آخـــر الـــمـــشـــاركــــات

+ الرد على الموضوع
النتائج 1 إلى 3 من 3

الموضوع: قراءة فى رواية الحرب جـ1

  1. #1
    عـضــو الصورة الرمزية محمود الديدامونى
    تاريخ التسجيل
    11/03/2007
    العمر
    54
    المشاركات
    203
    معدل تقييم المستوى
    18

    افتراضي قراءة فى رواية الحرب جـ1



    ادفنوني حيث أموت
    صراع بين الراسخ والمتطفل قراءة فى رواية
    " ثعالب فى الدفرسوار"
    للروائى / أحمد محمد عبده
    بقلم / محمود الديدامونى
    توطئة
    الرواية ، هذا العالم السحري الجميل بلغتها وشخصياتها التى تتكون أمامنا من لحم ودم ، تتحرك فى أحياز وأمكنة فى زمن ما تستدعى فيه أزمن أخرى وتستشرف أيضا زمانا آخر ، ينسجه الكاتب من خياله مرتكزا على أرضية واقعية أحيانا ، وإن لم تكن متماسة مع واقع بعينه ، لأنها لو كانت كذلك لوقعت فى شرك التسجيلية .
    إن الرواية تتخذ لنفسها ألف وجه، وترتدي فى هيئتها ألف رداء ، وتتشكل أمام القارىء تحت ألف شكل . إنها تشترك مع الملحمة فى طائفة من الخصائص ، وذلك من حيث أنها تسرد أحداثا لأن تمثل الحقيقة ، وتعكس مواقف الإنسان ، لكنها تستميز عن الملحمة بكون الملحمة شعرا ، بينما تتخذ الرواية النثر تعبيرا لها . فالرواية متفردة بذاتها ، لكنها فى الوقت ذاته ذات ارتباط وثيق بعامة الأجناس الأدبية الأخرى فنرى الحوار عنصر المسرحية ، والشعر والأحداث عصب الملحمة ، والحكاية عصب الموروث الشعبي . إذن لابد لأي رواية أن تتعدى حدود مادتها لتستميز بخصوصية فنية تجعل منها شكلا فريدا .
    وما بين أيدينا فى هذه القراءة يقدم لنا رواية تحمل كل هذا التداخل بين الأنواع الأدبية بعضها مع بعض فى نسيج متماسك .
    والأدب هو ـ فى وقت واحد ـ نظام خاص للتعبير عن الشأن الاجتماعي وتاريخ المفاهيم المتغيرة إلى الكتابة الفنية ، ونتاج فنى تنعكس فيه أصداء الصراع بين النظريات . صراع مستمر بين الولادة والموت ، بين التجديد والتقليد ، بين حق الكاتب فى الحرية والضوابط التى يشكلها الذوق العام وأصول الفن . " 1 " قضايا أدبية عامة
    ولعل الكتاب الذى بين أيدينا " ثعالب فى الدفرسوار " يذكرني بمقولة ديكارت فى كتابه " خطاب فى المنهج " : ( إن قراءة الكتب الجيدة ، تشبه الحديث مع الناس الشرفاء من أبناء القرون الخوالي الذين كتبوها ، بل هي حديث متقن يعرضون لنا فيه أفضل أفكارهم ) . ومن ثم تجاربهم .
    ولعل الرواية تتدارك مفهوم خريطة الاتصال على مستويين يسيران فى اتجاه واحد وكل منهما مرادف للآخر . حيث حدد " ياكوبسون " الاتصال الأدبي كما يلي :
    مرسل ــــ [ سياق ـ رسالة ـ صلة ـ شفرة ]ـــــ مرسل إليه
    وقد تمثل المرسل فى هذه الرواية على عدة مستويات منها على سبيل المثال ،القيادة العسكرية متمثلة فى الرئيس الراحل أنور السادات ، ثم فى المراسل العسكري الذى يقدم وصفا دقيقا ورائعا للحرب ، ثم فى الإعلام من الجانبين المصري والإسرائيلي على حد سواء . ثم تأتى الرسالة الموجهة إلى المتلقي ثم المرسل إليه ويكاد ينحصر فى الضدين فقط .ينفعل للرسالة بها أو عليها . يصدقها أو يكذبها . هذا يتوقف على عدة عوامل من وجهة نظرى:
    1 ـ قدرة المرسل على صياغة رسالته بحيث تقدم للمتلقي قدرا من المصداقية يتواءم مع قراءته هو للواقع وتتماس مع ميله لذلك
    2 ـ ثقافة المتلقى .
    3 ـ قيمة الرسالة .
    4 ـ قدر من الثقة المسبقة بينهما 0( أى بين المرسل والمتلقى ) ، بناء على تاريخ اجتماعي مسبق .
    ورواية " ثعالب فى الدفرسوار " لـ أحمد محمد عبده تتشابك فيها العلاقات ، وتختلف الثقافات من منظورها التعليمى واللغات من منظورها الوجودى أو الكيانى . يبزغ فيها ضوء ويخفت آخر ، إنها رواية تمتلىء بروح المقاومة والتوحد ، ويعانى أبطالها من الظلم المنتشر فى كل مكان ـ من العدو ومن الحبيب ـ إنها رواية تختلف فيها معايير الحكم على الأشياء ، يجد الواحد نفسه تحت كم هائل من الضغط النفسى والعصبى الذى لا حد له . هل الحياة تسير نحو الضوء أم أنها ما زالت تحت هيمنة الظلام ؟. إن الرؤية ما زالت مضببة إن لم تكن دون ذلك .
