ملف من اعداد الناصر خشيني


الثورة التونسية ليست وليدة ماحدث ذات يوم 17 ديسمبر 2010 في سيدي بوزيد واحراق الشهيد محمد البوعزيزي نفسه وانطلاق مهرجان غضب امام مقر ولاية سيدي بوزيد أثثه ثلة من الشباب القومي التقدمي اعطوا اشارة الانطلاق لفعاليات الثورة التي اتت اكلها يوم 14 جانفي 2011 بطرد الرئيس المخلوع وعصابته الذين فروا مذعورين من شباب غاضب لم يستعمل من سلاح سوى الحناجر التي لم تكف تطالب برحيل العصابة الفاسدة وصدورهم الغضة الطرية أمام ألة القمع الرهيبة التي استعملها النظام الفاسد في محاولة منه للبقاء ولكن جماهير شعبنا المشحونة من خلال عشرات السنوات من اذلال للانسان العربي في فلسطين ولبنان والعراق وما قاساه هذا الانسان في ظل التجزئة من تخلف وهوان وضياع للهوية وقبول بالامر الواقع الفاسد والظالم عبر تاريخ طويل من النضال انطلاقا من مواجهة المستعمر الفرنسي او من خلال تطوع الالاف من شباب تونس للدفاع عن فلسطين او العراق او من خلال خوض اليوسفيين لمعركة الاستقلال التام و العمل على ترسيخ الهوية العربية الاسلامية التي حاول بورقيبة طمسها لفائدة مشروع تغريبي ليبرالي او نفاق بن علي في المتاجرة بالدين وهو في الواقع عدو لكل نفس عروبي ملتزم بالهوية العربية الاسلامية فكل ما حصل من القوى الوطنية في هذا البلد كان حاضرا وبقوة وفي اذهان شعبنا العربي في تونس وهو في الذاكرة الجمعية لشعبنا عندما انتفض بكل ما يملك في مواجهة اعتى ديكتاتور في المنطقة كانت تراهن عليه القوى المعادية للامة من غرب وصهيونية وقدموا له كل امكانيات الصمود امام ثورة جماهيرنا لكن شباب تونس وقواه الثورية كانت مؤمنة بقدرتها على التغيير وكان ماكان حتى ان المخلوع يوم 14 جانفي 2011 ظلت طائرته تجوب ارجاء المتوسط بحثا عن حجر ياويه وقد تفطن الاوروبيون الى انه لا يمكن خلق حالة عداء مع شعب عظيم اطاح بالمخلوع بتلك الطريقة الحضارية الراقية فلم يقبلوا به احتراما لارادة الشعوب التي لا تقهر وتقبل به الرجعية العربية المتمثلة في سلطة ال سعود للاسف في تحد صارخ لارادة شعبنا
وان هذه الثورة لم تقف عند حدود تونس لانها دفعت بالجماهير العربية الى النسج على منوالها فمنها من نجح مثل اخواننا في مصر ومنها شعوب تامرت عليها قوى الغرب والرجعية لاجهاض ثوراتها والتدخل السافر في شؤونها كما حصل في ليبيا واخرى لا تزال تواصل تحركاتها منذ اشهر كما في سوريا واليمن والبحرين وهاجس التدخل الاجنبي وارد لمنع صنع الربيع العربي وفي هذا الاطار نتوجه الى ثلة من المفكرين العرب سواء في الوطن العربي ام في المهجر لتاثيث هذا الملف المتعلق بالثورة التونسية وبعدها العربي . وقد توجهنا للعديد من الاخوة في مصر وسوريا واليمن وفلسطين وآخرين في المهجر ولكن وصلتنا ردود من الاخ محمد سيف الدولة والدكتور محمد عبد العزيز ربيع واعتذر البقية لظروف تخصهم

محمد سيف الدولة

توالت عدد من الانتصارات التي لم نكن نحلم بها مثل : خلع الرئيس وحل البرلمان وإسقاط البوليس السياسي وإسقاط أو إضعاف قوى الردع
بعد تفجر ثورة تونس ، قامت ذات القوى بتوجيه ذات الدعوة ، فاستجاب عشرات الآلاف ، ثم الملايين .
لا يمكن أن تكون هناك دلالة أقوى من ذلك على فضل الثورة التونسية على كل الثورات العربية .

