غلاء الأسعار.. وحماية المستهلك
د. لطفي زغلول
www.lutfi-zaghlul.com

تعاني الضفة الفلسطينية ومعها قطاع غزة من أوضاع إقتصادية غاية في الصعوبة، وذلك جراء الأوضاع السياسية المفروضة عليهما، ويلعب الإحتلال الإسرائيلي دوره الرئيس في تجسيد هذه الأوضاع.
حينما نتحدث عن الأوضاع الإقتصادية، يبرز أمامنا عامل هام يتمثل في تدني الدخل، وبخاصة دخل غالبية فئة الموظفين في كافة الأراضي الفلسطينية، وإذا ما أضيف إلى هذه الفئة فئات أخرى من المواطنين، وبخاصة تلك الفئة التي لاتجد ملاذا لها إلا في ما تقدمه لها الشؤون الإجتماعية، فإن الصورة تكبر وتكبر إلى درجة خطيرة لا تحتمل.
والفئتان الأولى والثانية تشكوان على الدوام من تدني مدخوليهما، وأنهما لا يكفيان. إن هذا المدخول لا يكفي بأي شكل من الأشكال. هناك مصاريف عدة تبتلع هذا المدخول. هناك السكن، المدارس، الجامعات، الملابس، الأكل، الدواء، الماء والكهرباء. أخيرا لا آخرا الضرائب، ويبقى هذا المدخول عاجزا كل العجز عن تلبية هذه المصاريف في الظروف الحالية.
إلا أن هناك عاملا آخر يفترس الكثير الكثير من هذا المدخول الشحيح، إنه غلاء الأسعار، وارتفاعها الذي لا يقف عند حد من الحدود. هناك غلاء جنوني، وغير مبرر في ارتفاع أسعار كثير من السلع الإستهلاكية الأساسية.
هناك أشكال عدة لارتفاع الأسعار والغلاء المستمر، هناك الغلاء وارتفاع الأسعار الموسميان. مثالا لا حصرا موجة الغلاء التي تصاحب قدوم شهر رمضان المبارك، والتي لا يملك المواطن إزاءها إلا التذمر والشكوى، والوقوف عاجزا عن تلبية ما يفترض أن يلبيه، أو أنه يلجأ إلى اختصار مشترياته اختصارا شديدا، وشد الحزام على نفسه وأفراد عائلته.
هنا يحضرني الحديث عن كثير من حكومات البلدان التي تعاني شعوبها ضائقة إقتصادية. لقد استنت هذه الحكومات قوانين تمنحها صلاحيات دعم المواد الإستهلاكية الأساسية. السؤال الذي يفرض نفسه هنا: أين نحن من هذه الحكومات، ومن هذه القوانين؟. في اعتقادي أننا مقصرون تقصيرا كبيرا في هذا المجال الحيوي، والذي يفرض أن نتحرك بسرعة فائقة لسد كل فراغاته.
إلا أن الأخطر من هذا وذاك كله يتمثل في أن المواطن المسكين يتعرض في أحيان كثيرة إلى عمليات احتيال وخداع وغش في ما يحصل عليه بشق الأنفس من مواد إستهلاكية أساسية. إنها حرب إقتصادية تشنها عليه فئة من "تجار" لا ضمير لها ولا إحساس بالمسؤولية العامة. في هذا الصدد يفترض أن توضع تسعيرة البضائع عليها، وتكون واضحة للعيان.
مثالا لا حصرا، كم من تواريخ صلاحية شطبت عمدا، أو أنها تم تزويرها؟. كم من أغلفة بضائع تم تغييرها، وإضافة تواريخ صلاحية جديدة لها؟.كم من طحين فاسد وصل إلى الأفران، وتحول إلى خبز منزوع العافية؟.كم من مواد استهلاكية أساسية منتهية الصلاحية وجدت طريقها إلى الأسواق، وبيعت وهي لا تصلح للإستهلاك الآدمي؟.
كم من لحوم، وأسماك، ودواجن صودرت، أو لم يكتب لها أن تصادر وتتلف؟. كم من فواكه وخضروات لم تحظ بأدنى قدر من المراقبة؟. كم من أدوية فاسدة تناولها المرضى، ولا يعلم إلا الله وحده ماذا كان مصيرهم؟. وكم وكم وكم؟. وهذا غيض من فيض.
في ذات السياق، ثمة ملاحظة على قدر كبير من الأهمية تتعلق بالنظافة. المقصود بالنظافة، نظافة المحال التجارية التي تبيع مواد غذائية جاهزة، أو أنها تصنعها. لاتقف قضية النظافة عند هذه الحدود، إن نظافة عمال هذه المحال أساسية، وأقل ما يمكن أن يقال أن يكون لها ملابس خاصة بها.
إن الشعب الفلسطيني يستحق أعلى درجات الإهتمام بكل ما يستهلكه من مواد، ومراقبتها قبل أن تغزو الأسواق، ونحن بهذا لا نأتي بجديد. هناك كثير من بلدان العالم الراقي والمتقدم تحمي مواطنيها المستهلكين. هناك جمعيات حماية المستهلك المختلفة والمتعددة التي تعمل ليلا نهارا لحماية المستهلك بهدف ألا يقع فريسة للغش والإستغلال، والخداع. وهي لا تتوانى عن تقديم المشورة والخبرة له.
إن المواطن الفلسطيني وهو يسعى إلى تأسيس دولته، وتحريره من الإحتلال، يتطلع أيضا إلى تحريره من الإستغلال الإقتصادي، ومن غول الغلاء الذي يستنزف جهوده، ويمتص عافيته وصحته، وينكد عليه عيشته، ويحبطه. إنه يطالب بإلحاح أن يكون هناك دعم حكومي للمواد الإستهلاكية الأساسية.
إن هذا المواطن الفلسطيني يطالب بإلحاح أن يكون هناك المزيد من المراقبة في مجالي المواصفات والمقاييس، والتشدد في فرض نظمها وقوانينها. إنه يطالب، وله كامل الحق في ذلك، أن يشعر بالأمن الإستهلاكي. أن يستهلك وهو مطمئن إلى جودة ما يستهلكه أيا كان شكل هذه المادة المستهلكة. أن يشعر أن ليس هناك من يتقصد الضحك عليه، أو يستغله على صعيدي الجودة، أو السعر.
في هذا السياق،لقد اعتادت بعض المؤسسات مشكورة أن تناشد التجار أن يتحلوا بالرأفة والرحمة وعدم الإستغلال في بعض المناسبات. إلا أن هذه المناشدات قد ثبت عدم جدواها، كونها تأتي روتينية، وكون المعنيين لا يعيرونها أي اهتمام.
أخيرا لا آخرا. إن المطلوب هو فرض أنظمة وقوانين تخص الإستهلاك، وكافة البضائع التي تنزل إلى الأسواق، وتحديد العلاقة بين المستهلك والتاجر، وعدم الإكتفاء بفرضها، إن كانت موجودة، وإنما تفعيلها، ومتابعتها.
ساعتئذ فإن التاجر المخالف لهذه الأنظمة والقوانين يعرض نفسه للمساءلة القانونية، سواء فيما يخص الجودة، أو الأسعار التي يفترض أن توضع على كل بضاعة، أو التلاعب بتواريخ الإنتاج والصلاحية.