في كتاب «رؤى في المسرح العالمي والعربي» تأليف رياض عصمت




كتاب «رؤى في المسرح العالمي والعربي» تأليف رياض عصمت كتاب رائع ويعتبر مصدرا كبيرا للدارسين والأكاديمين وطلبة الفن المسرحي يتناول ويؤكد فيه مؤلفه أن وسائل الاتصال التي وصلت إلى عصر الفضاء والديجيتال والسينما والتلفزيون كلها مجتمعة زادت المسرح تطوراً وأكسبته شباباً وحيوية وأن المسرح أعرق الفنون الدرامية لم يذوب ويتلاشَى كما أعتقد كثيرون حين اخترعت السينما في أواخر القرن التاسع عشر ويقول رياض عصمت أن المسرح في الوقت الراهن «لا يقارن في مجال الأحوال من ناحية الانتشار الجماهيري بأضعف قناة تلفزيونية بثاً» إنه في الواقع يؤثر في العمق ولعل السينما هي توءم المسرح في كونها تعبيراً بغرض التأثير سواء كان التأثير المنشود ذهنياً أم عاطفياً.
ثم يتناول المراحل التي من المفترض أن يمر بها المؤلف من «الوعي النمطي» و«البناء» و«التوتر والتشويق» و«الصراع» و«رسم الشخصيات» ثم «الحوار» ثم يورد مقارنة بين المسرح الدرامي والمسرح السردي- الملحمي. ويقول رياض عصمت: إن معظم المهرجانات الفنية العربية اليوم تهتم بالغناء والطرب والرقص الشعبي «أي إنها احتفالات تكاد تخلو كلياً من المضمون تنأى عن فن المسرح واستلهام الأساطير التراثية الأصيلة. إنه أمر مؤسف بالفعل لأن الملايين تهدر من أجل متع عابرة ومتشابهة ولا تعبر عن هم ثقافي يستقطب اهتمام الناس حتى المهرجانات المسرحية العربية بدأت تتلاشى أو يخبو بريقها». ويشدد على أننا «لن ننتزع لأنفسنا نحن العرب مكانة واحتراماً في العالم إلا عن طريق ما هو درامي يتكامل فيه المغنى والفن ليعبر عن هوية وحضارة أمة عريقة ومعاصرة في الوقت نفسه» ويرى أن العولمة «أصبحت واقعاً راهناً بحيث لا يمكن نفيها أو تجاهلها... إن أمماً عريقة الثقافة في أوروبا نفسها مثل فرنسا قرعت أجراس الإنذار من هيمنة الثقافة الأميركية وخاصة الشعبي منها» و يرى رياض عصمت في العولمة ويقول «بل من احتمالات تأثير تطرفها في الغزو الثقافي والاستسلام الحضاري» ويشير إلى أن مشكلة العولمة في المسرح ماثلة «من خلال تحول الفرق المسرحية الكبرى بما يجتذب السياح» ويدعو عصمت العرب إلى هضم واستخدام وسائل المعلوماتية المتطورة لنشر ثقافتهم فالعولمة تعني من جانب التبادل الثقافي «الأخذ والعطاء، الحوار والتثاقف» ويؤكد رياض عصمت على غياب المسرح العربي عن المهرجانات المسرحية المرموقة في العالم ويرى أننا نستطيع بشيء من الجهد والمال وحسن التخطيط «أن نعمل على نشر ثقافتنا وفنوننا أفضل من الآن بكثير في عصر العولمة». وفي فصل آخر يتناول عصمت أهمية «الدراماتورج» في المسرح حيث قدم فكرة موجزة عن بدء ظهور هذه المهنة المسرحية التي لا تتناقض مع مهنة المخرج ولا تحاول سحب البساط من تحت قدميه بل تثبّت دوره وتدعم سلطته، ويرى عصمت أن عمل الدراما تورجي «له أهمية بلا حدود وهو حاجة ماسة من حاجات الدراما عموماً» ويدعو إلى تكريس هذه المهنة ليس في المسرح فحسب بل في السينما والدراما التلفزيونية أيضاً. وقدم عصمت أمثلة عما تركه غياب الدراماتورجي من أخطاء. وفي فصل آخر تناول رياض عصمت العديد من الدراسات عن قضايا مسرحية متنوعة فتحت عنوان: التجريب في المسرح العربي: تبعية أم تثاقف؟ يؤكد أن «قلة نادرة من المسرحيين المجربين العرب حاولت أن تشق تياراً أصيلاً من التجريب بمعزل عن المؤثرات» وتناول «التيارات التجريبية في المسرح العربي» معتبراً هذه التيارات «دليل صحة ونمو وتفاعل ثقافي عالمي» وحذر المخرج التجريبي من التعامل مع النص باستهانة «فيحاول تنميطه ويزعم إعادة بنائه ويغير من مدرسته ويحرف رؤياه فكرياً أو فنياً». وتطرق عصمت إلى «التحديات التي تواجه المسرح اليوم». وفي كتابه الذي يقع في 429 صفحة من المقطع الكبير يغوص رياض عصمت في بحر المسرح الواسع ويتناول بالبحث والدرس مسرحيين عالميين كان لهم أعمق الأثر في مسيرة هذا الفن الخالد خلود الإنسان أمثال ستانسلافسكي ولورنس أوليفييه وجو تشيكن كما يتوغل في سيرة حياة وتراث عدد من أعمدة التأليف العالمي أمثال شكسبير وهنريك أبسن ويوجين أونيل وتنيسي وليامز وأرثر ميلر وبرشت وبيكيت وسواهم. مقدماً قراءته بما تركوه وراءهم للإنسانية من إرث مسرحي. وفي فصل آخر «مبدعون من المسرح العربي» تناول عصمت «المسرح الغنائي: المصطلحات.. المقومات.. المعطيات» حيث يؤكد أن هذا المسرح تقوم بنيته على تكامل الموسيقا والغناء والرقص والتمثيل معاً ومن دون أي من هذه الدعامات الأربع لا تقوم للمسرح الغنائي قائمة، ويورد أن المسرح الغنائي العربي بين منتصف القرن التاسع عشر ومنتصف القرن العشرين قدم ما يزيد على مئتي مسرحية وإن الفضل للفنانين السوريين واللبنانيين في تقديم هذا اللون في مصر. ويرى عصمت أن ندرة أعمال المسرح الغنائي العربي منذ أواسط القرن العشرين نسبياً تعود لأسباب كثيرة منها ازدياد كلفة إنتاج أعمال موسيقية وندرة الفنانين المبدعين من أصحاب الموهبة والخبرة والكفاءة في مجال المسرح الغنائي تأليفاً وأداءً وإخراجاً. وتناول عصمت في باب آخر «المسرح السوري الحديث» حيث بدأ أول نشاط مسرحي عربي في عام 1848 في بيروت على يد مارون النقاش قبل أن يؤسس أبو خليل القباني فرقته في دمشق وتوقف عصمت في كتابه عند أبرز تجارب المسرحيين السوريين والعرب كما يتوقف عند مسرح وليد إخلاصي وسعد الله ونوس وألفريد فرج وتوفيق الحكيم وممدوح عدوان.وبذلك يبقىكتاب " رؤى في المسرح العالمي والعربي "مصدرا للدارسين والأكاديمين وطلبة الفن المسرحي.