ونتوجه للمناضل القومي التقدمي محمد سيف الدولة نجل منظر الثورة العربية د عصمت سيف الدولة ليشاركنا في هذا الملف الاول لصحيفة الكرامة التي تصدر يوم 23 جويلية 2011 لنساله عما يلي
--
الناصر خشيني ما هي المقاربة التي ترونها بين ثورة تونس وما يحدث في الوطن العربي ما يسمى بربيع الثورات العربية

قبل ثورة تونس ببضعة أيام قامت القوى الوطنية فى مصر بالدعوة الى وقفة غضب بوسط القاهرة ضد أعمال تزوير الانتخابات البرلمانية واسعة المدى التى تمت فى نهايات شهر نوفمبر 2010 ، ولم يلبى هذه الدعوة سوى بضعة مئات .
ولكن بعد تفجر ثورة تونس ، قامت ذات القوى بتوجيه ذات الدعوة ، فاستجاب عشرات الآلاف ، ثم الملايين .
لا يمكن أن تكون هناك دلالة أقوى من ذلك على فضل الثورة التونسية على كل الثورات العربية .
الناصر خشيني :كيف ترون طبيعة الثورة في تونس والوطن العربي هل هي ذات بعد وطني عروبي ام للأجنبي دور كبير فيها كما نسمع
أما النقطة التالية التي أود أن أركز عليها فهي ما يدعيه بعض المحللين الغربيين بأن الغرب بقيادة الولايات المتحدة يقف وراء هذه الثورات وانه المخطط لها ، ويستندون فى ذلك على بعض الأمثلة والحكايات ، أشهرها هى حكاية ((جين شارب)) منظر معهد ألبرت اينشتين الذي ألف عديد من الكتب المترجمة إلى العربية التى تتناول وسائل النضال بلا عنف إلى الحد الذي جعلهم يضعوه في مكانة الأب الروحي لما يسمى بالثورات المخملية .
وفى احد كتبه الشهيرة أورد 198 طريقة للثورة بلا عنف .
ولكنها لم تتضمن طريقة واحدة مماثلة لمشهد الشهيد محمد بوعزيزى .
انه مثل حي من الشارع العربي الكريم على استقلالية ثورتنا ، التى تأكدت بعد ذلك كثيرا فى مسارها منذ تفجرت حتى يومنا هذا . تأكدت فى مشاركات ملايين البسطاء من خارج النخب ، وفى ابداعتهم الثورية فى ميادين الاشتباك وفى تضحياتهم بلا حدود ، وفى مشروعية مطالبهم البسيطة بعد عصور من القهر والاستبداد . فمسببات الثورة قديمة ومتأصلة ومتعددة ، على العكس تماما من طبيعة التحركات الاصطناعية الزائفة التى يخلقها الغرب ويمولها فى عديد من المجتمعات .
أما اذا أردنا أن نتحدث حديث الوثائق للتدليل على عروبة الثورة والثوار بنسبة 100 % ، فلدينا الاعترافات التى أقر بها الأمريكان فى جلسات مجلس النواب والشيوخ عند تحليلهم لثوراتنا ، حين اعترفوا صراحة بأنهم فشلوا فى منع قيام الثورات العربية ، وأن عليهم الآن ان يفكرون كيف يركبون موجتها ، هكذا بالانجليزى الفصيح وبكل وقاحة ((يركبون موجتها ))
الناصر خشيني:هل ترون ان ما حدث بتونس له امتداد تاريخي من مخزون الغضب الجمعي لدى الشعب العربي في تونس
وماهي برأيكم الأهداف المتماثلة بين ثورتي تونس ومصر لكى نحافظ علىالثورة ونحميها
وهو ما يجب أن ينقلنا إلى النقطة التالية فى هذا الحوار الخاص والحميم ، وأقصد أهمية الحديث عن المنطلقات و المخاطر والأهداف المتماثلة بين ثورتي تونس ومصر لكى نحافظ الثورة ونحميها ، وفى ذلك يمكن ان نحدد ما يلى :
فى الظروف و المنطلقات:
• أن أمتنا لم تنجح على امتداد أكثر من قرنين من الزمان فى استكمال استقلالها الوطني وتحرير كامل التراب العربي المحتل والتابع .
• ولم تنجح منذ الحرب العالمية الأولى بعد أن اقتسمونا كغنائم حرب ، فى هزيمة التجزئة واستعادة وحدتها .
• ولم تنجح منذ الحرب العالمية الثانية وبداية عهد الاستقلال فى مواصلة انتصاراتها ، رغم كل التضحيات الشعبية التى تمت بإرجاء المطالبة بالحقوق الديمقراطية والمعيشية من أجل عيون القضايا القومية والأحلام الكبرى .