    هذا ما سنعرفه من خلال الولوج بشيء من القراءة لهذا النص الذى يثير العديد من التساؤلات . ويرصد الثغرة عن قرب ويقدم للأجيال الحالية والقادمة رؤية أكثر واقعية وفنا له القدرة على التخطى والمصداقية ، بما تملكه الرواية من صدق فنى ومهارة أسلوبية ، ومدى إسهام ذلك فى منحنا الرؤية المنطلقة من توجه النص أو على أقل تقدير الإيحاء لنا بذلك .
    ثقافة المقاومة :
    كان التعريف السائد للمقاومة ما تبناه المفكر الكبير " محمود أمين العالم عندما قال : ( إن ثقافة المقاومة هى ضرورة إنسانية مطلقة فى تحقيق الذات الإنسانية ، وهى مشروعة فى مختلف تجلياتها .. وإن التاريخ هو تاريخ نضال الإنسان واستشهاده فى مختلف مجالات العلم والفكر .. وضد كل ما يعيق وجوده وتقدمه ) .
    وهناك من ذهب لأبعد من هذا وعرفها على أنها ثقافة الاستشهاد .. أن تعرف كيف تموت لتعرف أكثر كيف تعيش ... " 2 " الغيم والمطر
    وذلك ما برز لدى بعض شخصيات الرواية بينما تألق مفهوم الحرب فى البقية الباقية . التى تنطلق من مواقعها متقدمة فى اتجاه الآخر مرتكزين على تاريخ من المواجهات الخاسرة . مصممين هذه المرة على الخروج من غياهب الجب التى أحاطت بكل شيء إلا أنها لم تتمكن من النفوس التواقة للحرية والحياة .
    إنها رواية تنتمي إلى أدب الحرب ، ذلك الأدب الذى يملك نبلا فى شخصياته، تنزع دائما إلى النضال وتنشد الحرية ، ترفض الظلم والعدوان ، الباطل والاضطهاد ، إنها ـ أي ـ الرواية الحربية تظهر رفض الشعوب للظلم ، خاصة تلك التي تقع تحت الاحتلال ، وفرض الظلم عليها بالقوة ، وجمر النار ، إن شخصياتها تملك أو تتسم بصفات التضحية الخارقة ، وحب التفاني فى خدمة الوطن . مما يجعلها تستأثر بحب القرّاء الذين ربوا على حب الخير وتمجيد الحرية ، إنها رواية مناضلة بحكم طبيعة وصفها ، فهى تمثل طبيعة الأدب السياسي ، الذى ليس ثمرة إلا من ثمرات العمل العسكرى " 3 " فى نظرية الرواية
    ولعل الرواية هى اصدق فنون القول على تصوير التغيرات الاجتماعية خاصة إذا كان السارد يملك رؤية تاريخية سليمة ونظرة اجتماعية ثاقبة بالإضافة إلى أدواته الفنية ، التي يرصد بها ويسجل خلالها حركة المجتمع ويجسد الإرهاصات الدقيقة بإيحاء المستقبل قبل وقوعه .
    فالرواية الصادقة تصبح وثيقة ثمينة من وثائق المؤرخ والباحث الاجتماعي .فرواية ( الحرب والسلام ) للأديب الروسي " تولستوى " تسجل فى ضمير ملايين القراء من كل جنس ولغة غزو نابليون لروسيا سنة 1812 ، وما فعلته تلك الحرب بحياة شخصيات الرواية . وما طرأ عليها من تغييرات ، وقد لا يختلف كثيرون على أن الرواية هذه أعظم ما كتب فى هذا الفن على الإطلاق .نظرا لارتباط هذه الرواية وأحداثها التاريخية المتعلقة بتاريخ روسيا وأوربا جمعاء ، بوعي القارىء إلى الأبد بعد قراءته للرواية "4 " سحر الرواية
    ولا أتجاوز عند القول بأن رواية ( ثعالب فى الدفرسوار ) لـ أحمد عبده ـ قدمت رؤية غاية فى الواقعية ، مغايرة تماما لما كتب فى أدب الحرب ، خاصة ما كتب فى حرب أكتوبر1973 . فجل ما كتب كان يصور أو يظهر تفوق الآلة العسكرية المصرية ، وبطولات المقاتلين على خط النار والعمل على رسم صورة بطولية تتماس مع تلك الروح المهيمنة على المتلقي وقبوله المرتبط بالأمل فى تحقيق ما يروى عليه ، فترتفع معنوياته , وبلا شك فإن ذلك شارك فى تشكيل الوجدان المقاوم لدى الإنسان المصري والعربي على حد سواء... أما وقد مرت السنون ، وعاد للعقل بريقه . كان الحديث عن الأشياء الأقرب للتصديق والواقع بعيدا عن الآمال والأمنيات .
    فى الواقع لقد قرأت فيما سبق مجموعة من الروايات للأديب الكبير" فؤاد حجازى " مثل (الأسرى يقيمون المتاريس ـ الرقص على طبول مصرية ) وبهرني فؤاد حجازى إلى حد بعيد بما يملكه من قدرة هائلة على الربط بين الواقع الاجتماعي والعسكري . وما تملكه كتاباته من صدق فني وحقائق لا تقبل الشك مسلحا بتاريخ إبداعي وثقافي وفكري وخبرة حياتية واسعة . حيث كان فى الغالب أحد أبطال رواياته . فالمصرى عنده لا يستسلم وما دام كذلك سيهب مرة أخرى ، فهو شامخ رغم سقوطه ، يسمو على الانكسار ، والحرب بذلك عند فؤاد حجازى ضرورية لدفع آلية الصد والردع " 5 " الرقص على طبول مصرية
