النهاية الأخلاقية لأمريكا
قراءة في المشهد الأمريكي بعد إعلان مقتل أسامة بن لادن

منير الناقه
باحث في التواصل والإعلام

هاهو ذا صديق أمريكا القديم أيام الحرب الباردة والصراع مع URSS ، وعدوها منذ أكثر من عشر سنوات يغيب عن الإعلام العالمي بطريقة اقرب إلى أفلام هوليود منها إلى الواقع .
نعم، خرج رأس الولايات المتحدة الأمريكية يوم الاثنين 2 أبريل 2011 ليعلن من البيت الأبيض عن قتل قوات أمريكية خاصة لأسامة بن لادن ، بعد سنين من المطاردة الطويلة والمضنية . لكن خبر مقتل بن لادن لم يكن مهما بقدر ما أخذت صوره الهالة الأكبر لدى الإدارة والمخابرات الأمريكية . ما يؤكد أننا في عصر تحكمه الصورة أكثر مما يحكمه الكلام . فالرئيس الأمريكي باراك أوباما لا ينوي نشر صور لجثة زعيم القاعدة أسامة بن لادن لإثبات مقتله كما فعلت عندما أعدمت صدام حسين أمام شاشات العالم وفي يوم عيد الاضحى ، وذلك وفقاً لما صرح به مسؤول في البيت الأبيض .
لقد تم بالفعل نشر صورة أولية في إحدى القنوات الباكستانية ، لكن المخابرات الأمريكية سحبتها من التداول مدعية أنها مفبركة، وهي تريد مراعاة المشاعر العامة . فمتى كانت أمريكا تراعي مشاعر الشعوب الأخرى وخاصة المسلمين .

حسب أستاذ العلوم الدينية في جامعة نوتردام، عماد الدين شاهين، تحتاج امريكا لأن تثبت للعالم أن بن لادن مات، كما تحتاج إلى عدم إثارة مشاعر المسلمين وأضاف أن "أمريكا فضلت أن تثبت مقتل بن لادن من دون إظهار صور مقتله." فأي عقل سيصدق هذا الكلام الأمريكي الصادر عن البيت الأبيض أعلى هيئة سياسية في أمريكا ؟؟؟

المسؤولون الامريكيون يتسابقون إلى انهاء الجدل والتشكك الذي أحاط برواية واشنطن لملابسات مقتل أسامة بن لادن زعيم القاعدة بعد رواج أخبار وفيدوهات على الشبكة العنكبوتية تشكك في الرواية الأمريكية . وأكدوا انه قتل في معركة وقعت في المجمع الذي كان يختبئ به في باكستان.ويزداد خبر قتل بن لادن غرابة عندما تقول أمريكا أن مسكنه كان قرب مجمع عسكري باكستاني ، فأي عقل يصدق أن CIA ستنتظر 10 سنوات لتكشف مكانا مكشوفا كهذا ؟ وهي تعرف – حسب قولهم ذبيب النمل في الغار -
رغم ضغوط من جانب بعض مساعديه رفض الرئيس الأمريكي باراك أوباما نشر صور بن لادن وهو قتيل لأنها حسب قوله يمكن أن تثير أعمال عنف وتستخدم كوسيلة دعائية من جانب تنظيم القاعدة. فهل يؤكد هذا الخبر محاولات البروباغاندا الأمريكية المكشوفة لتزوير الحقيقة . إن هذا التردد الأمريكي غير المسبوق يقودناإلى طرح فرضيتين بخصوص الخبر الأمريكي المرواح للصدق والكذب :
1- فبن لادن إما قتل منذ سنوات وأمريكا ظلت تستعمل شخصيته وتسجيلاته كفزاعة لمواصلة ضغوطها على ما تسميه "محور الإرهاب في العالم " . وهو ما يخدم مصالحها وسياساتها في العالم والشرق الأوسط خاصة مصدر الطاقة الأول في العالم .
2- وإما أنه مازال حيا طليقا او معتقلا لديها ، وتريد الاحتفاظ به لكشف كل ما في جعبته من مخططات و مشاريع مستقبلية تهدد مصالحها .