• ولما أسفرت الحكاية فى النهاية على ضياع فلسطين ، وتحول إسرائيل الى قطر شقيق واحتلال العراق والعودة الفجة الى عبودية الاستعمار والتبعية ، عادت الناس الطيبة للمطالبة بحقوقها الأساسية التى كانت قد أرجأتها سابقا ، وتقلصت أحلامها الكبرى لتصفصف فى النهاية عن حلم واحد صغير هو (( شوية كرامة )) . هذا هو حالكم وحالنا وحال باقى أهالينا على امتداد الأرض العربية .
• بعد ذلك سنجد أن كل من نظامي بن على ومبارك كانا نسختان متماثلتان من نموذج (النظم/ الدول) العربية التابعة المستبدة الطبقية المتخلفة الفاشلة العتيقة التى يجب أن تسقط ان عاجلا أم آجلا .
• و ان الثورة جاءت مفاجأة للجميع ، خارج توقعات أكثر المحللين تفاءلا ، ومستقلة عن كل التيارات ، و بلا قيادة موحدة ، وركزت بالأساس على التحرر من القهر و الاستبداد ، مع تراجع معظم الشعارات الأخرى المعتادة مؤقتا .
• وان سقوط شهداء فى مسيرتها أدى الى استحالة تراجعها
• وان جماهير الثورة حققت نصرا مؤكدا على قوات الأمن ، فتحرر الشارع من الخوف الى الأبد ، لأول مرة منذ قرون طويلة .
• وأيضا من الخصائص المشتركة ، أن الثوار لم يتمكنوا من إنهاء المشهد بأيديهم وقواهم الذاتية ، فاضطروا أن يستعينوا بصديق على طريقة جورج قرداحى فى برنامجه الشهير من يربح المليون : فلجأوا إلى الجيش ليدير لهم المرحلة الانتقالية ، وهو ما سيتسبب فى التباس كبير لاحقا .
• ثم توالت عدد من الانتصارات التي لم نكن نحلم بها مثل : خلع الرئيس وحل البرلمان وإسقاط البوليس السياسي وإسقاط أو إضعاف قوى الردع ( الأمن المركزى) وتحقيق إشراف قضائي كامل على الانتخابات وإطلاق حرية العمل السياسي للجميع بدون إقصاء وتشكيل الأحزاب وتشكيل نقابات مستقلة وإصدار الصحف وتحرير الإعلام وحرية التظاهر والاعتصام وعقد المؤتمرات وحدوث عملية تسييس شعبي عظمى ، وبشكل عام ميلاد أجواء زخم ثوري هائلة تبشر بتحقيق تغييرات جذرية على مجتمعاتنا وحياتنا فى المدى القريب والبعيد
• ثم هذا الانتشار السريع للحالة الثورية في باقي أقطار الأمة : فى ليبيا وسوريا واليمن والبحرين ...الخ
• ولو اقتصرت الثورة على ذلك ، فستظل انجازا عظيما وتقدميا .
• ولكن هناك أيضا سلبيات كثيرة
• على رأسها بالطبع كان دخول زبانية العالم وأشراره من الأمريكان وحلفائهم على الخط فى ليبيا وسوريا وما أثاره ذلك من ارتباك فى الضمير الثوري العربي .
• وعلى المستوى الداخلي حدثت حالة استقطاب حاد بين القوى السياسية المختلفة ، جاء على رأسها استقطاب خاطئ ، أتصور انه صناعة غربية وهو تقسيم المجتمع الى إسلاميين وغير إسلاميين
• ثم تلى ذلك استقطابات جزئية أخرى داخل كل تيار على حدة
• وأيضا ظهرت على السطح حالة من المنافسة الحادة الشرسة غير الأخلاقية فى عديد من الأحيان بين كافة أطياف القوى السياسية من مؤسسات وشخصيات عامة ، كلها تتصارع على تمثيل الثورة .
• نضف على ذلك حجم الأموال الغربية المهولة التي تم ضخها داخل ما يسمى بالمجتمع المدني والسياسي، والتى استهدفت وفقا لتقارير أمريكية وغربية متعددة ، تأسيس ودعم كتلة ليبرالية غربية موالية للغرب فى مواجهة خطر صعود تيار معاد للمشروع الغربي وإسرائيل ، حددوه فى التيار الاسلامى فى هذه المرحلة ، على ذات الوجه الذى حاولوا عزل التيار القومى من قبل عندما كان بصحة وعافية .
• وبالفعل تشكلت من أجل ذلك كيانات جبهوية تجمع داخلها شخصيات وتيارات من كافة الأطياف السياسية تحت قيادة رجال أعمال واعتمادا على تمويلهم وتمويل الأمريكان ضد كل من يحمل مشروعا مناهضا للمشروع الاستعماري الغربى .
