مشروعات دعاة الحروب الصليبية في القرنيين الثالث والرابع عشر الميلاديين
الباحث:
أ/ محمد علي أحمد الشيخي
الدرجة العلمية:
ماجستير
تاريخ الإقرار:
2002 م
نوع الدراسة:
رسالة جامعية

الملخص :
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد أشرف خلق الله أجمعين وخاتم الأنبياء والمرسلين وعلى آله وصحبه وسلم .. آمين . وبعد :
كانت ولادة الحروب الصليبية في أواخر القرن الحادي عشر الميلادي نتيجة لتفاعل الأوضاع السياسية والدينية والاجتماعية والاقتصادية التي سادت أوربا آنذاك. كما أن حالة التشردم والتفكك التي كان عليها المشرق الإسلامي ، في مقدمة العوامل التي مكنت الصليبيين الأوائل من الوصول إلى قلب البلاد الإسلامية وتأسيس إمارات لهم في بلاد الشام .
غير أن قرنين من الزمان كانا كافيين -وزيادة- لحدوث متغيرات جوهرية على أوضاع الغرب الأوربي ، والمشرق الإسلامي ، وتغير موازين القوى لصالح المسلمين بشكل كبير ، وقد تمثل ذلك بوضوح في عهد كل من السلطان الظاهر "بيبرس" ، وسلاطين الأسرة القلاوونية ، الذين نجحوا (وتحديداً السلطان المملوكي خليل بن قلاوون) في إجتثاث وإزالة ما تبقى من كيانات صليبية في المشرق الإسلامي .
لكن استمرار الحروب الصليبية لم يكن مرهوناً بهذا الأمر بشكل مطلق ، ولاسيما أن الصليبيين لم يطردوا إلى أبعد من "أرمينية الصغرى" ، و"قبرص" المسيحيتين كما كان من الصعب أن يتخلى الغرب المسيحي فجأة وبشكل نهائي عن فكرة الحرب الصليبية المقدسة التي أعلنها البابا "أوربان الثاني" في مؤتمر "كليرمونت" سنة 1095م فقد ظلت هذه الفكرة مهيمنة على عقول ومشاعر بعض المتدينين والمتحمسين ، الذين دعوا لاستئناف هذه الحرب ضد المسلمين وعبروا عن حماستهم وأفكارهم –منذ أواخر القرن الثالث عشر الميلادي- بكتابة آرائهم ومقترحاتهم ضمن خطط ومشاريع نظرية ودعائية قاموا بتقديمها إلى البابوات والملوك والأمراء بغرض حثهم على إستعادة الأراضي المقدسة مرة أخرى . ومن ثم فقد استمد موضوع البحث (مشروعات دعاة الحروب الصليبية في القرنين الثالث والرابع عشر الميلاديين) أهميته من أنه ليس موضوعاً تقليدياً كغيره من المواضيع التي درست الحروب الصليبية في جوانب سياسية ودينية ، وتراجم لشخصيات تاريخية وأحداث وقعت في فترات معينة . فقد اختص هذا البحث بدراسة الجانب التنظيري والتصوري لفكرة الحروب الصليبية المقدسة ، بما تضمنته هذه الفكرة من تفرعات اقتصادية ودينية وسياسية وإجتماعية وفكرية سادت تلك الفترة . أن ما يميز هذا الموضوع عن غيره من المواضيع الأخرى والتي تناولت بالدراسة الحروب الصليبية ، أنه احتوى بعداً مستقبلياً استراتيجياً يتخطى الفترة الزمنية والمكانية المحددة كإطار للبحث والدراسة التاريخية ، فبالرغم من أن معظم ما ورد من أفكار وآراء وخطط ضمن هذه المشاريع لم يطبق ، لعدم ملائمتها ظروف وأحوال الغرب المسيحي آنذاك ، إلا أن الحاجة الماسة لهذه المشاريع ، اضطرت الأوربيين بعد تغير تلك الظروف والأحوال إلى العودة إليها واستغلالها في تحقيق مآرب وأهداف أكبر وأبعد غاية من مجرد إستعادة الأراضي المقدسة . فحركة الكشوف الجغرافية التي بدأها الأوربيون منذ أواخر القرن الخامس عشر الميلادي ، وما تلاها من تنافس أوربي للتوسع والسيطرة خارج أوربا ، فيما عرف بعد ذلك (بظاهرة الإستعمار الأوربي) ، لم يكن سوى تطبيق عملي لما حوته تلك المشاريع من أفكار وخطط لإضعاف المسلمين إقتصادياً ، ثم السيطرة على بلدانهم عسكرياً . بالإضافة إلى أن موضوع البحث يعتبر جديداً تفتقر المكتبة العربية لمثله باللغة العربية . ولكون معظم مصادره إما باللغتين