الملكية الدستورية في الأردن كخطر وجودي على إسرائيل
صالح النعامي
يقبض صناع القرار في إسرائيل أنفاسهم انتظاراً لنتائج التحركات الشبابية الداعية للإصلاحات السياسية في الأردن، فكما قال الجنرال يوسي باديتس رئيس قسم الأبحاث في شعبة الاستخبارات العسكرية فإن نجاح هذه التحركات في تحقيق أهدافها، سيما تحويل النظام في الأردن إلى ملكية دستورية يمثل تغييراً جوهرياً في البيئة الاستراتيجية لإسرائيل بشكل جارف، لأنه يعني إحداث تغيير جذري في صيغة الحكم ستفضي حتماً إلى تغيير طابع العلاقات التي ظلت تربط إسرائيل بالأردن على مدى عقود من الزمن. والسؤال الذي يطرح نفسه هنا: في ضوء الطابع الخاص للعلاقات بين النظام الهاشمي وإسرائيل، كيف يمكن أن يؤثر تحول النظام في الأردن للملكية الدستورية على البيئة الاستراتيجية لإسرائيل؟ وما هي المخاطر التي يتحوط لها الكيان الصهيوني في حال تحقق هذا السيناريو؟ وما حدود هامش المناورة المتاح لإسرائيل لمساعدة النظام الأردني لدرء هذه المخاطر؟.
رابط المقال في الجزيرة نت:
http://www.aljazeera.net/NR/exeres/F...1CB57F9241.htm
ذخر استراتيجي وضرورة وجودية
على الرغم من أنه قد كتب الكثير عن طابع العلاقات الخاص بين النظام الأردني الحالي وبين إسرائيل، إلا أنه نادراً ما أقر المسؤولون الإسرائيليون بما يدور في الخفاء بين الكيان الصهيوني والمملكة الأردنية. لكن الوثيقة التي نشرتها صحيفة هارتس بتاريخ 16-3-2007 تكاد تكون الوثيقة الرسمية الوحيدة التي تعبر عن التقييم الإسرائيلي للدور الذي لعبه النظام الهاشمي ويلعبه في خدمة المصالح الإستراتيجية لإسرائيل، إذ جاء في الوثيقة التي كانت عبارة عن ورقة قدمتها دوائر التقييم الاستراتيجي في كل من جهازي الموساد والاستخبارات العسكرية ومجلس الأمن القومي لرئيس الوزراء في ذلك الوقت إيهود أولمرت، حيث جاء فيها أن النظام الأردني يمثل " ذخراً استراتيجياً لإسرائيل من الطراز الأول، وأن أي مخاطر تهدد بقاءه تعتبر تهديداً وجودياً لإسرائيل ". ولعل ما قاله وزير الدفاع الإسرائيلي الأسبق والقيادي في حزب العمل بنيامين بن اليعازر عندما سئل عن تداعيات سقوط نظام الرئيس مبارك للإذاعة الإسرائيلية بتاريخ 15-2-2011، ذا دلالة خاصة، إذ قال: " إن الكارثة الأكبر ستحل بنا في حال تضعضع حكم جارنا الشرقي، فإذا طار هو سنطير نحن ".
ومما يثير الرعب في نفوس النخب الإسرائيلية من إمكانية تحول الأردن لملكية دستورية حقيقة أن هذا التحول سيسحب البساط من تحت أقدام الملك وسيحرمه من التأثير على مسار الأمور لتتولى أجسام سياسية منتخبة معادية لإسرائيل حتماً، كما يقول رئيسة هيئة أركان الجيش الإسرائيلي الأسبق أمنون ليبكين شاحاك.
ففي إسرائيل يعتبرون أن تحويل الأردن للملكية الدستورية يعني نقل دائرة التأثير من الملك إلى الشعب الأردني، الذي يعتبر في نظر الإسرائيليين أحد الشعوب العربية الأكثر تطرفاً تجاه إسرائيل، كما قال يوماً الرئيس الإسرائيلي الأسبق إسحاق نافون، وبالتالي فإن طابع العلاقات بين الجانبين ستنقلب رأساً على عقب في أعقاب هذا التحول.
