مملكة الفرنجة و الفتوحات الإسلامية في جنوب بلاد الغال 114-365هـ/732-975
الباحث:
أ/ نجاة محمد محمد عبدالله الطلبي
الدرجة العلمية:
ماجستير
تاريخ الإقرار:
1998 م
نوع الدراسة:
رسالة جامعية

المقدمة:
بظهور الإسلام في القرن السابع الميلادي ، جاء الحدث الجلل ، ووقع التغيير المذهل ، فتبدلت موازين القوى في العالم آنذاك ، وتحول مجرى التاريخ الأوروبي ، وحدثت الفتوحات الإسلامية الكبرى . وظهر المسلمون على مسرح الأحداث التاريخية كقوة عظمى مسيرة ومتحكمة في الأحداث . فبعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم سنة (11هـ/632م) فتح المسلمون الإمبراطورية الساسانية وأزالوها من الوجود ، ثم ضموا إلى الدولة الإسلامية الفتية الممتلكات البيزنطية في آسيا وإفريقية ، كما فتحوا الأندلس ، وأصبح للمسلمين قاعدة إسلامية أوروبية ينطلقون منها لفتح أوروبا. وبالفعل بدأ المجاهدين المسلمون يتوغلون داخل بلاد الغال كخطوة طبيعية تالية لفتح الأندلس . ولم يوقف فتوحاتهم التي أذهلت العالم آنذاك وإلى يومنا هذا إلا شارل مارتل Charles Martel عند مدينة بواتييه Poitiers . لكن هذا التوقف لم يستمر طويلاً ، إذ سرعان ما وواصلوا محاولات الفتح في ربوع العالمين. وموضوع بحثنا هو "مملكة الفرنجة والفتوحات الإسلامية لفتح جنوب بلاد الغال 114-365هـ/732-975م" يتناول المحاولات الإسلامية لفتح جنوب بلاد الغال ، وتتبع خطى المسلمين في تلك الأصقاع النائية التي لم يألفوها من قبل. وهو موضوع على درجة من الأهمية بالنسبة للقارئ العربي . فكافة المراجع العربية التي ألمحت إلى هذا الموضوع ــ وهي مراجع تاريخ الأندلس ــ نقلت نقلاً يكاد يكون حرفياً من كتاب "جوزيف رينو" . Josesph Reinaudالمعنون "الفتوحات الإسلامية في فرنسا وإيطاليا وسويسرا" والمطبوع في باريس سنة 1836م والذي ترجمه إلى العربية للمرة الأولى شكيب أرسلان ثم ترجمة للمرة الثانية إسماعيل العربي. وكتاب جوزيف رينو يُعبر عن وجهة النظر الكنسية ويؤيدها لذا أبتعد عن الحيدية التي ينبغي أن يتحلى بها المؤرخ المنصف والنزيه كذلك لم يتفحص بعمق المصادر الإسلامية حتى يتمكن من عقد دراسة تحليلية نقدية مقارنة لكافة أنواع المصادر – قدر الاستطاعة – للاقتراب من الواقع التاريخي ، إضافة إلى طغيان أحداث الأندلس على كتاباته ، فكثيراً ما يبتعد عن عنوان كتابه ليتوه في دهاليز الأندلس ، كما أن البحث العلمي قد تجاوزه ، إذا ظهرت بعده عشرات المراجع والبحوث التي أضافت الجديد ونقدت القديم . ولقد أدرك خالد الصوفي في كتابه "تاريخ العرب في الأندلس" مدى أهمية هذا الموضوع ، وضرورة تناوله بحيدية في ضوء كافة المصادر المتاحة ، وهذا ما حرصنا على أتباعه في بحثنا هذا. وعندما عزمنا على تناول هذا الموضوع ، واجهنا مشكلة العثور على المصادر والمراجع المتعلقة به ، إذ لا تجود مكتبات اليمن إلا بالنزر اليسير ، لفقر مكتباتنا العامة منها والخاصة ، هذا من ناحية ، ومن ناحية أخرى شحة المادة العلمية المتعلقة ببلاد الغال الواردة في المصادر الإسلامية عامة والأندلسية خاصة ، إضافة إلى ابتعادها زمنياً عن فترة موضوع البحث. أما المصادر الكنسية فتتسم بغزارة روايتها التاريخية ، ومعاصرة معظمها للأحداث . وقد كلفنا الحصول عليها جهداً كبيراً ، لكن ينبغي التعامل معها بحرص بالغ لتحاملها على الإسلام والمسلمين فالمادة التاريخية الواردة في تلك المصادر علينا تنقيتها من شوائب التعصب الديني قبل استخدامها . فمعظم تلك المؤلفات الكنسية تعبر عن وجهة نظر الإسلام والمسلمين . فالمادة