حادثٌ بشع التهم صديقي ، مضغ شبابه و ابتلع عمره .!
لأنه قريب إلى قلبي ، تركت كل شئ لأكون في حضرة توديعه ، ذهبت مع أخيه - لإنهاء الإجراءات الخاصة بتسلمه من ثلاجة المسلوبة أرواحهم ، ودفنه .
كنتُ أجمع إمضاءات رحيله ، كل إمضاء كان يزيح غطاء قبره برهة ؛ استعداداً لابتلاعه .
كلما قربنا من الانتهاء ، شعرت أن الفراق يضغط بيديه ـ كلتيهما ـ على مشاعري يخنقني ، فأنزف دمعاً مدراراً ... لا ينضب .
في نهاية المشوار ، كان بالداخل يُغسَّل لم أشأ أن أحضر غُسلَهُ ؛ لأني كنت قد عاهدته أن أكون معه يوم يغتسِل لعُرسه ، أقسمت ألا أُبدِل هذا .. بذاك .
وقفتُ وحيداً باكياً ، أرى الدموع تتصاعد في كل مكان سعيدة بهذه المظاهرة الجماعية لتأييد الحزن ليعتلي عرش القلوب تتناثر ـ بلا رقابة ـ بين جدران بُنيت من أحجار الشجن ..
يدخل رجل غريب الملامح ، تخيلته شحاذاً ، ضخم البنية كأنه هارب من معبد فرعوني ـ بعدما انسلخ عن جدرانه !
يختارني من دون الموجودين ، يمسكني من معصمي ، حتى إنه آلمني ، يسألني :
- أين أنت غداً .. ؟؟
- أُجيب : اللـه وحده أعلم ..؟؟
- قال : ستكون هنا بالداخل يُغسلونك.
يتركني ـ وقد أخرسني بحديثه ـ كأن يده كانت على معصم لساني ، أفقدتني النطق .
أُصبح فجأة منفياً في زوايا الخوف ، فوق الدموع غصة تحرق جوفي ، لا أقوى على الخلاص منها .
تتم مراسم الدفن ، أتبعثر لا أجد من يجمع أشلائي ، أنظر إلى القبر هل يمكن أن أكون من أهلك غداً .. ؟؟
يمر اليوم ، يأتي الغد ـ ثقيلاً مترهلاً ـ كأنه كسيح ، ومازلتُ أنتظر ....