• تزامن ذلك مع حالة من إنهاك المجتمع فى حوارات وصراعات مستمرة حول قضايا افتراضية و مختلقة أو هامشية لإبعادها عن القضايا الأخطر والملفات الحقيقية .
• ساعد على ذلك سيطرة عدد رجال الأعمال على معظم المنابر الإعلامية الصحفية والفضائية ، والتحكم فى الحملات السياسية وفى فيما ينشر أو يحجب من أخبار ومعلومات ، وبدأت عمليات صناعة وإبراز وتلميع شخصيات و أحزاب بعينها ، مقابل التجاهل او التشهير بآخرين
• وكله وفقا لمصالح الخواجات و قوى النظام القديم .
• وفى هذا المولد الاعلامى ، تضاءلت صورة وتأثير البرامج الثورية الحقيقية ، بكل أهدافها التي ((هرمنا )) من اجلها جميعا .
• وفى مصر على سبيل المثال هناك ثلاثة بقرات مقدسة ممنوع الاقتراب منهم إعلاميا وسياسيا وهى التحالف الاستراتيجي مع الأمريكان ((التبعية الإستراتيجية )) والسلام مع الصهاينة وسيطرة القطاع الخاص المصري و الاجنبى على الاقتصاد تحت مسمى (الاقتصاد الحر)
• وانتشر شعور بالتوتر والاكتئاب والعزلة والغربة وبأن الثورة تسرق ، وتفشت كل أعراض وأمراض النظم الليبرالية وقوانين المنافسة القاتلة التي تحكمها والتي تنتصر فى أغلب الأحوال للقوى الرأسمالية
* * *
الناصر خشيني:ماهي برايكم المهمات الملحة لحركة الثورة العربية شعبيا وسياسيا واعلاميا حتى تحقق الثورة اهدافها:
على المستوى الشعبي : أتصور أن الأولوية القصوى الآن يجب تكون هي تنظيم الجدل الاجتماعي الشعبي ، أي تنظيم كل الناس في كل مكان فى لجان ومؤسسات شعبية : فى القرى والأحياء والمساجد والكنائس والمدارس والجامعات ، مؤسسات شعبية غير حزبية تكون مهمتها : توعية الناس وتثقيفهم وتربيتهم سياسيا وعقائديا ووطنيا ، وتشبيكهم معا ، وتدريبهم على الحوار والتفاعل حول أحوالهم واحتياجاتهم ، وتدريبهم على مهارات المطالبة بحقوقهم ووسائلها ، وتمكينهم من مراقبة العملية السياسية ومراقبة النظام والأحزاب والشخصيات السياسية ورجال البرلمان ..الخ ، وتجهيزهم للدفاع عن الثورة فى حالة الردة والانحراف ، فهم الضمانة الحقيقية لاستمرار الثورة .
وهو ما سيساعدنا نحن أيضا على تطوير أنفسنا والتحرر من كثير من أمراضنا السياسية والتنظيمية والذاتية ، والكف عن الصراع والمنافسة الداخلية وسنتمكن من توسيع قواعدنا الجماهيرية والشعبية وضخ دماء جديدة إلى تياراتنا ، والنجاة بأنفسنا من حالة التزاحم المقيت القائمة الآن بين غالبية الشخصيات العامة على تمثيل الثورة والظهور في الصورة و الجرى وراء المواقع والمراكز التي خلت بسقوط النظام القديم .
* * *
على المستوى السياسى : أتصور ان من واجبنا الآن ان نستفيد من أجواء الحرية الواسعة التى صنعناها بثورتنا فى نشر و تقديم (( حقيقة مشروعنا الاستقلالى الوحدوى )) الى جماهير شعبنا .
فلم يعد هناك قيود من الأمن أو من القوانين على الانتشار والحركة والدعوة والاستقطاب .
كما ان ثقتنا فى صلابة هذا الطرح ، وإخلاصنا فى الدعوة اليه ، فى ظل أجواء حرية حقيقية ، ستقود باذن الله الى أن تصبح الوحدة العربية مطلبا شعبيا حقيقيا .
ان الحرية والعدالة بدون الاستقلال سيعودان بنا الى نظم بن على ومبارك مع بعض التحسينات .
وان الاستقلال بدون الوحدة مستحيل .
ان هذا الفهم يجب أن يترجم فى الاصطفاف مع كل التيارات والجماعات والقوى والشخصيات المعادية لهذا المشروع .
