أوباما .. والدولة الفلسطينية
د. لطفي زغلول
www.lutfi-zaghlul.com

في خطاب موجه إلى الشرق الأوسط، تناول فيه باراك أوباما رئيس الولايات المتحدة الأميركية الأوضاع الراهنة في العالم العربي، "مبشرا" بدولة فلسطينية على حدود العام 1967، منزوعة السلاح، مع تبادل للأراضي يتفق عليه الطرفان الفلسطيني والإسرائيلي.
في خطابه هذا أكد أن التزام الولايات المتحدة الأميركية بأمن إسرائيل لن يهتز، وأن جهود الفلسطينيين تجريد إسرائيل من الشرعية سوف تنتهي بالفشل، مضيفا أن التحركات الرمزية لعزل إسرائيل في الأمم المتحدة في شهر إيلول/سبتمبر القادم من العام 2011 لن تقيم دولة مستقلة للفلسطينيين.
لقد "بشر" باراك أوباما كسلفه جورج دبليو بوش بدولة فلسطينية. إلا أن كلا الرئيسين الحالي والسابق، قد تجاهلا عن قصد الكثير الكثير فيما يخص هذه الدولة التي ما زالت نطفة في رحم الغيب السياسي.
وهنا لا بد للسائل أن يسأل عن طبيعة هذه الدولة، يسأل عن مساحتها، عن عاصمتها، عن حدودها الفعلية، عن معابرها، عن مدى استقلاليتها في التصرف بمواردها الطبيعية وبخاصة المائية، عن مصير آلاف الأسرى الفلسطينيين في المعتقلات الإسرائيلية،
عن مصير تلك المستوطنات التي افترست خيرة أراضيها، عن السقف الزمني لقيامها، وأخيرا لا آخرا عن مصير ملايين الشعب الفلسطيني في الشتات، أو بالأحرى عن حق العودة الذي يعتبره الفلسطينيون واحدا من ثوابتهم المقدسة.
قبل أيام من خطابه هذا، طرح باراك أوباما رئيس الولايات المتحدة الأميركية خطته لتسوية النزاع الفلسطيني الإسرائيلي المتمثلة في أساسها على التبشير بدولة فلسطينية شريطة تنازل الفلسطينيين عن حق العودة.
لقد سبق أوباما جورج دبليو بوش رئيس الولايات المتحدة الأميركية السابق بوعود لم يكن لها أدنى رصيد على أرض الواقع تخص إقامة الدولة الفلسطينية، علاوة على ذلك فقد منح الجنرال شارون رئيس الحكومة الإسرائيلية آنذاك وعدا بإلغاء حق العودة الذي يتمسك به الفلسطينيون، ويعتبرونه واحدا من أهم ثوابت قضيتهم، إضافة إلى هذا فقد وعده أن يحتفظ الإسرائيليون بالكتل الإستيطانية الكبرى في الضفة الفلسطينية والقدس، وشرع لهم البقاء في خطوط ما بعد الخامس من حزيران/يونيو 1967.
إننا لا نظن أن باراك أوباما يجهل ما اقترحته خطته المشؤومة هذه، والتي بموجبها ينوي إلغاء حق العودة بجرة قلم، ويلتف على كارثة النكبة الفلسطينية التي ساهمت في تجسيدها سياسات من سبقوه من رؤساء الولايات المتحدة الأميركية. وهذا يفسر تجاهله لمعاناة الشعب الفلسطيني تحت ظلال الإحتلال الإسرائيلي في خطابه الأخير.
أما الرد الإسرائيلي على خطابه هذا، فجاء سريعا متمثلا في مصادقة اللجنة الإسرائيلية الفرعية للتنظيم والبناء في القدس على إقامة 1500 وحدة استيطانية جديدة في القدس إلى جانب آلاف الوحدات الإستيطانية في الضفة والقدس التي أقيمت سابقا.