التاريخية الواردة في تلك المؤلفات الكنسية تعبر عن وجهة نظر الغرب الأوروبي المضاد للإسلام والمسلمين ، لذا تميزت آراء كتابها بالتحيز الصريح لبني جنسهم ودينهم ، والتعصب المبالغ فيه . ولذلك حرصنا التزام الحذر عند نقلنا عن تلك المؤلفات ، وحاولنا تحري الحقيقة الكاملة والكشف عنها من خلال الدراسة التحليلية النقدية المقارنة للمصادر الإسلامية والكنسية وتوخينا الإنصاف بعيدا عن الميول والأهواء ، واقتضى هذا المنهج العلمي تمحيص تلك الروايات ، والتأكد من صحتها من خلال وضعها في الإطار العام للأحداث التاريخية. وكانت عملية تصوير المصادر والمراجع ـ خاصة الأجنبية ـ من أهم المشاكل التي واجهتنا إلا أن هذه المشكلة تم حلها عن طريق تصوير أمهات المصادر المتوفرة في مصر أولاً وكان أهمها على الإطلاق "مجموعة مؤرخي بلاد الغال وفرنسا" Recueil Des Historiens Des Gaules et de la France ، إذ تحوي الغالبية العظمى من المصادر الكنسية ، وتكرم بتصوير ما يخص البحث الأستاذ الدكتور المشرف هي والكثير من المصادر والمراجع المتعلقة بالموضوع ، إضافة إلى تفضله بتصوير ما يخص بحثي من مكتبته العامرة بكافة ألوان المصادر والمراجع ، فله مني جزيل الشكر ، وجزاه الله كل خير ومع ذلك ، كان لابد من استكمال ما نقص من مصادر ومراجع ، فقمنا بمراسلة "المكتبة الوطنية بباريس" Bibliotheque Nationale de Paris مرات عديدة ، استكملنا بعدها ما نقص . كذلك تكرمت الدكتورة زينب النجاح الأستاذة التونسية بقسم اللغة الفرنسية بآداب صنعاء ــ ولها الشكر الجزيل ــ بتصوير مقال عن "كمرج" Camargueنشر في الحولية التونسية Revue Tunisienne ، وتكرم الأستاذ/ محمد الدوري معلم الخرائط بقسم الجغرافيا بتصوير بحث "العوامل السوقية والتعبوية وأثرها على الفتوحات العربية الإسلامية في فرنسا" ، والمنشور في مجلة الجمعية الجغرافية العراقية المجلد الخامس حزيران (يونيو) 1969م ، جزاه الله كل خير. كذلك لجأت إلى شبكة الإنترنت Internetحتى نتمكن من الإلمام بكافة ما كتب عن موضوع البحث ، ولم يفتنا زيارة مكتبة المركز الثقافي الفرنسي بصنعاء عدة مرات ، حيث صورنا ما يتعلق بالموضوع ، وكانت الفائدة عظمى حين عثرنا هناك على "دائرة المعارف الفرنسية العالمية" Universalis France Encyclopaedia والتي تتكون من سبعة وعشرين مجلداً ساعدتنا مساعدة فعالة في تحديد الغالبية العظمى من المدن التي تناولها البحث وما أكثرها. وبعد تجميع هذا الكم من المصادر والمراجع المصورة ، والمتعلقة في صميمها بموضوع البحث ، حرصنا طبقاً لتوجيهات الأستاذ الدكتور المشرف على تتبع المنهج العلمي ، والقائم على المقابلة قدر الاستطاعة بين النصوص وتحليلها وتمحيصها ، واستنباط الحقائق التي تأتي بالجديد.
وقد قسمنا البحث إلى مقدمة ، ودراسة تحليلية نقدية مقارنة للمصادر والمراجع ، ومدخل ، وخمسة فصول ، وخاتمة ، وعديد من الخرائط التوضيحية واللوحات ، وخمسة ملاحق ، وأخيراً قائمة بالمصادر والمراجع.
وقد اشتملت المقدمة على أهمية الموضوع ، والمصاعب التي واجهتنا لإنجازه ، أتبعناها بدراسة تحليلية نقدية مقارنة لأهم المصادر والمراجع ، وكان لابد من المدخل للتعريف بطرفي الصراع تناولنا فيه التسميات المختلفة التي أطلقت على "بلاد الغال" سواء في المصادر الكنسية أم في المصادر الإسلامية ، وتقسيماتها الجغرافية آنذاك ، ولمحة عن أحوالها السياسية قبل المحاولات الإسلامية الأولى لفتحها ، وكذا أحوال المسلمين إبان فتحهم الأندلس ، تلك القاعدة الأوروبية التي اتخذوها مركزاً لفتوحاتهم التالية.