    أما هنا فإن الأمر يختلف كثيرا ، ليس من باب الأفضلية أو ما إلى ذلك إنما الأمر يتعلق بالرؤية والمعالجة الفنية ، فلست هنا لعقد مقارنة بين كاتبين ، أبدا ـ الموضوع يتعلق بأدب الحرب ـ فالرواية التى ساقها أحمد محمد عبده إلينا " ثعالب فى الدفرسوار تقدم رؤية جادة بل وجديدة أيضا ، قد تتماس مع غيرها فى بعض مواطنها لكنها فى السواد الأعظم مختلفة تماما عن كل ما قرأته . ولا اجزم فى القول بالاختلاف عن كل ما كتب ، فلست مطلعا تماما على كل ما كتب فى أدب الحرب ، وإن كان من الواجب أيضا الإشارة إلى الرائد جمال الغيطانى ، وكذلك ما كتبه الروائى الشرقاوى بهي الدين عوض وحتى بعض ما كتبه القاص محمد عبد الله الهادي فى أدب الحرب ، وفى هذا المجال أذكر أيضا الأديب الدمياطي سمير الفيل خاصة ( خوذة ونورس وحيد ) .
    أعود إلى الرواية ، إنها الأقرب إلى الواقع ومن ثم إلى العقل يتضح ذلك من خلال القراءة المتأنية لها .
    إن القاص يقدم من خلال روايته القصيرة مزجا حقيقيا بين المجتمع المدني والمجتمع العسكري ...وإن كان الأمر هنا يختلف فروح النضال والبطولة تتمثل فى شخصيات مدنية لا تمت للعسكرية بصلة .. ويدفعنا إلى العديد من الأسئلة السياسية الشائكة ، مثل ما الذى جنيناه من حرب اليمن ؟ ولماذا نقاتل هناك بينما هنا عدو استراتيجي يتحرش بنا من آن إلى آخر ؟ والسؤال الأكثر أهمية .. من نصدق ؟ وكيف نصدق ؟ ولماذا نصدق ؟ كيف تكون قواتنا عبرت .. وهم هنا فى الجانب الغربى .. يدهمون بيوتا ويأسرون شبابا ويقتلون شيوخا ويخطفون نساء ؟ أسئلة عديدة يطرحها الراوى علينا فى حيادية تامة وبطريقة تدلنا على نضج فنى كبير .
    والسؤال الأكثر إلحاحا هل الرواية التى بين أيدينا تنتمي إلى أدب الحرب أم أدب المقاومة ؟
    فى الواقع فإنها تنتمي إلى الأدبين معا ، حيث نرى المقاومة الشعبية تقف جنبا إلى جنب مع الآلة العسكرية ، لذلك لا يمكن الفصل بينهما . وإن كانت تميل إلى أدب المقاومة أكثر بما يحمله من إصرار على استخدام كل الإمكانيات المتاحة وأبسطها فى عملية الردع والمقاومة .
    ولنرقب تلك المقارنة المعقودة بين جبهتين بينهما صراع مستمر ، عندما يسوق الراوى تساؤلا بمدى إمكانية تحقيق المقاومة المطلوبة ، من عدمه .
    ( محسن كان قد جاء من اليمن وفى رأسه خطط تدمر قوات الثغرة ... لكن !!أتظن أنه .. وبعينه الواحدة .. يستطيع أن يحارب قوات كهذه "
    نعود فنقول .. وما تكون هذه القوات أمام جحافل وجيوش .. قوادها جنرالات لهم عيون أوسع من عيون البقر !
    هزمهم ـ أكثر من مرة ـ أشهر أعور فى التاريخ الحديث ..
    لا يمكن أن نقف أمام هذا التعبير كثيرا لكن الأمانة تفرض علينا أن لا نمر عليه بشكل عابر ، فكلنا يعلم جنرالات مصر وأعور إسرائيل .
    أعود إلى مقولة تؤكد على عدم التقليل من عمل ما ، ما دام هناك إصرار الفعل أو العمل .يقول " جان جاك روسو " عندما كان يخطب فى أحد شوارع باريس المظلمة وتقدمت امرأة سجنوا ابنها فى " الباستيل "قالت له " إن كلماتك يا روسو رائعة .. ولكنها لن تعيد الحرية لابني .. فقال روسو إن الحرية التى نسعى إليها أكبر من حرية ابنك وحده يا سيدتى ، إنها حرية الشعب كله إنها حرية الملايين "
    ما دام هناك من لديه القدرة على الفعل كــــ " تعلوب الأعرج ، محسن الأعور ، رحمة العجوز ) . ستستمر المحاولات وبالطبع سوف يبزغ النور من جديد . رغم وجود ابن الثرى الذى هرب من الميدان متخاذلا ، وكأنه مقدر للفقراء والبسطاء من أبناء هذا الشعب أن يدفعوا ضريبة الحرية والنصر من دمائهم وأقواتهم ، وأرواحهم . لأنهم ببساطة شديدة يجدون فيها الشرف والعرض .. بعيدا عن المفاهيم الأخرى كالولاء للوطن ، أو ما شابه . لأنهم لا يعرفون تلك المعاني . إنما يدركون أنها دفاعا عن كرامتهم وشرفهم وأعراضهم وأرضهم .