لقد تمت هذه المصادقة عشية لقاء نتنياهو رئيس وزراء الحكومة الإسرائيلية الرئيس الأميركي باراك أوباما في واشنطون. وحقيقة الأمر أن هذا القرار لم يأت صدفة، وإنما قصد منه أن قرار البناء في القدس رسالة للعالم أن لا تفاوض حولها.
عودة إلى الدولة التي "يبشر" بها أوباما الفلسطينيين والتي اشترط قيامها، إذا ما كتب لها أن تقوم، أن لا تتضمن حق العودة.
في هذا السياق، تجاهل باراك أوباما عامدا متعمدا مسؤولية إسرائيل عن النكبة الفلسطينية وليدة التهجير القسري، والتي رغم كل المحاولات التي بذلتها وتبذلها إسرائيل للتعتيم عليها أو طمسها أو الإلتفاف عليها وتجاوزها لم تفلح، وذهبت أدراج الرياح، وزادت الإصرار الفلسطيني في الوطن والشتات في كل مرة على تصحيح مسار التاريخ الذي حرفته إسرائيل منذ ما ينوف عن ستة عقود وما تزال.
إن أوهام التوطين التي تداعب مخيلات الرئيس الأميركي والإسرائيليين وتعشعش في أذهانهم تخصهم وحدهم، ولا يمكن لها أن تجد ممرا آمنا في أية بقعة من بقاع الوطن العربي، ناهيك عن كونها تجديدا وتحديثا للنكبة الفلسطينية وتكريسا لها بالتالي، إضافة إلى أن إسرائيل إذا ما كانت تريد السلام فعلا فإن فلسطينيي الشتات والمنافي هم الأرقام الصعبة في معادلة التسوية النهائية إذا ما كتب لها أن تكون.
في ذات السياق إننا نؤكد أن أساس كل التحركات الخاصة بالعملية السلمية تنطلق عربيا وفلسطينيا من مبدأ الأرض مقابل السلام. إن التفسير المنطقي لهذا المبدأ هو تلازم مساري السلام وحق العودة، وأما المقصود بالأرض فهو الأرض الفلسطينية قبل غيرها- ولا يعني هذا الإقلال من أهمية الأراضي العربية الأخرى وقداستها- وإنه لا أرض أيا كانت يمكن أن تكون بديلا لها أو تسد عنها.
إذا كانت الولايات المتحدة الأميركية وحليفتها إسرائيل تظنان أن ملف اللاجئين وحق عودتهم قد أسدل الستار عليهما، وأن الممثلين على خشبة مسرح الأحداث قد تفرقوا فهما مخطئتان خطأ فادحا، ذلك أن هذا الملف ما زال مفتوحا وصفحاته تزداد يوما بعد يوم.
إن مسار أي سلام يستثني حق العودة ويلتف عليه هو مسار قصير النفس، لاهث الخطوات، وعر المسالك، جم المهالك. إنه سلام والحال هذه لا يمكن ضمان ديمومته ومصداقيته إلا بإخماد النار التي يمكن أن تأتي عليه من جذوره. إن حق العودة هو واسطة عقد الحقوق الفلسطينية التي سلبت منه قسرا وتكمن فيه تلك النار. إنه ليس منة من أحد ولا تكرما، بل هو تصحيح لمسار وخطيئة تاريخية ارتكبت بحق شعب ما زال يعيش نكبته.
إن الشعب الفلسطيني من الذكاء بحيث أنه لا تنطلي عليه الوعود التي يكيلها له باراك أوباما رئيس الولايات المتحدة الأميركية. إن الدولة التي يتحدث عنها مبتورة وتنقصها تفاصيل كثيرة، ولا تلقى قبولا من أي فلسطيني إذا لم تكن كاملة مكملة، تترجم ثوابته التي عانى وقاسى الأمرين في سبيل تحقيقها. وإن غدا لناظره قريب.