بسم الله
السلام عليكم


الق ق ج بين النقــد و اللا نقـد



لا أشد ما يحزن القلب هذا الذي أصبحنا نقرأ من تعليقات خالية من النقد و الفائدة . والمليئة بالمجاملات إلى درجة التخمة . و السؤال هل بهذه التعليقات الفجة البائسة، سنعد القاص البارع ، و نكتشف أغوار هذا الفن الجميل ؟

الذي ينبغي أن ُيعرف و بدون مواربة و لا تردد أنّ كلّ تعليق خال من النقد البناء، هو معول هدم ليس إلا : هدم للقاص ، و لموهبته ، و هدم فوق هذا لكلّ المواهب الأخرى المتطلعة للكتابة في هذا المجال . أوضح كلامي .

حين أقرأ تعاليق حول نصوص، لا تمتّ لفن القصة القصيرة جداً بأي صلة ، فأجد من التعابير ما يبعث على الغثيان من قبيل : (هذا رائع ، أبدعت و تفوقت ــ كل ما في النص راقني، نص معبر عن عمق الذات ـــ هكذا تكون القصة القصيرة جدا لغة و تركيبا و أسلوبا ..أنت دائما في تألق ، استمر في عطائك الشيق.... ) هذا ليس نقداً ، و كل ما هو على منواله بعيد عن النقد . هذا ضحك على الذقون، و بلغة الصّراحة يدل دلالة واضحة أنّ صاحبه بعيد كلّ البعد عن الاتزان و الموضوعية ، و هو يسئ حتما و لا يفيد ، و الأجدر ألا يكتب إن كان و لابد أن يكتب كلاماً لا يعتد به .
فمن خلفيات و نتائج ذلك :
ــــ سيشعر الكاتب أنه أبدع ، و أصبح مبدعاً، و يعتمد أن يسير وفق ذاك النهج.
ــــ و من جهة أخرى يغري الأخرين المبتدئن أن ينتهجوا نهج ممدوحه .

و في جميع الأحوال يصبح كالمنادي على بضاعة معلناً عن جودتها و هو لا علم له بها .و ذاك لعمري الخطأ الأكبر ... لطالما لمّحنا و أشرنا إلى هذا ، و لطالما حذرنا من عملية الكتابة الابداعية ، و أنها صعبة و ليست سهلة .و أن لا بدّ أن تصاحبها عملية نقدية . و لكن في غياب ذلك استسهل الناس هذا الفن، و كثر هذا الغثاء وعم ، فكلّ من كتب جملتين . عرضهما و تلقى عبارات المجاملة السّخية بدون تحليل و لا نقد . فهذا المسعى غير النبيل و لا المقبول...ينبغي أن نضع له حداً . فمن أراد أن يجامل و ينافق صاحبه فهو حر و لكن ليفعل ذلك على الخاص و يبقى أمرهما فيما بينهما .لأننا لسنا على استعداد أن نقرأ كلام مجاملات .. و جعجعة و لا طحين . أما من يكتب ما ينفع الناس من نقد و تحليل و توجيه .. فنحن نرحب به بل نشجعه و نبارك عمله ...
و هذا لا يعني أبداً الحد من حرية التعبير . الآراء ينبغي أن تكون حرّة و لا حجر عليها، و لكن هنا، ينبغي أن تكون في سياق نقــــد بنـــاء.

قد يقول البعض : إنها مجاملة ضرورية من باب التشجيع و الملاطفة .....فليعلم كلّ من يؤمن بهذا ، أنّ الأدب بخاصّة و الفن عامّة لن يرقى و يسمو إلا بالتوجيه السديد و النقد البناءالعتيد...و الذي لا يطيق النقد ، يكتب لنفسه . و يحتفظ بكتابته . أمّا إذا امتلك جرأة النشر ــ و هذا جميل ــ ، فعليه أن يستعد لسماع الرأي الآخر فيما كتب. و ليس دائماً سيسره ما سيقرأ . و لكن إذا استأنس بالنقد ، و أدرك قيمته ، و لم تأخذه العزة بالعناد و المكابرة ، و المشاكسة و الجهل... و رحب بالآراء الأخرى محاوراً و متفهما ًو واعيا ...سيحرق ــ لا شك ــ المسافة للوصول إلى ما يريد، و يدرك مبتغاه في الإنتاج المشرف . و الفن الرفيع .

حقاً ، ما آل إليه أمر الإبداع من فوضى ، يعود أساساً لغياب ثقافة النقد و الحوار...و لكن يمكن رفع التحدي بالإيمان بالنقد و ضرورته، و اعتماد الحوار وشفافيته ..فبذلك نكسب الرهان . فما يعيشه العالم العربي الآن، من أسبابه الهامة و الأساسية ، غياب النقد الوجيه ، و انعدام الحوار الناجع .

و في الختام الاحترام كل الاحترام للمتلقي الذي يقرأ نصاً و يبدي محاسنه ، و يكشف عيوبه و مثالبه، بحكمة و موعظة حسنة . بل الاحترام حتى للذي يكتفي بالقراءة و يمر، لأنه لم يجد شيئاً يقوله كنقد أو توجيه أو تساؤل .. و لكن الاستياء كل الاستياء من أي معلق دأبه المجاملة، و الكلام الفضفاض ، الذي يعني و لا يعني شيئاً ....ويسيء و لا يفيــد . و كفى بعمله هذا فساداً و بيلا..

و ينبغي أن نتذكر دائماً قوله تعالى : (( فأمّا الزّبد فيذهب جفاء و أمّا ما ينفع النّاس فيمكث في الأرض. )) سورة الرعد / 17


خالص تحياتي / مسلك