ويعالج الفصل الأول وعنوانه "بلاد الغال والفتوحات الإسلامية قبيل معركة بواتييه" محاولات فتح جنوب بلاد الغال على يد كل من موسى بن نصير ، و عبدالعزيز بن موسى ، والحر بن عبدالرحمن الثقفي ، والسمح بن مالك الخولاني ، عبدالرحمن الغافقي في ولايته الأولى ، وعنبسة بن سحيم الكلبي ، وعذرة بن عبدالله الفهري ، والهيثم بن عبيد الكلابي ، والسنوات الأولى من ولاية الغافقي الثانية . وقد أكدنا في هذا الفصل أن مرسى بن نصير أقام مسجداً في ناربون ، ودعمنا ذلك برسم تخطيطي لذلك المسجد المبكر. كذلك حرصنا على تزويد الفصل بخرائط توضيحية لتتبع خط سير أهم الفاتحين. وتعتبر الفترة السابقة مباشرة لمعركة بواتييه بالغة الأهمية لموضوع البحث ، لأنها تساعد على تفهم كثير من القضايا التي عالجناها بالمناقشة والدراسة.
أما الفصل الثاني وعنوانه "المسلمون والفرنجة في معركة بواتييه 3 رمضان سنة 114هـ/ 25أكتوبر سنة 732م" فقد بدأناه بتناول مختلف الآراء حول مكان المعركة ، والآراء المختلفة بصدد التحديد التاريخي لها.
وكان من الطبيعي بعد ذلك أن نتطرق لأحداث المعركة وأسباب هزيمة المسلمين فيها ، ولم يفتنا تزويد الفصل برسم تخطيطي لميدان المعركة وتوضيح مواقع الجيشين المتقاتلين.
وجعلنا عنوان الفصل الثالث "المسلمون والفرنجة بعد معركة بواتييه حتى وفاة شارلمان 114-198هـ/ 732-814م" تتبعنا فيه خط سير الناجين من مذبحة بواتييه ، وانشغال شارل مارتل عن مطاردتهم بعد انتصاره ، لأنه فضل قمع البرجنديين والفريزيين ، ثم تحدثنا عن تحالف مورونت دوق مرسيليا مع مسلمي ناربون ضد شارل مارتل وتمكن شارل من قمع ثورته وضم أكيتانيا إلى بلاد الفرنجة بعد وفاة أود سنة 117هـ/735م ، وقيام شارل مارتل بحصار ناربون ودور الأسطول الأندلسي بقيادة عمر بن خالد في محاولة إفشاله ، وتفاصيل معركة بير Berre الواقعة على مسافة سبعة أميال من ناربون والتي أنتصر فيها شارل مارتل ، وأستشهد عمر بن خالد. ومع ذلك فشل شارل مارتل في إسقاط ناربون ليترك لابنه ببين الثاني الملقب "ببين القصير" Pepin le Brefإتمام تلك المهمة التي استعصت عليه ، وتمكن بالفعل من الاستيلاء عليها وذلك سنة 142هـ/759م. وأعقب ذلك قيام شارلمان ـ الذي سار على سياسة والده ببين القصير ــ بشن العديد من الحملات على بروفانس ، وأحتاط لمواجهة مجاهدي البحر المسلمين ، فشيد الأبراج والحصون عند مصبات الأنهار ، وحث على بقاء الأساطيل على أهبة الاستعداد في الموانئ البحرية الرئيسية. ومع ذلك لم يكف المسلمون عن محاولتهم فتح جنوب بلاد الغال ، إذ شهد العام السابق مباشرة لوفاة شارلمان أي عام 197هـ/813 م قيامهم بحملة على شواطئ نيس Nice ومقاطعة بروفانس.
أما الفصل الرابع وعنوانه "جنوب بلاد الغال بين المسلمين والبروفنساليين 198-331هـ/814-942م" فقد بدأناه بالحديث عن تواصل المحاولات الإسلامية لفتح جنوب بلاد الغال في عهد لويس التقي (198-226هـ/814-840م) le Pieux Louis وما أعقب وفاته من حرب أهلية بين الأخوة الأعداء ، وكان من الطبيعي أن يقوم مسلمو فراكسنيت بمناصرة القوي على الضعيف ، ثم الانقضاض على القوى في الفرصة السانحة ، وانتهازهم فرصة تلك الاضطرابات ليفتحوا أكثر فأكثر بلدان الجنوب الفرنسي خاصة بعد اتخاذهم منطقة كمرج Camargue سنة 256هـ /869م قاعدة لعملياتهم العسكرية ، وانتهى بهم المطاف بفتح الجزء الأكبر من مقاطعة بروفانس وبسط سيادتهم على خليج جريمو ، وإقامة قاعدة عسكرية في أعالي الجبال في موضع حصين لايرام يعرف باسم "قلعة فراكسنست" Fraxinet أو "جبل القلال" في المصادر الإسلامية ثم تتبعنا خط سير المسلمين المنطلقين من "قلعة فراكسنيت" لفتح البلدان المجاورة خاصة بعد أو وصلهم مدداً بشرياً على شمال بروفانس ودوفينيه Dauphine وجرونبل وإكس ومرسيليا.
