آخـــر الـــمـــشـــاركــــات

+ الرد على الموضوع
النتائج 1 إلى 2 من 2

الموضوع: تجربتي الإبداعية للروائي الجزائري محمد مفلاح

  1. #1
    عـضــو الصورة الرمزية محمد مفلاح روائي
    تاريخ التسجيل
    30/04/2011
    العمر
    70
    المشاركات
    8
    معدل تقييم المستوى
    0

    Neww تجربتي الإبداعية للروائي الجزائري محمد مفلاح

    ألقيت هذه المداخلة بمناسبة تكريمي في الملتقى الدولي للرواية (عبدالحميد بن هدوقة) المنظم أيام 8-9-10 ديسمبر2009 ببرج بوعريرج.


    تجربتي الإبداعية بقلم الروائي الجزائري محمد مفلاح
    ... من أصعب الأمور أن يتحدث الأديب عن نفسه، وقد يكون هذا الرأي صحيحا أكثر لو قلنا أن الصعوبة تزداد كلما تكلم عن تجربته الإبداعية الحميمية، وبخاصة لما يحاول الإجابة عن الأسئلة من نوع: لماذا تكتب؟ كيف بدأ ميلك إلى الكتابة؟ أو متى قررت أن تصبح كاتبا؟ إلى ما هنالك من أسئلة تدور في فلك العملية الإبداعية.
    وأعرف عن طريق قراءاتي لسير وحوارات الأدباء أن إجابات الأديب ومهما كان عمقها تبقى مجرد محاولة لتفسير جهده الإبداعي، هذا الجهد الذي يظل مستعصيا على كل منطق مادام يحكمه إلهام الفن والموهبة. وهناك أدباء كبار وقفوا عاجزين عن تفسير هذا الميل إلى الكتابة ومنهم نجيب محفوظ ففي رده على سؤال (لماذا تكتب) قال: "نحن نعيش على أي حال لأننا وجدنا أنفسنا في الحياة. ونكتب لأننا وجدنا أنفسنا نكتب. وإذا بحثت عن سبب، ولا شك ان البحث متأثر بما قرأت أو تخليت فأقول إني أكتب لأن الكتابة تحقق لي حياتي على وجه ما" . وكان جويس للمثال لا يتحمل أن يتكلم عن الكتابة.
    وبالنسبة إلي فأقول إنني شرعت في الكتابة بعفوية محاولا التغلب على العجز الذي شعرت به منذ طفولتي اليتيمة أمام متاعب الحياة القاسية معتمدا على إمكانياتي الذاتية ومنها الخيال الذي ساعدني كثيرا في تحمل بعض صعوبات الحياة، وقد بدأت أخربش بعض القصص المستلهمة من واقع عائلتي المتواضعة في كراسة صفراء وأنا في الخامسة عشرة أدرس بالمتوسطة، وأعتقد أن هروبي إلى عالم الخيال يرجع إلى عاملين اثنين: العامل الأول وهو وفاة والدي وأنا في الحادية عشرة وقد تركت هذه الوفاة في نفسيتي جرحا عميقا لم يندمل بسرعة، أما العامل الثاني فهو الكتاب إذ عثرت بالمصادفة على روايتين مهمتين وهما (البؤساء) لفيكتور هيجو و(الحريق) لمحمد ديب، فكان لاطلاعي عليهما أبلغ الأثر في تكويني الأدبي، ولاريب أن الأجواء الكئيبة للروايتين دفعتني نحو عالم الرواية السحري ومحاولة الكتابة عن هموم الواقع.
    ولم أهتم بجدية بهذا الميل إلى الكتابة إلا حين تعرفت عن طريق الصحف والمجلات الثقافية لفترة السبعينيات على أدباء جزائريين كانوا يكتبون عن الواقع الجزائري بأمكنته وشخوصه وقضاياه الاجتماعية وهمومه اليومية، فأخذت من مادتها بعض الزاد لإشباع رغبتي في معرفة محيط الكتابة والكتاب، ثم بادرت بدوري بإرسال مقالاتي عن الإنتاج الأدبي الجزائري إلى ملحق (الشعب الثقافي) التي احتضنني بمحبة كبيرة، وكتبت حوالي عشر تمثيليات لإذاعتنا الوطنية، كما نشرت قصصي الأولى بمجلة آمال ومجلة الوحدة، ومحلق النادي الأدبي لجريدة الجمهورية. وقد نشرت بعضها مجموعتي (السائق) الصادرة سنة 1883 عن المؤسسة الوطنية للكتاب التي كان لها الفضل الكبير في إبراز العديد من الأقلام.
