موقف كبار التابعين من المتغيرات الاقتصادية في العهد الأموي
الباحث:
أ/ عبدالحكيم عبدالحق محمد سيف الدين
الدرجة العلمية:
ماجستير
تاريخ الإقرار:
1999 م
نوع الدراسة:
رسالة جامعية

ملخص الدراسة :
توصلت الدراسة إلى أهم النتائج التالية :
1-أن الحياة الاقتصادية أخذت حظها الوافر من النصوص القرآنية و السنة النبوية . القولية منها و العملية و الاقرارية .
2- أن الحياة الاقتصادية توجد فيها ثوابت لا تتغير لأنها مغروسة في الحياة البشرية . و توجد فيها جوانب متطورة تخضع لتغير الزمان و المكان ما لم تكن متناقضة مع الثوابت .
3- أن المرونة التي لوحظت في الحياة الاقتصادية في عهد الخلافة الراشدة كانت نابعة من الإطار الإسلامي المسموح في التحرك داخلة ، فأعطى للمجتمع حرية الحركة المرنة في إطار واسع لا يصطدم مع ثوابت الإسلام و أسسه .
4- أن ما اجتهده الصحابة في عهد الخلافة الراشدة من أمور اقتصادية أخذ درجة الاجتهاد المقبول الذي صار مثالا يقتدي به لمكانة الصحابة من أن ما اتفقوا علية يعتد به في التشريع .
5- أن العهد الأموي لم يلغ ما تم إقراره من نظام اقتصادي في العهد النبوي و الراشدي و إنما التزامه و سار على منواله لم يغير بل حرص على تنفيذه .
6-أن العهد الأموي - لوجود عوامل كثيرة - اقتضى الدخول في اجتهادات منها ما هو متوافق مع الثوابت الاقتصادية للمجتمع المسلم ، و سنن التطور وأسباب الحضارة ، و كان يؤدي إلى تعميق مجرى الحضارة الإسلامية ، و منها ما كانت غير متوافقة مع الثوابت الاقتصادية ، بل كانت مخالفة لها .
7- أن موارد الدولة في العهد الأموي قد تزايدت بشكل كبير عما كانت عليه في عهد الراشدين ، و هي ما يمكن تسميتها بالثمار الاقتصادية لحركة الفتح الإسلامي التي توسعت حينذاك ، و توسعت في المقابل مجالات الإنفاق ، و أن هذه التطورات الاقتصادية أدت إلى تطوير أجهزة الدولة و إلى ارتفاع مستوى معيشة المجتمع و تطور أساليب حياته .
8- أن اهتمام الخلفاء الأمويين تزايد بالأنشطة الاقتصادية كالتجارة و الزراعة و الحرف الصناعية ، فعملوا على توجيه على توجيه الناس إليها و تنظيمها و حمايتها .
9- أن السياسة المالية للخلفاء الأمويين تباينت ، فكان منهم من بذلك المال بسخاء سواء في حاجاته الشخصية أم في حاجات الدولة و المجتمع ، و منهم من اتخذ سياسة حازمة تجاه المال ، فرشد الإنفاق ، و ألغى النفقات التي رآها تهدر بعيدا عن مصلحة الأمة .
10- أن الإجراءات التي اتخذها الخليفة عمر بن عبد العزيز لإعادة التوازن المختل في بعض جوانب الحياة الاقتصادية ، كانت تشير إلى مدى الانحرافات التي طرأت على الحياة الاقتصادية في عهد من سبقه من خلفاء بني أمية .
11- أن العلاقة بين آل البيت و بين الدولة الأموية لم يكن بذلك النبض العدائي الذي صورته و تصوره بعض المصادر و المراجع التاريخية ، بل على العكس من ذلك ، فقد دأب كثير من آل البيت على زيارة الخلفاء الأمويين ، أما لأخذ هبات الخلفاء الأمويين و جوائزهم ، و إما لاستئناس الخلفاء بآرائهم .
12- أن الجهاز الإداري ظل يتبدل الخلفاء ، فكان كل خليفة يعمد إلى عزل العمال الذين يرى عدم التوافق معهم ، و يستبدلهم بآخرين ممن يوافقون سياسته .
