بعيدا عن السياسة الملعونة _ من صور المجانين العقلاء ممن رأيتهم !
من صور المجانين العقلاء فى الثغر ممن رأيتهم !
تعويضة .. الرجل الديزل .. الدولى .. الأستاذ .. المحامى .. المنحنى دائماً
خمسة رجال مجانين رأيتهم سبقتهم إمرأة .. نوع من الناس نقابله كل يوم وما زلت أرى منهم إلى الآن من هو على قيد الحياة أما المرأة فقد إنشقت الارض و بلعتها و لا يعُلم لها طريق و أحسب أنها توفيت
فما هى حكاياتهم وقصصهم التى تناقلها الناس وسمعتها و ربما نسجوها عنهم من بنات أفكارهم وخيالهم ليبرروا و يشرحوا الحالة التى يرون عليها ..مجانين أم عقلاء !!
******************
تعويضة .. إمرأة على الجسر !!
أبدا رحلتنا بقصة الراحلة أو المختفية " تعويضة " تلك المرأة التى كنت أراها فى طفولتى على الجسر .. و الجسر هذا منطقة تمتد بين محطتى قطار من محطة النقراشى باشا و التى تسمى الآن " فيكيتوريا " و محطة سيدى بشر هذا الولىّ من أولياء الله الصالحين و له مقامه إلى الآن .. و الجسر مرتفع من الأرض رملى يحيط به من الجانبين تكسية من الحجارة الكلسية أشبه بتلك التى تُكسى بها جوانب الأنهار والترع فى مصر المحروسة ..
و ما علاقة المرأة " تعويضة " بالجسر ؟
طالما إرتعبنا ونحن أطفال من منطقة الجسر الفاصلة بين عالمين : قبلى و بحرى .. فبحرى السكة حيث المنطقة السكنية الراقية المنارة بأعمدة إنارة و تمتد إلى شاطئّ أبى هيف و سيدى بشر الشهيرين ويقطنها السكان الجدد . أما قبلى فقد كانت منطقة شعبية تسمى دربالة عالم أشبه بعوالم قصص نجيب محفوظ و أناس أشبه بحرافيشه .. وخلفها عن بعد منطقة سكنها الأرمن من الخواجات مثل الخواجة الشهير تشاكوس الذى سميت منطقته على اسمه وموجودة حتى الآن .. و بين هذا العالم قبلى و بحرى يقبع الجسر كسد منيع يمنع عبور الحرافيش بمعاركهم الطاحنة التى يُسمع بها كل حين و تطيش فيها رقاب و أعنقة ...
مرأتنا تلك كم أحبت أن تأتى دائما من صوب الجسر المرعب ليلا حيث خط السكة الحديدية المفرد يعلو الجسر ..
أشبه بجنيّة بشعرها " المنكوش " و جوال من القماش تمسك به دائما لا يعلم أحد ما به .. الكل يخشاها ولكن هذا الكل كان يجتمع على الصنبور العمومى أو كما يسميه الناس " بحنفية الصدقة " التى كانت موجودة فى كل منطقة إذا أرادت أن تستحم فلا تخشى أحدا و لا تستحى من مارة أو وقوف ينظروا إليها .. أنظر إليها بعينين طفولية مشدوها من منظر هذا التجمع حولها وهى تتحمم أو تغتسل لا تستتر بشئ و كأنها على حافة نهر و ليس أسفل صنبور عمومى.. هؤلاء الرجال الماكرين لا بد أنهم رأوا فيها ما لم يروا فى زوجاتهم.. أما الأطفال وكنت منهم لا أذكر ربما فى السابعة من عمرى فكنا نتحلق و الكل يغنى لتعويضة ذات الشعر المنساب بفعل الماء إلى أسفل وسطها فلم أرَ شعرا بهذا الطول إلى الآن . و تمنيت أن تكون كل النسوة من المجانين ليطول شعر كل منهم فلا تقصه أبدا ! فقد بات فى ذهنى أن كل إمرأة مجنونة شعرها طويل جدا !!
