تطور مصطلح شيخ الإسلام في دولتي الأيوبيين والمماليك البحرية
الباحث:
أ/ فيصل بجاش علي حميد
الدرجة العلمية:
ماجستير
تاريخ الإقرار:
2002م
نوع الدراسة:
رسالة جامعية

الملخص:
هذه الرسالة تدور حول تطور مصطلح شيخ الإسلام خلال حكم دولة الأيوبيين ( 596 هـ 648هـ / 117-1251 ) وورثتها د وله المماليك البحرية ( 648 ـ 748 هـ / 1215 ـ 1382 ) وما حصل من تطور وخصوصيات خلال حكم سلاطين هاتين الدولتين ابتداء بالسلطان الأيوبي صلاح الدين وحتى نهاية حكم السلطان المملوكي الصالح أمير حاج شعبان ، في أعقاب شيوعه وانتشاره في البداية بين رجال الموئسة الدينية من المحدثين والفقهاء في المشرق الإسلامي . يرجع موضوع الرسالة إلى حقلي الألقاب ولكني في دولة الخلافة ،وهــو موضوع لم ينل اهتمام المؤرخين المحدثين ومتابعتهم ،على الرغم من أهمية هذه الألقاب في تشكيلاتها وتسمياتها لطلبة الدراسات التاريخية المهتمين بالعصور الوسطى الإسلامية من الوجهة المنهجية - التاريخية ،وعلى الرغم من أن مثل هذه الألقاب هي في الحقيقة الأساس فيما يميز بني البشر في المجتمعات بعضهم عن بعض ،ولاسيما العلماء منهم لما فيها من الفضائل والمناقب التي بموجبها يتميزون عن العناصر المشهورة من بني جلدتهم ،لكنها بقدر ما هي موضع اهتمام للبعض تقف في الوقت نفسه مصدر تزلق وتحذلق لبعضهم الآخر .
من جهة أخرى تمثل الألقاب الإسلامية ميزة خاصة بالمجتمع العربي والإسلامي وتطوراته الدينية والدينية ،فليس هناك مجتمعات أخرى تميزت بتلك الألقاب التي تميزيها المجتمع العربي والإسلامي ،والتي كانت سائدة بين القوى الممثلة لفئاته المختلفة وشخصياتها واقترنت بشرائحها الإدارية جيلا بعد جيل ،لكن ما يلاحظ عليها أنها كانت في البداية محددة ومذودة في أن واحد،ومن خصوصيات الخلفاء وامتيازاتهم ،إلى وقت سيادة أمير الاستيلاء في المؤسسة العسكرية وتمتعه بسلطات سيده السابق التي كانت تعطي للذين يتميزون بمنزلة خاصة في الدولة ،حيث بدأت الألقاب بالذيوع والانتشار كظاهرة قائمة ، ويلاحظ أنه منذ توسط حكم العباسيين ارتبطت هذه الألقاب بثلاثة عناصر في الدولة : طائفة الأمراء من رجال العسكر الذين كانوا يمنحون اللقب المركب بنعت الدولة مثل سيف الدولة وحسام الدولة ومعز الدولة ،وطائفة الإداريين العائدين لطبقة الكتاب من الوزراء ورؤساء الديوان الذين كانوا يحملون ألقابًا ذات صلة بالملك ،مثل عميد الملك ونظام الملك ومؤيد الملك وعز الملك فيما ارتبط لقب الدين والإسلام بالشخصيات الدينية في المجتمع ورجالاته من أئمة الشرع الحنيف مثل شمس الدين وعزالدين وتاج الدين أو جمال والإسلام وزين الإسلام وركن الإسلام وغيرهم ومن هذه المجموعة الثالثة انطلق مفهوم شيخ الإسلام وتشكيلاته ( الفيلولوجية ) والتاريخية ،على الرغم من أن التداخل في المراحل الأولى من نشأته كما سيتبين لنا لم تكن واضحة المعالم والخصوصيات وظل أمر بطلاقة شيئا ذا صلة ( بالسوسيولوجية) التي تتحكم بمجتمع العلماء ومراتبهم من رجال المؤسسة الدينية للدولة الخلافة . ولما كانت الألقاب من اختصاص الجهات الرسمية للخلافة ،كان لابد من فهم العلاقة بين الدولة وبين الجهات المانحة لهذه الألقاب ،وهو ما يفهم من الحالات الخاصة بطوائف الأمراء والإداريين وعمال الدولة ،في وقت ظل لقب الدين والإسلام من احتكار سلطات العلماء ومن مسؤلياتهم ،وفي حالة لقب شيخ الإسلام فقد بقي بيدهم إلى وقت متأخر من تبني الدولة له بشكله الرسمي .