ماذا جنت حماس من المصالحة؟
صالح النعامي
هناك الكثير من الأسباب التي تدفع إسرائيل للشعور بالقلق الشديد إزاء المصالحة الفلسطينية، لكنها قلقة بشكل خاص إزاء " العوائد الإيجابية " للمصالحة على حركة حماس. وعلى الرغم من إن المسؤولين الصهاينة لم يتوسعوا في الحديث عما يعتقدونه " عوائد إيجابية " لحركة حماس من إتفاق المصالحة، فما هي تلك العوائد الإيجابية التي بإمكان المرء أن يتصور إن الصهاينة قد رصدوها لصالح حماس؟
التخلص من ثنائية الحكم والمقاومة
1- لا بد إن الصهاينة أدركوا أنه المصالحة ستمكن حماس من التخلص من الإشكاليات الناجمة عن الجمع بين الحكم والمقاومة والتي باتت معروفة. فقد بات من الواضح إن التزامات الحكم في ظل واقع الاحتلال غير المباشر الذي يعيشه قطاع غزة، يجعل حركة حماس العنوان الوحيد الذي بإمكان إسرائيل ممارسة الضغوط العسكرية والاقتصادية والسياسية عليه، سيما إن إسرائيل نجحت في الحصول عل شرعية في استهداف حماس ومؤسساتها وعناصرها رداً عل عمليات قامت بها مجموعات فلسطينية أخرى، وهذا ما مكن الصهاينة من تحقيق أهدافهم ضد حماس عبر توظيف ردات فعل ممنهجة على سلوك الحركات الأخرى. في نفس الوقت اضطرار حماس لترتيب الأوضاع في القطاع يجعلها في كثير من الأحيان تدخل في توافقات ومقايضات مع مجموعات صغيرة، بشكل يرهق الحركة ويمس بمكانتها. لقد راهنت إسرائيل على إن فرض الحصار ونتائج العمليات العسكرية سيعمل على تآكل شعبية حماس في قطاع غزة، ومن الواضح إن نجاح المصالحة سيفشل رهانات إسرائيل بهذا الشأن. في ذات الوقت فإن المصالحة ستسمح للحركة للتفرغ للارتقاء بأوضاعها التنظيمية وسيعفيها من الخوض في الكثير من المشاكل الناجمة عن العمل الحكومي.

الاندماج في النظام الإقليمي والعالمي
تخشى إسرائيل من إن المصالحة ستمكن حماس من الاندماج في النظام الإقليمي العربي الجديد والذي تبلور بعد الثورات العربية، حيث سينخفض سقف مطالب حماس المادية من العرب بعد التخلص من تبعات الحكم في غزة، وهذا بالضبط ما يسمح للحركة بتسويق مواقفها السياسية ضمن أكبر قدر من الإجماع العربي. وستمنح المصالحة الحركة الفرصة للاستفادة من التحولات في توجهات الكثير من الدول والنخب الأوروبية من الحركات الإسلامية، سيما بعد تفجر الثورات العربية، حيث بات ينظر لجماعة الإخوان المسلمين كجماعة معتدلة، يمكن التواصل معها. وسيمكن تخلص الحركة من تبعات الانفراد بحكم غزة من مساومة الأوروبيين من موقع قوة، لأنه لن يكون مقترن بطلبات المساعدة وغيرها. ومن نافلة القول أن ذلك سيثبت مكانة الحركة الدولية، والداخلية والإقليمية، إلى جانب إنه سيقلص من قدرة إسرائيل على استهداف الحركة. في ذات الوقت إن التخلص من التبعات المالية للانفراد بالحكم سيجعل الحركة أقل ارتباطاً بالمساعدات التي تقدمها لها أطراف محددة، وهي المساعدات التي قيدت الحركة، وأجبرتها على التموضع في محور محدد، مما جعلها عرضة لدفع أثمان سياسية وعسكرية لقاء هذا التموضع، في حين أن تقليص الارتباط بالمساعدات المالية يتيح للحركة حرية المناورة مما يعزز ثقلها ويسمح لها بهامش كبير من الحركة.

تهيئة الظروف لانتفاضة ثالثة
ستسمح المصالحة بتوفير الظروف لاندفاع انتفاضة ثالثة قد تكون في أكثر الظروف سوءً بالنسبة لإسرائيل، إذ إنها تتزامن مع الثورات العربية، وفي ظل تراجع مكانة إسرائيل الدولية، وعجز نتنياهو عن تسويق حكومته وبرنامجها السياسي. في نفس الوقت فإن المصالحة ستنسف كل المسوغات التي كانت تساق لتبرير التعاون الأمني بين السلطة وإسرائيل في الضفة الغربية. وستشكل ضربة لتلك الأطراف المتضررة من المصالحة في محيط عباس وفي أجهزته الأمنية . وفي ذات الوقت فإنه لا خلاف داخل إسرائيل أن المصالحة ستزيد من الضغوط على نتنياهو للتوصل لصفقة تبادل أسرى، كما إنهم في اسرائيل يعتقدون أن حماس ستبدي مرونة اكبر في التفاوض على الصفقة.
من هنا لم يكن من قبيل الصدفة أن تنقل وثائق " ويكليكس عن رئيس شعبة الاستخبارات العسكرية الإسرائيلي السابق عاموس يادلين قوله للسفير الأمريكي في إسرائيل أن إسرائيل مرتاحة تماماً لانفراد حماس بالسلطة في القطاع.
الخطوات المطلوبة
إن مجرد الإعلان عن تشكيل الحكومة الانتقالية يعني بوضوح رفع المسؤولية السياسية والمالية والأمنية عن قطاع غزة من عنق حماس أمام الرأي العام الفلسطيني، وهذه نقطة بالغة الأهمية. ومن أجل انجاح هذه المهمة، يتوجب عدم التوقف طويلاً عند برنامج الحكومة لسبب بسيط، وهو إن الجدل حول شروط الرباعية لا طائل منه، على اعتبار إن في اسرائيل حكومة يمينية متشددة غير مستعدة للتعاطي بأي قدر من الايجابية مع أي مشروع تسوية، وبالتالي فإنه التمترس حول شروط الرباعية يعني منح هذه الحكومة الفرصة للمناورة والتغطية على مواقفها السياسية. من هنا يتوجب التعاطي بايجابية بمنح منظمة التحرير القدرة على الحديث باسم الحكومة لأن الطرف الخاسر في هذه الحالة هي إسرائيل وحكومتها.وعلينا أن نتعلم من دروس التاريخ. فقد بادر دفيد بن غوريون للموافقة على قرار التقسيم عام 1947، مع إنه كان يخطط لاحتلال كل فلسطين، وذلك بعد أن أدرك أن العرب سيرفضونه، وبالتالي تمكن من تحميلهم المسؤولية عن رفض القرارات الدولية، مما منحه الفرصة لتنفيذ خطة " دالت "التي سيطرت اسرائيل بواسطتها على مساحات شاسعة من فلسطين عبر ارتكاب المجازر المذابح.