    وإن كان ذلك يصب بالطبع فى مصلحة كل المفاهيم التى تستوعب هذه المعتقدات ، كالولاء والانتماء ، والمواطنة .....الخ
    الإهداء ودلالته الفنية والرمزية :
    يفتتح الروائى روايته بهاجس مخيف ، يقدمه على شكل الإهداء . حيث يقول : ( إلى أسير 67 فؤاد حجازى ... من جبل لبنى إلى عتليت ....يا قلبي ....فلتحزن
    إلى المراسل الحربي ... جمال الغيطانى ...لا تغادر موقعك ... فالغارة لا تزال مستمرة .
    إلى سيدي الغريب .... كيف حالها بيوت السويس ؟
    الدبابات قادمة .... حصِّنوا رؤوس المثلث فهي على مشارف كفر أحمد عبده ) . " 6 " ثعالب فى الدفرسوار
    والسؤال ماذا يقصد الروائي من هذا الهاجس المفجع ، إنه هاجس استشرافي يدفعنا دائما للاستعداد للمواجهة مع العدو ، إنه إيحاء بديمومة العداء بيننا وبين الإسرائيليين ، مهما كان هناك من محاولات لتخطى هذا التراث العدائى ، ولعل نواة هذا الإهداء برزت فى قصة قصيرة للكاتب ذاته فى مجموعته القصصية ( نقش فى عيون موسى ) فى قصة بنفس العدوان على ما أتذكر ، التقى فيها بعض السائحين المصريين والإسرائيليين فى منطقة عيون موسى ، لم ينس كلاهما ما حدث لأصدقائهم وأقاربهم من فقد من خلال كلمات نقشها الجنود على جدران المكان ، وكأنه تاريخ يسجل على طريقة المصرى القديم . إن الإهداء بما يحمله من ثراء دلالى يقودنا أيضا لنتساءل لماذا فؤاد حجازى وجمال الغيطانى وأيضا عبده مباشر ؟
    إنه ذلك الإحساس الكامن والمحرك لطاقة إبداعية ظلت راكدة كل تلك السنوات لتخرج من رحم الوجع الحقيقى للحرب متماسة تماما مع الواقع مرتكزة على تراث ساهم فى صياغته أسير 67 كرمز ، ومراسل حربى منضبط لا يهتم بغير الواقع وكان شاهدا عدلا على أحداثها ، فى تفوقها وانكسارها على حد سواء ، وكذلك للبطولة المتمثلة فى هؤلاء الذين يسكنون فى مواجهة الخطر متمسكين بمواقعهم حتى أخر لحظة ، على اعتبار أن الهجرة أصبحت من المستحيلات ، هذا ما سنتعرف عليه من التطواف داخل الرواية عندما تصبح العودة إلى الداخل أصعب على قلب أحد أبطال الرواية من مواجهة العدو ، وكأنه مأسور فى الحالتين .
    كما فى عبارة خط النار ولا ترك الديار .
    ( المرابطون هنا منكمشون داخل خنادقهم ، حتى إذا انتهت الغارة انتشروا يلتقطون أرزاقهم ، حفروا لأنفسهم خنادق حول بيوتهم وقالوا الرب واحد والعمر واحد ).
    ثم نجد هذه الصورة المعبرة بهذا التمسك الغير مسبوق بالأرض فى مواجهة حقيقية للعدو وكأن الراوية أرادها الروائى أو الراوى أن تسير فى خطين متوازيين أحدهما الشخصيات الواقعية المتحركة فى المكان والزمان والآخر هو الدلالة أو الرمز الذى يشير إليه أو يتوافق مع الأحداث .يقول الشيخ وهو يدافع عن أرضه فى مواجهة أولاد أبو حجر بعد رحلة هيام مع الأرض مؤكدا ملكيته لها : ( كان الشيخ يتهادى فوق تراب أرضه .
    ماء الرى أهاج رائحة الأرض ففاح طعم الملح والسبخ ، ملح وسبخ أكل جلده وجلد أولاده . توغل الرجل ، وقع أقدامه كأنه قبلات على جبين الأرض ، أو هو خاتم يدمغ به أحقيته لها ، اخترقت رصاصة صندوقه السمين !
    تناثر الدم على الأوراق البريئة ، قطرات ندى حمراء تساقطت من أى سماء .. لكى توثق حق الرجل ؟ !
    انبطح محسن على الأرض ومن فوق وش البرسيم ن طفحت بندقيته آخر طلقاتها
    ادفنونى حيث أموت ، ولا تجعلوا على قبرى مقاما ...... فقط اغرسوا عن يمينى شجرة تين شوكى ، وازرعوا قدام الشاهد صفصافة ، فقد يجذب ظلها من يقرأ الفاتحة على روحى ، فربما بخت علىّ نفحاتها شيئا من رذاذ الجنة ، أو ينام تحتها كلب ، لسانه أمامه نصف متر من شدة القيظ .
    وقال العقلاء ممن حضروا الواقعة : قبر أبيكم خط لكم أول سطر فى عقد الملكية .) هذه هى الصورة التى أرادها احمد محمد عبده لتوثق فى ذاكرة المواطن المصرى البسيط بعيدا عن الصراخ او التوجيه الذى لا طائل من ورائه غير ثقافى هشة لا تستمر طويلا إذا ما استعمل العقل وعاد له بريقه المغيب