تأمين الحدود
أن أحد أهم بواعث الفزع لدى الإسرائيلي من إمكانية التحول للملكية الدستورية في الأردن هو الاعتقاد الجازم بأن هذا التحول يعني توقف الأردن عن تقديم الخدمات الأمنية لإسرائيل، وعلى رأسها تأمين الحدود، والتي تعد الأطول التي تفصل بين الكيان الصهيوني ودولة عربية. وكما كتب الوزير الإسرائيلي السابق الجنرال إفرايم سنيه الذي قاد الجيش الإسرائيلي في الضفة الغربية في هارتس بتاريخ 13-8-2010، فإن الآلاف من الإسرائيليين مدينون ببقائهم على قيد الحياة للجهود التي تبذلها الأجهزة الأمنية الأردنية، وعلى وجه الخصوص جهاز المخابرات العامة، لأن هذه الأجهزة تمكنت وعلى مدى عقود من الزمن من احباط محاولات التسلل التي قام بها أردنيون وفلسطينيون لتنفيذ عمليات في قلب إسرائيل والضفة الغربية، علاوة على إنها قدمت معلومات لإسرائيل كان لها دور حاسم في الحفاظ على أمن الإسرائيليين. وقد أقر رأس النظام الألاردني بذلك، حيث وصل الأمر إلى حد تباهي الملك عبد الله بدور نظامه في حماية أرواح الإسرائيليين، فقد نقلت صحيفة معاريف في عددها الصادر بتاريخ 20-12-2002 عن الملك عبد الله قوله لمجموعة من قادة المنظمات اليهودية أثناء زيارته لواشنطن: " فلتعلموا أيها الأصدقاء أننا أنقذنا أرواحاً إسرائيلية كثيرة ".
ومما لا شك فيه أن النظام الأردني قد أسهم في تقليص الأعباء العسكرية الملقاه على كاهل المؤسسة العسكرية الإسرائيلية، وحسب عوزي عراد، الذي شغل سابقاً منصب رئيس قسم الأبحاث في " الموساد " ورئيس مجلس الأمن القومي فإنه لولا الدور الذي تقوم به العسكرية الأردنية في تأمين الحدود مع إسرائيل لاضطر الجيش الإسرائيلي إلى إرسال جميع ألوية النخبة للقيام بهذه المهمة، وهو ما يعني المس بإمكانية تفرغ الجيش لإجراء التدريبات والمناورات العسكرية.
التعاون الاستخباري
لقد تطور التعاون الاستخباري بين إسرائيل والنظام الأردني ليصل مستويات كبيرة جداً، وقد فتح جهاز الموساد مكتباً خاصاً له في عمان، كما دللت على ذلك التحقيقات التي أجريت في أعقاب محاولة الاغتيال الفاشلة التي نفذها " الموساد " ضد خالد مشعل رئيس المكتب السياسي لحركة حماس في صيف عام 1997. وقد أقر إسحاق مردخاي وزير الدفاع الإسرائيلي وقت تنفيذ محاولة الاغتيال بأنه لا حدود لحجم التعاون الاستخباري وتبادل المعلومات بين إسرائيل والأردن في مجال ما أسماه " محاربة الإرهاب ". ويمتدح مردخاي سلوك الملك حسين الذي اكتفى بأن يتم إطلاق سراح الشيخ أحمد ياسين وإثنين من مرافقيه من السجن الإسرائيلي مقابل إفراج الأردن عن عميلي الموساد الذين شاركوا في تنفيذ محاولة الاغتيال، ويؤكد ياتوم أنه لو أصر حسين على الإفراج عن جميع المعتقلين الفلسطينيين في السجون الإسرائيلية مقابل عميلي الموساد، لما ترددت إسرائيل في الاستجابة لطلبه.
ومن الشواهد المرة على حجم التعاون الاستخباري بين الجانبين، والذي يستهدف كل ما تعتبره إسرائيل مصدر تهديد لها، ما أكدته وسائل الإعلام بأن نائب مدير محطة توليد الكهرباء في غزة المهندس ضرار أبو سيسي الذي اختطفه " الموساد " مؤخراً أثناء تواجده في أوكرانيا قبل شهر تقريباً، كان قد خضع أثناء سفره عبر مطار عمان لتحقيق مكثف في أروقة المخابرات العامة الأردنية. ويروي الكثير من الفلسطينيين الذين اعتلقوا في السجون الإسرائيلي وزاروا الأردن أن المخابرات الأردنية تستجوبهم عند دخولهم المعابر الحدودية بناءً على اعترافاتهم لدى المخابرات الإسرائيلية.
المشاركة في حصار المقاومة
لا يفوت الإسرائيليون الإشادة بدور النظام الأردني في محاصرة المقاومات العربية وتحديداً الفلسطينية. فعلى الرغم بأن الحكومة الأردنية قد عزت في حينه قرارها بطرد قيادة حركة حماس من الأردن إلى تجاوز هذه القيادة للقانون الأردني، إلا إن رئيس جهاز الموساد الأسبق داني ياتوم يؤكد أن هذا القرار اتخذ بالتعاون والتنسيق المسبق مع إسرائيل وضمن التزام الحكومة الأردنية بتضييق الخناق على حركة حماس. ويمتدح الإسرائيليون كثيراً الدور الذي قام به النظام الأردني في محاصرة حكم حركة حماس وإصراره على عدم إجراء أي اتصالات معها. ولازال الإسرائيليون يذكرون المقابلة التي أجرتها القناة الثانية في التلفزيون الإسرائيلي مع الملك عبد الله بعد انتهاء حرب لبنان الثانية، حيث عبر استيائه لفشل إسرائيل في حسم الحرب، حيث قال: " أن فشلكم فشلنا والعكس صحيح ".
حقيقة الموقف من القدس
على الرغم من أن الانتقادات التي يوجهها النظام الأردني لإسرائيل على خلفية المشاريع التهويدية في القدس وما يتعرض له المسجد الأقصى، إلا أنه تبين أن هذه المواقف لا تعدو كونها ضريبة كلامية، حيث كشف معلق الشؤون العربية في صحيفة هارتس داني روبنشتاين بتاريخ 12-3-2007 النقاب عن أن هناك تعاون بين الأردن وإسرائيل في إحباط الجهود التي يبذلها الشيخ رائد صلاح زعيم الحركة الإسلامية للدفاع عن المقدسات في القدس. ومن المفارقات ذات الدلالة، أن السلطات الأردنية تحرص على منع الشيخ رائد ونائبه الشيخ كمال الخطيب من دخول الأردن، مع أن هاتين الشخصيتين تحظيان بتقدير هائل الشعوب العربية والإسلامية، وضمنها الشعب الأردني لدورهما في الذود عن الأقصى وقضية القدس.
خارطة المخاطر
إن كانت صيغة الحكم الحالية في الأردن هي التي سمحت لإسرائيل بتحقيق مصالحها على النحو الذي تمت الإشارة إليه لاحقاً، فإن التحول للملكية الدستورية، يؤذن بمواجهة إسرائيل مخاطر كبيرة. فالتحول في الأردن بعد سقوط نظام مبارك في مصر يعني أن إسرائيل فقدت أهم شركائها الإقليميين في محاربة المقاومة، وهذا يعني حتماً مضاعفة الأعباء التي ستكون ملقاه على عاتق المؤسسة الأمنية الإسرائيلية بشكل لم تعرفه من قبل، وسيؤثر بكل تأكيد على كفاءة هذه المؤسسة، بما يشكل ضربة قوية للأمن " القومي " الإسرائيلي. في نفس الوقت فإن تحمل حكومة منتخبة مقاليد الأمور في الأردن يعني تقليص قدرة إسرائيل على توجيه الضربات للشعب الفلسطيني ومقاومته، إذ إن الحكومات المنتخبة في الأردن كما في مصر لن تمر مرور الكرام على الممارسات القمعية الإسرائيلية ضد الفلسطينيين، ولو من باب مراعاة الرأي العام لديها. ويجزم الإسرائيليون أن تغيير صيغة الحكم القائمة في الأردن يعني التمهيد لعودة خطر الجبهة الشرقية، وإمكانية استهداف الكيان الصهيوني من جهة الشرق. وعلى الصعيد الاقتصادي، فإن التحولات في الأردن تعني زيادة الأعباء على كاهل الخزانة العامة الإسرائيلية، حيث إن إسرائيل ستكون مطالبة بإعادة نشر قواتها على طول الحدود وتخصيص إمكانيات ضخمة وتجهيزات لوجستية لضمان تحقيق الأمن، وهذا يتطلب تخصيص موازنات ضخمة.
آليات التحرك الإسرائيلية
لقد دللت إسرائيل بالأفعال على مدى حرصها على بقاء النظام الأردني الحالي، حيث لم تتردد في التدخل لإنقاذه عندما تحرك الجيش السوري لإغاثة الفلسطينيين أثناء أحداث أيلول الأسود عام 1970، وحرصت تل أبيب على إبلاغ الإدارة الأمريكية بتحفظاتها على مخططات انسحاب الجيش الأمريكي من العراق، على اعتبار أن انسحاب الأمريكيين بالكامل من العراق قد يؤدي إلى إسقاط النظام الأردني ( هارتس،16-3-2007)، وقد اسهمت التحركات الإسرائيلة في تعديل مخططات الانسحاب عبر الإبقاء على عشرات الآلاف من الجنود الأمريكيين. يدرك صناع القرار في تل أبيب أن قدرتهم على التدخل حالياً فيما يجري في الأردن محدودة، بل أنه في حال تم لمس أثر أي نوع من أنواع التدخل، فإنه سيؤدي إلى نتائج عكسية. لكن هذا لا يعني إن إسرائيل لا تتحرك من وراء الكواليس، سيما عبر التنسيق الوثيق مع الإدارة الأمريكية، حيث شكل نتنياهو خلية عمل من مكتبه والأجهزة الأمنية لتنسيق المواقف مع واشنطن، وقد تم التعبير عن ذلك بالحوار السري الذي جرى بين الإدارة الأمريكية والحكم في الأردن وتم نصح النظام بالتجاوب مع بعض مطالب الاصلاح دون أن يؤدي ذلك إلى تغيير حقيقي في صيغة الحكم. وهناك دعوات تصدر عن النخب الإسرائيلية تطالب حكومة نتنياهو بأن يضبط سلوك حكومته تجاه الفلسطينيين بشكل لا يسمح بتعزيز الاحتجاجات التي يقوم بها المطالبون بالإصلاح الحقيقي. فعلى سبيل المثال بات هناك من يطالب في إسرائيل بعدم التوسع في تنفيذ عمليات القصف ضد قطاع غزة حتى لا يتم إحراج الأنظمة العربية، سيما النظام الأردني، تحديداً في ظل استعادة الشعوب العربية زمام المبادرة والثقة بالنفس.
إن على الشباب الأردني الرائع الذي يثور مطالباً بالحرية والإصلاح السياسي أن يدرك أن نجاحه في تغيير الواقع القائم حالياً في الأردن لن يؤدي فقط إلى إسدال الستار على حقبة قاتمة في تاريخ بلدهم، بل أنهم سينجحون في إبطال مفعول إسطوانة الأوكسجين التي تمكن الكيان الصهيوني من التنفس الصناعي
.