حتى وقت قيام العثمانيين وتحوله إلى مؤسسة باسم شيخ الإسلام في العثمانية فكيف ظهر هذا اللقب أولا ؟ وكيف تحول إلى لقب رسمي تتبناه الدولة فيما بعد ؟ والاهم الصيرورة التي بموجبها حصل هذا التحول والاعتراف رسميا ؟ وماذا يحمل من شروط وواجبات ومسؤوليات في ضوء خصوصيات المجتمع الأيوبي ثم المجتمع المملوكي البحري ،وتشكيلاتهما ؟ لأنة وبدون شك لم يكن لقبا تشريفا بحد ذاته ،كل ذلك يثير جملة من التساؤلات والملاحظات في محتوى الألقاب الدينية الصلة التي أدت شيوعه قبل استقرار على المفهوم الذي عرف به أيام المماليك البحرية كأعلى لقب أ و ديني بين ممثلي السلطة الشرعية في الإسلام .
أن لقب ا و مصطلح شيخ الإسلام ، كما يلاحظ يتكون من مقطعين الأول بلفــظ شيخ الذائع الشيوع والاستعمال بين اعداد متباينة من طواف الدولة ومراتبها الإدارية ، والمطقع الثاني لفظ الإسلام .
وللمقطع الأول خصوصية عالية تختلف عن ظروف وخصوصية نشأة المصطلح بمقطعية مما استوجب البحث فيه والنظر في أصولة وتشيكلاتة ( فيلولوجيا ) و( ابستمواوجيا ) .
كل ذلك شكل قوة الجاذبية التي ولدت لدى الرغبة تلو الرغبة لمحاولة البحث في هذا الموضوع والغوص في أبعاده، رغم صعوباته الأكاديمية الواضحة للباحث المبتدئ، أن لم يكن للتخصص أصلا تتكون هذه الرسالة من مقدمة وأربعة فصول، فضلا عن الخلاصة وقائمة المصادر والمراجع الخاصة بالرسالة،كما تضم ملاحق من جداول بأسماء شيوخ الإسلام وطوائفهم ممن حملوا لقب شيخ الإسلام قبل حكم الأيوبيين والمماليك البحرية وخلاله،فضلا عن ملاحق أخرى.
وقد جاء الفصل الأول في مقدمة ومبحثين، تتناول المقدمة بشكل مختصر الألقاب الدينية المتداولة في المشرق بين رجال المذاهب ذات الصلة بشيخ الإسلام بتركيبة المزدوج.
وهـو شيء ضروري لان مصطلح شيخ الإسلام نجد جذوره أولاً في تقاليد البيئة الدينية السائدة في إقليم خراسان أو المشرق لدى الفقهاء والمحدثين والمتصوفة، وبدون الرجوع إلى هذه الخلفية تبقى خصوصيات أصل اللقب ونشأته غير معروفة،ولا تساعد على إعطاء الصورة الصحيحة لمفهومة وطبيعته عند الأيوبيين والمماليك،ويتناول المبحث الأول مصطلح الشيخ ودلالاته بين الفئات العلمية والإدارية،بينما يتناول المبحث الثاني مناقشة حول بداية ظهور مصطلح شيخ الإسلام في المشرق الإسلامي،ويغطي الفصل الثاني انتشار المصطلح عند الأيوبيين بين حكم كلا من السلطانين صلاح الدين وتوارت شاه ( 569 ـ 648 هــ / 1171 ـ 1251 م) وذلك باستعراض تراجم ذلك النفر من الشخصيات الدينية التي اشتهرت بمنزلة شيخ الإسلام في مركز السلطة الأيوبية بالقاهــرة ومراكز نيابتها في الشام واستيعاب خصوصيتها بصلات بعضها بالبعض الآخر من رجال المدرسة الفقهية الواحد وشخصيات المدارس المنافسة لها عن طريق تحليل سيرة وتراجم كل من ابن الصلاح والعز بن عبد السلام وكل من ابن قدامه ومجد الدين بن تيميه.
وهم في هذه الحالة نماذج جيدة من أئمة المدرسين الشافعية والحنبلية.
أما الفصل الثالث فيتولى استعراض شخصيات شيخ الإسلام خلال حكم المماليك البحرية،وبصفة خاصة خلال حكم السلطان الظاهـربيبرس ( 658 ـ 676 هــ / 1260 ــ 1277 م ) ثم خلال مدة الحكم الطويلة للسلطان الملك الناصر محمد بن قــلاوون ( 690 ـ 741 هــ / 1293 ـ 1340 ).
من خلال تحليل تراجم ثلاث شخصيات دينية كبيرة تميز بها المجتمع المصري- الشامي خلال حكم المماليك هم كلا من محي الدين دقيق العيد وتقي الدين بن تيميه,وقد خصص الفصل الرابع لتغطية وتحليل الجانب التنظيمي من مفهوم وطبيعة مصطلح شيخ الإسلام والمنزلة التي يمثلها هؤلاء الشيوخ في التركيب السياسي للدولة المملوكية دينيا وإداريا وسياسيا.كل ذلك في ضوء الإجراءات السياسية التي كانت تتخذها تلك السلطات بحق هؤلاء الشيوخ ومواقفهم الفقهية والسياسية من السلطان والدولة.فقط حينذاك يصبح بإمكاننا إن نتحدث عن الجانب التنظيمي لمصطلح شيخ الإسلام والإسهامات التي حصلت و أضيفت إلية خلال حكم الأيوبيين والمماليك,بما في ذلك الصيرورة والخصوصيات التي ارتقى بموجبها هذا المصطلح الديني الشهيرإلى هذا المعنى,كل ذلك بطبيعة الحال ضمن تقرير شروط شيخ الإسلام وواجباته ومسؤولياته.
إن حقل الأيوبيين والمماليك والمصادر التي ترتبط به كثيرة حقا وما وصل إلينا منها غنية بمعلومات متنوعة عن البنية الدينية والتنظيمية والسياسية لهاتين الدولتين ولا يمكن القيام بها الآن في دراسة (هستريو غرافية )منفصلة . وهو ما ليس يعينا هنا من هذا التحليل.
مع ذلك فكلمة عن أنواع المصادر ذات الصلة بمصطلح شيخ الإسلام وطريقة استخدام المؤرخين له بسجلات التراجم وأيضا من قبل أصحاب الألوان الأخرى أمر ضروري منهجيا ان أهم المصادر صلة بهذا الموضوع وأكثرها علاقة بمفرداته من المصنفات التاريخية المتوفرة للمؤرخ والأدبيات المرتبطه بها هي كتب التراجم والطبقات للمدة ما قبل حكم الأيوبيين وما بعدها,تليها كتب الحوليات وتواريخ الدول والسلالات الحاكمة ثم الوثائق الرسمية للدول والمصنفات. خاصة بكتب الفقه والرحلات،أما النقود التي هي مصدر مهم أتساس للألقاب ولصفتها الرسمية المعتمدة فلا تقدم هنا الباحث تلك المزية التي تقترن بالمعلومات التي توفرها عن الألقاب الدنيوية المختلفة للخلفاء والأمراء والوزراء.
وفيما يأتي ملاحظات مركزة لما توفره لنا هذه الألوان من المصنفات من معلومات ومدى فائدة ماتحويه من حقائق في إغناء محتوى الرسالة على مستوى التراجم التي تغطيها.
يقف على رأس كتب التراجم ذات الصلة بالرسالة كتاب عن أئمة نيسابور وبيوتاتها ( الأرستقراطية ) كتبة عبد الغافر في 16هــ / 1117 م بعنوان السياق على تاريخ نيسابور و الذي كتبه بمثابة تتمة لكتاب الحاكم النيسابوري ( ابن البيع ) ( ت : 405 هـ ) عن الموضوع نفسه،ثم كتاب المنتخب من السابق على تاريخ نيسابور للصريفني وقد احتفظ لنا الصريفني في منتجة هذا بالأقسام التي لم تصل إلينا من السباق.
فهذان المصنفات يوفران معلومات لانجدها إلا عن طريق السبكي الذي يعول على عبد الغافر في ذكر طبقات الشافعية من أئمة خرا سان الذين يهتم في السياق إذ نجد تسميان للشخصيات التي تمتعت بمنزلة شيخ الإسلام وتعليقاته عليها وإشارات إلى خلفياتها من طبقات الفقهاء والمحدثين،في نيسابور،وآبى عبدالله الأنصاري الهروي شيخ المتصوفة في هراه،وعبد الله القشري.
ومن خلال تلك النصوص في تراجم السياق يمكن للمؤرخ أن يعرف الجذور الأولى لمفهوم شيخ الإسلام ومركز شيوعه في المشرق.
ومما له صلة بهذا اللون مجموعة كتب الطبقات وتراجم رجال المذاهب ،التي يهم الباحث منها بصورة خاصة صبقات الشافعية الكبرى لتاج الدين السبكي الذي يحمل هــو نفسه تسمية شيخ الإسلام أيام المماليك البحرية المتأخرين ،وذلك لما تحويه من تراجم تفصيلية لشخصيات شيوخ الإسلام الشافعية،وقد أفاد الباحث من المعلومات الوفيرة التي تقدمها الطبقات الكبرى ــ على الرغم من تحيز السبكي الواضح للرجال الذين يترجم لهم وبدرجة أساسية من تلك المتعلقة بشيخ الإسلام العـز بن عبد السلام،وشيخ الإسلام ابن دقيق العيد،فضلا عن احتوائه على معلومات مهمة تلقي الضوء على الجوانب المختلفة للحياة الدينية والاجتماعية والسياسية للحقبة الأيوبية البحرية واشيء نفسه يقال عن كتاب الذيل على طبقات الحنابلة لزين بن رجب اذ يقدم أيضا معلومات قيمة عن رجال المدرسة الحنبلية على نحو المعلومات التي يوردها عن شيوخ الإسلام كل من مجد الدين ابن تيميه وموفق الدين بن قدامه وتقي الدين احمد بن تيميه.
الشيء الذي يمكن أن يقال عن ميزة أي من كتب الطبقات هذه إن مؤلفها يبدو التراجم التي يخصصها متعاطفاً مع الشخص الذي يترجم له المؤلف والذي ينتمي إلى مدرسة عادة،ويصبح القول أيضا إن مثل هذا المصنف لا يقترن عادة بشيوخ إسلام غير الفئة التي يعترف بها المصنف شخصيا،مثل ما عملة السبكي مع ابن الصلاح،رغم اعتراف الذهبي في مصنفاته بشيخته للإسلام.
من الكتب الأخرى التي تدخل ضمن دائرة كتب التراجم والطبقات كتاب باسم الطالع السعيد في نجباء الصعيد للادفوي ( ت : 748 هــ / 1347 م) أحد رجال القرن الثامن الهجري من إقليم الصعيد ويظهر من خلال العنوان الذي يزخرف المؤلف مصنفة به أن الادفوي يقدم للقارئ كتاب مناقب عن المترجم لهم من الصعيديين ويبدو ميالاً للأشخاص الذين يترجم لهم كونه قرر وصفهم بالنجباء ويكتب في مناقبهم قبل كل شي،كما يظهر أن الكتاب مخصص لدراسة تراجم أبناء الصعيد وحدهم،ومع ذلك،فان أهمية هذا المصنف للرسالة تكمن في تلك الترجمة الطويلة التي يخصصها الادفوي لشيخ الإسلام،قاضي القضاة ابن دقيق العيد التي يقدم فيها معلومات مهمة غير متوفرة في الصادر الأخرى،بما فيها طبقات الشافعية الكبرى،تخص إبراز الجوانب من حياته العلمية والعملية ذات الصلة بعمل شيخ الإسلام.
وقد زودت كتب الوفيات الرسالة بمعلومات مهمة عن حقبة الدراسة ويأتي على رأسها كتاب وفيات الأعيان وأبناء الزمان للقاضي شمس الدين خلكان ( ت : 681هـ 1282 ) الذي قدم لنا من مصدر إقامته بدمشق معلومات مفيدة عن تراجم الرجال المعاصرين للدولة الأيوبية وما قبلها.
ثم يأتي بعده في الأهمية كتاب بعنوان تالي كتاب وفيات الأعيان لمصنفه الكاتب فضل الصقاعي والذي ابتدأ به عشر سني الستين وستمائة إلى أخر سنة خمس وعشرون وسبعمائة،غطى فيه معظم مدة حكم السلطان الملك الناصر محمد بن قلاوون.
ومن كتب الوفيات الأخرى التالية لهذين الكتابين كتاب الوافي بالوفيات لصلاح الدين الصفدي ( 764هـ / 1363 م) وكتاب ( فوات الوفيات ) لابن شاكر الكتبي ( ت764هـ / 1363 م) الذي جعله ذيلا على كتاب وفيات الأعيان لابن خلكان.
وقد قدمت هذه المصنفات ولاسيما فوات الوفيات تراجم لشخصيات شيوخ الإسلام ساعدت على تحديد كثير من خصوصيات اللقب واعتباراته الشرعية والعلمية.
أما شمس الدين الذهبي ( ت 748 / 1347 م) فيوفر الرسالة معلومات مهمة في كثير من مصنفاته لاتوردها المصادر الأخرى ولا سيما سير إعلام النبلاء وتذكرة الحفاظ ،من ذلك على سبيل المثال المعلومات التي تضمنتها الترجمة التي خصصها الشيخ الصوفية والمحدثين في هراه شيخ الإسلام آبى عبد الله الأنصاري الهروي ،وأكثر ما ذكره تخص رجال الحديث دون أدنى شك لكونه من المدرسة الظاهرية التاريخية النشطة في الشام،إلا انه من الملف للنظر في مصنفات الذهبي كثرة استخدامه للقب شيخ الإسلام إذ يلقب كثيرا من المحدثين بهذا اللقب مع أنهم لم يشتهروا به في الزمان الذي عاشوا فيه على نحو ما سنشير إلية لاحقا في حين إن هناك بعض الشخصيات التي وجدت اهتماما عند تلميذه تاج الدين السبكي لا تلقي تلك الأهمية عند الذهبي،وربما يعود ذلك إلى أمور متعلقة بعقيدة الذهبي الظاهرية،وبالقدر الذي يحب فيه الذهبي المحدثين سواء كانوا شافعين أو حنابلة نجدة بمقت أصحاب العقيدة ألا شعرية وكل من بخوص في علم الكلام الذي ينحاز إليهم السبكي،ومن كتب التراجم التي ينبغي الإشارة إليها في هذا المقام كذلك مصنف الدرر الكامنة في أعيان المائة لابن حجر العسقلاني حيث قدم معلومات مهمة عن كثير من الأعيان استفاد الباحث منها في أكثر من موضع.
وقد نقل ابن حجر هذه المعلومات عمن سبقه من المؤرخين كالصفدي ( ت: 764هـ / 1363م ) وغيرهم . وأخيراً يأتي في قائمة كتب التراجم التي استفاد منها الباحث بشكل مباشر مصنف ابن العماد الحنبلي ( ت: 1089 هـ / 1678م) المسمى شذرات الذهب في أخبار من ذهب، إذ قدم عددا كبيرا جدا من التراجم الخاصة بعلماء الدولتين الأيوبية والمملوكية،وفيما يخص الحقبة قيد الدراسة نجدة يستوفي معلوماته من مصنفين معاصرين من مصنف المحدثين كالذهبي.
وتظهر أهمية مصنف ابن العماد في استخدامه للقب الإسلام والإشارة إلى تطوره في كثير من التراجم التي يحويها هذا المصنف .
كتب الحوليات
وهي أما من لون كتب التواريخ العامة أو من لون كتب الدول والأسر الحاكمة مرتبة على وفق السنين وتضم عادة أخبار عن حوادث معينة ذات صلة بالخلفاء والسلاطين والملوك ،لكنها تضم معلومات للتراجم أيضا لا يمكن الاستغناء عنها كالمعلومات التي تتعلق بإجراءات هؤلاء الخلفاء والسلاطين تجاه الفئات الدينية في المجتمع ومقدمتهم خصوصاً منهم مشايخ الإسلام ،كما تكون غنية بالوثائق التي تستهوي المؤرخ وتفيده في عملة،ويأتي على رأس هذه المجموعة مصنفات أبي شامة المقدسي الروضتين أخبار الدولتين النورية والصلاحية والذيل عليها ( المعروف بتاج التراجم )، وكذلك ما كتبة ابن واصل في مفرج الكروب في أخبار بني أيوب،وابن كثير في البداية .
دور أتراك أسيا الصغرى في مواجهة الحملات الصليبية البرية 1096 -1190م

الباحث: أ/ خالد محمد المطري
الدرجة العلمية: ماجستير
تاريخ الإقرار: 2002م



الملخص:

الحمد لله والصلاة والسلام على من لا نبي بعده وعلى آله وصحبه أجمعين...

وبعد:

فإن موضوع هذه الدراسة يستمد أهميته من أن ما قام به أتراك آسيا الصغرى من جهود كبيرة لدفع خطر الحملات الصليبية البرية على المشرق الإسلامي لم ينل ولو الجزء اليسير من الاهتمام الذي حظت به باقي القوة الإسلامية المقاومة الأخرى، كالقوة الزنكية أو الأيوبية أو المملوكية.

فمع أن أتراك آسيا الصغرى كانوا القوة الإسلامية الوحيدة - تقريباً- التي تحملت عبء مواجهة ثمان حملات صليبية برية، والوحيدة أيضاً التي تمكنت من دحر وهزيمة ست حملات بأكملها، إلا أن هذا الدور الهام ظل بعيداً عن مجال اهتمام معظم الباحثين سواءً المتخصصين في تاريخ العلاقات بين الشرق والغرب زمن الحروب الصليبية أو المهتمين بتاريخ أتراك آسيا الصغرى.

فقد اكتفى الصنف الأول منهم (أي كتاب الحروب الصليبية) بتناول أحداث الحملات الصليبية - برية وغير برية - تناولاً عاماً سواءً أكان ذلك بالنسبة لمن كتبوا عن تاريخ الحركة الصليبية بأكملها أو الذين أقتصر حديثهم على تناول حملة أو حملتين من هذه الحملات. ونظراً لكثرة ما ورد في كتابات معظم من يمثلون هذا الصنف من نقاط تستوجب النقاش والتصويب فقد خصص جانب كبير من حواشي هذا البحث لتأدية هذه المهمة.

أما الصنف الثاني منهم (أي المهتمين بتاريخ أتراك آسيا الصغرى) فقد ركزوا جهودهم على دراسة تواريخ قوى آسيا الصغرى التركية وليس دور هذه القوى مجتمعة في مقاومة الحملات الصليبية البرية. وإذا ما أهتم احدهم بالتطرق إلى بعض جوانب هذا الدور فلا يتعدى أو يتجاوز حديثة التناول العام أو المختصر والمطابق لما هو وارد في مؤلفات الصنف الأول.

وليس ذلك وحسب إذ أن الحملات الصليبية البرية نفسها لم تُعن بدراسة متخصصة تبين عوامل قيامها وطبيعة وحجم قواتها الحقيقيين والأسباب التي أدت إلى إخفاقها.

ونظراً لما سبق ذكره فقد توجه اهتمامي إلى إبراز جوانب هذا الموضوع في دراسة علمية مستقلة.

هذا بالنسبة لأهمية الموضوع وهدف البحث، أما عن تقسيم الدراسة فقد قسمت الموضوع إلى بابين رئيسيين يسبقهما عرض ودراسة لأهم مصادر البحث وتمهيد خاص عن أوضاع أتراك آسيا الصغرى قبيل قيام الحروب الصليبية.

وقد اختصت فصول الباب الأول بدراسة تفاصيل مواجهة أتراك آسيا الصغرى للحملات الصليبية البرية المبكرة حيث نتناول في أول فصوله وعنوانه الحملة الصليبية البرية الأولى (المعروفة بحملة العامة) علاقة أتراك آسيا الصغرى بقيام الحروب الصليبية، طبيعة وحجم قوات هذه الحملة الصليبية مقارنة بما هو معروف عنها في مؤلفات المؤرخين المحدثين، هجوم قوات رينالد اللمباردي على نيقية واكسريجوردون، وهزيمته على يد قوات السلطان قلج ارسلان الأول، معركة سهل دراكون الفاصلة، المواجهات التركية الصليبية التي دارت بعد هذه المعركة، النتائج النهائية التي أسفرت عن تصدي أتراك آسيا الصغرى لقوات هذه الحملة.

أما الفصل الثاني فيختص بمواجهة أتراك آسيا الصغرى للحملة الصليبية البرية الثانية ( المعروفة بالنظامية) ونتناول فيه أوضاع أتراك آسيا الصغرى قبيل هذه المواجهة توافد الأمراء الصليبيين إلى القسطنطينية وطبيعة علاقتهم بالبيزنطيين، حصار نيقية والمعارك التي خاضها السلطان قلج ارسلان الأول والمدافعين عن المدينة ضد القوات الصليبية والبيزنطية المحاصرة لها، استسلام حامية نيقية للبيزنطيين، معركة ضوروليوم، معركة هرقلة، مواجهة أتراك كليكيا السُفلى للصليبيين، حملة الأمير سفين الدانمركي، نتائج المواجهات وإنعكاسها على أتراك آسيا الصغرى. بينما يختص الفصل الثالث بدراسة المواجهات التي خاضها أتراك آسيا الصغرى ضد حملات عام 1101م الصليبية البرية، ونتناول فيه أوضاع آسيا الصغرى قبيل هذه المواجهات والانتصار الذي حققوه على حساب الصليبيين والأرمن بجوار مدينة ملطية، تصدي أتراك آسيا الصغرى لأولى حملات عام 1101م الصليبية وانتصارهم على قواتها قرب سهل أولوس انتصارهم على ثاني وثالث حملات ذلك العام عند مدينة هرقلة نتائج المواجهات وانعكاساتها على أتراك آسيا الصغرى وباقي القوى الإسلامية الأخرى.

أما بالنسبة للباب الثاني وعنوانه: مواجهة أتراك آسيا الصغرى للحملات الصليبية البرية المتأخرة فيتناول فصله الأول (حملات الملوك الصليبيين البرية بين عامي 1147-1148م) العوامل التي أدت إلى عودة المد الصليبي البري وخروج كبار ملوك غرب أوروبا- لأول مرة- على رأس حملات صليبية برية، أوضاع أتراك آسيا الصغرى وعلاقتهم بالبيزنطيين قبيل المواجهات، طبيعة وحجم الحملة الملكية الألمانية، انقسام قوات هذه الحملة إلى قسمين مستقلين وسير كل قسم منهما في طريق مختلف، نجاح أتراك آسيا الصغرى في تحقيق النصر على قسمي الحملة ومنعهما من عبور أراضيهم إلى بلاد الشام طبيعة وحجم الحملة الملكية التي تولى قيادتها لويس السابع، تصدي أتراك آسيا الصغرى لقوات هذه الحملة وإلحاقهم الهزيمة بها عند جبل كادموس، اضطرار الملك لويس السابع إلى ركوب البحر- من مدينة اضاليا- والتخلي عن الجزء المتبقي من جيشه نتائج المواجهات وانعكاسها على أتراك آسيا الصغرى والقوى الإسلامية الأخرى.

أما الفصل الثاني من هذا الباب وعنوانه: حملة الإمبراطور فردريك بربروسا الصليبية فنتناول فيه العوامل التي ساهمت في عودة الصليبيين إلى اتخاذ الطريق البرية من جديد أوضاع آسيا الصغرى السياسية وعلاقة سلاجقتها بالقوى السياسية المعاصرة الكبرى (البيزنطية، الأيوبية، الألمانية الصليبية) طبيعة حملة الإمبراطور فردريك ومسيرها إلى الشرق، أوضاع آسيا الصغرى قبيل المواجهات، تصدي تركمان الأوج لقوات فردريك بربروسا، محاولات الأمير قطب الدين ملكشاه بن قلج أرسلان الثاني التصدي لقوات الحملة الصليبية الألمانية، اقتحام الألمان مدينة قونية وعقد اتفاق وهدنة بين الجانبين، مغادرة الحملة الصليبية قونية واستمرار التركمان في مهاجمتها، حقيقة موقف الأمير قطب الدين وأبيه السلطان من هذه الحملة، موت فردريك بربروسا وزوال خطر حملته على المشرق الإسلامي، تأثير المواجهات على أوضاع سلاجقة آسيا الصغرى، وعلاقتهم بالأيوبيين.

وقد أعقبت هذين البابين بخاتمة مختصرة ذكرت فيها أبرز النتائج التي انتهت إليها دراسة الموضوع.