  2. #2
    عـضــو الصورة الرمزية محمود الديدامونى
    تاريخ التسجيل
    11/03/2007
    العمر
    54
    المشاركات
    203
    معدل تقييم المستوى
    18

    افتراضي

    ربما أنتظر ردا
    كل التقدير لمن قرأ الدراسة وسوف يتبعها الباقى

    إليك يا براءة الوجود قبلتي
    فكم شربت من كئوسك الأمل
    وعشت أنتظر
    وكيف لا
    وقد رأيت وجهك الصبوح
    يلهم الطيور والزهور والشجر
    فيغزل الربيع
    ويمنح البهاء للقمر
    إليك مهجتى تتوق
    وأنت لم تزل
    تعاند الشروق
    وتحجب المطر

    مدونتى[
    http://900.maktoobblog.com/?all=1

  3. #3
    عـضــو الصورة الرمزية محمود الديدامونى
    تاريخ التسجيل
    11/03/2007
    العمر
    54
    المشاركات
    203
    معدل تقييم المستوى
    18

    افتراضي



    ادفنوني حيث أموت
    صراع بين الراسخ والمتطفل قراءة فى رواية
    " ثعالب فى الدفرسوار"
    للروائى / أحمد محمد عبده
    بقلم / محمود الديدامونى
    توطئة
    الرواية ، هذا العالم السحري الجميل بلغتها وشخصياتها التى تتكون أمامنا من لحم ودم ، تتحرك فى أحياز وأمكنة فى زمن ما تستدعى فيه أزمن أخرى وتستشرف أيضا زمانا آخر ، ينسجه الكاتب من خياله مرتكزا على أرضية واقعية أحيانا ، وإن لم تكن متماسة مع واقع بعينه ، لأنها لو كانت كذلك لوقعت فى شرك التسجيلية .
    إن الرواية تتخذ لنفسها ألف وجه، وترتدي فى هيئتها ألف رداء ، وتتشكل أمام القارىء تحت ألف شكل . إنها تشترك مع الملحمة فى طائفة من الخصائص ، وذلك من حيث أنها تسرد أحداثا لأن تمثل الحقيقة ، وتعكس مواقف الإنسان ، لكنها تستميز عن الملحمة بكون الملحمة شعرا ، بينما تتخذ الرواية النثر تعبيرا لها . فالرواية متفردة بذاتها ، لكنها فى الوقت ذاته ذات ارتباط وثيق بعامة الأجناس الأدبية الأخرى فنرى الحوار عنصر المسرحية ، والشعر والأحداث عصب الملحمة ، والحكاية عصب الموروث الشعبي . إذن لابد لأي رواية أن تتعدى حدود مادتها لتستميز بخصوصية فنية تجعل منها شكلا فريدا .
    وما بين أيدينا فى هذه القراءة يقدم لنا رواية تحمل كل هذا التداخل بين الأنواع الأدبية بعضها مع بعض فى نسيج متماسك .
    والأدب هو ـ فى وقت واحد ـ نظام خاص للتعبير عن الشأن الاجتماعي وتاريخ المفاهيم المتغيرة إلى الكتابة الفنية ، ونتاج فنى تنعكس فيه أصداء الصراع بين النظريات . صراع مستمر بين الولادة والموت ، بين التجديد والتقليد ، بين حق الكاتب فى الحرية والضوابط التى يشكلها الذوق العام وأصول الفن . " 1 " قضايا أدبية عامة
    ولعل الكتاب الذى بين أيدينا " ثعالب فى الدفرسوار " يذكرني بمقولة ديكارت فى كتابه " خطاب فى المنهج " : ( إن قراءة الكتب الجيدة ، تشبه الحديث مع الناس الشرفاء من أبناء القرون الخوالي الذين كتبوها ، بل هي حديث متقن يعرضون لنا فيه أفضل أفكارهم ) . ومن ثم تجاربهم .
    ولعل الرواية تتدارك مفهوم خريطة الاتصال على مستويين يسيران فى اتجاه واحد وكل منهما مرادف للآخر . حيث حدد " ياكوبسون " الاتصال الأدبي كما يلي :
    مرسل ــــ [ سياق ـ رسالة ـ صلة ـ شفرة ]ـــــ مرسل إليه
    وقد تمثل المرسل فى هذه الرواية على عدة مستويات منها على سبيل المثال ،القيادة العسكرية متمثلة فى الرئيس الراحل أنور السادات ، ثم فى المراسل العسكري الذى يقدم وصفا دقيقا ورائعا للحرب ، ثم فى الإعلام من الجانبين المصري والإسرائيلي على حد سواء . ثم تأتى الرسالة الموجهة إلى المتلقي ثم المرسل إليه ويكاد ينحصر فى الضدين فقط .ينفعل للرسالة بها أو عليها . يصدقها أو يكذبها . هذا يتوقف على عدة عوامل من وجهة نظرى:
    1 ـ قدرة المرسل على صياغة رسالته بحيث تقدم للمتلقي قدرا من المصداقية يتواءم مع قراءته هو للواقع وتتماس مع ميله لذلك
    2 ـ ثقافة المتلقى .
    3 ـ قيمة الرسالة .
    4 ـ قدر من الثقة المسبقة بينهما 0( أى بين المرسل والمتلقى ) ، بناء على تاريخ اجتماعي مسبق .
    ورواية " ثعالب فى الدفرسوار " لـ أحمد محمد عبده تتشابك فيها العلاقات ، وتختلف الثقافات من منظورها التعليمى واللغات من منظورها الوجودى أو الكيانى . يبزغ فيها ضوء ويخفت آخر ، إنها رواية تمتلىء بروح المقاومة والتوحد ، ويعانى أبطالها من الظلم المنتشر فى كل مكان ـ من العدو ومن الحبيب ـ إنها رواية تختلف فيها معايير الحكم على الأشياء ، يجد الواحد نفسه تحت كم هائل من الضغط النفسى والعصبى الذى لا حد له . هل الحياة تسير نحو الضوء أم أنها ما زالت تحت هيمنة الظلام ؟. إن الرؤية ما زالت مضببة إن لم تكن دون ذلك .