    ولا أدري بالضبط كيف ملت إلى كتابة الرواية، ولكنني بعد اطلاعي على (ريح الجنوب) للروائي عبد الحميد بن هدوقة ثم (اللاز) للروائي الطاهر وطار، شعرت برغبة جامحة لإنجاز عمل روائي يدور في منطقتي وتكون له نفس الأجواء الواقعية التي كتب بها الأديبان الكبيران. وفعلا شرعت في كتابة أعمال روائية لم أتمكن من إنهائها لنقص التجربة وقلة النفس في هذا المجال، وكان ذلك العجز يشقيني كثيرا، ولكن قراءتي لسير وحوارات الأدباء كانت تحرضني على إعادة المحاولة. ومازلت أحتفظ إلى حد الآن ببعض النسخ من روايات مجهضة ومنها رواية عنوانها (بيت العنكبوت)، تجري أحداثها في أحياء شعبية بمدينة غليزان. وقد تمكنت من كتابة أولى رواياتي وهي (الانفجار) التي نلت عنها سنة 1982 الجائزة الثانية بمناسبة الذكرى العشرين للاستقلال. وأتذكر أنني أنجزتها في ظرف أيام قليلة على آلة كاتبة محمولة، ولما رأيت إنني لم أقل فيها كل شيء عن أجواء وشخوص منطقتي التي عاشت ويلات الإستدمار الفرنسي واحتضنت ككل مناطق بلادي الثورة المجيدة، كتبت بعدها ثلاث روايات تجري أحداثها في الأجواء نفسها، وهي: (هموم الزمن الفلاقي) التي نلت عنها سنة 1984 الجائزة الأولى بمناسبة الذكرى الثلاثين لاندلاع الثورة التحريرية، و(زمن العشق والأخطار) الصادرة سنة 1986، ثم (خيرة والجبال) الصادرة سنة 1988 والتي شرفني الأديب عبدالحميد بن هدوقة بقراءتها والموافقة على نشرها، وأتذكر مرة أنني زرته بمقر المجلس الشعبي الوطني، وكان وقتذاك يتولى منصب نائب رئيس المجلس الوطني الاستشاري، فأهدى إلي روايته المتميزة (غدا يوم جديد)، وكتب عليها بخطه كلمات رائعة أسعدتني كثيرا وشجعتني على مواصلة الكتابة بحماس وهي: "إلى الأديب المبدع كاتب رائعة "خيرة والجبال" أهدي هذا العمل المتواضع، مع التقدير والمحبة الخالصة. الجزائر في 8-11- 1992. عبدالحميد بن هدوقة).
    وبعد هذه الروايات الأربع التي تشكل (رباعية الجبل الأخضر) باعتبار الجبل هو المحور الثابت في هذه الأعمال الأدبية، التفت إلى الواقع الصاخب التي عرفته الجزائر في الثمانينيات. وفي هذه العشرية تعددت قراءاتي باللغتين العربية والفرنسية فتعرفت على أعمال أدباء كبار ومنهم كتاب عرب أمثال نجيب محفوظ وحنا مينه وعبدالرحمن منيف وجبرا إبراهيم جبرا، كاتب ياسين، مولود فرعون، مولود معمري، محمد ديب، رشيد بوجدرة، وكتاب روسيا وبخاصة دستويفسكي وتولسوي وتشيخوف وتورجنيف وغوركي، وكتاب أمريكا ومنهم فولكنير وهمنغوي واستنبيك ودوس باسوس، وأدباء آخرون من مختلف الدول أمثال مورافيا، فيرجينا وولف، كافكا، زولا، استندال الخ.. ومازلت إلى حد الآن أقرأ العمل الإبداعي دون أي اهتمام بالمدرسة الأدبية التي يتبعها المبدع في أسلوب الكتابة.. غير إنني لا أخفي إعجابي بالرواية الواقعية التي أجد فيها المعرفة والمتعة.. هذه الواقعية التي مازالت تنجب كل سنة العديد من المبدعين الذي نال بعضهم جوائز عالمية.
