خدعونا فقالوا حقوق المرأة !

سحر المصري

ونُظِّمَت المؤتمرات.. وأُطلِقت الشعارات.. وظهرت الاتفاقيات.. وكلٌّ يدّعي أنه يريد مصلحة "المرأة" ومن قال أنها تقر لهم بذاكا؟!
وأُنشئت "لجنة المرأة" في الأمم المتحدة لنصرة النساء.. لتخرج من عباءة الرجل: الأب أو الأخ أو الزوج.. الذي أشبعها ظلماً طيلة قرون! ولا أدري إن كانت مجرد "صدفة" - مع أنني لا أؤمن بالصدف ولا يقرّها الإسلام – أن تكون من بين المؤسِّسات لهذه اللجنة صهيونيات! أما جُلَّ مَن شارك "شرف" العمل فيها وتطويرها فهن ينتمين إلى الفكر النسوي الراديكالي.. هؤلاء النسوة اللواتي يردن أن تسنّ قوانين جديدة لأحوالنا الشخصية لتحلّ مكان التشريع الرباني!! تقول "ويندي رايت" رئيسة منظمة نساء من أجل أمريكا: "إن لجنة المرأة بالأمم المتحدة إنما تفرض النسوية الراديكالية على العالم"!
وتقول الاستاذة الأمريكية "كاثرين فورت: ”إن المواثيق والإتفاقات الدولية التي تخص المرأة والأسرة والسكان تُصاغ الآن فى وكالات ولِجان تُسيطر عليها فئات ثلاث: (الأنثوية المتطرفة) و(أعداء الإنجاب والسكان) و(الشاذون والشاذات جنسيا).. وإنّ لجنة المرأة فى الأمم المتحدة شكّلتها امرأة اسكندنافية كانت تؤمن بالزواج المفتوح، ورفض الأسرة، وكانت تعتبر الزواج قيداً، وأن الحرية الشخصية لابد أن تكون مُطلقة“!-
وطبلوا وزمّروا.. وأرغوا وأزبدوا.. وأفهموا هذه المرأة "المسكينة" أنها ستُحقِّق ذاتها حين تطبّق هذه "الهرطقات" الوضعية.. وستنتصر لنفسها وستسترِدُّ حقوقها المسلوبة.. وحريتها كاملة! فباتت في حرب مع الرجل.. وانتفت صفة المودّة والرحمة بين الزوجين.. وتعالت صيحات العداوة والمصالح.. ومبادئ غريبة.. ما أنزل الله جل وعلا بها من سلطان!
غيّروا الثقافة عبر الإعلام والغزو الفكري والعولمة والتعليم.. وغسلوا الأدمغة وأوجدوا واقعاً لم يكن فيما سبق.. فسهُل عليهم العمل على تطبيق الأحكام الوضعية ليدكّوا بها حصوننا من الداخل.. وفينا سمّاعون لهم.. وبعد تغيير الثقافة شرعوا فعلياً "بتنزيه التشريعات والقوانين" من كل ما فيه تمييز للمرأة.. لأنهم يؤمنون "بما للقانون، بصورة عامة، من دور ريادي في تبديل الثقافات والذهنيات والمواقف"!.. وما مشروع قانون حماية النساء من العنف الأُسريّ الذي تقدّمت به جمعيات علمانية إلحادية راديكالية إلا نموذجاً مما يُجرِمون!
وحين تحيا في بلد متعدد الثقافات والطوائف والمذاهب كلبنان عليك أن تبقى حذِراً.. مرسومٌ على وجهك ألف علامة استفهام.. وإن نطقت بالشرع فأنت "أصولي"! وإن عارضت "أفكار غربية " فأنت رجعي!
كل ما تبقى لنا كمسلمين في هذا البلد هو الأحوال الشخصية.. والآن بدأت بوادر حرب لانتزاعها منا.. والاستعاضة عنها بقوانين الصهيونية بيللا آبزوغ ومينيرفا برناردينو وفرجينيا جيلدر سليف وداون مارتن وجيسي ماري غراي وسوزان هوثورن!!
وفي لبنان "حضارة" مستوردة من الغرب.. بكل قاذوراتها: الشواذ والجندرة والتبني والزنا والإجهاض وما يُدعى بهتاناً بالصحة "الإنجابية".. لم يترك مدّعو الحريّة والتطور جحر ضبّ دخله الغرب إلا ودخلوه.. بل قد يسبقونهم إليه في بعض الأحيان!
يقول البروفسور ريتشارد ويلكنز: "إن المجتمع الغربي قد دخل دوامة الموت، ويريد أن يجرّ العالم وراءه".. وفي لبنان تتسارع وتيرة الدخول في هذه الدوامة بإعلانهم الحرب على الأحوال الشخصيّة والتي بدأوها بطرح مشروع قانون "حماية النساء من العنف الأُسريّ " فوقّع عليه مجلس الوزراء وأحاله إلى مجلس النواب لدراسته والتصديق عليه؛ بعد أن تجاوزت اللجنة التي شكلتها الوزارة لاستطلاع الآراء حول مشروع القانون رفض المحاكم الشرعية لما جاء فيه!.. وبدوره شكّل مجلس النواب من جديد لجنة لدراسته وفيها مَن فيها ممن يعض بالنواجذ على هذا القانون ويحارب من أجل التصديق عليه.. وتقوم الجمعيات ذات الأفكار "المستوردة" والميزانيات المدفوعة من الاتحاد الأوروبي وغيره بجولات مكوكيّة على النواب وأصحاب القرار ليُقنِعوهم بقبول هذا المشروع.. وحين قرأت بنود هذا المشروع انتابتني موجة من "الغثيان"! فلم أفهم كيف يريدون تحويل الأسرة إلى ساحة معركة من أجل المرأة وهي الخاسر الأول فيها.. لو كانوا يعلمون!
لن أعرض مواد المشروع المُقتَرح ولعلي أتناولها بشيء من التفصيل في مقالات قادمة بإذن الله جل وعلا.. ولكن ما أريد إلقاء الضوء عليه الآن هي تلك النقاط الخاصة بالعلاقة الخاصة "جداً جداً" بين الزوجين!
إذ ورد في المادة 3 الفقرة أ البند 4: "مَن أكره زوجته بالعنف والتهديد على الجماع عوقِب بالحبس من ستة أشهر إلى سنتين".. وفي البند 5: "من أكره زوجته على الجماع وهي لا تستطيع المقاومة بسبب نقص جسدي أو نفسي أو بسبب ما استعمله نحوها من ضروب الخداع، عوقب بالحبس من سنة إلى ثلاث سنوات"!!!
ولا أدري حقيقة هل الكلمة الطيبة أو الابتسامة أو الهدية أو التذكير برضا وتقوى الله جل وعلا في هذه العلاقة يمكن اعتباره من ضروب الخداع!!!
والأنكى من ذلك أن مشروع القانون اعتبر أنه من الأسباب الموجِبة لتشريعه التزام لبنان بالمواثيق الدولية وبالتحديد اتفاقية سيداو والذي تعهد وفقاً للمادة 2 فقرة "ج" و "و": "اتخاذ جميع التدابير اللازمة بما في ذلك التشريع، لتعديل أو إلغاء القوانين والأنظمة والأعراف والممارسات القائمة التي تشكّل تمييزاً ضد المرأة".. وطبعاً مَن أظلم للمرأة حسب المفهوم الأممي من الأحوال الشخصية المنبثقة عن التشريعات السماوية؟!؟؟
ولاستكمال فصول المسرحية.. تقوم بعض الفعاليات السياسية والحزبية بعقد ندوات ومؤتمرات يجتمع فيها القاصي والداني من سفراء ونوّاب وممثلي الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي وممثلات لجمعيات نسائية غربية وهيئات عربية وشخصيات إعلامية يطالبون فيها بأن تكون المرأة "بالفعل مش بالحكي"!
ويطمئنون "المرأة" اللبنانية أنهم يسعون لأن تكون فعّالة في المجتمع.. فإن "المطلوب اليوم تنقية كل القوانين والمراسيم من كل أشكال التمييز ضد المرأة، سواء في قانون العقوبات أو في قانون الجنسية أو في قوانين الأحوال الشخصية".. وشدِّدوا يرحمكم الله على لفظ الأحوال الشخصية! هذه الكلمات صدرت ممّن تُحسَب على أهل السُنّة في لبنان.. للأسف!
وأُخرى تقول: "إن الساحة الخالية من المشاركة النسائية هي ساحة مشرّعة على كل أنواع الأخطار من حروب وفتن من فساد ومتاجرة من انتهاك لحقوق ومن إهمال واستخفاف بالحياة".. وقد حاولت جاهدة أن أفهم ما علاقة المشاركة النسائية بقضية الحروب والفتن والمتاجرة والانتهاكات فلم أفهم.. أتُراني كبرت؟!؟؟
والذي يزيد الطين بلّة أن الإعلام يتناول حالات شاذة ويضخّمها– كعادته إن أراد بث رسائل محددة- ثم يوهِم أن هذه الحالات ترقى لتصبح ظاهرة وبحاجة إلى حل!! نحن نقرّ أن هناك ممارسات عنف ضد المرأة من قِبَل أناس مرضى أو ذكور أساؤوا استخدام القِوامة.. ونعترف أن هناك حالات صعبة جداً تعاني منها المرأة.. ولكن الحل لهذه المشاكل لا تكون بسنّ قوانين مجحفة للأسرة بجميع أفرادها بمن فيهم المرأة! إن القوانين التي يحاولون سنّها ستسبب مشاكل كارثية على الصعيد الاجتماعي! وسنحتاج بعدها إلى إيجاد حلول لمشاكل مستعصية أكثر مما كان عليه الحال!!
رأينا ما يحصل في الغرب من تفكك وتشرذم وضياع فلِماذا يدفعوننا إلى تدمير مجتمعاتنا وتطبيق اتفاقيات مسمومة؟!؟
لا شك أن حصيلة هذه الهرطقات ستكون مأساوية.. ولن يستقيم أمر دنيانا ومجتمعاتنا حتى نُعيد البُعد الروحي إليها أياً كان ديننا وانتماؤنا!
وسيعلم مدّعو تحرير المرأة وإعطائها حقوقها أي منقلب ستنقلب الأسرة إليه.. وأتساءل هل سيكون حينها من أمل لإعادة تشكيل ما تحطّم؟!؟
حشدوا الجموع من شرق وغرب ليحطموا الأسرة بحجة حماية المرأة.. فلنحشد القلوب ولنتوجّه إلى الله جل وعلا بالدعاء والعمل لتنكسر دعواهم أمام صخرة الإصرار والتمسك بالثوابت وبالشرائع الربانية..
دعوة إلى كل ذي لب حتى يقول لهم: "لا".. بملء فيه.. وحتى لا نكون "ثمود" أُخرى!

عن موقع رابطة أدباء الشام