    هذا ما سنعرفه من خلال الولوج بشيء من القراءة لهذا النص الذى يثير العديد من التساؤلات . ويرصد الثغرة عن قرب ويقدم للأجيال الحالية والقادمة رؤية أكثر واقعية وفنا له القدرة على التخطى والمصداقية ، بما تملكه الرواية من صدق فنى ومهارة أسلوبية ، ومدى إسهام ذلك فى منحنا الرؤية المنطلقة من توجه النص أو على أقل تقدير الإيحاء لنا بذلك .
    ثقافة المقاومة :
    كان التعريف السائد للمقاومة ما تبناه المفكر الكبير " محمود أمين العالم عندما قال : ( إن ثقافة المقاومة هى ضرورة إنسانية مطلقة فى تحقيق الذات الإنسانية ، وهى مشروعة فى مختلف تجلياتها .. وإن التاريخ هو تاريخ نضال الإنسان واستشهاده فى مختلف مجالات العلم والفكر .. وضد كل ما يعيق وجوده وتقدمه ) .
    وهناك من ذهب لأبعد من هذا وعرفها على أنها ثقافة الاستشهاد .. أن تعرف كيف تموت لتعرف أكثر كيف تعيش ... " 2 " الغيم والمطر
    وذلك ما برز لدى بعض شخصيات الرواية بينما تألق مفهوم الحرب فى البقية الباقية . التى تنطلق من مواقعها متقدمة فى اتجاه الآخر مرتكزين على تاريخ من المواجهات الخاسرة . مصممين هذه المرة على الخروج من غياهب الجب التى أحاطت بكل شيء إلا أنها لم تتمكن من النفوس التواقة للحرية والحياة .
    إنها رواية تنتمي إلى أدب الحرب ، ذلك الأدب الذى يملك نبلا فى شخصياته، تنزع دائما إلى النضال وتنشد الحرية ، ترفض الظلم والعدوان ، الباطل والاضطهاد ، إنها ـ أي ـ الرواية الحربية تظهر رفض الشعوب للظلم ، خاصة تلك التي تقع تحت الاحتلال ، وفرض الظلم عليها بالقوة ، وجمر النار ، إن شخصياتها تملك أو تتسم بصفات التضحية الخارقة ، وحب التفاني فى خدمة الوطن . مما يجعلها تستأثر بحب القرّاء الذين ربوا على حب الخير وتمجيد الحرية ، إنها رواية مناضلة بحكم طبيعة وصفها ، فهى تمثل طبيعة الأدب السياسي ، الذى ليس ثمرة إلا من ثمرات العمل العسكرى " 3 " فى نظرية الرواية
    ولعل الرواية هى اصدق فنون القول على تصوير التغيرات الاجتماعية خاصة إذا كان السارد يملك رؤية تاريخية سليمة ونظرة اجتماعية ثاقبة بالإضافة إلى أدواته الفنية ، التي يرصد بها ويسجل خلالها حركة المجتمع ويجسد الإرهاصات الدقيقة بإيحاء المستقبل قبل وقوعه .
    فالرواية الصادقة تصبح وثيقة ثمينة من وثائق المؤرخ والباحث الاجتماعي .فرواية ( الحرب والسلام ) للأديب الروسي " تولستوى " تسجل فى ضمير ملايين القراء من كل جنس ولغة غزو نابليون لروسيا سنة 1812 ، وما فعلته تلك الحرب بحياة شخصيات الرواية . وما طرأ عليها من تغييرات ، وقد لا يختلف كثيرون على أن الرواية هذه أعظم ما كتب فى هذا الفن على الإطلاق .نظرا لارتباط هذه الرواية وأحداثها التاريخية المتعلقة بتاريخ روسيا وأوربا جمعاء ، بوعي القارىء إلى الأبد بعد قراءته للرواية "4 " سحر الرواية
    ولا أتجاوز عند القول بأن رواية ( ثعالب فى الدفرسوار ) لـ أحمد عبده ـ قدمت رؤية غاية فى الواقعية ، مغايرة تماما لما كتب فى أدب الحرب ، خاصة ما كتب فى حرب أكتوبر1973 . فجل ما كتب كان يصور أو يظهر تفوق الآلة العسكرية المصرية ، وبطولات المقاتلين على خط النار والعمل على رسم صورة بطولية تتماس مع تلك الروح المهيمنة على المتلقي وقبوله المرتبط بالأمل فى تحقيق ما يروى عليه ، فترتفع معنوياته , وبلا شك فإن ذلك شارك فى تشكيل الوجدان المقاوم لدى الإنسان المصري والعربي على حد سواء... أما وقد مرت السنون ، وعاد للعقل بريقه . كان الحديث عن الأشياء الأقرب للتصديق والواقع بعيدا عن الآمال والأمنيات .
    فى الواقع لقد قرأت فيما سبق مجموعة من الروايات للأديب الكبير" فؤاد حجازى " مثل (الأسرى يقيمون المتاريس ـ الرقص على طبول مصرية ) وبهرني فؤاد حجازى إلى حد بعيد بما يملكه من قدرة هائلة على الربط بين الواقع الاجتماعي والعسكري . وما تملكه كتاباته من صدق فني وحقائق لا تقبل الشك مسلحا بتاريخ إبداعي وثقافي وفكري وخبرة حياتية واسعة . حيث كان فى الغالب أحد أبطال رواياته . فالمصرى عنده لا يستسلم وما دام كذلك سيهب مرة أخرى ، فهو شامخ رغم سقوطه ، يسمو على الانكسار ، والحرب بذلك عند فؤاد حجازى ضرورية لدفع آلية الصد والردع " 5 " الرقص على طبول مصرية
