مسامير وأزاهير 245 ...

في قرار منع السعوديات من القيادة!!!.


لطالما حدثنا تاريخنا العربي الإسلامي المشرف عن صحابيات عربيات مسلمات كُنّ قد امتطين صهوات الخيول والجمال وشاركن الرجال في قتال المشركين وأعداء الدين، فها هي الصحابية الجليلة "أم عُمارة" وقد امتطت صهوة فرسها يوم معركة أحد وشاركت في قتال المشركين، بل وراحت تذب عن النبي "صلى الله عليه وسلم" بالسيف وترمي عنه بالقوس، حتى قيل أنها قد قتلت آنذاك وجرحت اثني عشر رجلاً بالسيف والنبال لوحدها، وتلك الصحابية الجليلة "خولة بنت الأزور" التي أَبْلت بلاء حسنًا في فتوح الشام ومصر، وكانت من أشجع نساء عصرها وذات تأثير بليغ في معركة "أجنادين" الخالدة بقيادة سيف الله المسلول خالد بن الوليد، حيث تلثمت لتخفي شخصيتها وامتطت صهوة فرسها وراحت تثخن بجراح الروم وتجندل بسيفها البتار فرسانهم، حتى احتار جيش المسلمين والأعادي بأمرها وبصنيعها ذاك، وراحت بهم الظنون بعيداً في البحث عن هويتها دون أن يمر بخاطرهم أنها امرأة وليست بفارس من فرسان العرب المسلمين، حتى التقاها قائد جيش المسلمين خالد بن الوليد فأكبرها بعدما اكتشف أنها "خولة بنت الأزور"!!، وتلكم الصحابية الجليلة "نسيبة بنت كعب المازنية"، إحدى المرأتين اللتين بايعتا النبي "صلى الله عليه وسلم" في بيعة العقبة الثانية على ما اتسمت به من سرية وخطورة، وأنها خاطرت بحياتها حين شَقـّت صفوف المقاتلين بعكس اتجاه من فرّ منهم في موقعة أحد متجهة صوب النبي المصطفى الأمين "صلى الله عليه وسلم" لتذب عنه وتحول بين المشركين وبين النيل من رسولنا الكريم، غير آبهة بتلك السيوف التي راحت تُغرس أنصالها في جسدها الغض الرقيق!!، ذاك غيض من فيض ما تختزنه ذاكرة العرب المسلمين من ماجدات يعربيات مسلمات خافرات كُنّ قد امتطين صهوات الخيول واعتلين ظهور الجمال سواءً في حلهنّ وترحالهنّ، أو أثناء غزواتهن ومشاركاتهن في الذود عن حياض الإسلام والمسلمين، فما سمعنا عن النبي المصطفى محمد "صلى الله عليه وسلم" يوماً أنه قد استهجن اعتلاءهن صهوات الخيول أو ظهور الجمال، أو أن الله سبحانه وتعالى قد حـَرّم عليهن اعتلاء صهوات الخيول والجمال بنص قرآني!!.

تلك لعمري مقدمة رأيت أن أسوقها للقارئ الكريم استهلالاً وتوطئة لما جئت أطرحه عبر مقالتي المتواضعة هذه بخصوص ما تواتر من أنباء عن تأكيد باستمرار سريان مفعول قرار قديم كان قد صدر عام 1991 من وزارة داخلية المملكة العربية السعودية بمنع النساء من قيادة السيارات!!، وما تبع ذاك التأكيد مؤخراً من تصريحات لبعض من رجال الدين والمشايخ الأفاضل في المملكة العربية السعودية راحت تدافع عن ذاك القرار، وتهاجم في الوقت عينه النساء السعوديات الراميات لممارسة حقهن بقيادة السيارات أسوة بنساء العالم أجمع، كتصريحات الشيخ عبد الرحمن البراك الذي استهجن فيها رغبة النساء هناك بقيادة السيارات واصفاً إياها تارة بالأمر المنكر والقبيح، وبأنهن بصنيعهن ذاك سيصبحن "مفاتيح شر على هذه البلاد" وأنها اقتداء ببدع الغرب الكافر على حد وصفه تارة أخرى!!، مستنداً بذلك إلى فكرة أن السعودية متفردة كدولة وأنها نموذج للدولة الإسلامية الأولى، وأن كلمة الله هي الشريعة والانصياع للشريعة أمر لا نقاش فيه!!، تماماً كفتوى تحريم التظاهرات في ربيع الغضب العربي ضد فساد أنظمة عربية، أو كتلك الدعوات التي نادت لتغيير قواعد لعبة كرة القدم وتحريم لعبها وفق الطريقة التقليدية المتبعة حالياً وذلك منعاً من التشبه بالغرب الكافر، كتغيير الملابس الرياضية الملونة التي يستخدمها الغرب، وتغيير وقت اللعب بدلاً عن 45 دقيقة المستخدمة الآن لكل شوط، وأن تكون المباراة بشوط واحد أو ثلاثة أشواط بدلاً من شوطين، وتحريم تبادل التهنئة والعناق بين اللاعبين عند إحراز هدف ما!!.