    فيما يخص إنتاجي فقد نشرت سنة 1986 رواية (الانهيار) وهي تتحدث عن معاناة المبدع في مجتمع كان يشهد تحولات كبيرة وعلى كل المستويات، وقد اطلع عليها الأديب الطاهر وطار باعتباره عضوا في لجنة القراءة ووافق بحماس على نشرها بالمؤسسة الوطنية للكتاب، بل أرسل لي أديبنا الكبير تقريره الذي أعده عن روايتي مرفقا برسالة شخصية يقول لي فيها: "روايتك أعجبتني من حيث البناء الذي امتلكته كما ينبغي، من حيث وحدة الموضوع، وتسلسل الحدث (وإن كان ذلك إلى حد كبير كلاسيكيا).. إنك روائي بحق تمتلك الأداة... الطاهر وطار. الجزائر في 24 -3-1984." وفي الرسالة المذكورة ملاحظات قيمة لا داعي لذكرنا في هذا المقام حتى لا أثقل عليكم، ومنها اقتراحه بتغيير عنوانها إلى (المزلوط) ولكنني وأنا المدرس البسيط بمدينة تبعد بحوالى 300 كلم عن العاصمة، لم أكن قادرا على التعامل مع مؤسسة عمومية لا تربطني أية علاقة مباشرة بمسؤوليها.
    كما صدرت لي سنة 1986 رواية (بيت الحمراء) التي حاولت فيها التعبير عن مجتمع كان يشهد أزمة اقتصادية وصراعات سياسية خفية في عهد (المراجعة لا التراجع) الذي جاء بعد وفاة الرئيس هواري بومدين، منطلقا في كتابتها من هموم حي شعبي..
    ثم كان الخامس من شهر أكتوبر 1988 الذي أعقبته أحداث وصراعات وقرارات سياسية ومن أبرز هذه الأحداث دستور فبراير 1989 الذي فتح باب التعددية الحزبية فعاش الشعب مخاضا عسيرا خلال سنوات. وفي الفترة التي شهدت مواجهات سياسية خطيرة ثم انزلاق البلاد في دوامة العنف الإرهابي، كنت مسؤولا نقابيا على المستوى الولائي ثم الوطني وقد اقتصر فيها نشاطي الأدبي على كتابة القصة القصيرة فصدرت لي سنة 1990 مجموعة (أسرار المدينة) كما نشرت بعض القصص في الجرائد الوطنية وقد صدرت جلها في مجموعة (الكراسي الشرسة) التي رأت سنة 2009.
    أما في المرحلة التي عاد فيها الأمن والسلم بعد عشرية الدمار والعنف الهمجي، فقد صدرت لي أربع روايات حاولت فيها أن أضع أصبعي على بعض الجراح التي خلفها أكتوبر إلى جانب هواجس أخرى وهي: (الكافية والوشام) الصادرة سنة 2002 وقد عدت فيها إلى البداية الصاخبة لأحداث أكتوبر، ورواية (الوساوس الغريبة) المنشورة سنة 2005 والتي كتبت فيها عن معاناة كاتب في زمن الأزمات، ثم رواية (عائلة من فخار) المنشورة سنة 2008 والتي تتبعت فيها مسار رجل متقاعد بعد عواصف أكتوبر وهموم العشرية الدامية، ورواية (انكسار أو سر الغربة) وهي تحت الطبع. غير إنني ألتفت في هذه المرحلة إلى التاريخ العثماني فكتبت رواية عن فتح وهران في عهد الباي محمد الكبير ووضعت لها عنوانا مؤقتا وهو (شعلة المايدة). ولي أعمال أخرى مخطوطة أتمنى نشرها بعد تنقحها.