    أما هنا فإن الأمر يختلف كثيرا ، ليس من باب الأفضلية أو ما إلى ذلك إنما الأمر يتعلق بالرؤية والمعالجة الفنية ، فلست هنا لعقد مقارنة بين كاتبين ، أبدا ـ الموضوع يتعلق بأدب الحرب ـ فالرواية التى ساقها أحمد محمد عبده إلينا " ثعالب فى الدفرسوار تقدم رؤية جادة بل وجديدة أيضا ، قد تتماس مع غيرها فى بعض مواطنها لكنها فى السواد الأعظم مختلفة تماما عن كل ما قرأته . ولا اجزم فى القول بالاختلاف عن كل ما كتب ، فلست مطلعا تماما على كل ما كتب فى أدب الحرب ، وإن كان من الواجب أيضا الإشارة إلى الرائد جمال الغيطانى ، وكذلك ما كتبه الروائى الشرقاوى بهي الدين عوض وحتى بعض ما كتبه القاص محمد عبد الله الهادي فى أدب الحرب ، وفى هذا المجال أذكر أيضا الأديب الدمياطي سمير الفيل خاصة ( خوذة ونورس وحيد ) .
    أعود إلى الرواية ، إنها الأقرب إلى الواقع ومن ثم إلى العقل يتضح ذلك من خلال القراءة المتأنية لها .
    إن القاص يقدم من خلال روايته القصيرة مزجا حقيقيا بين المجتمع المدني والمجتمع العسكري ...وإن كان الأمر هنا يختلف فروح النضال والبطولة تتمثل فى شخصيات مدنية لا تمت للعسكرية بصلة .. ويدفعنا إلى العديد من الأسئلة السياسية الشائكة ، مثل ما الذى جنيناه من حرب اليمن ؟ ولماذا نقاتل هناك بينما هنا عدو استراتيجي يتحرش بنا من آن إلى آخر ؟ والسؤال الأكثر أهمية .. من نصدق ؟ وكيف نصدق ؟ ولماذا نصدق ؟ كيف تكون قواتنا عبرت .. وهم هنا فى الجانب الغربى .. يدهمون بيوتا ويأسرون شبابا ويقتلون شيوخا ويخطفون نساء ؟ أسئلة عديدة يطرحها الراوى علينا فى حيادية تامة وبطريقة تدلنا على نضج فنى كبير .
    والسؤال الأكثر إلحاحا هل الرواية التى بين أيدينا تنتمي إلى أدب الحرب أم أدب المقاومة ؟
    فى الواقع فإنها تنتمي إلى الأدبين معا ، حيث نرى المقاومة الشعبية تقف جنبا إلى جنب مع الآلة العسكرية ، لذلك لا يمكن الفصل بينهما . وإن كانت تميل إلى أدب المقاومة أكثر بما يحمله من إصرار على استخدام كل الإمكانيات المتاحة وأبسطها فى عملية الردع والمقاومة .
    ولنرقب تلك المقارنة المعقودة بين جبهتين بينهما صراع مستمر ، عندما يسوق الراوى تساؤلا بمدى إمكانية تحقيق المقاومة المطلوبة ، من عدمه .
    ( محسن كان قد جاء من اليمن وفى رأسه خطط تدمر قوات الثغرة ... لكن !!أتظن أنه .. وبعينه الواحدة .. يستطيع أن يحارب قوات كهذه "
    نعود فنقول .. وما تكون هذه القوات أمام جحافل وجيوش .. قوادها جنرالات لهم عيون أوسع من عيون البقر !
    هزمهم ـ أكثر من مرة ـ أشهر أعور فى التاريخ الحديث ..
    لا يمكن أن نقف أمام هذا التعبير كثيرا لكن الأمانة تفرض علينا أن لا نمر عليه بشكل عابر ، فكلنا يعلم جنرالات مصر وأعور إسرائيل .
    أعود إلى مقولة تؤكد على عدم التقليل من عمل ما ، ما دام هناك إصرار الفعل أو العمل .يقول " جان جاك روسو " عندما كان يخطب فى أحد شوارع باريس المظلمة وتقدمت امرأة سجنوا ابنها فى " الباستيل "قالت له " إن كلماتك يا روسو رائعة .. ولكنها لن تعيد الحرية لابني .. فقال روسو إن الحرية التى نسعى إليها أكبر من حرية ابنك وحده يا سيدتى ، إنها حرية الشعب كله إنها حرية الملايين "
    ما دام هناك من لديه القدرة على الفعل كــــ " تعلوب الأعرج ، محسن الأعور ، رحمة العجوز ) . ستستمر المحاولات وبالطبع سوف يبزغ النور من جديد . رغم وجود ابن الثرى الذى هرب من الميدان متخاذلا ، وكأنه مقدر للفقراء والبسطاء من أبناء هذا الشعب أن يدفعوا ضريبة الحرية والنصر من دمائهم وأقواتهم ، وأرواحهم . لأنهم ببساطة شديدة يجدون فيها الشرف والعرض .. بعيدا عن المفاهيم الأخرى كالولاء للوطن ، أو ما شابه . لأنهم لا يعرفون تلك المعاني . إنما يدركون أنها دفاعا عن كرامتهم وشرفهم وأعراضهم وأرضهم .
    وإن كان ذلك يصب بالطبع فى مصلحة كل المفاهيم التى تستوعب هذه المعتقدات ، كالولاء والانتماء ، والمواطنة .....الخ
    الإهداء ودلالته الفنية والرمزية :
    يفتتح الروائى روايته بهاجس مخيف ، يقدمه على شكل الإهداء . حيث يقول : ( إلى أسير 67 فؤاد حجازى ... من جبل لبنى إلى عتليت ....يا قلبي ....فلتحزن
