التبريزي وتابعة قفة"، كما قدم له المسرح القومي مسرحيته الشهيرة "سقوط فرعون". كما جسدت أعمال الكاتب الراحل سعد الدين وهبة العديد من صور الفساد السياسي والاجتماعي في الواقع المصري ومدي تأثيرها علي الفقراء والبسطاء ومن تلك الأعمال التي أثرت بقوة في الوجدان المصري "السبنسة- كبري الناموس- كفر البطيخ" وغيرها. كذلك الكاتب الراحل نعمان عاشور في أعماله الرائعة التي اتجهت نحو النقد الاجتماعي للظواهر الاجتماعية السلبية في قالب كوميدي ساخر كما في "الناس اللي تحت". أما الأديب الراحل يوسف إدريس فقد تناول في أعماله المسرحية رؤيته للنظام السياسي وطبيعة حكم الفرد في ظل غياب الديمقراطية ومنها "المخططين"، كذلك تألقت في تلك الحقبة وجوه مسرحية بارزة مثل سعد أردش وكرم مطاوع، كما تألق المسرح الشعري علي يد صلاح عبد الصبور وعبد الرحمن الشرقاوي ونجيب سرور وغيرهم، .بالإضافة لأعمال محمود دياب- ميخائيل رومان. بذلك نجحت الثورة في تفريخ أجيال من كتاب المسرح الرائعين الذين كشفوا النقاب عن أوجاع الوطن في تلك المرحلة. وبالتالي شهدت الستينيات من القرن الماضي العصر الذهبي للمسرح المصري
نهضة ثقافية
يقول الشاعر أحمد عبد المعطي حجازي: أتوقع أن تحدث نهضة ثقافية شاملة عقب الثورة، وأن تزدهر الثقافة التي اختفت في زمن الطغيان، الذي أمتد لأكثر من ستين عاما أي منذ انقلاب يوليو وليس في العقود الثلاثة الماضية فقط التي عشناها تحت طغيان مبارك. وأري أن الثقافة في زمن الطغيان لا مكان لها، ذلك لأن الثقافة تعتمد علي العقل والمقارنة والاختلاف وذلك يتطلب مناخا من الحرية كي يكون هناك حوار وإبداع.
ولا يمكن إنكار أن الثقافة ازدهرت في الستينيات بفضل وجود مبدعين نشأوا قبل ثورة يوليو أمثال عبد الرحمن الشرقاوي، ويوسف إدريس وصلاح عبد الصبور، وألفريد فرج، ونقاد كبار أمثال رجاء النقاش ومحمد مندور ولويس عوض وهؤلاء جميعهم نشأوا قبل عام1952، ومع ذلك تعرضت بعض أعمالهم للمصادرة والمنع ومنها "الحسين شهيدا" للشرقاوي، وبعض المسرحيات لميخائيل رومان وألفريد فرج، وفي نظري أن الثقافة ازدهرت في تلك الحقبة تحت شعارات وهمية وخادعة وقد ثبت بعد ذلك تحديدا في السبعينيات والثمانينيات أن الثقافة تراجعت حتي وصلنا إلي ما نحن فيه الآن، وبات المسرح للضحك والتسلية ولإلهاء الإنسان عن مواجهة مصيره، أظن أن عودة المسرح الجاد الذي يطرح السؤال علي الجمهور، ويدفعه لاختيار مصيره، هذا المسرح يحتاج إلي الحرية، والمناخ مهيأ الآن.
أؤكد أن ثورة 25يناير أعادت لنا ذلك المناخ الذي افتقدناه منذ زمن بعيد، وهو ما سوف ينعكس بالطبع علي المسرح لأنه هو فن الديمقراطية، فقد نشأ المسرح في أثينا التي نشأت فيها الديمقراطية، ذلك لأن المسرح هو فن الحوار، وفن تعدد الرؤي والشخوص، والصراع، فلا يمكن بحال من الأحوال أن ينهض المسرح إلا في مناخ من الحرية والديمقراطية. لكني أخشي أن تسرق الجماعات الظلاميه المتطرفة الثورة.. وأن تحرمنا من الحرية التي طالما حلمنا بها.
المسرح الانتهازي
الفنانة سهير المرشدي تقول: لقد مر المسرح بمرحلة عصيبة في السنوات السابقة، ووصل إلي حد لا مثيل له من التردي وعدم الاستقرار، لدرجة أن البعض وصفه بالمسرح الانتهازي، ولم يكن يعبر عن المجتمع بالقدر الكافي، باستثناء بعض الاجتهادات الفردية، وأتصور أن الثورة ستأتي ثمارها علي كافة مناحي الحياة، لكني أري أن المسرح يعتمد في المقام الأول علي البحث العلمي والفلسفة والتأمل، ذلك لأن المسرح صناعة ثقيلة قوامها المعرفة والجدل، كما أن لكل فن رجاله الذين يعبرون عنه، ولا أعرف أين الأدباء ورجال المسرح من هذه الأحداث الهائلة التي تمر بها مصر الآن؟ وأعتقد أن الشعراء فقط هم القادرون علي استشراف المستقبل وهو ما حدث مع صلاح عبد الصبور وعبد الرحمن الشرقاوي في إبداعهما الذي تجاوزا به حدود الزمن. وفي تقديري أن ملامح الثورة لم تكتمل بعد، وما حدث ما هو إلا شرارة وأصوات تعالت ضد الظلم والقهر، واستمرارها يتطلب مزيدا من التأمل لفتح آفاق جديدة نحو التقدم وإحداث نهضة شاملة.
تغيير شامل
الكاتب المسرحي يسري الجندي يقول إن ثورة 25يناير نجحت في إحداث تغيير شامل علي كافة الأصعدة الثقافية والسياسية والاجتماعية، بما في ذلك منظومة القيم سوف تشهد تحولا ايجابيا. وكل ذلك يتطلب مزيدا من الوقت حتي يتبلور شكل جديد للوعي الثقافي المصري، حينئذ سوف نشعر بإنجازات الثورة وتأثيرها علي الواقع والفنون. والأمر ذاته قد حدث في السابق مع ثورة يوليو، فلم يشعر الناس بين ليل وضحاه بإنجازات الثورة، أو بازدهار الفنون عشية إحداث الثورة.