    الكتابة الروائية تجربة شاقة جدا ولكنها ممتعة رغم كل هذه المتاعب التي تسببها لممارسها، فهي ليست نتاج الموهبة فقط، بل أعتقد أنها لا تعتمد عليها إلا بنسبة ضئيلة وهي واحد بالمائة حسب أقوال بعض المبدعين، أما وليم فوكنر وفي رده عن سؤال يخص المعادلة التي يتبعها الروائي الجيد فيقول: "تسع وتسعون في المائة موهبة، وتسع وتسعون في المائة نظام، وتسع وتسعون في المائة عمل." والأكيد أنه بدون بذل الجهد المتواصل فلن يستطيع الكاتب ومهما أوتي من علم لدني، أن ينجز أي عمل إبداعي. وأعرف بحكم تجربتي أن الرواية في صورتها الجنينية لا تشبه البتة الرواية في صورتها الأخيرة أي في صورتها المنشورة. وهذا التحوير المستمر وبمراحله المتعددة من تخييل وكتابة لا يدرك الأديب حقيقته بصورة دقيقة لذلك يصبح من الصعب الكلام عن التجربة الإبداعية المعقدة، لأن الأديب يخوض أثناء هذه الكتابة معركته الشرسة وعلى جبهات عديدة.. من عنوان الرواية، إلى أسماء شخوصها، وبنيتها، ولغتها، إلى آخر نقطة في عمله المرهق. لهذا لا أعتقد أن المحارب يدرك وهو في قلب المعركة كل الحركات التي يقوم بها لإنجاز النصر..
    ومهما تكلمنا عن الأسباب التي تشد الأديب إلى هذه الكتابة الشاقة فأعتقد أن أهم سبب هو متعبة الإبداع التي يشعر بها الأديب وهو يمارس طقوس الكتابة إلى غاية ابتكار شيء جديد كلية، لا علاقة لها بتصوير الواقع وإن هذا الواقع خليفة له. ويعجبني رأي ليو تولستوي عن هذه متعة الإبداع فيقول: (ليس هناك متعة حقيقة تعدل متعة الإبداع، ومهما كان الذي ننتجه، قلما أو حذاء، خبزا أو طفلا، فلابد من الإبداع لتوفير المتعة الحقة، وحينما يغيب الإبداع يقترن العمل بالضيق والألم أو الندم والخجل.) بل إن غياب الإبداع عند الكاتب يكون أكثر إيلاما له إذ يملأ حياته شعور بالفراغ الهول أو قل بمواجهة العدم وهو الشعور الذي دفع بعض الكتاب إلى معايشة الأزمة الإنسانية بكل آلامها المرعبة.. من كسر الأقلام والعزلة واستقالة من الحياة والانتحار.
    ورغم هذه المعاناة والمآسي فان المبدع يبقى هو الأقوى إذا ما خلف أثرا فنيا يجد فيه الناس القوة والزاد على تحمل الحياة، وربما لهذا السبب يظل الأديب يكتب لمواجهة الموت اللغز المحير.
    حقا إن الحديث عن التجربة الإبداعية يجرنا حتماً إلى الحياة التي وجدنا فيها أنفسنا فلنعشها بمتعة الفن.


  2. #2
    عـضــو الصورة الرمزية محمد عدة الغليزاني
    تاريخ التسجيل
    11/03/2010
    المشاركات
    23
    معدل تقييم المستوى
    0

    افتراضي رد: تجربتي الإبداعية للروائي الجزائري محمد مفلاح

    هذا لمن أراد أن يكون مبداعا ولو بعد حين , عكس من يريد الظهور بلمح البصر

    أستاذ محمد تحيتي لك في هذا الشهر المبارك أنا شاعر من نفس المدينة التي تسكن بها و إبن أحد أصدقائك القدامى و لطالما سمعت عن كتاباتك و أبداعاتك

    تحياتي و تقديري و أتمنى أن نقرأ لك و أن نراك عن قريب


+ الرد على الموضوع

الأعضاء الذين شاهدوا هذا الموضوع : 0

You do not have permission to view the list of names.

لا يوجد أعضاء لوضعهم في القائمة في هذا الوقت.

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

المفضلات

المفضلات

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •