قراءة في نص" التشكيك" للشاعر مسعود سرني/ جوتيار تمر
النص للشاعر: مسعود سرني
ترجمة: الاديب بدل رفو
قراءة: جوتيار تمر
ألتشكيك
التشكيك في علم المنطق لفظ يدل على أمر عام مشترك بين أفراد لا على السواء بل على التفاوت، وهنا في النص وكعنوان له مضامين اخرى يمكن اضافتها الى سياق معنى اللفظ، كأمر يحدث توتراً نفسياً، ويعيق حركة تعد ضرورة في موقف يمثل حالة وجدانية ويميل في تصوره الى احداث تغيير بين اثنين.
التقيا..
في ألفخ
وحدقا بعضهما في البعض
حينها،
هرول ألشك
واغتيل
يتجلى قيمة الموقف والحالة التي ذكرناه هنا باعتبار ان حركية النص تتجه نحو حالة ذات مشهدية واقعية، فاللقاء يحتاج الى حراك دائم على المستويين الخارجي المتمثل بالرؤية البصرية، والداخلي المتمثل بحركة القلب والتحنان الوجداني، واذا ما قسنا مكانية اللقاء من حيث التعبير المجازي المستخدم "في الفخ" لادركنا ايضاً بأن اللقاء جاء وفق عملية غير منظمة، فاللقاء يكون بعد تحديد مكاني وزماني، ولكن عندما تأتي اللغة هنا وتبرز لنا قيمة الفعل" لقاء" ضمن مسارات اخرى" التقيا" فاننا نشك في التحديد ونرى بأن عامل الصدفة له تأثير واضح على ذلك التحديد، وحراك اللغة نفسه يظهر لنا الامر وكأنه حدث عارض لكنه مهم وجذري لأنه اثمر في النهاية زوال الشك ومضيه الى خارج نطاق حدودهما، ولعل اللقاء من جهة، والتحديق من جهة اخرى، حركا باطن وظاهر الاثنين فكانت النتيجة هروب الشك واغتياله، والاغتيال له مدلول ضمني اخر اكثر توحشاً من الظاهر لكونه ينهي الامر من جذوره.

لا فرصة..
كي يعبر خجل العشق
على الشعرة..
تمخض عن فعل الاغتيال امور كثيرة، لعل ابرزها انه سد المنافذ واغلق الفرص امام التشكيك الحاصل قبل الالتقاء، لكي لا يزيد من حدة التوتر، او يفتعل المزيد من الاسى للطرفين، لذا فال" لا " التي رافقت الفرصة هنا، توضح بشكل كبير كيفية الاندماج الروحي الوجداني الذي تم بعد أن "التقيا" حتى انه الخجل الذي يدل على عفة تلك المشاعر لم يستطع ان يعبر حدود الزمكانية الحاصلة بينهما، ولعل ما يعيق حركية النص هنا هو اقحام " الشعرة " ضمن سياق النص، حيث لم اجد لها داعياً خاصةً ان مسار النص لم يكن يحتاج الى توظيف كهذا، وعند مراجعتي للنص الاصلي باللغة الكردية، بأن خيوط الشِبّاك هي في تصوري اقرب من " الشعرة" واكثر نضوجاً لمسار القصيدة، فالاغتيال الذي اغلق جميع المنافذ ولم يعطي اية فرصة للعشق بأن يعبر مداه بينهما، وكأن تلك الخيوط حاجز وسد منيع امامه، فسقط حتى الخجل.

فالاثنان
عضا على شفتيهما
وكل مرة،
وسط الشك
لم يلقيا بالاً.
تتجلى الثنائية في لغة الشاعر بشكل واضح، سواء في مدخل القصيدة او في ختمتها، وفي كلا المرتين كان الشاعر مباشراً وواضحاً في قصده، حيث انه كان يعني بتلك العددية الضمنية والمباشرة العاشقين " حدقا،، الاثنان،، عضا..." وفي المرتين جاء الفعل الموضح للحالة قريباً صورياً من بعضهما، وبذلك استطاع الشاعر ان يكمل حركية المشهد بالتفاعل الجسدي الذي جعلهما يعضان على شفتيهما، وكذلك وضع حد نهائي للشك واخراجه من نفسيهما، وذلك بعدم المبالاة به، وبكل افرازاته الدلالية والفعلية، وبذلك يكون المشهد قد ازال كل حكم مسبق من قبلهما، فالشك هنا لايعد جهلاً وسوء تدبير، بل يظهر وكانه موقف واع، اثمر حالة اندماج بالمواجهة حتى وان كانت المواجهة تمت بالتحديق والصمت.