اللاتينية والفرنسية أو منقول عنهما باللغة الإنجليزية ، فما هو مذكور عنها في المراجع العربية والمعربة ليس بالكثير ولا يوضح بشكل شامل تفاصيل الموضوع من جميع جوانبه . ويأتي في صدارة المراجع التي لم تتناول هذا الموضوع إلا باختصار شديد موسوعة " تاريخ الحروب الصليبية" المكونة من ثلاثة أجزاء لمؤلفها "ستيفن رنسيمان" STEVEN RUNCIMAN . وقد نقل عنه باختصار كل من سعيد عبد الفتاح عاشور في كتابه "الحركة الصليبية" وعبد القادر أحمد اليوسف في كتابه "العلاقات بين الشرق والغرب"، وكذلك عبد المنعم ماجد في كتابه "العلاقات بين الشرق والغرب في العصور الوسطى" أما موضوع البحثفقد اعتمد على المصادر الأصلية لمشروعات الدعاة ومنها "مجموعة مؤرخي الحروب الصليبية" RECUEIL DES HISTORIENS DES CROISADES وهي موسوعة ضمت مصادر مؤرخي الحروب الصليبية وبعض مشاريع الدعاة التي تناولها البحث بالدراسة بعد ترجمتها بواسطة مختصين في الترجمة التاريخية ومصطلحاتها كما يتضح لمتصفح الرسالة. ولكون أن مكتبات فرنسا تحتوي على معظم مصادر البحث فقد تم الحرص الحصول على ما أمكن من نسخ مصورة لمصادر مؤلفات أصحاب مشروعات الدعاة والـتي طـلبتها من المكتبـة الأهليـة في بـاريس . BIBLIOTHEQUE NATIDONALE DE PARIS وعن طريق المراسلة لاستكمال ما لم يرد نشره في موسوعة مؤرخي الحروب الصليبية. ولقد تم تقسيم البحث إلى مقدمة وأربعة فصول وقائمة بالمصادر والمراجع . والملاحظ أن التفاوت كان واضحاً في حجم فصول الدراسة بسبب غزارة المادة العلمية في بعضها ، وقلتها في البعض الآخر . فعلى سبيل المثال ، كان الفصل الثالث أكبر الفصول على الإطلاق بسبب كثرة مشاريع الدعاة خلال القرن الرابع عشر الميلادي والتي تميزت بسعة تفاصيلها بدرجة كبيرة . أما عن محتويات الدراسة فالفصل الأول وعنوانه " المشرق الإسلامي والغرب الأوربي في أواخر القرن الثالث عشر وأوائل القرن الرابع عشر الميلاديين " فهو فصل تمهيدي من قسمين رئيسين يتناول أولهما ، تغير موازين القوى في الصراع الصليبي الإسلامي ، وفشل فكرة التحالف المغولي الصليبي وهزيمة المغول أمام المسلمين في موقعة "عين جالوت" وتأثير ذلك على موقف المسلمين إيجابياً خاصة في ظل الحروب الأهلية والمشاكل الداخلية التي سادت ما عرف بمملكة بيت المقدس آنذاك ، كما شمل هذا القسم استعراضاً تاريخياً سريعاً للأحداث التي مكنت المسلمين من إستعادة الأراضي المقدسة وطرد الصليبيين منها وذلك على يد أقوى سلاطين المماليك الذين استطاعوا توحيد الجبهة الإسلامية لمواجهة الصليبيين وطردهم من الشرق الإسلامي بعد سقوط عكا . أما القسم الثاني من هذا الفصل ، فيتناول موقف البابوية من الحرب الصليبية ، وجهود كل من البابا "جريجوري العاشر" والبابا "نيقولا الرابع" ، وفشل جهودهما في تعبئة أوربا لشن حرب صليبية جديدة ، نتيجة فتور الروح الصليبية ، وضعف البابوية وصراعها مع القوى العلمانية "الملكية" وموقف تلك القوى وكذا الرأي العام المسيحي من الحرب المقدسة ، إضافة إلى إخفاق فكرة قيام تحالف أوربي مغولي ضد المسلمين وبشكل نهائي . في حين تناول الفصل الثاني من هذا البحث وعنوانه "مشروعات دعاة الحروب الصليبية في أواخر القرن الثالث عشر الميلادي" المراحل التي مرت بها الدعوة للحروب الصليبية منذ بدايتها حتى سقوط عكا ، ثم استعراض للمجموعة الأولى من التقارير والمشروعات التي قدمت إلى البابا "جريجوري العاشر" والتي كانت النماذج الأولى للمشاريع الصليبية ، كما تعرض هذا الفصل لدراسة المشاريع الصليبية التي كتبت في عهد البابا "نيقولا الرابع" والتي تزامنت مع