فلا يجب أن ننجر الى اصطفافات ليبرالية على طريقة ومدرسة ((المناشفة)) فى روسيا قبل ثورة 1917 حين اختاروا أن يعملوا تحت قيادة الرأسمالية الروسية لانجاز مرحلة الثورة البرجوازية الديمقراطية .
كثيرون فى مصر وقعوا فى هذا الخطأ ، وأتمنى أن لا يكون ذات الشىء يحدث فى تونس .
* * *
على المستوى الاعلامى : علينا أن نفكر جديا فى تأسيس منابرنا الإعلامية المستقلة : ومن امثلة ذلك تأسيس صحف محلية فى كل الجهات ، وعمل شركات مساهمة لتأسيس صحف مركزية لا تخضع فرد او بضعة اشخاص ، وان ننقل تجاربنا فى الصحافة الجامعية ، صحافة الحائط الى احيائنا ومساجدنا , قرانا وأن ندفع بشبابنا الى العمل فى مجال الاعلام الفضائى بكافة فروعه .
الناصر خشيني :الكلمة الاخيرة لكم
كانت هذه بعض الأفكار التى نتحاور حولها الآن فى مصر وسط جريان سريع ومتلاحق للاحداث ، يتغير كل يوم ، وددت أن اشارككم بها عبر جريدتكم الوليدة المبشرة التى نرجو أن تكون لسان حال كل الشعب العربى : فى تونس وخارجها وليس لسان حالنا النخبة السياسية فقط .
وفقكم الله وسدد خطاكم

الدكتور محمد عبد العزير ربيع فلسطيني يعيش بامريكا

خلقت الثورة الشعبية في تونس نموذجا جديدا للحراك الشعبي وطريقة مبتكرة لتمكين الجماهير المكبوتة والمضطهدة من استرجاع حريتها والتعرف على طريق الحرية والسير عليها بجرأة متحدية كل العقبات
القضية الفلسطينية كقضية شعب ووطن وحق إنساني وتاريخي فقد استفادت من ثورة تونس التي مهدت الطريق لثورة مصر، إذ فقد العدو الصهيوني أهم شركائه بين الحكام العرب وأكثرهم عداء لشعوبهم.

-- محمد عبد العزيز ربيع الذي ولد في يازور/ يافا، وعاش بضع سنوات من طفولته في مخيم عقبة جبر وذلك قبل الانتقال إلى مدينة أريحا. تخرج من مدرسة هشام بن عبد الملك الثانوية في أريحا، وتابع دراسته الجامعية والعليا في جامعات مصر وألمانيا والولايات المتحدة الأمريكية. حصل الدكتور ربيع على عدة منح دراسية من جامعات ومؤسسات علمية وثقافية من كل الدول التي درس فيها، كما حصل على درجة الدكتوراه في الاقتصاد من جامعة هيوستن في تكساس عام 1970. قضى معظم حياته في التدريس الجامعي، حيث عمل أستاذا في عدة جامعات عربية وأجنبية، من بينها جامعة الكويت وجامعة الأخوين في المغرب، وجامعتي جورج تاون وجونز هوبكنز في واشنطن، وجامعة ايرفورت في ألمانيا، وحاضر في أكثر من سبعين جامعة عربية وأمريكية وأوروبية ومعاهد دراسات إستراتيجية عربية وغربية، كما شارك في عشرات الندوات والحوارات العلمية والثقافية في أكثر منخمسين دولة.
نشر الدكتور ربيع 24 كتابا حتى الآن، 17 منها بالعربية والباقي بالإنجليزية. كما نشر عشرات الدراسات العلمية في مجلات عربية وأمريكية وألمانية، ومئات المقالات الصحفية. من بين كتبه بالعربية: هجرة الكفايات العلمية، الاقتصاد والمجتمع، الوجه الآخر للهزيمة العربية، صنع السياسة الأمريكية والعرب، المعونات الأمريكيةلإسرائيل، الحوار الفلسطيني الأمريكي، صنع المستقبل العربي، القيادة وصنع التاريخ، والثقافة وأزمة الهوية العربية. للدكتور ربيع أيضا قصة بعنوان "رحلة مع القلق" ورواية شعرية بعنوان "قطار الزمن" ومجموعة شعرية بعنوان "خريف الذكريات"، وأخرى بعنوان "إطلالة على البحر". كما له روايتان "هروب في عين الشمس" و "مملكة جهلواد"، وكتاب بالإنجليزية ينتظر النشر.