13- أن كبار التابعين الذين كانوا ضمن النسيج الاجتماعي في العهد الأموي مثلوا الضابط الذي ظل يعيد التوازن المختل في أجهزة الدولة و في حياة المجتمع إلى أصلة ، وصاروا مسؤولين عن تماسك المجتمع و تقويمه ، و قد وقفوا مواقف مؤيدة و داعمة لما حدث في أجهزة الدولة و في حياة المجتمع من متغيرات إيجابية توافقت مع قيم الإسلام و حياة الجيل الأول ، ومع سنن التطور و أسبابه ، و تؤدي إلى تعميق مجرى الحضارة السلامية ، و عارضوا ما عدوه سلبيا في هذه المتغيرات و عملوا على تغييره بأساليب مختلفة بحسب طبيعة هذه المتغيرات و قدراتهم على التغيير و منهج كل منهم في ذلك .
14- أن مواقف كبار التابعين في معارضة الظواهر الشاذة في أجهزة الدولة و لدى شرائح المجتمع كانت تؤدي في كثير من الأحيان إلى إزالة هذه الظواهر و تغيير ما كان يحدث من منكرات خصوصا عندما كانوا يتخذون في المعارضة و التغيير منهجا هادئا بعيدا عن العنف .
15- أن كبار التابعين تمتعوا بسلطة أدبية لدى الخلفاء و الأمراء و لدى أفراد المجتمع على السواء ، بل لقد دأب كثير من الخلفاء على استقطاب و دهم ورضاهم ، و هو ما أكده (الغزالي) حيث قال : " كان الخلفاء و الولاة في عهد الدولة الأموية يحرصون على استمالة قلوب التابعين و من بقي من الصحابة ، و حريصين على قبولهم عطاياهم و جوائزهم ، و كانوا يبعثون من غير سؤال و إذلال ، بل كانوا يتقلدون المنة بقبولهم و يفرحون به "
16-أن مفهوم الزهد لدى كبار التابعين صار له أكثر من معنى ، ففي حين فهمه البعض منهم على أنه الاكتفاء بالزهيد من متاع الحياة الدنيا ، و اعتزال المجتمع و الحياة ، و الانصراف إلى مماسة المزيد من النوافل التعبدية ، فتركوا ملذات الحياة و بهرجها ، و استهدوا في ذلك بحياة الجيل الأول (الصحابة) التي غلب عليها التقشف و عدم الإكثار من سبل الرفاهية ، و كان هذا التيار يشتد كلما اشتد تيار الترف ، و أقبل المجتمع على الحياة الجديدة ، و في المقابل فهم الزهد عدد كبير من التابعين كان من بينهم كبار الفقهاء على أن لا يسيطر متاع الدنيا على النفس ، و أن يدير كل شئ على ظهر هذه الأرض بحكم استخلافه عليها فيكون سيدا و ليس مسودا . و رفضوا تماما أن يكون الزهد اعتزالا للحياة و ترك الطيبات من الرزق التي أخرجها الله لعبادة ، و حذروا من الإفتاء بتحريمها .. و بينوا أن جيل الصحابة لم يكن عازفا عن عمران الحياة ، و إنما كان يدير حياته وفق الإمكانات المتاحة له .
17- أن قيمة المال لدى التابعين تحددت لا في المال ذاته ، و لكن فيما يجلبه لهم من منافع دنيوية ، و أخروية ، و عدوه وسيلة ابتلاء للإنسان في مدى استقامته في حياته الاقتصادية ، فحذروا من الطغيان فيه ، ووجهوا الناس إلى حسن إدارته ، كما حرص كثير منهم على المال للاستغناء به عما في أيدي الناس و السطلان ، فعملوا بالتجارة و غيرها من الأنشطة الاقتصادية ، و وجهوا الناس إلى العمل و الكسب ، و تحروا فيها الكسب الخلال، كما فرقوا بين الغني و بين ما قد يترتب عليه من طغيان و معاصي ، و رأوا فيه معينا على الاستقامة في الحياة و تقوى الله .
18-و أخيرا يوصي الباحث بأن حياة المجتمع الإسلامي في قرونه الأولى في حاجة إلى دراسات عميقة لتدب فيه روح الحياة ليكون نموذجا يحتذأ للأجيال التالية .
19- و يوصي أيضا بدراسة عميقة لعهد الدولة الأموية دراسة متجردة بعيدة عن المؤثرات أين كانت ، دراسة تقوم على موازين الإسلام دون غيرة من الموازين ، و ذلك لإنصاف تلك الحقبة التاريخية الهامة في تاريخ الأمة الإسلامية للتعرف على كيفية محافظتهم على ثوابت الأمة ، و على كيفية التكيف مع المتغيرات داخل إطار الثوابت .