سقوط ما عرف بمملكة بيت المقدس (في عكا) بأيدي المسلمين ، وفي مقدمتها مشروع للملك الصقلي "شارل الثاني" ومشاريع كل من الدعاة "فيدنس دو بادوا" ، "ثاديو نابلي" ، "جلفانو دو لوفنتو" . وكان آخر ما استعرضه هذا الفصل هو / مشروعان مجهولان لاستعادة الأراضي المقدسة حيث تم تناولهما بالدراسة والتحليل كونهما لمؤلفين مجهولين . أما الفصل الثالث (وهو أكبر فصول البحث) وعنوانه "مشروعات دعاة الحروب الصليبية في القرن الرابع عشر الميلادي" فيتناول مشروعات كل من / "ريمون لل" ، "بيير دبوا" ، "جيوم دو نوجاريه" ، "جيوم ديورانت" ، "بنيتو زكريا" ، "جاك دو مولاي" ، "فولك دو فيلاريه" ، الملك "هنري الثاني" ، "هيتون" ، "مارينو سانوتو"، "جيوم آدم" ، "بروكار" ، و"فيليب دو مزيير" . وتضمن هذا الفصل محاولة لتوضيح جوانب الإتفاق والإختلاف فيما بينها ، وعن ما إذا كان البعض من أصحاب هذه المشاريع قد نقلوا عن غيرهم عدداً من الأفكار المكونة لمشاريعهم الصليبية . أما الفصل الرابع والأخير ، فكان من الطبيعي أن يكون خاتمة عامة تضمنت النتائج السلبية والإيجابية التي انتهت إليها مشروعات دعاة الحروب الصليبية في القرنين الثالث والرابع عشر الميلاديين وأهمها / النتائج السلبية / بالنسبة للغرب الأوربي:-
- إخفاق فكرة مشاركة جميع دول أوربا في حملة صليبية جامعة.
- فشل فكرة الحصار الاقتصادي على المسلمين ، ومنع الحج المسيحي إلى الأراضي المقدسة .
- فشل فكرة التبشير بالمسيحية في أوساط المسلمين .
- استيلاء المسلمين على "أرمينية" و "قبرص" نتيجة لعدم الاستجابة لمقترحات مشاريع الدعاة .
- فشل فكرة توحيد الهيئات الدينية والقوى السياسية الأوربية .
النتائج الإيجابية / بالنسبة للغرب الأوربي:-
- قيام كليات لتعلم اللغة العربية ، واللغات الشرقية الأخرى والتي تعتبر أول بذور الإستشراق .
- ظهور أنصار تولوا رعاية أصحاب المشاريع الصليبية بعد نهاية القرنين الثالث والرابع عشر الميلاديين .
- وجود مشروعات الدعاة في حد ذاتها للإفادة منها واستثمارها في المراحل اللاحقة من الصراع الصليبي الإسلامي . (ظاهرة الاستعمار الأوربي الحديث) وما ترتب عليه من واقع ملموس يعيشه المشرق الإسلامي ومن بعد كافة شعوبه وبلدانه . إضافة إلى أن الفصل تضمن حديثاً عن أسباب فشل مشاريع دعاة القرنين الثالث والرابع عشر الميلاديين . كما ذيلت الدراسة بعدد من الخرائط ، التي توضح أهم المناطق والبلدان والمواقع التي ورد ذكرها في سياق البحث .
وختاماً لا يسعني إلا أن أتقدم بشكري وعظيم امتناني وعرفاني لأستاذي الفاضلين ، الأستاذ الدكتور : فايز نجيب اسكندر المشرف الرئيسي على موضوع رسالتي والأستاذ الدكتور : محمد عبده السروري المشرف المشارك على موضوع رسالتي .
كما أتقدم أيضاً بشكري وعظيم امتناني لأستاذي الفاضل الأستاذ الدكتور : عبدالرحمن عبدالواحد الشجاع رئيس قسم التاريخ الذي أولاني بإهتمامه ورعايته للوصول بهذا البحث إلى نهايته .
كما أتقدم أيضاً بالشكر والتقدير لكل من كان له دور أو مساهمة في إظهار هذا البحث إلى نهايته وعلى رأسهم الأخوة الأعزاء في مكتبة كلية الآداب والأخوة في عمادة الدراسات العليا وعمادة الكلية وأساتذتي في قسم التاريخ لتقديمهم المساعدة سواء بالتوجيه أو تسهيل وتذليل كافة الصعوبات .
كما لا يفوتني أن أتقدم بالشكر والتقدير لزملائي في تخصص العصور الوسطى قسم التاريخ على تقديمهم المساعدة والعون في الوصول بهذا البحث إلى نهايته .
" وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب " صدق الله العظيم
صنعاء في 1422 هجري
1370 وفاة الرسول
2002 فرنجي