وقد توجهنا اليه بالاسئلة التالية باعتباره فلسطينيا يعيش بالمهجر ويراقب عن كثب ما يحدث في وطنه العربي
1 ماهو برأيكم دور الثورة في تونس في صنع ربيع الثورات العربية
إن نجاح الثورة العربية في تونس ومصر، وانتقال عدواها الزكية إلى مختلف الأقطار العربية يجعل مطالبها بالحرية والمساواة والعدالة الاجتماعية والمشاركة الشعبية في الحكم بداية لحقبة جديدة من حياة الأمة العربية، حقبة تعيدها مُجددا للمساهمة الفاعلة في صنع التاريخ الحضاري للإنسانية. إن مطالب هذه الثورة هي أسباب قيامها، وإن أسباب قيامها هي أهدافها الرئيسية، وإن أهدافها هي الإطار الذي يحدد شكل ونوعية الأدوات التي ستستخدمها لإعادة بناء الواقع الحياتي لكل شعب، وإعادة تشكيل المستقبل العربي برمته. إذ تشير دلائل انتقال عدوى الثورة من قطر لآخر، وقيام كل شعب بتقليد من سبقه على مضمار التحرر والتخلص من أنظمة البطش والاستبداد إلى قناعة الجماهير بأن مظالمها واحدة، ومطالبها الإنسانية واحدة، وأعدائها يقفون معا في صف واحد مُصرين على مصادرة حقوقها وتزييف إرادتها.
إن ضعف كل قطر عربي مهما كان لديه من ثروات طبيعية وبشرية يجعل الوحدة الاقتصادية وتجميع الإمكانيات العلمية أداة النهضة في عصر العولمة والمعرفة، ويجعل الوحدة السياسية حول المواقف من الأصدقاء والأعداء هو السبيل الوحيد لتمكين الأمة العربية من الاستحواذ على مكانة دولية تليق بها وتتناسب مع حجمها وإمكانياتها المادية والبشرية، ويجعل بناء نظام أمن عربي مشترك هو الضمانة الوحيدة لصيانة الانجازات في مختلف المجالات ومواجهة التحديات الخارجية والداخلية التي تستهدف أمن الوطن العربي وحرية المواطن ومستقبل الإنسان فيه. وفي غياب وحدة سياسية وتكامل اقتصادي ونظام أمن مشترك تصبح حرية كل قطر عربي منقوصة، وقدرة كل شعب على حماية ديمقراطيته ضعيفة، وتغدو نهضته قابلة للانحسار والإنكسار بسهولة.
2 هل غيرت ثورة تونس من طريقة تعامل الغرب مع العرب عموما وهل تغيرت نظرتهم
للعرب بعد هذه الثورة المجيدة لشعبنا

مما لا شك فيه أن نظرة الغرب للعرب تغيرت بعد ثورتي تونس ومصر، ولقد جاء هذا التغير بعد أن نجحت الشعوب العربية في تغيير صورتها امام العالم كله، حيث أثبتت ثورة تونس أن العرب ليسوا قطعانا من الغنم تساق إلى المراعي في الصباح وإلى حظائر قذرة في المساء وإلى المذابح في المناسبات. لقد أثبت العرب أنهم أمة تحب الحياة وتعشق الحرية، وأنها غُيبت عن مكانها تحت الشمس طويلا بسبب ما تعرضت له على مدى قرون من كبت وظلم وحاجة على يد قوى استعمارية غربية وحكام فاسدين وقاصرين سخروا أنفسهم لخدمة أعداء الأمة حفاظا على مواقعهم الاجتماعية وامتيازاتهم الاقتصادية. ومع تغير النظرة الغربية للعرب تبدلت مواقف النخب السياسية والثقافية، وأصبح لزاما على كل من يريد التعامل مع العرب من قوى أجنبية أن يصغي لصوت الشعوب العربية ويأخذ مصالحها في الحسبان.
3 هل يرى الدكتور ان الثورة في تونس حققت اهدافها محليا وعربيا
وفي الواقع، خلقت الثورة الشعبية في تونس نموذجا جديدا للحراك الشعبي وطريقة مبتكرة لتمكين الجماهير المكبوتة والمضطهدة من استرجاع حريتها والتعرف على طريق الحرية والسير عليها بجرأة متحدية كل العقبات. إن المنظمات الغربية غير الحكومية التي تنشط في مجالات التنمية وحقوق الإنسان، خاصة حقوق المرأة تتكلم دوما عن وسائل لتمكين المرأة والفقراء من الاستحواذ على أسباب القوة في المجتمع كخطوة أساسية لتحريرهم واستعادة حقوقهم. ومن أجل ذلك قامت العديد من تلك المنظمات، بدعم رسمي وشعبي غربي، برسم برامج تدريب مهنية وتقديم معونات مالية ودورات تدريب على أساليب القيادة حتى تتمكن تلك الفئات المجتمعية المهمشة من معرفة حقوقها واستعادتها تدريجيا. لكن ثورة تونس وثورة مصر جاءتا لتقول للعالم إن تمكين المهمشين والمضهدين والمحرومين تأتي من خلال العمل الجماعي القائم على مشاعر ومظالم وأهداف مشتركة. إذ من خلال النزول إلى الشارع استطاعت جماهير الشعب من تجاوز حواجز الخوف، وهذا هو التمكين بعينه.. تمكين ابناء الشعب بعضهم لبعض من خلال النزول سويا إلى شوارع وساحات معلنين أنها ملكا لهم، وأنها جزءا من وطنهم، وليست ملكا لحاكم ولا مستعمر أو عميل أو ثري استمرأ استغلال الغير والتسلق على أكتافهم.
إن من يستعرض ثورات الشعوب التي سبقتنا على مضمار التحرر سوف يكتشف أن الثورة العربية تختلف عن كل ما سبقها من ثورات. لقد جاءت هذه الثورة دون قيادة سياسية أو حزبية، ودون قيادة فكرية أو تقليدية، وحتى في غياب رؤية عقائدية أو فلسفة مجتمعية جامعة، كما وأنها تمت بطريقة سلمية خارج أطر الانقلابات العسكرية. لقد استطاعت الحركة الشعبية التي تجتاح الوطن العربي اليوم أن تهزم أعتى الأنظمة وأكثرها بطشا وظلما عبر التاريخ الحديث دون سلاح، سوى سلاح الإيمان بالنصر على الظلم والقهر والاستغلال والتهميش. إن قيام تلك الثورة دون قيادة جاء بسبب لجوء أنظمة الحكم العربية عامة إلى العمل بمثابرة على الحيلولة دون بروز قيادات شابة على أي مستوى وفي أي مجال من مجالات الحياة العامة. فالشخصيات المؤهلة للقيادة ولديها الثقة بالنفس لتحمل مسؤوليات العمل في المجتمع لا تأتي صدفة، ولا تنزل من السماء كالغيث، ولا تولد وحول عنقها وسام شرف. وخلافا للقيادات الفردية التي يأتي معظمها صدفة، تولد القيادات الحقيقية وتنمو وتتدرب وتنضج ببطء في ظل بيوت ومدارس وجامعات ومؤسسات سياسية وحزبية واقتصادية ومالية وروابط طلابية ونقابات عمالية واتحادات مهنية على مدى سنوات طويلة تمر خلالها بتجارب حياتية كثيرة، متنوعة ومعقدة. إذ من خلال التدرج من العمل الطلابي مثلا إلى العمل النقابي والاجتماعي، ومن النشاط الطلابي إلى النشاط الحزبي والتنظيم السياسي، ومن الإدارة المهنية إلى الإدارة الاقتصادية والمالية يصبح بالإمكان استيعاب فنون الإدارة ومهارات القيادة واحترام مبادئها، ومن بينها بالطبع مبدأ تداول المراكز القيادية.
بالرغم من أن العرب جميعا كانوا يتوقون للحربة ويشعرون بالكبت والظلم والتخلف وحاجتهم الماسة للتنمية والنهضة واللحاق بركاب العصر علميا وتكنولوجيا وثقافيا، إلا أن الخوف كان يسيطر عليهم ويحول دون قيام أي شعب بالتحرك مطالبا بحريته. لكن ثورة تونس الشعبية جاءت لتحطم حواجز الخوف وتتجاوزها معلنة ميلاد ربيع عربي لديه القدرة على شق طريق الحرية وإرساء أساس جديد لدور الشعب في حياة المجتمع. إذ قام الجيش التونسي بدور ريادي غير مسبوق في عالمنا العربي أثبت من خلاله عمليا أنه يتمتع بالوعي وروح المسئولية، وأنه ابن الشعب الأمين، وحامي الوطن، ومُدافع صلب عن حرية الجماهير وكرامة الإنسان.
بالرغم من نجاح كل من الثورة التونسية والمصرية في تحقيق هدفها الأول والأهم، وهو التخلص من الحكم الفردي ومؤسسات البطش، إلا أنه ليس من السهل القضاء على الفساد المستشري، ومحاصرة القوى الرأسمالية المستغلة والمتحكمة في الاقتصاد، ومواجهة تحديات العصر، وبناء مجتمع عصري ديمقراطي بسهولة. ولذا نلاحظ أن معظم الثورات في العالم لم تحقق كل أهدافها إلا بعد حين. ولهذا علينا أن نصبر، ولكن لا بد وأن يأتي الصبر بناء على وعي ومن أجل تحقيق برنامج طموح يتم وضعه الآن وقياس التقدم بمقدار ما يتحقق على الطريق سنة بعد أخرى. وإذا كانت الثورة التونسية لا تزال تعيش مرحلة صعبة، وأنها لم تزال عاجزة عن رسم خارطة طريق توصلها في النهاية إلى أهدافها الوطنية والعربية، إلأ أنها حطمت اسطورة الخنوع الشعبي العربي، وفتحت صفحة جديدة في علاقة النظام بالشعب، وجعلت النظام العربي الذي ساد في عام 2010 جزءا من تاريخ مضى ولن يعود. وبهذا الانجاز وحده يمكن القول أن شعب تونس وجيش تونس أرسى أساسا إنسانيا لتاريخ عربي جديد.
4 كيف انعكست الثورة في تونس على القضية الفلسطينية في علاقة بالاحتفال النوعي غير المسبوق بذكرى النكبة او المصالحة الفلسطينية الفلسطينية--

وبالرغم من استفادة الشعوب العربية عامة من ثورة تونس ومسيرتها السلمية الحضارية، إلا أن الشعب الفلسطيني كان أقل الشعوب العربية استفادة من تلك الثورة. فالشعب الفلسطيني يواجه أكثر من عقبة صلبة تجعل حركته شبه مكبلة، على الأقل في ظل الظروف الراهنة. فهناك عدو صهيوني تقف خلفه القوة العظمى الوحيدة في العالم، وذلك بعد أن نجحت الصهيونية العالمية في استعمار عقول الشعوب الغربية عامة والشعب الأمريكي خاصة، وتحويل أمريكا إلى دولة تابعة لها تأتمر بأوامرها. وهناك فريقين يحكمان الشعب الفلسطيني، أحدهم فاسد وعاقر لم يحقق انجازا واحدا في حياته ولم يفرز مثقفا واحدا، والثاني أدار وجهه للتاريخ والعصر وأمر الشعب أن يسير خلفه في دهاليز تاريخ اندثر ولم يعد له أثر، يحاول البحث عن كنوز لا وجود لها. وفي الواقع، جاءت فكرة المصالحة بين فتح وحماس كمحاولة للقضاء على احتمالات حصول انتفاضة شعبية سياسية في فلسطين كما حدث في تونس ومصر. أما القضية الفلسطينية كقضية شعب ووطن وحق إنساني وتاريخي فقد استفادت من ثورة تونس التي مهدت الطريق لثورة مصر، إذ فقد العدو الصهيوني أهم شركائه بين الحكام العرب وأكثرهم عداء لشعوبهم.
إن ثورة الشباب العربي في تونس ومصر وليبيا واليمن حققت قفزة حضارية غير مسبوقة، كان من الممكن أن تستغرق جيلا كاملا مع توفر الوعي لدى القائمين على العملية التربوية. لقد خلقت الثورة تلاحما بين الشباب من كلا الجنسين جعلهم يتجاوزون الخلافات الطائفية والطبقية والجنسية العدمية، ودفعهم إلى الإحساس بأنهم في سفينة واحدة اسمها الوطن.. سفينة تتعرض لعواصف شديدة تجعل وصولها إلى شاطئ الأمان صعبا للغاية دون تعاون ركابها وتكاتفهم وتقاسم التضحيات. وهذا خلق إحساسا قويا لدى كل ثائر تونسي ومصري وليبي ويمني بأنه جزء لا يتجزأ من سفينة الوطن، مما دفعه إلى الشعور بأن الوطن جزء لا يتجزأ منه. نتيجة لذلك رأينا الشاب المصري والتونسي والليبي واليمني من كلا الجنسين يقوم بتنظيف الساحات والشوارع وحماية الأحياء ومساعدة المحتاجين. وهكذا، بعد أن كان الشباب العربي يقف ذليلا في صفوف طويلة أمام السفارات الأجنبية يستجدي فيزا للسفر وهجرة الوطن، قام الكثيرون من المهاجرين بالعودة إلى الوطن ليكونوا في خدمته. وهذا يلقي مسئولية كبيرة على عاتق القيادة السياسية القادمة لخلق المؤسسات المجتمعية وتوفير البيئة الاجتماعية والعلمية لتنمية هذه الروح وتوظيفها لإحداث تحولات ثقافية واسعة تمهد الطريق لحدوث نهضة عربية حضارية شاملة طال انتظارها.