لمن تُقرع الأجراس؟



نبذة من حياة المُصلح مزهر الشاوي رحمه الله



وكالة أنباء المستقبل للصحافة والنتشر (ومع)


كاظم فنجان الحمامي

لا نريد أن نكتب قصة قصيرة ننافس فيها ارنست همنغواي برائعته الأدبية المشهورة (لمن تقرع الأجراس), لكننا استعرنا هذا السؤال الاستفزازي ليكون عنوانا للمقالة التي سنتحدث فيها عن الرجل الذي أسهم في غرس نواة السلطة البحرية العراقية, وازدهرت في زمنه النشاطات التجارية البحرية عبر خطوط الشحن الدولية.
سجلت (مصلحة الموانئ العراقية), وهو الاسم الأقدم للشركة العامة لموانئ العراق, في المدة من 17/7/1958 إلى 10/2/1963 قفزات نوعية هائلة, وحققت مكاسب مادية ومعنوية لم يحققها احد من قبل, وتسلقت سلم المجد حتى ارتقت إلى المرتبة الأولى عالميا من حيث الكفاءة والأداء, واتفق الناس على اختلاف مشاربهم على أن الموانئ العراقية بلغت أوج عظمتها في عصرها الذهبي أبان إدارة اللواء الركن مزهر الشاوي, الذي حفر اسمه في سجل الوطنية والشرف والتميز, وكانت أيامه صفحة مشرقة من صفحات التاريخ العراقي الزاخر بالخير والعطاء, فقد أسهمت انجازات هذا الرجل العملاق, في تفجير الإبداعات الوطنية المخلصة, وتنفيذ المشاريع الهندسية الساندة لعمل الموانئ, وبناء المجتمع العمالي المتحضر, ونجح في إرساء قواعد السلوك الإداري المتمرد على الأطر التقليدية والسياقات الروتينية, وأصبحت الموانئ العراقية بجهوده مؤسسة وطنية شبه مستقلة. وقادرة على الإنفاق على مشاريعها من مواردها الذاتية في كل الاتجاهات التطويرية, ووفق المعايير القياسية العالمية التي شجعت على استقطاب شركات خطوط الشحن البحري, واستقبال السفن الحديثة, ما أدى إلى إنعاش النشاطات التجارية عبر منافذنا البحرية, وتحقيق المزيد من المكاسب المالية, التي عادت بالنفع والخير والفوائد الجمة على جميع مرافق الموانئ والعاملين فيها. وسجلت رؤيته الثاقبة نجاحات لا تحصى في تحقيق النهضة الشاملة, وفي إدارة شؤون (مصلحة الموانئ العراقية) وفق المنهج الاقتصادي القويم. هذه كانت الأسس والركائز التي قام عليها كيان الموانئ العراقية بإشراف الوطني المبدع مزهر الشاوي, لتبدأ مرحلة الانتماء الاجتماعي للعاملين فيها , بإعدادهم وتأهيلهم علميا ومهنيا على نفقتها, وذلك بفتح مجالات التعليم البحري العالي لأبناء عمال الموانئ خارج العراق , وفي أرقى الجامعات والمعاهد البحرية الدولية. واستطاع ان يوفر العيش الكريم للطبقة العاملة. فقد كان مزهر الشاوي سباقا في تأسيس نظام الإسكان والتعمير, مستعينا بموارد الموانئ, ودعا إلى استثمارها في الأراضي المملوكة لها في كل ما يعود بالنفع على العاملين فيها, فشيد الأحياء السكنية الحديثة, وضمن لها أسباب الاستقرار, ووفر لها البنية الأساسية من طرق, ومدارس, وأسواق, ومساجد, وجمعيات تعاونية, وملاعب حديثة, وأحواض سباحة, وحدائق ومتنزهات, ومكتبات عامة, ونوادي ترفيهية, ودور سينما, ووسائل الرعاية الصحية المجانية. .
نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي
وكثف جهوده من اجل تحسين أوضاع الفقراء قولا وعملا ومنهجا. ومازالت النصب التذكارية للحجر الأساسي في المدن والأحياء السكنية, وبخاصة في الأبلة, والكندي, وحطين, وحي طارق, وحي الشهداء, والحي المركزي, والجبيلة, والنجيبية, ودور شارع اليرموك, ودور أم قصر, ودور الفاو وغيرها, تشهد لهذا الرجل النبيل بالشكر والامتنان والعرفان. ولا نغالي إذا قلنا أن مدينة المعقل في البصرة كانت تعد من المناطق السياحية النادرة في عموم العراق كله. وكان الناس يقصدونها من الدول الخليجية القريبة للاستمتاع بمتنزهاتها ومناظرها الخلابة, وفي مقدمتها حدائق الأندلس , وحدائق الجمهورية, وجزيرة السندباد, ومتنزه البيت الصيني, ومشتل الداودية, ومشتل المطار, ومتنزه الشاطئ. وكانت هذه المتنزهات تعبق في المساء بشذى ملكة الليل, وتضوي بأريج أزهار النرجس والقرنفل والبنفسج . وبينما كانت النهضة الداخلية تتواصل من اجل إنعاش أوضاع الموانئ, وتنمية معيشة عمالها. كان مزهر الشاوي يواصل حصد النجاحات المينائية على المستوى العالمي. فقد برز دوره في تحسين سمعة الموانئ العراقية في المحافل الدولية. وتجسد هذا الدور من خلال تقديم أفضل الخدمات البحرية للسفن الوافدة, والتوسع في بناء الأرصفة الجديدة, وتجهيزها بأحدث المعدات والسقائف والرافعات. ومن خلال قيامه بالتعاقد على بناء السفن الخدمية, التي شملت الحفارات والساحبات البحرية, وسفن التنوير والمسح الهيدروغرافي, وتطوير عمل منظومات الاتصال اللاسلكية وأجهزة المراقبة الملاحية, وشراء حوض التسفين (اجنادين). وذهب - رحمه الله - إلى ابعد من ذلك عندما سارع إلى تجهيز عمال الأرصفة بأحدث الأدوات والمعدات المستخدمة في مناولة البضائع. وعمد إلى تعميم الزي الموحد على عمال الأرصفة, وتجهيزهم بالملابس الشتوية والصيفية المستوردة من أرقى مؤسسات الأزياء, وحرص على تزويدهم بأحذية السلامة من معامل (باتا) اللندنية, ووفر لهم الدراجات الهوائية من معامل شركة (فيليبس), لتسهيل انتقالهم من والى مواقع عملهم . وحرص مزهر الشاوي على مد جسور التعاون مع إدارات المواني الخليجية الفتية, ومساعدتها في كافة مراحل البناء والتعمير.
نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي
وتمكنت الموانئ في زمنه من إقامة قواعد كبيرة لورش الصيانة وإصلاح السفن, وإقامة المعامل الإنتاجية الصغيرة اللازمة لتغطية احتياجات مشاريع الموانئ, وشكلت تلك المعامل والورش حجر الزاوية في تكامل البنيان المينائي, وفي تنويع القطاعات الإنتاجية. فظهرت إلى الوجود معامل الإسفلت , ومحطات إنتاج الطاقة الكهربائية (الباور هاوس), ومعامل السباكة, ومعامل صيانة العوامات البحرية, ومعامل الخياطة, وورش الصيانة البحرية, وورش تعبيد الطرق , وورش إنشاء أبراج الفنارات البحرية, ومعامل صيانة وتصليح السيارات والآليات, والمطابع الحديثة, ومعامل إنتاج الثلج, ومصانع المشروبات الغازية, التي كانت توزع مع قوالب الثلج بأسعار رمزية على دور العاملين بالموانئ.
وحظي النشاط الرياضي باهتمام ودعم مزهر الشاوي الذي تبنى استراتيجيه شاملة للنهضة الرياضية والشبابية, تكللت ببناء اكبر ملاعب كرة القدم في فترة الستينات, وبناء صالات متكاملة لألعاب القوة, والعاب الساحة والميدان. وحققت فرق الموانئ الرياضية في زمنه أعلى الأرقام والنتائج على الصعيد المحلي والعربي والعالمي, وخير دليل على تلك المكاسب الرياضية هو الوسام الاولمبي الوحيد الذي حققه الرباع الدولي عبد الواحد عزيز في اولمبياد (روما), وعلى الرغم من كل الذي تناولته هنا, مازلت اشعر بالتقصير لعدم تمكني من تغطية قصة الازدهار الذي حققته الموانئ العراقية في زمن الأستاذ والشاعر والوطني المخلص , اللواء الركن مزهر الشاوي, الرجل النبيل الذي نقش اسمه في نفوس الفقراء, والذي ستقرع له الأجراس احتراما وتقديرا وتكريما ووفاء وعرفانا.