لم أحسن الإندماج مع هؤلاء الأطفال ربما لإندهاشى البرئ و دهشتى الطفولية بهذا الجسم البضّ الذى يأكله الرجال بأعينهم فلم أفكر فى الغناء لتعويضة مع كورال الأطفال حولها : " تعويضة أهى .. تعويضة أهى " و أنا منْ كانت أمى تحممنى فتغلق الأبواب فأتعجب و ليس لتعويضة أبواب تغلقها على نفسها !
رأيتها دائما كجنيّة و ليست بإمراة مكلومة فى أطفالها كما قال الناس عنها آنذاك بأن زوجها العربى الغاشم إنتزع منها أطفالها فى إحدى الدول العربية و رحلّها إلى مصر و لم تستطع رؤيتهم بعد ذلك مطلقا فذهب عقلها !!
لم يذكر أحدا هل علم أطفالها بما حدث لها بسبب فقدهن وهل بحثوا عنها فى مصر أم لا ؟!
ولم يعد هناك تعويضة و لا صنبورا عموميّا و حتى الجسر أصبحت تغطيه من الجانبين حوانيت تجارية من كل نوع فأخفت حجارة الجسر العتيقة على خط قطار الرمل الشهير و أصبحت منطقة دربالة فى الناحية القبلية من الجسر ترى منطقة شبه صناعية لتصنيع الملابس وذهب حرافيشها ومنهم من أذكره باسمه " السيد كلوظة " !!
وذهبت تعويضة ولم أرَ عاقلة بشعر طويل غريب أن أطول شعر رأيته كان لإمراة مجنونة !!
********************************
الرجل الديزل !!
فى الثالثة فجرا كل يوم لم يعد النيام يستيقظوا فزعين أن القطار قد يدهمهم ومنازلهم فجأة !!
باتوا يعلمون قصة الرجل الذى حلّ مشكلة إنضباط مواعيد القطار رحيلا و قدوما بمعرفته وبطريقته الخاصة بأن أصبح الرجل الديزل أو الرجل القطار .. تقمص شخصية القطار .. يرى نفسه كذلك ! صوته .. حركته .. حتى صافرته المزعجة فى جوف الليل ..
الغريب أنه يرى نفسه قطارا بخاريا قديما وليس أحد القطارات الحديثة ربما خشى أن يستقله أحد لو رآه حديثا !!.
يقلد فى مشيته حركة العجلات القديمة ذات الذراع الدافع .. يتنقل بين شوارع المنطقة شارعا شارعا و حينما يأتى لأول الشارع الذى يسبق منزلى أستطيع أن اضبط ساعتى على موعده أدق من ساعة إذاعة القاهرة أو البرنامج العام !!
ور بما زعق زعقة مدويّة فجاة لنكتشف أن أحد الماكرين قد دسَّ فى يديه سيجارة راشيا إياه ليزعج جارا له فى جوف الليل أو تلهيه الزعقة عمّا كان يفعل لو كان مستيقظاً !!
قالوا أنه صُرع من صوت القطار و هو صغير . و قالوا أنه كان عاقلا و زهق من مشكلة المواصلات فى مصر و لكن لم يعرفوا لماذا بالذات راق له أن يكون قطارا بخاريا و ليس حديثا أو " مترو يسير بالكهرباء رغم أن الأسكندرية بها مثله و هو " المترو " الشهير ذو الطابقين و يسير من فيكتوريا إلى ميدان محطة الرمل . ربما لم يحب و هو مراهقا فلم يستقله مع حبيبته !
أخشى أن أفقد الرجل الديزل فجأة فلا أستطيع أن أضبط ساعتى !!
************************************************** **
و نتابع بقية الصور فيما بعد مع حكايات الدولى .. الأستاذ .. المحامى .. المنحنى دائماً !!
د . خالد العرفي
رد مع اقتباس
المفضلات