    إلى المراسل الحربي ... جمال الغيطانى ...لا تغادر موقعك ... فالغارة لا تزال مستمرة .
    إلى سيدي الغريب .... كيف حالها بيوت السويس ؟
    الدبابات قادمة .... حصِّنوا رؤوس المثلث فهي على مشارف كفر أحمد عبده ) . " 6 " ثعالب فى الدفرسوار
    والسؤال ماذا يقصد الروائي من هذا الهاجس المفجع ، إنه هاجس استشرافي يدفعنا دائما للاستعداد للمواجهة مع العدو ، إنه إيحاء بديمومة العداء بيننا وبين الإسرائيليين ، مهما كان هناك من محاولات لتخطى هذا التراث العدائى ، ولعل نواة هذا الإهداء برزت فى قصة قصيرة للكاتب ذاته فى مجموعته القصصية ( نقش فى عيون موسى ) فى قصة بنفس العدوان على ما أتذكر ، التقى فيها بعض السائحين المصريين والإسرائيليين فى منطقة عيون موسى ، لم ينس كلاهما ما حدث لأصدقائهم وأقاربهم من فقد من خلال كلمات نقشها الجنود على جدران المكان ، وكأنه تاريخ يسجل على طريقة المصرى القديم . إن الإهداء بما يحمله من ثراء دلالى يقودنا أيضا لنتساءل لماذا فؤاد حجازى وجمال الغيطانى وأيضا عبده مباشر ؟
    إنه ذلك الإحساس الكامن والمحرك لطاقة إبداعية ظلت راكدة كل تلك السنوات لتخرج من رحم الوجع الحقيقى للحرب متماسة تماما مع الواقع مرتكزة على تراث ساهم فى صياغته أسير 67 كرمز ، ومراسل حربى منضبط لا يهتم بغير الواقع وكان شاهدا عدلا على أحداثها ، فى تفوقها وانكسارها على حد سواء ، وكذلك للبطولة المتمثلة فى هؤلاء الذين يسكنون فى مواجهة الخطر متمسكين بمواقعهم حتى أخر لحظة ، على اعتبار أن الهجرة أصبحت من المستحيلات ، هذا ما سنتعرف عليه من التطواف داخل الرواية عندما تصبح العودة إلى الداخل أصعب على قلب أحد أبطال الرواية من مواجهة العدو ، وكأنه مأسور فى الحالتين .
    كما فى عبارة خط النار ولا ترك الديار .
    ( المرابطون هنا منكمشون داخل خنادقهم ، حتى إذا انتهت الغارة انتشروا يلتقطون أرزاقهم ، حفروا لأنفسهم خنادق حول بيوتهم وقالوا الرب واحد والعمر واحد ).
    ثم نجد هذه الصورة المعبرة بهذا التمسك الغير مسبوق بالأرض فى مواجهة حقيقية للعدو وكأن الراوية أرادها الروائى أو الراوى أن تسير فى خطين متوازيين أحدهما الشخصيات الواقعية المتحركة فى المكان والزمان والآخر هو الدلالة أو الرمز الذى يشير إليه أو يتوافق مع الأحداث .يقول الشيخ وهو يدافع عن أرضه فى مواجهة أولاد أبو حجر بعد رحلة هيام مع الأرض مؤكدا ملكيته لها : ( كان الشيخ يتهادى فوق تراب أرضه .
    ماء الرى أهاج رائحة الأرض ففاح طعم الملح والسبخ ، ملح وسبخ أكل جلده وجلد أولاده . توغل الرجل ، وقع أقدامه كأنه قبلات على جبين الأرض ، أو هو خاتم يدمغ به أحقيته لها ، اخترقت رصاصة صندوقه السمين !
    تناثر الدم على الأوراق البريئة ، قطرات ندى حمراء تساقطت من أى سماء .. لكى توثق حق الرجل ؟ !
    انبطح محسن على الأرض ومن فوق وش البرسيم ن طفحت بندقيته آخر طلقاتها
    ادفنونى حيث أموت ، ولا تجعلوا على قبرى مقاما ...... فقط اغرسوا عن يمينى شجرة تين شوكى ، وازرعوا قدام الشاهد صفصافة ، فقد يجذب ظلها من يقرأ الفاتحة على روحى ، فربما بخت علىّ نفحاتها شيئا من رذاذ الجنة ، أو ينام تحتها كلب ، لسانه أمامه نصف متر من شدة القيظ .
    وقال العقلاء ممن حضروا الواقعة : قبر أبيكم خط لكم أول سطر فى عقد الملكية .) هذه هى الصورة التى أرادها احمد محمد عبده لتوثق فى ذاكرة المواطن المصرى البسيط بعيدا عن الصراخ او التوجيه الذى لا طائل من ورائه غير ثقافى هشة لا تستمر طويلا إذا ما استعمل العقل وعاد له بريقه المغيب

    إليك يا براءة الوجود قبلتي
    فكم شربت من كئوسك الأمل
    وعشت أنتظر
    وكيف لا
    وقد رأيت وجهك الصبوح
    يلهم الطيور والزهور والشجر
    فيغزل الربيع
    ويمنح البهاء للقمر
    إليك مهجتى تتوق
    وأنت لم تزل
    تعاند الشروق
    وتحجب المطر

    مدونتى[
    http://900.maktoobblog.com/?all=1

+ الرد على الموضوع

الأعضاء الذين شاهدوا هذا الموضوع : 0

You do not have permission to view the list of names.

لا يوجد أعضاء لوضعهم في القائمة في هذا الوقت.

المفضلات

المفضلات

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •