أوبرا وينفري : المرأة الفولاذية

بقلم الدكتورة مديحة عتيق /الجزائر

حين نبحث عن نماذج نسوية معاصرة للنجاح والنفوذ والتأثر ، نجدها للأسف غربية في مجملها ،ولكن مادام ديننا الحنيف يحثنا على أن تكون الحكمة ضالة المؤمن فلا مانع أن نعترف ونقتدي بهذه النماذج مع الاحتفاظ بالعقيدة الدينية ، لذا ستكون قدوتنا هذه المرة مذيعة أمريكية سوداء واسعة الشهرة والنفوذ بل هي نموذج النجاح والنفوذ وإثبات الذات ، إنها:
أوبرا وينفري (Oprah Winefrey): هي المرأة التي استطاعت بقوة شخصيتها أن تتحدّى عقدة اللون وما ينجر عنه من التمييز العنصري ،وعقدة الفقر، وضآلة النسب وغياب الجمال، لتصبح واحدة من عشر نساء الأكثر تأثيرا عالميا .
طفولة بائسة ومراهقة مؤلمة :
عاشت أوبرا في حي فقير وقذر مع أبوين غير مثقفين فأبوها كان حلاقا وأمها كانت خادمة منزلية وحين انفصلا تكفلت بها جدتها التي كانت تشتغل غسالة وما زاد الوضع سوءا أنّ أوبرا تعرضت في طفولتها للتحرّش الجنسي والاغتصاب وهذا ما سبب لها جرحا نفسيا عميقا لا يزال يؤلمها إلى الآن، ورغم هذه الظروف القاهرة فقد تولّد في نفس هذه الطفلة الشقية نهم عجيب لملطالعة أهّلها إلى أن تتفوّق دراسيا وتحصل على منحة جامعية فأصبحت واحدة من أوائل الطلبة السود في الجامعة ، وعانت الأمرّين بسبب التمييز العنصري ،وكما أنها اشتغلت في سنّ التاسعة عشر مراسلة إذاعية ومنها بدأت مشوارها الإعلامي المتميز والمصير وخاصة برنامجها:
أوبرا وينفري شو (Oprah Winefrey Show):
وهو برنامج يومي تناقش فيه موضوعات اجتماعية ونفسية واقتصادية متنوعة على غرار موضوع الأطفال الموهوبين ، والعنف ضدّ النساء ، والجمعيات الخيرية ، والغذاء الصحي ، والناس الخارقين ، والحروب الأهلية ، وآخر الإصدارات الثقافية ،والملل الزوجي ، والخيانة الزوجية ، بالإضافة إلى مواضيع الموضة والأزياء والديكور والمهرجانات والمسابقات ـ كما أنّ برنامجها حواري في بعض حلقاته ، إذ استضافت فيه شخصيات شهيرة مثل بيل كلينتون ، هيلاري كلينتون ، وكونداليزا رايس ، وتوم كروز ، والملكة رانيا ،...الخ وقد قيل أنّ شهرة أيّ شخصية لا تكتمل حتى تستضيفه أوبرا في برنامجها .
وصلت شهرة البرنامج حدّا أسطوريا ، فهو يبثّ في 112 دولة ، ويشاهده 30مليون مشاهد أمريكي أسبوعيا لأنه برنامج راق في حواره، بعيد عن الابتذال ، مليء بالتشويق ، والأهمّ من ذلك يمتلك رؤية ،وأهداف مستقبلية ، ورسالة إصلاحية وتنويرية.
أعمال أوبرا الخيرية:
تمثّل أوبرا وينفري نموذجا للإنسان الذي يقرن القول بالفعل ، والتنظير بالممارسة ، فلم تكن دعواتها للإصلاح شعارات جوفاء تنتهي بنهاية حلقات برنامجها ، و لا أدلّ على ذلك من مشاريعها الخيرية الكثيرة ، فقد عرف عن أوبرا أنها لم تتزوج ولم تنجب لذلك تكفّلت برعاية خمسين ألف طفل إفريقي ، كما أنها ساهمت في سنّ قوانين دولية تحمي النساء الروانديات من وحشية الحروب الأهلية بالإضافة إلى تشجيعها نشر الكثير من الكتب في علم الاجتماع وعلم النفس والثقافة العامة ..وافتتحت مدرسة لتعليم البنات في جنوب إفريقيا بمساعدة ومباركة صديقها نيلسون مانديلا وذلك حتى لا تعاني البنات من الظلم الذي عاشته في طفولتها.
الإعلامية.. الثرية:
سعت أوبرا وينفري لأن تحقق ثروة طائلة تعوّض بها الحرمان الذي عاشته في طفولتها البائسة وتمكّنها من تحقيق طموحاتها الواسعة وآمالها العريضة ، وكان لها ذلك بفضل ذكائها وإرادتها وعزيمتها التي لا تقهر،ذكرت ويكيبيديا" أنّ ثروتها بلغت عام 2003 مليار دولار مما وضعها في المرتبة 427 في اللائحة التي تضم 476 مليارديرا. وحسب تصنيف مجلة فوربس لعام 2005،احتلت أوبرا المرتبة التاسعة في أول 20 شخصية من النساء الأكثر نفوذا على صعيد وسائل الاعلام والسلطة الاقتصادية. كما احتلت المركز الثاني حسب تصنيف مجلة فوربس لعام 2005 في قائمة أكثر الشخصيات تأثيرا في العالم الذي ضم 100 شخصية وصعدت وينفري لتحل محل ميل جيبسون من حيث الثروة فقد بلغ دخلها السنوي 225 مليون دولار".
أقوالها ..وحكمها:
تعلمت أوبرا من الحياة كثيرا ومن أخطائها الأكثر، وها هي تنقل لنا خلاصة تجاربها في عبارات قصيرة ومضغوطة :
-" التميز أفضل ما يمنع التمييز العنصري أو النوعي"
-".أحس أن الحظ هو التقاء التحضير مع الفرصة."
-" حَوِّل جراحك إلى حكمة".
-" أكثر ما تخاف منه ليس قويا، فالقوة تكمن في الخوف ذاته"
- أنا متأكدة أن ما نصرّ عليه هو ما نصبحه."
-" أنا متأكدة أن كل شيء يحدث لسبب ما، حتى ولو كانت الحكمة لمعرفته تنقصنا"
-" أكبر مغامرة يمكنك أن تمر بها هي أن تحيا الحياة التي تحلم بها."
بعد هذه الوقفة السريعة على إنجازات هذه المرأة أرجو أن تكون مثلا أعلى لإعلامياتنا في علو الهمة ووفرة النشاط وقوة الإرادة.