وقالوا في أحاديث المساء ،أن الأوطان كالشمس على خد السماء ،تحوطك أشعتها ،وتعمك أضواؤها ،وتنسج من خيوطها الذهبية مرتعا لأحلامك البيضاء مطرزة بالدفء،وإذا غابت عنك فإنه غياب آني ،يهدف إلى التجدد لتتغير شرايين الحسن فيها ليسير المجد عبر الأوردة بتدفق ،وفي ظل هذا الغياب لابد أن تترك فيك شيئا يذكرك بها ،ويرسم على مخيلتك بعطوره الهادئة حلم العودة ،ليظل حبها في قلبك يتأجج بشرر الحنين ،ورياح الشوق .
لكن أن تبق على الأعتاب تستجدي العطف ،تاركا روحك تنزف مشاعرها محترقة بأنين الإنتظار ، وتلتهب عواطفك بمرجل الترقب ،تفتح الخرائط باحثا عن موطإ لذاتك ،ومكان تطرح فيه كيانك التي دهسته ماكينات البطش وقضمته معاول الإضطهاد فلاتجد ،فترتد على عقبيك إلى مَنطقة الأشياء ،أن لكل فعل ردة فعل تساويه في المقدار وتضاده في الإتجاه وتبدأ بكتابة المعادلة : أرواح سكبت بسخاء من قاروات العطاء أضيفت إليها نيران الإقدام ،ثم مُزجت في إناء التضحية وتتابعت ردة الفعل مخيبة للأمال حيث بات وطنك يحبو على الطرقات ،يتكفف العدل من أيد طالما دُنست بالحرام ،ونُسخ الإيمان من قلوبها وهنا تفجر صوتك المسكوب من رحم ثورتك الأم ينادي :لن أبحر في بحر دموعي
وأُخضب بالعتمة ذاتي
لن أسكب من جسدي ضلوعي
لأسافر بغياهب أهاتي
لن أبحر وشهيدي يسبح في دمه
والقاتل يعتنق صلاتي
والشمس تداعبني حينا
وقرونا تذبح مشكاتي
والموج الهادر يقصمني
بمفترق طريق
مابين الحاضر والآت
أشعاري خضبها الصمت
واللحن ذبيح كلماتي
والريشة تبحر في دمها
تختلط حياتي برفاتي
وشهيدي أهدانا النور
والعتمة تشرق من ذاتي
لن أبحر فيك يا وطني
في بحر دموع وشكاة ِ
لم أرهب صوت البحر وصولته
وسواد الخوف براياتِ
ورمال البحر تعانقني
أن لعب الحزن بأدواتي
لكن لا أبحرفيك لأحميك
وأنينك يعلو تكويني
ويداوي جراحي بمماتي
أقتل من قتلك لاتركن
للصمت في بحر الظلمات
أن جاس الموت بأروقتك
فاقتله بسيف الغزوات
لكني أبدا لن أبحرفي
بحر يستعذب أناتي
المفضلات