ويأتي أوباما يوم الأربعاء 4 ابريل 2011 ليقول لبرنامج 60 دقيقة بقناةCBS. "أعتقد أنه نظرا لما تحتويه تلك الصور من مشاهد صعبة فإنها سوف تسبب بعض المخاطر على الأمن القومي."
وأضاف "من المهم بالنسبة لنا ضمان ألا يجري تناقل صور لشخص مشوه أطلق عليه الرصاص في الرأس كوسيلة للتحريض على مزيد من العنف أو كوسيلة دعائية. لسنا من يفعل ذلك."
وهذا كلام لآخر للرئيس الأمريكي أوباما ، رغم عاطفته الجياشة ، غير انه لا يتفق مع توجهات السياسة الأمريكية التي لم يعرف عليها منذ حروب الفيتنام ، حرب الخليج 1و2 ، احتلال أفغانستان والعراق ....لم يعهد عليها هذه الإنسانية المفرطة ، فمتى حرص الأمريكيون على مشاعر المسلمين عندما قاموا بانتهاكات حقوق الإنسان في العراق ( سجن أبو غريب) ، ومتى كانت أمريكا تتمتع بالاخلاق عندما دعمت وما وزالت تدعم ''الكيان الصهيوني '' بطائرات الأباتشي و F 16، والقنابل العنقودية لقصف الفلسطينيين في قطاع غزة ولبنان ...
تزداد الفضيحة الأخلاقية الكبرى التي ستهز أمريكا ،من خلال حديث أوباما رئيس "أقوى دولة في العالم " حينما استطرد قائلا "أجرينا تحليلا للحمض النووي ولذا لا يساورنا شك في أننا قتلنا أسامة بن لادن ... لن تروا بن لادن يسير على هذه الأرض مرة أخرى." فالخطاب يتضمن شكوكا '' لا يساورنا شك في اننا قتلنا أسامة بن لادن'' فاذا كان بن لادن قد قتل لماذا سيشك أوباما ولماذا سيقول " لن تروا بن لادن يسير على هذه الأرض مرة أخرى."وهو الرئيس الذي من المفروض أن لا يعتمد إلا على تقارير مضبوطة ومعلومات استخباراتية دقيقة .وما يزيد الخبر غرابة هو ما قالته شبكة تلفزيون NBC نقلا عن مسؤولين أمريكيين أن أربعة من الأشخاص الخمسة الذين قتلوا بالرصاص في العملية التي أدت إلى مقتل بن لادن ومنهم زعيم القاعدة كانوا غير مسلحين ولم يطلقوا طلقة واحدة وهي رواية تختلف عن التصريحات الأولى لمسؤولي حكومة أوباما بأن الفريق التابع للبحرية خاض اشتباكا طويلا. تناقضات كثيرة وتصريحات متتالية البعض منها ينفي الآخر . فهل نحن أمام ارتباك دولة – من المفروض- أنها تتحكم جيدا في السياسة العالمية ، في مصائر شعوب العالم ؟؟؟
إن هذا التردد الأمريكي منذ إعلان مقتل بن لادن - إذا ما صحت الشكوك بشأنه أو لم تصح - يشكل النهاية الأخلاقية الأكبر لأمريكا ، فلا أحد منذ اليوم سيعتمد على أخبار أمريكا الرسمية ، كما أن لا احد سيثق في ما تنشره من صور يحتمل فيها التزييف والكذب أكثر من الصحة والصدق .
كلام كثير قيل عن بن لادن أيام كان حليفا لأمريكا ضد الاتحاد السوفيتي ، في أوج الحرب الباردة ، وأيام أفغانستان والشيشان ...حينها كان بن لادن صالحا بالمعايير الأمريكي ، كما كان صدام حسين ذات يوم حليفا للسياسة الأمريكية ايام صراعه المستميت مع الجمهورية الإسلامية الإيرانية ، وبعد نهاية الحرب تحول إلى المطلوب الأول لأمريكا ....
الخلاصة ، منذ اليوم لا أصدقاء لأمريكا . الكل أعداء .اليوم تأكد العالم كله من زيف التقسيم الذي قامت به الإدارة الأمريكية للعالم ، حينما أوهمت الكل بان أحداث 11-09-2001 ستقسم العالم إلى محور الخير ومحور الشر . الآن ليس من حق أحد الدفاع عن محور الخير الذي تمثله أمريكا ، لأن سياستها تؤكد أنها سبب كل الشرور في العالم.



مصادر الاخبار :
http://ara.reuters.com