أم ذلك الاجتياح الإسلامي عزم "هيج" Hugues كونت بروفانس وملك لمبارديا على الاستيلاء على قلعة فراكنسيت وإجلاء المسلمين عن جنوب فرنسا وغربي إيطاليا . تحقيقاً لغايته تلك تحالف مع البيزنطيين لإحكام الحصار براً وبحراً على مجاهدي فراكسنيت وبالفعل تم إغراق أسطولهم وسقطت قلعتهم سنة 330هـ /942م ، إلا أنه أضطر إلى إبرام اتفاقية سلام معهم لأن غريمه "برنجيه" Berenger ماركيز إيفريه Ivree كان قد أبرم تحالفاً عسكرياً مع السويفيين ، فخشي أن يعبئ جيشاً ليقاتله. كان ذلك الاقتتال بين المتخاصمين لصالح مسلمي فراكسنيت ، إذ سمح لهم بالإقامة في ممرات ومضايق جبال الألب ونيس Nice ومضيق جبل القديس برنار Bernard Mont saint ومضيق تند Tende، وحملهم مسئولية إيقاف زحف عدوه برنجيه إذا حاول اجتياز تلك المواضع ، وهكذا أتيح للمجاهدين المسلمين العودة ثانية إلى قلعة فراكسنيت ، وواصلوا فتوحاتهم ثانية ، فأضاع هيج فرصة القضاء على الوجود الإسلامي في جنوب فرنسا في سبيل تأسيس دويلة فاصلة Etat Tampon بينه وبين غريمه برنجيه. هكذا فضل هيج مصلحته الشخصية على المصلحة العامة ، تاركاً لغيره تلك المهمة الصعبة ــ ألا وهي إجلاء المسلمين عن قلعة فراكسنيت ــ والتي لم تتحقق إلا بعد أكثر من ثلاثة عقود.
أما آخر فصول الرسالة ، وهو الفصل الخامس ، فعنوانه "سقوط قلعة فراكسنيت 332- 365هـ/943-975م ، الأسباب والنتائج والآثار الإسلامية" ، ففاتحته تتحدث عن الخطة الماكره التي أعدها كونراد المسالم (325-383هـ/937-993م) Conrad le Pacifique للانتصار على الهنغار والمسلمين معاً ، والتي نتج عنها تخليص سافوا Savoieمن السيادة الإسلامية ، ثم السفارات المتبادلة بين أوتون الكبير (352-363هـ/963-973م) والخليفة عبدالرحمن الناصر (300-350هـ/912/961م) لوضع حداً لمحاولات مجاهدي فراكسنيت فتح جنوب فرنسا وغربي إيطاليا وفشلها في تحقيق غايتها . وأعقب ذلك تمكن الفرنسيين من إجلاء المسلمين عن مضايق سان برنار وجرونبل ودوفينيه. ثم تناول الفصل خطط أوتون الكبير لإجلاء مسلمي جنوب فرنسا وغربي إيطاليا وفشلها ، وحادثة أسر القديس مايول Saint-Mayeul التي أشعلت نيران حرب صليبية مبكرة ضد المسلمين ، ثم تناولنا بالتحليل مختلف الروايات المتعلقة بسقوط قلعة فراكسنيت والتحديد التاريخي له ، وأسباب ونتائج سقوط ذلك الحصن المنيع وما خلفه المسلمون من آثار لازالت باقية إلى يومنا هذا.
وفي الخاتمة أجملنا أهم الآراء والاستنتاجات التي توصل إليها البحث ، وحاولنا إظهار ما توصل إليه من جديد تاريخي لم يتطرق إليه أحد من قبل ، كما حرصنا على إظهار الدور اليمني في الفتوحات الإسلامية في جنوب بلاد الغال في ضوء المادة العلمية المتاحة.
وأخيراً ذيلنا البحث بخمسة ملاحق ، أربعة منها مازالت بلغاتها الأصلية ولم تنشر بلغات حديثة بعد ، وقد قمنا بنقلها للمرة الأولى إلى اللغة العربية والتعليق عليها ، وهي تلقي الضوء على القضايا والمشاكل التي تمت مناقشتها خلال البحث . كما حرصنا على تزويد البحث بالخرائط واللوحات التي تتناسب مع أحداثه ، وفي النهاية زودناه بقائمة المصادر والمراجع.