لست رجل دين مختص بالفتاوى والفقه الإسلامي، غير أنني مسلم أؤدي فرائض الله كما وأعرف تماماً بأن فتاوى التحريم تستند على نص قرآني بيّن أو حديث شريف، فنحن على سبيل المثال لا الحصر لا نختلف البتة في فتوى وجوب تحريم الربا، وشرب الخمرة ولعب الميسر وغيرها من المحرمات الواردة في القرآن والسنة، لكنني أتساءل، ما وجه المقارنة والشبه بين تحريم الربا والخمرة والميسر وتحريم قيادة النساء للسيارات!؟، وما دام تحريم الخمر والميسر والربا قد ورد بنصوص قرآنية صريحة وأحاديث صحيحة، فإنني أتساءل:
1. ما المنكر في قيادة المرأة السعودية للسيارة!؟، وكيف استطاع أن يهتدي تفكير شيخنا الجليل البراك من أن النساء سيصبحن مفاتيح شر على المملكة إن قدن سياراتهن!؟، وأن ما دفعه للتحريم ومنع قيادتهن للسيارات كان للمحافظة على أعراضهن كما يزعم الشيخ الجليل وغيره!!،
2. وهل أن تحريم قيادة السيارات أو وسائط النقل الحيوانية قد وردت بنصوص قرآنية أو أحاديث نبوية!؟.
3. وإن وجدت تلك النصوص فكيف نفسر استخدام الصحابيات المسلمات لظهور الخيل والجمال في معاركهن الخالدة وكما ذكرنا في مستهل مقالنا هذا!؟.
4. ومادامت تلك الوسائط التنقلية لم تحرم بنص قرآني صريح أو حديث نبوي صحيح، وما دامت صحابياتنا المسلمات الماجدات قد استخدمن وسائط التنقل عند ظهور الإسلام المتمثلة بالخيول والجمال والحمير، فما أجدر بنسائنا والحالة هذه من استخدامهن وسائط التنقل الحديثة الخاصة بهذا العصر والمتمثلة بالسيارات وغيرها!!.
5. ولو افترضنا جدلاً بأن نساء المملكة اليوم أردن أن يتشبهن بالسلف الصالح من اليعربيات المسلمات واصررن على استخدام الخيول والجمال والحمير بتنقلاتهن وقضاء حوائجهن اليومية، فهل سيكون موقف شيخنا الجليل البراك ومن شاطره الرأي مختلفاً عن موقفه هذا، أم أن تحريمه لفكرة استخدام المرأة لوسائط النقل المنفردة قد جاء قطعياً وكلياً، سواءً للسيارة أو للخيل والجمال والحمير!؟.

وأزيد من الشعر بيتاً لأقول، ما هكذا تورد الإبل يا مشايخنا الأفاضل، لقد شوهتم صورة الإسلام النقية السمحة، والإسلام براء مما تدعون إليه باسمه الشريف، إن هي ورب الكعبة إلا قيود وسواسية الغرض منها تكبيل المرأة المسلمة ومنعها من ممارسة حقها الطبيعي في الحياة الحرة الكريمة، وأعود للتساؤل مجدداً، أيعقل أنكم توافقون على أن تستقل المرأة السعودية سيارة أجرة مع سائق غريب، أو أن تعمد الأسرة المتيسرة في السعودية لتوظيف سائق لنقل نسائها، وقضاء حاجياتهن في الوقت الذي تستكثرون عليهن وتستهجنون قيادتهن سيارتهن لوحدهن!؟، ما وجه الضرر في أن تقود المرأة سيارتها بنفسها!؟، وأي عيب أو جرم في ذلك!؟، وأين الشرع الإسلامي من تحريم قيادة المرأة للسيارة!؟، وهل أن المرأة السعودية قد جاءت شيئاً نكرا بفعلتها تلك لتستحق مطاردة "هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر" لها كما جرى للفتاة السعودية "منال الشريف" التي ألقي القبض عليها يوم قادت سيارتها برفقة والدها في أزقة وشوارع فرعية في مدينة القطيف!؟.

ختاماً ... مقطع كان قد ردده المؤرخ والفيلسوف الانكليزي "هربرت جورج ويلز 21 سبتمبر 1866 - 13 أغسطس 1946" عن الإسلام والمدنية، وهي همسة صادقة أهمس بها في أذان مشايخ المسلمين في العربية السعودية لتدبر ما بها من معان سامية عن الإسلام، وأقتبسها نصاً: "كل دين لا يسير مع المدنية في كل أطوارها فاضرب به عرض الحائط، وإن الدين الحق الذي وجدته يسير مع المدنية أينما سارت هو الإسلام، و من أراد الدليل فليقرأ القرآن وما فيه من نظرات و مناهج علمية، و قوانين اجتماعية، فهو كتاب دين وعلم واجتماع وخلق وتاريخ، و إذا طلب مني أن أحدد معني الإسلام فإني أحدده بهذه العبارة : الإسلام هو المدنية"... انتهى الاقتباس!!، فتذكروا يا مشايخنا الأفاضل "خولة بنت الأزور" واعتلاءها صهوة فرسها وهي تكر وتفر في سوح الجهاد بين رجال المسلمين، ولا تنسوا ما فعلته "أم عمارة" يوم أحد، واسترجعوا مآثر "نسيبة بنت كعب المازنية"، وغيرهن، فلقد امتطين صهوات "الخيول والجمال والحمير" لوحدهن دونما تحريم أو تجريم أو تكفير، وهي لعمري وسائط تنقل ذاك الزمان الجميل الذي نَحُنُّ إليه، فلو أن تلك الصحابيات الجليلات قد سمعن بنص قرآني أو حديث شريف بتحريم صنيعهن ذاك فإنهن ما كن قد خالفن القرآن والسنة وامتطين صهوات خيولهن أو اعتلين ظهور جمالهن ولا حميرهن!!، وتلك لعمري كانت – الخيولَ والجمالَ والحميرَ – وسائط ُذاك العصر في الحل والترحال والتنقل وقضاء الحاجيات، فما أجدر بنسائنا أن يستخدمن وسائط هذا الزمان في حلهن وترحالهن وقضاء حاجياتهن المنزلية!!.

سماك العبوشي
simakali@yahoo.com
28 أيار 2011